أعادت الطريقة «المستعجلة» التي طرح بها مشروع القانون التنظيمي للمجلس الاقتصادي والاجتماعي، على مسطرة التشريع، الانتباه إلى إشكالية تدبير « الزمن السياسي المغربي»، خاصة عندما نستحضر الجانب الآخر من المفارقة: حيث ينص الدستور المغربي منذ سنة 1992 على خلق مجلس اقتصادي واجتماعي. فبقدر ما يبدو أن التنصيص الدستوري لا ينتج بالضرورة آثارا فعلية مباشرة دائما، بالقدر نفسه الذي تجعل إرادة سياسية معينة، من مسلسل التشريع يأخذ كامل سرعته المفترضة، حتى و لو بدا ذلك على حساب فعالية و مردودية المنتوج التشريعي. قياسا بنصوص أخرى في نفس الأهمية، لم يتح لمشروع القانون التنظيمي للمجلس الاقتصادي والاجتماعي، أن يشكل موضوعا لنقاش عمومي واسع، قبل إحالته على البرلمان، على أن هذا لم يمنع من تسجيل اهتمام الصحافة و الفاعلين المعنيين و الباحثين، بفتح حوار مواز لأشغال المؤسسة البرلمانية. نظمت المجلة المغربية للسياسات العمومية، ندوة في الموضوع، بتاريخ 29 أكتوبر 2009، ثم نظم فريق الأصالة و المعاصرة بمجلس المستشارين، يوما دراسيا حول المشروع يوم 2 نونبر 2009، فيما عقدت جمعية بدائل المغرب مناظرة موسعة حول المجلس الاقتصادي و الاجتماعي و تحديات احترام الحقوق الاجتماعية والاقتصادية و الثقافية، وذلك أيام 13و 14 نونبر 2009، بعد ذلك دعا الفريق الاشتراكي و الفريق الفدرالي بمجلس المستشارين ليوم دراسي حول المشروع بتاريخ 17 نونبر 2009، فيما نظمت النقابة الوطنية للتجار والمهنيين بشراكة مع غرفة التجارة و الصناعة و الخدمات بالرباط مائدة مستديرة في نفس الموضوع يوم 11 دجنبر 2009، تم دعت نفس النقابة إلى ندوة أخرى بالدار البيضاء بتاريخ 8 يناير 2010 . و في هذا الخضم تشكل نسيج جمعوي للترافع من اجل إدخال تعديلات على المشروع من شأنها العمل على إخراج مؤسسة تمثيلية مستقلة و فعالة، و ذلك من طرف كل من الوسيط من اجل الديمقراطية و حقوق الإنسان و منتدى بدائل المغرب و المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، و بمساهمة من المجلة المغربية للسياسات العمومية، و قد أعد هذا النسيج مذكرة في الموضوع، كما هيأ جدولا بالتعديلات المقترحة، و بعث بذلك إلى جميع الفرق بمجلس المستشارين، ثم عمل على عقد لقاءات مع ممثلين عن فرق : الأصالة و المعاصرة، العدالة والتنمية، الاتحاد الاشتراكي، حزب الاستقلال، بمجلس النواب، يومي 5، و 6 يناير 2010، ليقدم بعد ذلك وجهة نظره للرأي العام في لقاء صحفي بتاريخ 11 يناير 2010 . ورغم كل هذه الدينامية، فإن المقارنة بين الصيغة التي طرح بها المشروع في البداية على مجلس المستشارين في أكتوبر 2009 و بين الصيغة النهائية التي صادق عليها نفس المجلس يوم 27 يناير 2010 الذي صادف اليوم الأخير من الدورة الأولى للسنة التشريعية 2010-2009،توضح بجلاء الحجم المحدود للتعديلات التي طالت هذا النص، رغم طرح الفرق البرلمانية بكلا المجلسين لعدد مهم من الاقتراحات، و بالرغم من التعديلات التي اقترحت من طرف النسيج الجمعوي. هذه الملاحظة تؤشر هي الأخرى على الطريقة التي من خلالها إخراج هذا القانون، حيث تم الحرص على التعامل معه كقانون» غير عادي» عن طريق التصويت عليه بالإجماع عليه داخل اللجنة و خلال الجلسة العامة لكلا المجلسين، و تفادي إدخال التعديلات