ينتمي سكان إقليمخريبكة إلى قبائل ورديغة التي تمتد جذورها إلى شبه الجزيرة العربية، إذ يعود اسم “ورديغة” أو “ورديغ” -وفقا لما ذكره ابن خلدون في القسم الأول من كتاب العبر- إلى بني جابر المتفرعة عن القبيلة الهلالية التي استقرت حسب ابن خلدون بتامسنا” البسيط الأفيح ما بين سلا ومراكش أواسط بلاد المغرب الأقصى وأقاموا بها أحياء حلولا، وافترقت شعوبهم بالمغرب إلى الخلط وسفيان وبني جابر”. ويؤكد الناصري بشكل أكثر تحديدا، أن ورديغة من بني جابر بن جشم، “إلا أنهم تحيزوا عن أحياء جشم إلى سفح الجبل بتادلا وما إليها يجاورون هنالك صناكة من البربر الساكنين بفتنة هضابه فيسهلون إلى البسيط تارة، ويأوون إلى الجبل في حلف البربر وجوارهم أخرى، إذا دهمتهم مخافة السلطان”. ولا يفوته أن يشير مرة أخرى في مؤلفه الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى، أن هناك من يرى – دون أن يذكر أسماء – أن ورديغة من بني جابر وليسوا من جشم، وأنهم بطن من بطون “سدراته”، إحدى شعوب “لواته” من البربر، مستدلين على ذلك بموطنهم وجوارهم البربر، بينما يؤكد آخرون كمحمد بن عبد الكريم العبدوني في المخطوط الذي يحمل عنوان: يتيمة العقود الوسطى في مناقب الشيخ المعطي، أن نسب ورديغة يرجع إلى النسب العمري(الممتد إلى عمر بن الخطاب) الذي هو نسب الزاوية الشرقاوية؛ وهو ما يؤكده آخرون أيضا مثل: صاحب المرقي، عبد الخالق بن محمد العروسي. هاجرت قبيلة ورديغة ببطونها المتعددة في القرن الثاني عشر الميلادي، بدعوة من السلطان الموحدي أبي يعقوب المنصور، الذي اختار لها الإقامة بسهول تادلا وواد زم المحادية لنهر أم الربيع والمتاخمة أيضا لجبال الأطلس. ولا يزال إلى اليوم ولي بقرب مدينة بني ملال، يعرف “بسيدي جابر “الشهير ب “سيدي جابر مول الكنابر” والذي يرجح أنه الجد الأول لورديغة، فهو أب “لملال” (بني ملال) و “صالح” والد الفقيه الذي أطلق اسمه على مدينة (الفقيه بن صالح) وأب لورديغ الذي تفرعت عنه مجموعة ورديغة. امتزجت قبائل ورديغة وتصاهرت مع قبائل أخرى من المغرب منها مثلا، “بني عمير” الهلالية و “بني زمور” التي تستوطن السهول المجاورة للأطلس المتوسط. إلا أن ديل إيكلمان في مؤلفه، الإسلام في المغرب، يؤكد– خلافا لذلك – أنه لا توجد أي رابطة بين ورديغة و”بني زمور” التي تقع بضواحي أبي الجعد، بالرغم من أن أسطورة تأسيس الزاوية الشرقاوية نفسها، تتضمن مساهمة “بني زمور” إلى جانب بني “شكدال” و”السماعلة”. ويعتبر أن الانتماء المشترك الذي يجمع ورديغة وقبائل أخرى مجاورة كبني مسكين وبني عمير وبني موسى وبني ملال، هو ذات الانتماء الذي تبناه الشيوخ والمسنون في مراحل سابقة، في سياق علاقاتهم مع هذه القبائل. والواقع أن هذه المصاهرات ظلت جزءا من سياسة الالتحام والتحالف ضد الهجمات القوية التي كانت تشنها قبائل”أيت سخمان” الأمازيغية، مغيرة على ما يملكونه من غنم وإبل وخيل... وقد تدل شهادة مجموعة من الشيوخ – ممن يهتمون بأنساب القبائل وقسماتها وفروعها – أن قبائل ورديغة تنحدر من “ورديغ” الجد الذي هو أخ ل “ملاّل” (بني ملاّل) و”مسكين” (بني مسكين). وتحكي الأسطورة التي تؤسس لنسب سكان المنطقة والتي يعتقد فيها القرويون_ دون أن نجد داخل متنها، ذكرا لقبيلتي “بني سمير” و”بني حسان” اللتان أوردهما إيكلمان ضمن المجموعات القبلية المنتسبة لورديغ بن جابر_، أن هذا الجد “ورديغ” تزوج ثلاثة نساء، فخلف منهن ثلاثة أبناء وهم على التوالي : _بحر كبير : وإليه تنتسب مجموعة أولاد البحر الكبار، والتي تضم : (الكفاف، بني خلف ،بئرمزوي ،بولنوار). _بحر صغير، وإليه تنتسب مجموعة أولاد البحر الصغار، والتي تضم : (أولاد عبدون – والتي يؤكد إيكلمان بناء على ما أورده ليفي بروفنصال أنها قبيلة، لها جذور من الشاوية المجاورة لورديغة، الأمر الذي تؤكده أيضا الشهادات الشفوية التي قدمها الشيوخ والمسنّون)، المفاسيس – الفقراء – أولاد عزوز). _السماء – أعلى (السماعلة) : وإليه تنسب قبائل السماعلة والتي تضم : (أولاد عيسى ، المعادنة – البراكسة ، أولاد فنان ،الطرش). على هذا النحو، يصبح “السماعلة” و”أولاد البحر الكبار” و “أولاد البحر الصغار” إخوة نسبة إلى أب واحد. أما عن أسماء المدن والمراكز الحضرية والقروية أيضا، فبعضها يحمل جذورا أمازيغية واضحة منها مثلا “واد زم” التي تعني في الأصل “واد – إزم” أي وادي السبع، وقرية “تاشرافت” التي تحمل آثار تحريف لكلمة أمازيغية لها علاقة بالشرف والشرفاء والدليل على ذلك مجاورتها “لوادي بوكروم” الذي يعني بالأمازيغية وادي الشرفاء (إكرامن). أما الكفاف فهي الأخرى تحريف لكلمة “أكفاف” التي تعني المكان الذي يقع بين هضبتين، وكذلك الأمر بالنسبة “لتادلة” التي تعني (بتشديد اللام) كومة الحصاد أو ما يعرف في اللغة العربية المحلية ب “الغمرة “. مقتبس من كتاب خريبكة: البيئة والإنسان الدكتور: عبد الهادي أعراب