إيفاد بعثة مكونة من 272 عضوا لمواكبة المغاربة المقيمين بالخارج خلال شهر رمضان    بوريطة: استقرار إفريقيا مرتبط مباشرة باستقرار المغرب    المقاتلات الشبحية F-35.. نقلة نوعية في القوة العسكرية المغربية    مواجهات نارية في ثمن نهائي دوري أبطال أوروبا    توقيف شخص يشتبه في تورطه في شبكة للهجرة غير المشروعة والاتجار بالبشر بالحسيمة    "حليوة" أمام النيابة العامة بسبب تدوينة حول الرئيس الفرنسي ماكرون    منتدى دولي بطنجة يناقش تنافسية واستدامة قطاع صناعة السيارات بالمغرب    منع مشجعي الرجاء البيضاوي من حضور مباراة فريقههم أمام الجيش الملكي    تطورات التضخم والأسعار في المغرب    حماس: جثة بيباس تحولت إلى أشلاء    استعدادات لزيارة ملكية مرتقبة إلى مدن الشمال    النصيري يسجل من جديد ويساهم في تأهل فنربخشه إلى ثمن نهائي الدوري الأوروبي    القضاء يرفض تأسيس "حزب التجديد والتقدم" لمخالفته قانون الأحزاب    شي جين بينغ يؤكد على آفاق واعدة لتنمية القطاع الخاص خلال ندوة حول الشركات الخاصة    عامل إقليم الحسيمة ينصب عمر السليماني كاتبا عاما جديدا للعمالة    أداء مؤشر "مازي" في بورصة البيضاء    إطلاق تقرير"الرقمنة 2025″ في المنتدى السعودي للإعلام    مضمار "دونور".. كلايبي يوضح:"المضمار الذي سيحيط بالملعب سيكون باللون الأزرق"    الجيش يطرح تذاكر مباراة "الكلاسيكو" أمام الرجاء    الاقتصاد السوري يحتاج إلى نصف قرن لاستعادة عافيته بعد الحرب التي دمرته    الذهب يتجه لتسجيل مكاسب للأسبوع الثامن وسط مخاوف من رسوم ترامب الجمركية    كيوسك الجمعة | المؤتمر الوزاري العالمي الرابع للسلامة الطرقية يفي بجميع وعوده    باخرة البحث العلمي البحري بالحسيمة تعثر على جثة شاب من الدار البيضاء    المندوبية السامية للتخطيط تعلن عن ارتفاع في كلفة المعيشة مع مطلع هذا العام    شكاية ضد ابن كيران بتهمة القذف والسب ومطالبته بتعويض 150 مليون    روايات نجيب محفوظ.. تشريح شرائح اجتماعيّة من قاع المدينة    المغرب يحافظ على مكانته العالمية ويكرس تفوقه على الدول المغاربية في مؤشر القوة الناعمة    إطلاق أول رحلة جوية بين المغرب وأوروبا باستخدام وقود مستدام    توقعات أحوال الطقس ليومه الجمعة    تراجع احتمالات اصطدام كويكب بالأرض في 2032 إلى النصف    نتنياهو يأمر بشن عملية بالضفة الغربية    فضاء: المسبار الصيني "تيانون-2" سيتم اطلاقه في النصف الأول من 2025 (هيئة)    عامل إقليم الجديدة و مستشار الملك أندري أزولاي في زيارة رسمية للحي البرتغالي    كيف ستغير تقنية 5G تكنولوجيا المستقبل في عام 2025: آفاق رئيسية    محامون: "ثقافة" الاعتقال الاحتياطي تجهض مكتسبات "المسطرة الجنائية"    حوار مع "شات جيبيتي" .. هل تكون قرطبة الأرجنتينية هي الأصل؟    "بيت الشعر" يقدّم 18 منشورا جديدا    أوشلا: الزعيم مطالب بالمكر الكروي لعبور عقبة بيراميدز -فيديو-    "مطالب 2011" تحيي الذكرى الرابعة عشرة ل"حركة 20 فبراير" المغربية    حادثة سير مميتة على الطريق الوطنية بين طنجة وتطوان    "حماس" تنتقد ازدواجية الصليب الأحمر في التعامل مع جثامين الأسرى الإسرائيليين    طه المنصوري رئيس العصبة الوطنية للكرة المتنوعة والإسباني غوميز يطلقان من مالقا أول نسخة لكأس أبطال المغرب وإسبانيا في الكرة الشاطئية    سفيان بوفال وقع على لقاء رائع ضد اياكس امستردام    السلطات تحبط محاولة نواب أوربيين موالين للبوليساريو دخول العيون    6 وفيات وأكثر من 3000 إصابة بسبب بوحمرون خلال أسبوع بالمغرب    ثغرات المهرجانات والمعارض والأسابيع الثقافية بتاوريرت تدعو إلى التفكير في تجاوزها مستقبلا    غشت المقبل آخر موعد لاستلام الأعمال المشاركة في المسابقة الدولية ل "فن الخط العربي"    إطلاق النسخة التاسعة للجائزة الوطنية الكبرى للصحافة في المجال الفلاحي والقروي    سينما المغرب في مهرجان برلين    الذكاء الاصطناعي يتفوق على البشر في تحليل بيانات أجهزة مراقبة القلب    اللجنة الملكية للحج تتخذ هذا القرار بخصوص الموسم الجديد    حصيلة عدوى الحصبة في المغرب    أزيد من 6 ملاين سنتيم.. وزارة الأوقاف تكشف التكلفة الرسمية للحج    دراسة تكشف عن ثلاثية صحية لإبطاء الشيخوخة وتقليل خطر السرطان    صعود الدرج أم المشي؟ أيهما الأنسب لتحقيق أهداف إنقاص الوزن؟"    الأمير رحيم الحسيني يتولى الإمامة الإسماعيلية الخمسين بعد وفاة والده: ماذا تعرف عن "طائفة الحشاشين" وجذورها؟    التصوف المغربي.. دلالة الرمز والفعل    الشيخ محمد فوزي الكركري يشارك في مؤتمر أكاديمي بجامعة إنديانا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجامعة المغربية إلى أين ؟

مع بداية كل موسم دراسي جديد، يتبادر هذا السؤال إلى أذهان النخبة المثقفة في المغرب، إلى أين تسير الجامعة المغربية؟ في وقت كان سيكون السؤال المطروح عند بداية أي موسم دراسي هو، ما الجديد الذي ستضفيه الجامعة المغربية في هذه السنة؟
ولكن للأسف يبقى السؤال الأول هو الحاضر دائما، وهو حاضر ليس من محض الخيال، ولكن لأن الجامعة المغربية أصبحت تعيش حالة من التراجع تتكرس يوما بعد يوم، وهي مخلصة فقط لشيء واحد، هو إخراج الآلاف من حاملي الشهادات إلى الشوارع بأوراق في أيديهم لا تسمن ولا تغني من جوع، أفواج من العاطلين الذين ليس باستطاعتهم أن يدرسوا في مدارس خاصة، ومعدلاتهم وميزاتهم في شهادة الباكالوريا لا تخول لهم أن يتوجهوا إلى بعض المعاهد والمدارس الخاصة، والتي تقدم برامج تعليمية جيدة ويتم قبول المتخرجين منها في وظائف ذات دخل محترم.
