بقلم: عزيز فرحات / تدخل الحملة الانتخابية المتعلقة بإختيار أعضاء المجالس الجماعية والجهوية في رابع شتنبر 2015 تدخل أسبوعها الثاني، و يشتد معها النقاش حول ماهية المشاركة في هذه الانتخابات من عدمها. طرفان إذن متقابلان ومتناقضان، الأول يدافع عن المشاركة إذ يعتبر أن بناء نظام سياسي ديمقراطي ومحاربة جميع أنواع الفساد يستلزم بل يستوجب الذهاب والتصويت يوم الاقتراع، أما الطرف الثاني فيرفض المشاركة و يدعو إلى مقاطعة هذه الانتخابات الصورية، محتجاً بأن طبيعة النظام السياسي المغربي لا يمكن الهيئات المنتخبة من توفرها على صلاحيات واسعة في تدبير الشأن المحلي على اعتبار أن مجمل قرارات هذه الهيئات تخضع لرقابة سلطة الوصاية الممثلة في وزارة الداخلية، أضف إلى ذلك أن مجموعة كبيرة من التدابير يتم اتخاذها داخل هيئة فاقدة للشرعية الانتخابية ولا تخضع لأية رقابة. قبل الإجابة على سؤالنا يجب إذن البدء بالتذكير في أول المقام ببعض المعطيات والملاحظات التي ستساعدنا في الوصول إلى الجواب المناسب على سؤالنا حول الغاية من المشاركة أو مقاطعة الانتخابات في نظام غير ديمقراطي. على خلاف مقارنة التجارب الديمقراطية تتجه دراسة الأنظمة السلطوية إلى النظر من خلال منظار آخر للانتخبات في هذه الأنظمة، إذ تنطلق من الفكرة الأساسية التي تقول أن المؤسسات بشكل عام والانتخابات جزء منها تقوم بأدوار مغايرة للتي تتمتع بها في الدول الديمقراطية. في هذا الإطار فإن فهم وظائف الانتخابات هو جزء من فهم شمولي للمؤسسات داخل النظام السلطوي. عكس ما يمكن تسميته المقاربة المؤسساتية التقليدية في دراسة الأنظمة الدكتاتورية والتي أهملت دور المؤسسات السياسية، إذ ركزت جل تحليلاتها حول المؤسسات القمعية مثلاً أنظمة الحزب الوحيد، حكم المجالس العسكرية، أجهزة الأمن السري ووسائل الدعاية أو البروباغندا. فإن المقاربة المؤسساتية الجديدة صبت اهتمامها حول المؤسسات التمثيلية المرتبطة بتوزيع السلط كما هو متعارف عليها في الليبيراليات الديمقراطية ودورها في استقرار النظام. وجود مؤسسات مشابهة للتي في الدول الديمقراطية ليس بالعبثي بل يدخل فيما يسمى باستيراد المؤسسات وينطلق من فكرة ذكية مفادها أن النظم السلطوية تخلق مجموعة من المؤسسات على شاكلة التي توجد في الديمقراطيات من برلمان، حكومة، قضاء، دستور وانتخابات...لكن مع جزئية مهمة هي النية المسبقة لتعطيل فاعلية هذه المؤسسات، حيث أن الشكل في الظاهر يبدو ديمقراطياً لكن جوهر ممارسة السلطة يبقى ذو طبيعة سلطوية تلغي كل أشكال المحاسبة عن الحاكم السلطوي. هذه المهمة أي إفراغ المؤسسات من فاعليتها نجحت فيها جل الأنظمة السلطوية وعرفت هذه الموضة ازدهارا منذ الموجة الثالثة للدمقرطة، و يبقى المغرب من الدول الرائدة في هذا المجال. من داخل المقاربة المؤسساتية السابقة الذكر في دراسة الأنظمة السلطوية هناك من ميز بين نوعين مهمين من المؤسسات كل واحدة منها بوظائف مختلفة: * مؤسسات الهيمنة: هي جوهر الحكم وآليات للسيطرة والتوجيه تم إنتاجها من أجل فرض الالتزام والتعاون داخل مراكز السلطة السياسية. * مؤسسات التمثيل: وهي تنازلات من طرف النظام السلطوي لإحداث تعددية مجتمعية وإقرار شكل ما من مبادئ التمثيلية