تقديم : تحاول هذه الحكاية أن تحدد علاقتنا بالحلم ،فهل للحلم علاقة بواقعنا و مستقبلنا أو هو مجرد أوهام،وعلى كل حال يمكن الجزم بالعلاقة المتينة بين الحلم و الحكاية، فإذا كان الحلم حكاية فردية فإن الحكاية حلم جماعي .. الحكاية كان حتى كان ، فيما مضى من الزمان ، حتى كان الحبق و السوسان في حجر النبي العدنان عليه الصلاة و السلام .. يحكى انه كان أحد الحرفين له سبع صنائع وكان ماهرا فيها جميعها، وفي يوم من الأيام اصطحب معه عددا من الحرفيين و خرجوا للبحث عن عمل. فطلبوا الضيافة في أحد الدواوير ورحب بهم أهل الدوار و أعطوهم المسجد ليبيتوا فيه حتى الصباح. و في الليل رأى الحرفي حلما غريبا، رأى الشتاء تنهمر بغزارة و القنوات الموضوعة على السقف ترمي الماء بغزارة في اتجاه أصحابه، و تلك التي في اتجاهه لا ترمي أي قطرة. فلما استيقظ من النوم و تذكر الحلم الذي رآه، تعجب غاية العجب ، و قال في نفسه: يا ربي لم كل هذه القنوات ترمي في اتجاه أصحابي و التي باتجاهي لا ترمي أي قطرة. و حكى حلمه لأصحابه وذكر لهم كيف رأى القنوات التي باتجاههم ترمي الكثير و التي باتجاهه لا ترمي شيئا، و قال لهم في الأخير وقد تبين من فهمه للحلم رزقه من رزق أصحابه : هذا كل شيء ، ما أعطى الله رأيناه. و عندما خرجوا من ذلك الدوار توجهوا إلى مدينة كبيرة، و في تلك المدينة كان حاكمها يريد أن يبني قصرا ، وكان محتاجا إلى صناع وعمال ، فأرسل مناديا ينادي في الأسواق : كل صاحب حرفة يأتي للعمل عند الحاكم . فلما حضر أصحاب الحرف كان أعوان الحاكم يسألون كل واحد عن حرفته،حتى سألوا جميع من حضر من صناع و حرفيين و لما جاء دور الرجل صاحب سبع صنائع ، قالوا له: ما حرفتك؟ قال لهم: أنا لواح ؟ أي مهنة بناء الطين بواسطة الألواح .. و تم قبول الجميع للعمل في قصر الحاكم، لكن الرجل اللواح لم يستطع أن ينسى الحلم الذي رآه فقد ظل عالقا بذاكرته ، فلما بدأ الجميع عمله ،و انصرف كل صاحب حرفة إلى حرفته ، كان الرجل يعمل و هو يردد بصوت مرتفع و كأنه ينشد أويهلل: ما أعطى الله رأيناه...... ما أعطى الله رأيناه .... ما أعطى الله رأيناه. و كان الحرفيون يقولون: ما الذي يجري للحرفي ، ولم يقول هذا الكلام، لا بد أنه قد فقدعقله ؟ و كانت بنت الحاكم تملك مفتاح الصندوق ، و كانت ترغب في الزواج من شاب ، فكانت تعطيه وتغذق عليه من الهدايا و الأموال دون علم أبيها.. و عندما سمعت الحرفي يردد هذا القول جال بذهنها أنه على علم بما تفعله . فقالت في نفسها: ربما كان يعرف ما أقوم به، و من يدري فقد يخبر أبي. فأخذت خبزة و ملأتها بالذهب و ناولتها إياه، فكان يحملها إلى أحد العطارين دون أن ينظر ما فيها ويبيعها إياه بثمن بخس، فلما وجد العطار الذهب ، صار منتبها لما يأتيه به الحرفي. و في المساء عاد الرجل إلى عمله وهو يردد نفس القول : ما أعطى الله رأيناه...... ما أعطى الله رأيناه .... ما أعطى الله رأيناه..إشارة إلى ما رآه في حلمه . فلما سمعته ابنة الحاكم ، قالت في نفسها: ياله من رجل طماع، لم يقنع بما أعطيته. فأعطته مرة ثانية خبزة مليئة بالذهب، فأخذها من جديد إلى العطار دون أن ينظر ما بداخلها ، أما العطار فقد أصبح غنيا و صاحب تجارة واسعة. و مرت الأيام و عندما أراد الحاكم أن يؤدي أجرة الحرفيين من الصندوق، وجده فارغا، فأتى عند بنته و قال لها: أعطني مفتاح الصندوق .. ولما فتح الصندوق وجد المال ناقصا، فسألها ؟ أين وضعت المال الذي كان في الصندوق ، قولي أو يقطع رأسك. قالت له: لماذا يقطع رأسي ؟ و حكت له القصة من البداية إلى المنتهى ، ولم تنس ذكر الخبزة التي كانت تعطيها للصانع ، فأمر الحاكم حرسه أولا بالإتيان بذلك الرجل الذي كانت ترغب في الزواج منه و استرجعوا منه كل الأموال . ثم جاؤوا بالحرفي و قالوا له: أين وضعت النقود؟ فأخبرهم بأنه كان يسلم الخبزة التي تعطيه بنت الحاكم إلى العطار، فأرسلوا في طلب هذا الأخير و أخذوا منه المال الذي أخذه من غير حق . و صار الحرفي مِؤتمنا عند الحاكم و زاد إعجابه به عندما علم بقصته .. و في يوم من الأيام قال الحاكم للحرفي: سوف أغنيك إذا أغناك الله... و أعطاه نصيبا كبيرا من المال يعيشه في مأمن من الفقر طيلة حياته الباقية، لكنه لم يكتب له الغنى، فعند خروجه من عند الحاكم ، جاءت عاصفة قوية رفعته عاليا في السماء وأسقطته على الأرض جثة هامدة، و تحقق بالفعل ما رآه في الحلم ، فقد كان رزقه منقطعا في هذه الدنيا ... و لا غرابة في ذلك فقد تتحقق الأحلام بشرها و خيرها أحيانا و قد يحدث ما لم يكن بالحسبان . و سيلي يا حكايتي من واد إلى واد و أنا أبقى مع الناس الأجواد المصدر : الدكتور محمد فخرالدين كتاب موسوعة الحكاية الشعبية الحكاية 18. انتظروا غذا حكاية أخرى تجيب عن لغز : ما ذا يقول الماء عندما يكون يغلي فوق النار؟