«مستقبل الديمقراطية التشاركية في دول ما بعد الربيع العربي: قراءة في التحولات والآفاق» هو عنوان الندوة الفكرية، التي نظمها مركز أفكار للدراسات والأبحاث، الذي تأسس مؤخرا، بشراكة مع مؤسسة هانس سايدل الألمانية بأحد فنادق مراكش. إذ طرح المشاركون فيه نتائج الربيع العربي، وكذا إمكانيات الديمقراطية التشاركية بعد الحراك. تساءل الباحث المغربي سعيد أغريب عن مدى أهلية العرب لكل المفاهيم التي طرحها سياق الربيع العربي، مثل الديمقراطية التشاركية. وانطلاقا من هذا السؤال، اعتبر أغريب الديمقراطية التشاركية مجموعة من الإجراءات والوسائل التي تمنح إمكانية مساهمة المواطنين في البناء الديمقراطي والمشاركة في تسيير الشأن العام الوطني والمحلي. وأشار إلى أن هذا النمط الديمقراطي ارتبط بفكر الاحتجاج، أي إشراك المعني بالأمر في خلخلة الوضع، موضحا أن الدول الأوروبية فهمت هذه الديمقراطية التشاركية كحل لأزمة الديمقراطية التمثيلية. فيما قال إن السياق العربي فرض الاتجاه نحو التفكير في إشراك الفاعلين السياسيين والمجتمع المدني في تسيير المجال العام والمحلي بالخصوص. وتوقف الباحث الموريتاني السيد ولد باه بعنوان «أزمات الانتقال الديمقراطي في بلدان الربيع العربي» بشكل كرونولوجي عند الأحداث التي شهدتها المنطقة العربية، والتي أعادت إلى الواجهة تساؤلات أساسية حول النظام الديمقراطي، مشيرا إلى الإعجاب الذي حظي به الحراك العربي في الوسط الأوربي قبل أن ينقلب إلى فشل لمجموعة من التجارب، باستثناء تجربة تونس. كما توقف ولد باه عند مشكلة الحرية، حيث أعاد السيد طرح المشكلة في السياق الفلسفي مسترشدا بنص كانط، ليقول إن الحرية حق أولي لا يحق مصادرته تحت أي مسمى. وفيما يتعلق بالنموذج الديمقراطي، فقد انتقد الباحث نمطين من «الديمقراطية» المعمول بها في العالم العربي: الأول، اختزال الديمقراطية في المقاربة القانونية الصرف أي بتغييب المشكلة السياسية وهذا النمط أفضى إلى خلل في النموذج الديمقراطي. والثاني، اختزال الديمقراطية في الممارسة الانتخابية أي كآلية تفضي إلى حكم الأغلبية، وهي بعيدة عن الديمقراطية التشاركية. وتساءل الباحث التونسي مصدق الجليدي: هل سقط «النظام»؟ وهل تغير النظام السياسي- الاجتماعي في العمق؟ في هذا السياق، يجيب الجليدي أن الاستحقاق الأكبر للثورة التونسية هو الاستحقاق الاجتماعي الديمقراطي، وأن غاية الثورة ليست مجرد منح بضع عشرات الأحزاب تراخيص العمل السياسي القانوني وخوض لعبة الانتخابات بهدف التداول السلمي الديمقراطي على الحكم. إذ اعتبر أن المخاض السياسي الذي جاء بعد الثورة تمحور حول الصراع على كراسي الحكم بين الإسلاميين والعلمانيين، فيما تركت مطالب الشعب الاجتماعية جانبا، وهي تتمحور حول إنهاء حالة التفاوت المجحف بين الجهات، ومعالجة مشكل البطالة وتشغيل الشباب، ومعالجة مشكل الهدر المدرسي وعدم تناسب الاختيارات التربوية مع مطامح الشباب الاجتماعية، وتحسين ظروف عيش الطبقة الفقيرة والطبقة الوسطى التي اقتربت من حافة الفقر، إلخ. وحاول الباحث الجزائري عمر علوط تحديد مفهوم الديمقراطية، قائلا إنه يعاني من الفقر النظري وتسطيح الممارسة، حيث يتم