قبل ثلاثة عقود خلت بدأ محمد عز الدين التازي بجوار ندرة فريدة من مجايليه وسابقين،مؤسسين تجربة كتابة أدبية في مجال السرد،القصصي،أولا،ثم الروائي،لاحقا، عمادها إعادة تصوير الواقع بقلب منظوراته الاعتيادية،وتفكيك مساحات الرؤية المعطاة إما بتغويرها على المستوى الشعوري، أو قولها في لغة وعبر قنوات تترك السرد المتاح جانبا لتجرب أدوات تعالج المادة القصصية لا كمعطى بقدر ما هي تكوين يختص الكاتب بوضعه. إن هنالك،سلفا،فرقا واضحا بين القول الذي يعني الكلام على سطح الأشياء،وبالمفردات، والمعاني المنظمة لإنتاج أو إعادة إنتاج دلالات متداولة في الحقل السوسيو ثقافي، مما كان يعد شرطا لإعلان انتماء الكاتب والاعتراف به، بدليل توقيعه على ميثاق الالتزام العلني أو المضمر؛ وبين القول الذي ينزاح، بوعي أو مجازفة،عن المستوى السابق، أدواته وعينه لا تخضعان لمراتب المقايسة أو تبغيان الانعكاس، منهما التصوير والتحديد والقياسات المنظمة لوصفة الوحدات الثلاث،مادته السردية موجودة بين تضعيف المرئي واستبطانه، ولغته مثلما صورُه ُتنسج من الفعل الفريد للغة مختلقة وبيان ُموَلَّد وخيال على غير قياس،ما أنجب تخييلا أو التخييل الذي يجعل السرد فنيا حقا،أي منتميا إلى الجنس الأدبي أو بصدد الالتحاق به، وحصيلة العلاقة بين الأدوات المستخدمة في عملية التقويل،هذه،والمادة المستخدمة،خاما ومشغّلة،مع المعنى الذي ينتجه النص بالحفر أو التوليد،هو ما ينتج أخيرا الخطاب الأدبي. نعتبر أن هذا المنزع في الكتابة الأدبية،إذ يمثل المرتبة الثانية التي انتقل إليها النشاط السردي في أدب المغرب منذ مطلع العقد السبعيني الماضي،هو التأسيس الفعلي، في انتظار الناضج، للكتابة السردية الحديثة قوامها التخييل عماداً والواقع بسيطا أو مركبا مِهاداً واللغة الواصفة مدادا. يمتد هذا التقويم ليشمل أدبنا العربي الحديث كله،لا العربي في المغرب،الذي تتلمذ من نحو معين على الأول،ويعتبره بعضٌ بعسف أحيانا، تابعا، مع أنه يملك خواصه. والأهم أن الانتقال إلى هذه المرتبة هو ما صنّف في سجل النقد الأدبي، وعند ذائقة معينة، بالتجريب، من غير عناء في فحص معنى ومكونات هذا التجريب بالدقة المطلوبة في أي نقد حصيف ومتحمل لتبعات أحكامه. لقد كان وصف التجريب فعلا حكمَ قيمة لا تقويما نقديا، ومن ثم أعفى أصحابه من مسؤولية بسط عناصره وتسويغ مضمونه الذي لم يكن يتجاوز عندهم رفض مدونة الصيغة الواقعية،والتحلل من القواعد المرعية،واستعمال لغة «طائشة» أو»جانحة» بالقاموس القانوني. نعم، هذه بنود مقبولة في ذاتها، لكن إذا لم تؤخذ على محمل ما يشبه الانحراف الأدبي،وقد نُظر إليها في السبعينيات الفائتة على أنها كذلك من قِبل المؤسسة الأدبية وفق المنظومة الثقافية للمرحلة، وهو ما ساهم في تأجيل قوة الأدب لحساب سطوة المؤسسة. بيد أن من ارتادوا التجريب، قل»اتهموا»به، وضعوا نصب أعينهم نقيض هذا الحساب،بإعطاء القول