التي من شأنها تغيير الهندسة المؤسسية التي قدمت في المشروع حتى في ابسط مظاهرها، و طبعا الجهد الاستثنائي في المصادقة عليه قبل نهاية الدورة التشريعية الأولى. إذا كانت هذه الملاحظات المنهجية حول الشكل ضرورية، فإنه من حيث المضمون نقترح تأطير النقاش حول المجلس الاقتصادي و الاجتماعي، في التجربة المغربية بطرح أربعة فرضيات/أسئلة كمنطلقات للتفكير في هذا الموضوع، فأي موقع مؤسساتي سيحتله المجلس خارج مساحات الديمقراطية التمثيلية، و أية إضافة ممكنة للمجلس في توسيع الحوار العمومي صوب القضايا الاقتصادية والاجتماعية؟ و هل سيشكل ضمانة لمأسسة التداول في هذه القضايا، و كيف يمكنه تدعيم ثقافة الاستشارة في علاقة مع البناء المؤسساتي الديمقراطي؟ و ماذا عن الهوية الخاصة بالمجلس داخل خريطة التقاطعات مع باقي مكونات النسيج المؤسساتي المغربي؟ 1- المجلس الاقتصادي و الاجتماعي و فرضية تعزيز ديمقراطية المشاركة إذا كان الخطاب السياسي الذي واكب طرح مشروع المجلس الاقتصادي و الاجتماعي قد اعتبر بأن هذه المؤسسة من شأنها تعزيز ديمقراطية المشاركة. فذلك لأن السياق التاريخي لظهور التجارب الأولى لمثل هذا المجلس في الغرب منذ عقود، قد انطلقت من الحاجة إلى خلق جيل جديد من المؤسسات الاستشارية القادرة على تلطيف أزمة الأنظمة التمثيلية و على تجسير الهوة بين الطلبات المجتمعية و الاجتماعية و بين نظام التمثيل و عالم المنتخبين، و تكسير هيمنة السياسي على مسلسل إنتاج القرار العام، عبر إشراك الفاعل الاجتماعي و الاقتصادي و المجتمع المدني في صيرورة صناعة القرار، و إن عن طريق بعض النوافذ و المداخل ذات الطبيعة الاستشارية. لكن هل تكفي الخلفية التاريخية التي تحملها فكرة المجالس الاقتصادية و الاجتماعية، للإقرار بقدرتها في سياق مختلف، على تعزيز قيم المشاركة و التشارك، داخل نسق سياسي يعاني من أزمة التمثيل السياسي بشكل مضاعف، فاختصاصات المنتخبين ضعيفة أصلا، و الهندسة الدستورية لا تمنح لممثلي الأمة صفة التمثيل الأسمى للإرادة العامة، فيما أزمة الثقة ما فتئت تتزايد... فبالإطلاع على نص القانون المنظم للمجلس، يتضح بأن الأمر لا يتعلق بمؤسسة بعيدة عن فضاء التمثيل، فالتركيبة حتى و إن ارتبطت بالعالم الاقتصادي و الاجتماعي و المدني و العلمي، فإنها تظل رهينة - بالنظر إلى منافذ التعيين- بيد الحكومة و البرلمان. إضافة إلى أن نسبة تمثيلية المجتمع المدني، المعبرة حقيقة عن التوجه الاشتراكي، تظل ضعيفة و اقل من كل التمثيليات الأخرى، كما أن المجلس لم يتدارك الآليات الجديدة التي ستسمح مؤسساتيا بمشاركة المواطن عبر تقنية العريضة مثلا، ولم يغلب النزعة الإدماجية إلى مداها الأقصى بتمثيل من أصوات لهم، إذ احتفظ بمعيار « الأكثر تمثيلية» و هو ما يجعله رهينة للأصوات الحاضرة في فضاءات مؤسسية أخرى، حيث بعض هذه الفضاءات أكثر قدرة على الإسهام في القرار العمومي. و رغم كل هذه التحفظات، فإن فرضية تعزيز ديمقراطية المشاركة تبقى مطروحة كرهان مرتبط بقدرة المجلس على تفعيل ديمقراطية الحوار العمومي و التداول، و على السماح لفاعلين جدد، قادمين من الجامعة و المقاولة والنقابات و الجمعيات، بإنتاج خطاب متجدد حول القضايا الاقتصادية و الاجتماعية. 