تتعدد الواجبات المرجو من العمل الجمعوي أداءها، وتتكاثف المسؤوليات، وتتشعب النوايا بين حسنة وسيئة، لكن يبقى المعنى واحد، والمرجو جليل. فما المقصود بالجمعية والعمل الجمعوي؟ وماهي أهدافه وتجليات بروزه إلى الوجود؟ الجمعية هي إطار يتأسس على تعاقد طرفين أو أكثر، لا لغرض ربحي، ولكن لأهداف تنموية بالأساس. والعمل الجمعوي فعل خيري، تطوعي يهدف إلى نفض الغبار عن جوانب هامشية في المجتمع، وإلحاقها بديناميته بهدف الدمقرطة المجالية, وكشف الستار عن الجماعة البشرية المنسية واللامفكر فيها، تلك التي تقبع إما في مجالات المغرب المنسي أو في مغمورة في سلم الطبقية المقيتة، والتي ترزح في غياهب التحتية الطبقية، محجوبة بستار الخزي والعار، والطمعية البورجوازية التي مسعاها هو الربح المادي على حساب الإنسان المقهور. بورجوازية تخدم طوطاليتاريا فوقية مستحكمة تسعى لتوسيع الهوة بين مجتمعها الذي تعتبره رقم واحد، ومجتمع في الدرك الأسفل من الوجود، وكأنما ترسخ قوانين روما وتعيد نسخها باختلاق المواطن من الدرجة الأولى، والمواطن من الدرجة الثانية، ولا يجب أن نسلم بأن الهاجس المادي هو وحده المحرك لنزعات هؤلاء بل للعامل السلطوي ما له من أهمية بالغة، ذلك بالذوبان مع كراسي السلطوية، والإستقرار في برج الهرم العالي، وتقعيد خطواتها بقاعدة هرمية قمعية مجسدة بذلك طرح "ترابيشي". وبالتالي تمارس نزعات اللوبي الذي ليس إلا "فاشيستي" الأصل والمنبت. وما يصبغ الظاهرة الجمعوية هو انزياحها عن الخط المرسوم الذي أُفرز جدليا من أجلها، إذ اخترقتها عديد المتغيرات التي تولدت عن متراكمات كمية ونوعية وكيفية، وغني عن البيان أن هذه المتغيرات تتجلى بالأساس في اختراق العمل السياسي للعمل الجمعوي، وتسخير هذه الإطارات- الجمعيات- لخدمة أجندات سياساوية بالمعنى الإحترافي للسياسة كما يقول المفكر محمد عابد الجابري، والتسويق لأفكار حزب ما منها وعبرها، وبالتالي تمزيق الروابط المنطقية للأمور، لكن السؤال المطروح في هذا الخضم هو: لماذا مراهنة الفاعل الحزبي/ السياسي على جمعيات لجر مريدين؟. الإجابة تجد مضمنها في إحصائيات المندوبية السامية للتخطيط التي خلصت من خلال إحصائياتها إلى أن نسبة الشباب المنخرط في السياسة في وطننا هو 1%، لذا وجب تغطية هذا الرقم والنفخ فيه من أرواح المنتمين للجمعيات وجر أتباع لهم. والوضع هذا ينسحب على بلدتنا العزيزة تيغسالين. وبمعاينة الواقع الجمعوي المحلي، استنتجنا أنه يقوم ويتأسس على "الصحبة" و "الجورة"، أي أنت صاحبي وجاري ستكون في خطي وفي أي خطوة اختططتها، ثم يتأسس على تحالفات، بمعنى أن كل جماعة صغيرة تجمعها رابطة معينة كالجلوس في المقهى أو "الجردة". ثم الإسترزاق أي كسب الرزق من بوابة الجمعيات دون حسيب أو رقيب. ومخلوص القول أن )الفاعل الجمعوي ( مع بعض الإستثناءات في التوصيف، يفتقر للرأسمال الرمزي/الفكري بتعبير بيير بورديو، ما يعني أن هذا "الناشطّ" الجمعوي يفتقر لثقافة تؤهله لخوض غمار العمل الجمعوي. ثم تركيزه على خطاب مستوحى من الشارع لكبح الأصوات الموضوعية الحرة، لافتقاره لترسانة الدفاع. لذا من اللازم على الجهات المسؤولة )العمالة، المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وباقي المدعمين للجمعيات( أن يتمموا أدوارهم وذلك بربط المسؤولية بالمحاسبة، ثم المتابعة الدقيقة اللصيقة، لحماية المال العام –مال الشعب- من الضياع على الايادي الآثمة. ثم إعادة النظر في الظهير المنظم للجمعيات، وذلك بفسح مجال تأسيس الجمعيات للذي سيكون فاعلا حقيقيا حاملا لهموم الشعب، لا أن تُسلَّم لمن هب ودب، مع إعارة الإهتمام للرصيد الفكري للمتقدم لهذا العمل. والقضاء على التدخلات الأجنبية التي تشرعن وتفتح المجال للمتقاطرين والمفتقرين للشروط اللازمة، رغبة منهم في الإنفراد بكراسي السلطة. في الختام، نخلص إلى أن العمل الجمعوي في غالبيته بالوطن عموما وبالبلدة تيغسالين خصوصا، لازال مشخصنًا: أي أننا لم ننتقل بعد من الشخص إلى المؤسسة، ومن الإقصاء إلى الإعتراف، ومن الخلاف إلى الإختلاف. لكن ما دام هناك حراك مجتمعي، وحركات تصحيحية فاضحة للإفتعالات المجرمة، فلابد للوضع أن ينفرج. بقلم أحمد الدياني.