ربطها بآليات التمثيل أو المشاركة في صنع القرار العام. غير أن الديمقراطية كغاية يسعى من خلالها البشر الوصول إلى الإدارة المثلى للتنوع والاختلاف مع السيطرة على نزعات التسلط الغريزية الكامنة، وهي بذلك تتويج للمعاناة البشرية في سبيل تجسيد قيم العيش المشترك. كما تساءل عن تطابق ديمقراطيات صنع القرار مع الديمقراطية كغاية بشرية في العالم العربي، حيث يلاحظ أن الإلزام الفوقي الخارجي لبعض التطبيقات الديمقراطية لم تتجسد فعليا في الواقع العربي. أما الباحثة هناء شريكي، فقد تناولت دور المجتمع المدني، في علاقته بالاستمرار أو القطيعة الموجودة بين القيم العمل الجمعوي وقيم الشاب الجمعوي. إذ تكتسي دراسة الشباب في علاقته بالجمعيات، بحسب الباحثة، طبيعة مزدوجة، حيث تساعد الباحث على تحليل المنظومة القيمية التي ينقلها الشاب الجمعوي لجمعيته، والتعرف على القيم التي ينقلها هذا التنظيم بدوره للشباب المنخرط من جهة؛ ويناقش هذا الموضوع طبيعة الانتقال من منطق اشتغال التنظيمات الجماعية التقليدية إلى التنظيمات الجمعوية الحديثة، من جهة ثانية. كما ترى الباحثة أن افتراض وجود تفاعل بين الجمعية كتنظيم اجتماعي والشاب كفاعل تنموي مفترض، يدفع نحو الموازنة بين فاعلين أساسيين تراهن عليهما التنمية. من جهة أخرى، تساءلت الباحثة عن مدى مواكبة مختلف التغيرات التي عرجت عليها للانتقال من التنظيمات القبلية المبنية على النسب والانتماء القبلي إلى التنظيم الاجتماعي الحديث؟ هنا، أشارت إلى أن التراكم الأكاديمي الكافي بالمجتمع المغربي لم يحصل في هذه القضايا. وتناول الباحث إبراهيم أمهال فكرة «التوافق السياسي بين الأخلاق والواقع»، حيث اعتبر أن العالم العربي يعيش الآن تضخيما للشأن السياسي على باقي القضايا (الهوية، المصالحة، إلخ). ويستشهد في هذا السياق بالمسألة الطائفية التي تم تسييسها في العديد من بلدان الربيع العربي (لبنان، العراق، سوريا، إلخ). وفي مقابل ذلك أشار إلى التجربة التونسية المتفردة التي استطاعت القوى الفاعلة فيها إدراك أن أسلوب الديمقراطية العددية غير مطمئن لضمان تحقيق الانتقال الديمقراطي السليم والتوافقي في هذه الفترة الحرجة جدا التي يشهدها العالم العربي. إذ حذر من وقوع الشعوب ضحية رفع سقف التطلعات من أجل تحطيم التجربة وإحباط نفوس الشعوب، بل والعودة إلى الوراء (مصر، اليمن، ليبيا، إلخ). وأكد أن الواقع يفرض تخفيف حدة التطلعات لدى النخب من أجل تحقيق التوافقات الممكنة (صراع المثالية المطلقة والواقعية المحبطة). وركز الباحث إدريس لكريني على الشأن المغربي، حيث اعتبر أن إدماج الشباب يتأتى من مداخل مختلفة ومتنوعة، مشيرا إلى أن هذا الإدماج يمثل آلية لتنمية الوعي السياسي وتحقيق الممارسة الديمقراطية والتغيير المنشود. لكنه نبه إلى إكراهات المشاركة الذاتية والقانونية، مذكرا أن المشاركة السياسية للشباب اقتصرت في الماضي على فئة ترتبط بالمال أو السلطة أو الانتماء الطبقي. كما أكد أن الدستور الجديد يلح على المشاركة السياسة للشباب، على اعتبار أنها تمثل وسيلة للتعبير عن الآراء والميولات، وتجسد سلوكا مبنيا على الحرية في الاختيار وهي أيضا تعبير عن المواطنة.