2- المجلس الاقتصادي و الاجتماعي و فرضية توسيع الفضاء العمومي هل يمكن للمجلس الاقتصادي و الاجتماعي أن يساهم في توسيع الحوار العمومي حول السياسات الاقتصادية و الاجتماعية، و بالتالي في تعزيز الفضاء العمومي المبني على خطابات و مواقف و أراء و حجج الفاعلين و المواطنين حول القضايا العامة. شرعية هذا السؤال تنطلق أساسا من طبيعة « الحوار العمومي» داخل بلادنا حول القضايا الاقتصادية والاجتماعية، المتميزة بالضعف الواضح الذي تبدو عليه الخطابات المتقاطعة حول الموضوع، قياسا بقوة و حيوية القضايا المطروحة. و لعل ابرز مظاهر هذا العجز تبدو حاضرة في المجال الاقتصادي الذي غالبا ما يكاد يعتبر خارج اهتمام المتدخلين في الساحة العمومية، فكل ما نعيشه هو حوار و نقاش موسمي حول المالية العمومية، خلال الاستحقاق البرلماني المتعلق بالميزانية، و هو نقاش محفوف بالعديد من الحدود الدستورية و السياسية ... دون ذلك يكاد يختفي أي تقاطب مجتمعي حول اطروحات اقتصادية مختلفة و متنافسة . و إذا كان للأمر من تفسير متعلق بطبيعة الفكر الاقتصادي نفسه خلال مرحلة العولمة، فإن طبيعة الفكر السياسي العربي الإسلامي المهووس بفكرة السلطة/السياسية، قد تكون عاملا مساعدا على الفهم. هكذا، مغربيا، تبدو القضايا الاقتصادية و الاجتماعية غالبا مؤجلة أمام الأولوية المطلقة (تقريبا) للقضايا السياسية ( المتعلقة بالصراع أو التوافق مع السلطة). على المستوى الاجتماعي، فالأمر يذهب في نفس الاتجاه، إذ مع ضعف اهتمام الأحزاب السياسية بالجوانب الاجتماعية داخل مشاريعها، و مع الأزمة المستفحلة التي تعرفها النقابات على مستوى وظيفتها الإدماجية، فإن الانفجار القوي للطلبات الاجتماعية نتيجة التحول الديمغرافي من جهة، و الانفتاح السياسي و الإعلامي من جهة أخرى، يجعل النظام السياسي في مواجهة طلبات اجتماعية خام، في غياب تأطير نقابي أو سياسي أو فكري مناسب لحجم هذه الطلبات. إن أزمة الوسطاء الاجتماعيين تحول الفضاء العمومي إلى مجال لتشظي المطالب الاجتماعية و ليس إلى مجال لحوار و تفاعل المشاريع المجتمعية و الاجتماعية. المؤكد أن إشكالات كهذه لن يجيب عنها إطار مؤسسي لوحده مهما كانت صلاحياته، لكن من الممكن في المقابل أن يساعد المجلس الاقتصادي و الاجتماعي على دفع الفاعلين الاجتماعيين و الاقتصاديين و المدنيين على بناء أجوبة عن الأسئلة و القضايا المطروحة أمامه، بشكل يتجاوز ردود الفعل اليومية المرتبطة بالنزاعات المطلبية أو الفئوية أو الظرفية. و طبعا، فأهمية هذه الفرضية في نهاية التحليل ترتبط بالإسهام في إعادة تعريف السياسات الاقتصادية والاجتماعية كجوهر للعمل السياسي و في زحزحة الاهتمام بالشأن العام من الاهتمام بالسياسة (= كتموقعات اتجاه الدولة/كمواقف ظرفية) إلى الاهتمام بالسياسة (= كسياسات عمومية و كأجوبة عن أسئلة المجتمع ...) ثم في تجاوز النظرة التقنوية التي تختبئ وراءها العديد من القرارات ذات العلاقة بالمجال الاجتماعي و التي تقدم في صورة حلول «علمية» و «تقنية «في حين أنها محملة بالرهانات السياسية و السلطوية و الإيديولوجية. لذلك ففرضية توسيع الفضاء العمومي، تعني كذلك إعادة تسييس القضايا الاجتماعية و الاقتصادية وعدم النظر إليها كقدر أو كحتمية، و تحويل الخطاب حولها من خطاب بقناع تقني، إلى خطاب سياسي يدافع عن قيم و عن مصالح بحجج و باستراتيجيات تواصلية محددة. 