هاهو الشتاء وهاهي زخات أمطاره تنقر على زجاج نافذتي، وكأنها تعلن لي بدء موسم الفرح العتيد... صوت تساقط قطراته على سقف غرفتي يغمرني بأحساس دفين..تك،تك،تك ..موسيقى حزينة ،شفافة هي ومرهفة تنساب ألى اذني انسيابا ،وترنيمة عذبة هي تخترق مسمعي ،فتنتعش بذلك نفسي ..وينبعث داخلي نشاط جديد ، ويعتريني شعور غريب لكنه جميل،يرحل معه فكري الى عوالم أخرى ،زاخرة بترانيم حبلى ..بالطهر والصفاء والشفافية والهدوء... وكم يعتريني العجب وأنا أسمع شكاوي الناس من فصل الشتاء ..فهذا يتذمر من الجو المطير ،وذاك يشكو من تكهرب السماء،وآخر يعاني كآبة ومللا ورتابة سرعان ما يخلص نفسه من احساسه هذا بالارتماء وسط أحضان فراشه الدافئ يغط فيه بالنوم العميق.. في أعماقي ،كنت أبحث عن سر ارتباطي بفصل الخير والمطر والثلج والبرد،فلم اتوصل الى كنه حبي له دون فصول السنة الاخرى وخاصة فصل الصيف الذي يخنقني بقيظه وحرارته، ويخلق في نفسي السأم والملل،الا اني خمنت مع نفسي وفكرت ،قد يكون ميلي اليه نابعا من طبيعتي المرهفة،واحساسي الرقيق،وروحي الحالمة ..وقد يعود لحاجتي الى الهدوء والسكينة... ولا اغلو ان قلت ،ان فرحي يبدو كبيرا والسماء تستقبلني بحفاوتها المعهودة..فتصب علي من خيرها ما شاء لها ان تفعل، وأنا بخماري المسدل على كتفي ،لا مطرية اتقي بها ولا غطاء احتمي به،فأترك لها نفسي على سجيتها، تغسلني أنا والأرض معا وكانني أحسها تغسلني من كل الأدران والعقد التي تراكمت بنفسي خلال الأيام الخالية... هاأنتذا أيها الشتاء، تحل ضيفا عزيزا علي ..تزورني ومعك وريقات هي من أحلام صبايا الأمس،يذكرني عطرها العبق بطفولتي وانا أتطلع الى السماء بحثا عنك ،وبتساؤلات الصبا الساذجة ،ابحث داخل عقلي المحدود عمن يرسل أمطارك مدرارا ،وعمن يسكب قطراتك تلو القطرات..حكايات جدتي المنسية اتذكرها مع أول قطرة ماء..مع أول لفحة برد..ابتسامة سعادة ترف على شفتي ،وظلال فرحة تغلف براءة وجهي ،وأنا أحكي لصويحباتي عن حكايات جدتي..عن ساحرة الغابات ..وعن السبع البنات..وعن الفارس المغوار ابن الأكابر والأخيار...