الشعبية. هذه الأخيرة تقودنا إذن إلى الحديث عن الانتخابات والتي يجب تبعاً لما سبق فهمها في إطارها الصحيح، أي أنها تقام في نظام سياسي سلطوي والذي يؤثر على شروط إنتاجها والنتائج التي تتمخض عنها. لكي نفهم إذن ماهية الانتخابات لا يجب النظر إليها من خلال مقارنتها بكيف تجرى في الأنظمة الديمقراطية، بل الصحيح في نظري هو تحليلها من خلال ما توفره لنا دراسة ومقارنة الأنظمة السلطوية في هذا الجانب. لتقريب الفهم أكثر هناك ثلاث مقاربات مهمة حاولت الإجابة عن هذا السؤال: لماذا تقام الانتخابات في الأنظمة غير الديمقراطية علما أن نتائجها لا تؤثر على صناعة القرار السياسي والذي يجد خارج سلطة الانتخاب؟ هذه الأجوبة يمكن عرضها على النحو التالي: 1-الانتخابات كديكور أو زينة: على خلاف من يرى بأهمية المؤسسات في النظم السلطوية، ترى هذه المقاربة أن الانتخابات في هذه الأنظمة لا قيمة حقيقية لها، إذ أنها تعكس في جوهرها علاقات القوة داخل النظام السياسي والتي تجعل منها مجرد مؤسسات صورية لا تقوم بأي وظيفة تذكر. 2-الانتخابات كوسيلة: هذه المقاربة تعارض الفكرة التي تقول أن الانتخابات في الأنظمة السلطوية هي فقط صورية، بل تنظر إليها كوسيلة مهمة في أيدي الحاكم السلطوي لتعزيز هيمنته على السلطة. والانتخابات في هذا الإطار وسيلة من الوسائل المتعددة التي يتم اللجوء إليها لتعزيز استقرار النظام وبذلك إطالة أمد حياته. 3-الانتخابات كحلبة: وهي المقاربة التي في نظري رغم أهمية المقاربتين السابقتين هي القريبة من إعطاء تحليل قريب لدور الانتخابات في الأنظمة السلطوية. بالنسبة لهذه المقاربة فالانتخابات ليست فقط مجرد وسيلة لبسط الحكم السلطوي أو مجرد ديكور، بل تعتبرها حلبة للصراع يوفرها النظام لجميع الفاعلين داخله من أجل الحصول على امتيازات على شكل مناصب مثلاً، وبهذا يوفر نظام الحكم هوامش عديدة لمختلف الفاعلين السياسيين من أجل التباري لكن دون أن يشكل هذا الصراع منافسا للفاعل الرئيسي في النظام السياسي حيث تبقى مراكز اتخاذ القرار السياسي خارج حلبة التباري. خلاصة القول إذن أنه حتى ولو صدقنا بقصة المشاركة فإن هناك مجموعة من العوائق تحد من جدية هذا الطرح وسأقتصر هنا على نقطة مهمة مرتبطة بالشروط والظروف التي تقام فيها الانتخابات وهي المحدد الرئيسي للحكم على صحتها. كما تعرفها النظرية الديمقراطية فإن الانتخابات في جوهرها تتمثل في إعطاء السلطة للمواطنين. الادلاء بالصوت ليس فعلاً شكلياً بل هو وسيلة لاختيار من ستكون بيده سلطة اتخاذ القرار. لهذا فإن فكرة الديمقراطية كانت تاريخيا منذ نشأتها مرتبطة بوجود الانتخابات المرادفة لمفهوم التمثيلية التي هي إحدى الركائز الأساسية المكونة لجوهر الديمقراطية. فعلى عكس الأنظمة الديمقراطية التي توجد فيها السلطة بين يدي الأشخاص أو الهيئات المنتخبة، فإن الأنظمة السلطوية لديها حساسية من إخضاع المراكز المهمة لاتخاذ القرار إلى صناديق الاقتراع. فمثلا يتم اللجوء إلى إستراتيجية المجالات المحفوظة إذ أن مجموعة من المجالات والإجراءت تبقى تحت سلطة الحكيم الفعلي مباشرة أو بشكل غير مباشر عن طريق هيئات تابعة له مثلا وزارة الداخلية في المغرب التي تعتبر سلطة الوصاية بالنسبة للهيئات المنتخبة محليا.