3- المجلس الاقتصادي و الاجتماعي و فرضية مأسسة الحوار حول « الاجتماعي» إن تاريخ الحوار حول القضايا الاجتماعية بالمغرب، هو تاريخ حافل بالمؤسسات و اللجان و المجالس، لكنه تاريخ حافل كذلك بالأزمات و القطائع، لذلك ظلت العديد من تلك المؤسسات حبرا على ورق، أو اشتغلت لوقت قصير تم جمدت، و لذلك كذلك ظلت مطارحة القضايا الاجتماعية المعقدة، دائما على هامش المؤسسات، أو محالة على لجن خاصة بغرض محدد و أجندة محددة. و لعل الرجوع إلى محطات صناعة السياسة التعليمية، عبر تاريخ المغرب المستقل خير دليل على الأزمة المؤسسية التي يعرفها الحوار الوطني حول القضايا الاجتماعية. أما على مستوى تدبير الحوار الاجتماعي بين الفرقاء الاجتماعيين و الاقتصاديين و الحكومة، فيمكن الإشارة إلى تجربة المجلس الأعلى للاتفاقيات الجماعية، و الذي لم يجتمع منذ تشكيله عام 1957 سوى مرتين، الأولى عقب تأسيسه و الثانية على عهد حكومة الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي، ثم إلى تجربة المجلس الاستشاري لمتابعة الحوار الاجتماعي، الذي انشئ عام 1994 . ليلغى بعد ذلك. إن معالجة القضايا الاجتماعية غالبا ما يبتعد عن المسار المؤسساتي الطبيعي لإنتاج السياسات العمومية وعن منطق الأغلبية/الأقلية. و حتى عندما يبدو أن هذا المسار قد تم احترامه، غالبا ما نجد أن التوافقات قد تمت صياغتها بمنطق التسويات القطاعية و بتدخل مباشر لممثلي الأطراف المعنية خارج مؤسسة البرلمان، و أن دور هذه المؤسسة لم يصبح سوى دور شكلي لإضفاء الشرعية على معالجة فئوية لمشكل اجتماعي. و في مقابل التسويات القطاعية و الفئوية نجد كذلك منطق التوافق الوطني كأحد أشكال هندسة السياسات الاجتماعية، و هو منطق يخلق لنفسه دائما آليات و صيغ خاصة لإنتاج القرارات. و عندما يتم اللجوء إلى المؤسسات غالبا ما نجد أن هذه الأخيرة عبارة عن لجان و وكالات و صناديق ومكاتب، لا تؤمن إلا بالمرجعية التقنية و تحتقر التداول العمومي و توجد خارج دائرة الرقابة السياسية. لذلك، فإن رهان إعادة النقاش حول القضايا الاجتماعية و الاقتصادية، إلى حلبة المؤسسات، يبقى رهانا حقيقيا مطروحا على المجلس الاقتصادي و الاجتماعي، سواء بحكم التركيبة أو بحكم الاختصاصات أو بحكم التموضع المؤسساتي داخل نسق العلاقات مع الحكومة و البرلمان. 4- المجلس الاقتصادي و الاجتماعي و فرضية تثمين ثقافة الاستشارة في دراسته الصادرة في بداية التسعينات حول « الهيئات الاستشارية بالمغرب» يميز الأستاذ عبد القادر باينة، بين سبعة مجالات على الأقل توزعت حولها مهام و صلاحيات و اختصاصات العديد من المجالس واللجان و الهيئات التي عرفها المغرب مند الاستقلال ضمن الفعل الاستشاري، و ذلك على المنوال التالي: أولا: القضايا ذات الأبعاد السياسية أو الأهداف الوطنية، و نجد فيها على العموم المجالس التي يترأسها جلالة الملك أو هي موضوعة مباشرة تحت إشراف جلالته. ثانيا: مجال التكوين و الثقافة ثالثا: مجال الشؤون الاجتماعية رابعا: مجالات يغلب عليها الطابع الاقتصادي أو المالي خامسا: مجال الوظيفة العمومية و الموظفين سادسا: مجالات ترتبط بالبيئة أو السكنى أو التعمير من الواضح إذن أن الموضوع الأساسي للتجربة الاستشارية المغربية، يبقى دون أي