الجامعة المغربية لم تعد كما كانت في السابق، فهي لم تعد تصنع تلك الأجيال من حاملي الشهادات العليا الذين يستطيعون بتكوينهم العلمي أن يكونوا رجال دولة من العيار الثقيل، فقد كانت أعداد كبيرة من رجال الدولة فيما مضى تتخرج من رحم الجامعات المغربية، وتكون في المستوى المطلوب لتحمل المسؤولية في القطاعات الاقتصادية والإدارية والاجتماعية المهمة، كانت الجامعة أيضا تصنع رجالا قويي الشخصية، فالحراك الثقافي الكبير الذي كانت تشهده الجامعة فرض على غالبية الطلاب، أن يكونوا من المطالعين الجيدين لأي جديد في الإصدارات والكتب، وكان لزاما عليهم قراءتها والإطلاع عليها حتى يكونوا دائما على علم بما يجري في الساحة الثقافية والسياسية في البلد، لقد كانت الجامعة مسرحا لتعلم حقيقي، و مجالا للتربية على الاعتماد على الذات وتحمل المسؤولية، وأيضا التكوين الخارجي الذي يجعل الطالب يكتسب مجموعة من القيم والمبادئ المهمة، مثل المواظبة على القراءة والاطلاع على كل جديد، والحرص على متابعة المستجدات على الصعيد الوطني والدولي.
هناك إجماع على أن الجامعة المغربية اليوم تعاني سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي، فكلما صدر الترتيب السنوي لأحسن الجامعات العالمية، لا نجد أثراً للجامعات المغربية في المائة الأوائل، ولا حتى في الألف، بل نجد ترتيبا مخجلا للمغرب في حدود الألف الثالث أو الرابع، طبعا الجامعات العربية ليس لها حضور أيضا في الرتب المتقدمة، لكن بعضها استطاع أن يحصل على ترتيب أحسن من الجامعات المغربية، وهذا الأمر سيؤثر على الرصيد المعنوي والقيمي للجامعات المغربية في الخارج، مما يقلص من الإقبال على الدراسة فيها.
إن المنظومة التعليمية المغربية عامة، والجامعية على وجه الخصوص، في حاجة إلى إصلاح جدري، لأن الجامعة هي القلب النابض لأي دولة مهما كانت، فعندما تتطور الجامعة، وتحسن من برامجها وآليات تكوينها، ينعكس ذلك على جميع القطاعات الأخرى في الدولة، لقد أصبح التعليم العالي الخاص يشكل خطرا حقيقيا على الجامعة المغربية التي تشرف عليها وزارة التعليم العالي، وأيضا على الدولة برمتها، لأنه أصبح موضة عند الكثيرين التوجه إلى مدارس التعليم العالي الخاص، ودفع مبالغ مالية من أجل الظفر بدبلوم أو شهادة بدون عناء كبير، كالذي يكابده الطلبة في الجامعات العمومية، طبعا هنا لا نعمم بخصوص المدارس الخاصة، لكن يبقى الأمر جليا وواضحا من خلال معاينة العديد من خرجي هذه المدارس وهم يمارسون العمل في مؤسسات مالية مثل البنوك، وكم هي كثيرة التعليقات التي يطلقها الأطر القدماء في حق زملائهم الجدد، والذين يصفونهم بأنهم أميون ولا يعرفون شيئا، ولم يتعلموا في دراستهم الجامعية الخاصة إلا القليل مما هو مطلوب في مجال العمل، بل والأدهى والأمر حسب هؤلاء دائما أن الموظفين الجدد يتقاضون رواتب أكبر منهم هم، لأن قيمة شواهدهم ودبلوماتهم أكبر من التي يتوفرون هم عليها، هذا وجه من أوجه تجلي أزمة التعليم العالي الخاص، فباستثناء بعض المدارس المعترف لها بالكفاءة، فإن الأغلبية غرضها الأساس هو جمع المبالغ المالية الطائلة، وفي الأخير توزيع أوراق تخرج لطلبة لم يتعلموا إلا القليل.
