تمهيد : كيف تحول لون الغراب إلى سواد ، و كيف شقت شفة الأرنب ، و كيف صار جلد الذئب مبقعا ، انفتحت الحكاية على الأساطير منذ البداية حتى اعتبرها ليفي سترلوس نسخة مخففة من الأسطورة .. كسوة الذئب الحمراء و جلده المبقع يوضح شيئا من ذلك .. الحكاية كان حتى كان ، فيما مضى من الزمان ، حتى كان الحبق و السوسان في حجر النبي العدنان عليه الصلاة و السلام .. يحكى أن ذئبا يسمى حساين حسب أصل الحكاية ، كان يعيش مع زوجته في أحسن حال ، و كان الطعام وافرا و الطرائد كثيرة فنعما بأحسن عيش و أرغد حياة مدة طويلة ، لكن الزمان من عادته أن لا يثبت على حال واحد ، فبعد حين تغيرت أحواله و قل رزقه ، و نفذت الطرائد حوله ، و لم يعد يستطيع الصيد لأن الصيادين قد تعرفوا عليه ووسموه و خبروا طريقه فرصدوا له الفخاخ و نصبوا له أسباب الهلاك، فلم يعد يبرح البيت حتى ضاقت به زوجته درعا ، و أصابها الجوع و احتاج صغارها إلى الطعام و خشيت عليهم من الموت. و عندما أحست الذئبة الماكرة بالجوع و لم تعد تستطيع على ذلك صبرا ، فكرت في حيلة تجعل زوجها يخرج من جحره للبحث عن قوته و قوت عياله، و يبتعد عن حالة التواكل هاته . فقالت له في يوم من الأيام: رأيتك يا حساين البارحة في الحلم خير و سلام.. قال لها : و ماذا رأيتني أفعل يا صالحة ؟ قالت له: رأيتك في أجمل زي تلبس الأبيض و تضع عمامة خضراء، و قد أمسكت بكبش سمين أقرن. فلما سمع حساين ما قالته زوجته فرح و اعتقد أن ساعة الفرج قد أزفت ، فصدق الحلم و سر بما سمعه غاية السرور، لأن الحلم علم كما يقولون، و تيقن من نجاح مسعاه ، وصمم على الإتيان بالغنيمة كما هي في الحلم. فأسرع بالخروج من عطنه و لم يتوخ الحذر كعادته بل قصد أول زريبة غنم و نسي الاحتراز و الأخطار المحدقة به، فقفز وسط الغنم يبحث عن الخروف السمين الذي رأته زوجته في الحلم. فلما شعرت به الغنم كثر ثغاءها و هرجها و مرجها و هاجت و ماجت و كثر ثغاؤها، فانتبه الرعاة و الكلاب إلى ذلك وأنصتوا إلى مصدر الهرج ، و ساروا إلى الزريبة مسرعين، فأبصروا الذئب وسط الغنم لا يدري ما يفعل، فأحاطوه من كل جانب حتى أمسكوا به و أوثقوه، ففكروا في عقاب يجدر به و يليق بطيشه، و حاروا في أمر عقابه و أصبحوا يتساءلون: ماذا سنفعل به، ماذا سنفعل به ؟ فقال قائلهم: سوف نسلخ جلده عن لحمه و نطلقه حتى يكون عبرة لمن يعتبر. و هذا ما كان من أمره فقد أخذه الرعاة و سلخوا جلده عن لحمه و أطلقوه ، فصار يظهر لمن يراه من بعيد و كأنه يلبس كسوة حمراء . أما ما كان من أمر الزوجة صالحة ، فقد كانت تنتظر عودة زوجها بأحر من الجمر، خاصة و أنها كانت تتضور جوعا ، و كانت ترتقب بأن يأتيها بما تملأ به بطنها و بطن جرائها ، فلما استبطأته خرجت أمام باب جحرها تشرئب بعنقها و هي ترقب قدومه في كل لحظة، فرأته من بعيد يسرع الخطو، فلم تعرفه و هو في حلته الجديدة ، فنادته قائلة : يا صاحب الكسوة الحمراء ألم تر حساين زوجي؟ فقال لها و هو في غاية الندم : هذه الكسوة الحمراء سببها حلمك الجميل. واستعطف الذئب باقي الحيونات، فكان كل حيوان يشفق من حالة و يعطيه قطعة صغيرة من فروه و هذا يفسر جلد الذئب المبقع. وسيلي يا حكايتي من واد إلى واد و أنا أبقى مع الناس الأجواد المصدر : الدكتور محمد فخرالدين كتاب موسوعة الحكاية الشعبية الحكاية85 انتظروا غدا حكاية أخرى ... آش عشاك الليلة