منازع هو الهاجس الاجتماعي و الاقتصادي، إذ أن التصنيف السابق يكاد ينطبق في غالبيته الكبيرة، الصلاحيات المسندة للمجلس الاقتصادي و الاجتماعي(التكوين، الثقافة، الشؤون الاجتماعية، الوظيفة العمومية، الشغل، الطبقة العاملة، البيئة....). وإذا كانت التحاليل لا تكاد تختلف حول محدودية تجربة الهيئات الاستشارية عموما بالمغرب، فإنه لابد من الانتباه إلى التحول الذي طال هذه التجربة على الأقل خلال العقدين الأخيرين، حيث أصبحنا أمام جيل جديد من الاستشارة المؤسساتية تمثله أساسا حالة المؤسسات الوطنية العاملة في مجالات حقوق الإنسان و الشباب والهجرة و الإعلام... و هي حالة تتميز بالاستمرارية و بالحضور اللافت في الحياة العامة. و جدير هنا بالتنبيه إلى تجربة المجلس الوطني للشباب و المستقبل(2000-1991)، و المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، كتجربتين ذات علاقة مباشرة بالوظيفة الاستشارية و بالممكنات التي تحملها هذه الوظيفة في سياق التحولات التي تعرفها بلادنا مند مدة. لاشك أن هذا التراكم بمحدوديته و بفعاليته، أساسي بالنسبة لتجربة المجلس الاقتصادي و الاجتماعي، لكن مع ضرورة الانتباه إلى خصوصية مؤكدة بالنسبة لهذا المجلس الذي يتكلف دستوريا بتقديم الاستشارة إلى كل من الحكومة و البرلمان، و ليس إلى المؤسسة الملكية، و هذا ما يجعله منخرطا في دينامية تأويل برلماني لنظامنا السياسي، إذا نحن استعرنا لغة المفكر عبد الله العروي. فهل سننتقل مع هذا المجلس، من ثقافة» المشورة» إلى ثقافة « الاستشارة»، إنها إحدى التحديات الأكثر أهمية و رمزية لهذه التجربة: كيف نجعل من سلطة الاستشارة، فاعلا في الإصلاح و التغيير و منتمية إلى الحقل الحديث من نسقنا السياسي. إن المنطلقات/الفرضيات السابقة تشكل في الحقيقة تحديات نوعية أمام تجربة المجلس الاقتصادي والاجتماعي، هذه التجربة التي يتوقف نجاحها على عناصر الفعالية و الاستقلالية و الموضوعية والمصداقية، و هي عناصر ستتعرض لامتحانات متواترة ليس اقلها مسألة صياغة ابسط رأي استشاري مفترض، من داخل تركيبة متعددة الأفاق و المصالح و المرجعيات و الأولويات و حول قضايا محملة دوما برهانات سياسية و قيمية.. ترتبط كذلك هذه التحديات بمسألة « الفرز المؤسساتي» للمجلس الاقتصادي و الاجتماعي، داخل النسيج الدستوري و السياسي الوطني، حيث أن المجلس مطالب بصياغة هويته الخاصة في تماس مباشر مع محيطه. إنه إطار يراد له أن يكون مجالا مؤسسيا للتفكير المعمق، و الحوار البناء، لإنضاج التعاقدات الاجتماعية، وعليه أن لا يتحول إلى مكتب للخبرة أو للدراسات. إنه إطار يراد له أن يضم تركيبة تمثل العالم السوسيواقتصادي و المنتخبين و القوى النقابية و هو ما يجعله يقترب من تشكيلة مجلس المستشارين، مما يطرح قضية الفرز الوظيفي بين أدوار كلا المؤسستين. إنه فضاء لحوار و تواجه النقابة و المقاولة، و عليه ألا يتحول إلى فضاء للتفاوض الاجتماعي على أرضية النزاعات المطلبية. و هو كذلك مؤسسة استشارية في تماس و تقاطع وظيفي مع العديد من اللجان و المؤسسات و الهيآت، وهذا ما يعمق رهان تحديد الهوية الخاصة به، رهان قد يحتاج إلى تعديلات و ملاءمات في نصوص و اختصاصات المؤسسات المجاورة له، بل قد يتطلب مع مرور الوقت تكييفات للهندسة الدستورية العامة.