مسألة أخرى بدأت تبرز في السنين الأخيرة، وهي أن التلاميذ الحاصلين على شهادة الباكالوريا يجعلون الجامعة هي خيارهم الأخير في متابعة دراستهم العليا، فلا تسمع منهم إلا القول بأن الجامعة هي الخيار الأخير الذي سألجأ إليه إذا أقفلت في وجهي كل الأبواب الأخرى، بل أصبح خيار التكوين المهني أحسن من الجامعة لدى الكثيرين من هؤلاء التلاميذ، فقد أصبح التفكير بهذا الشكل لأن مدة التكوين في مؤسسات التكوين والتأهيل المهني قصيرة بالمقارنة مع الجامعة حيث تنحصر في سنتين فقط، يحصل من خلالها المتدرب على دبلوم يخوله البحث عن عمل، عمل تبدو فرصه جيدة إذا علمنا أن أغلب الذين يتوفقون في هذه المؤسسات يحصلون على عمل بعد أشهر قليلة من التخرج، بل إن هذا الأمر أصبح نصيحة لدى الآباء، حيث ينصحون أبناءهم أن يتوجهوا إلى التكوين المهني، عوض تضييع سنوات طويلة من أعمارهم بين جدران الجامعة، مع العلم مسبقا أن شهادة الجامعة في المخيلة الشعبية لا تمنح صاحبها خبزا.
إن إعادة الاعتبار إلى الجامعة المغربية من أجل أن تقوم بدورها كاملا، يمكن في وضع مخطط علمي مدروس بدقة من أجل إصلاح شامل للمناهج التي تدرس فيها، وإعادة النظر في الوسائل البيداغوجية التي تقدم بها هذه المناهج، إضافة إلى تطوير مستوى الكادر البشري للجامعات المغربية، بحيث لا يستقيم أن يكون بين أساتذة الجامعات في الوقت الراهن، من لا يعرف كيف يتعامل مع الوسائل التكنولوجية الحديثة، وعلى رأسها الانترنت، هذا إضافة إلى أستذة مازالوا يقدمون نفس المواد التي قدموها في بداية التسعينات أو منتصفها، فماذا ننتظر من هؤلاء إلا طلبة من صنف الذين يسمون "محمد أولكناش" الذين يحفظون ما يقدمه لهم الأستاذ فيعيدوه له يوم الامتحان بكل إتقان، وبعدها يحصلون على الشهادة وينسون كل ما حفظوه ويعودون إلى المجتمع شبه أميين، فيضطرون إلى العمل في أوراش البناء ومشاريع بناء الطرقات والضيعات الفلاحية،، فتذهب 20 سنة من مصاريف الدولة والوالدين على هذا الطالب أدراج الرياح ونخسره على مرتين بكل أسف.
الجامعة المغربية إذن في مفترق طرق، وعلى كل الطاقات الحية في هذه البلاد أن تتحمل مسؤوليتها كاملة في إرجاع الجامعة إلى سكة العطاء والإبداع من جديد، جامعة تصنع الرجال والقادة، ويتخرج من رحمها باحثون بكل معنى الكلمة، رجال يستطيعون تقديم رؤى وأفكار إصلاحية تجديدية وعلمية لإيجاد حلول لكل المعضلات التي تواجه البلاد في شتى المجالات.
لقد فقدنا في الفترة الأخيرة مجموعة من العلماء والمفكرين الذين أنجبتهم الجامعة وأثروا الساحة الثقافية والسياسية والعلمية المغربية بإنتاجات لن يكف العالم عن الحديث عنها، رجال استطاعوا بفضل تكوينهم الجامعي الممتاز أن يكونوا إضافة نوعية حقيقية لهذا البلد وللعلم والمعرفة فيه، سنفقد آخرين وإن لم نفكر منذ الأمس واليوم في إعداد الخلف، سنصل إلى اللحظة التي لن نتعرف فيها على مبدعين جدد من طينة الذين فقدناهم. نتمناها أن لا تكون صيحة في واد، ونأمل أن نرى الجامعة المغربية تعود إلى ممارسة دورها كاملا في صناعة أجيال من القادة المولعين بالمعرفة، والمحبين للبحث والعلم والإبداع الخلاق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.