الأدبي لغته المسحوبة منه،وتزويج اليومي والاجتماعي بالذاتي والإنساني الرحب،وجعل الكتابة في جغرافية السرد تستخدم ضوابط النوع فيما هي تبتدع في الطريق الرؤيا،أي خريطة التخييل على مقاسات لا تعرف كمالا تعترف بالأقنوم والجاهز. التجريب من هذا المنظور هو الاختراقات التي ما ينفك النص يحدثها في وبواسطة النص نفسه،لخلق إمكانية تعبير أقوى،والانتقال إلى أفق مغاير لرسم المرئي واكتناه الخارج والداخل معا، أي في المجال الذي يتحرك فيه الكائن بقدر ما يسعى لصنعه بمفردات خياله. بهذا المعنى فإنه تجسيد وتلخيص لتاريخ الأدب في جَماع التجارب المشكلة لنماذجه، واحدا، واحدا. لقد كان الأدب، وسيبقى في زعمنا هو النص المفرد رغم طابع التعميم الذي تقتضيه النظرية والنزعة الوصفية التأريخية. وهذا ما كانت الندرة المنوّه بها في البداية تفكر فيه، وسعى م.ع. التازي معها،وما زال،إلى الارتباط به نموذجا وماهية وبطاقة تعريف فنية. من معاني النص المفرد واعتباراته رفض النمطية بسبق إصرار،واتخاذ كل ما يمكن من «إجراءات» و»تدابير» لزحزحتها كلما أوشكت على الاستقرار والتعنكب في مخيلة الكاتب، في مقدمها طرح إبدال يتعداها إلى غيرها،لا بالمعنى التجاوزي ضرورة،وإنما المختلف والمتنوع في مجرى كتابة ومسار كاتب. بذا يكون التجريب وتاريخ الأدب،من نحو آخر،هو جماع تاريخ إبدالهما، هكذا يُحتاج،أيضا،إلى النظر إليهما حين يعمد الدارس إلى تلقي وتحليل أعمال منهجها ورؤيتها إبداع النص المفرد. ليكن معلوما أنه ليس نسخة واحدة،بل يتطلب أن يتكاثر ويتعدد ليصبح ناجزا،وهو مهدد في الآن،من باب المفارقة، بالوقوع تحت طائلة المكرر والمستنسخ. وسواء فهم التازي ذلك مبكرا،أو انتقل إليه بعد مخاض ولادة طويلة وعسيرة وإن بدت لبعض المتساهلين اليوم يسيرة،فإن القول لا يكون إلا بتحققه،الذي يتحول إلى اكتشافات متوالية للقول ذاته بصيَغ تؤخذ من جبلة الحياة وتنضيداتها المختلفة،وينفخ فيها الكاتب،كاتب، من روحه،وهو في كل مرة يكتشف نفسه وما يكتب. ينجم عن ذلك أن استعمال القواعد والمعايير في هذا الضرب من العمل يصطدم في كل مرة بتهافت أدواته،وبالتالي نتائج تحليله،لذا لا يشفع له إلا أن يتوسّل الأجرأة، ولا بديل له عنها في كل حال أمام ما يعتبر الهروب من النمذجة والتصنيف وسكنى القالب جوهرا في طبيعته. بيد أن حس التجربة والمراس الخاص للكاتب، لنحدد للقاص أو الروائي في حالة السرد،وقد ُشحذا لابدّ بمبرد ثقافي، يجعلانه وقد اجتاز يفاعته الأدبية خليط من تقليد وهوس وطموح بلا حدود ينتقل،إذا انتقل،إلى ما لا يكون الفن فنا إلا بالانضواء فيه،ألا هو القالب ذاته، يعطيه اسمه ونظامه وعلى هدي أقانيم محددة يصبح موجودا، مشخصا،أي يتقولب، وإلا بقي ذرّة في سديم الكلام. إن القاص أو الروائي لا يناقض نهجه اللاّنمطي بهذا المسلك الفني وإنما يحتمي بالشعرية الكلاسيكية التي تأسست في مراحل توزيع أشكال وتيمات وأدوار وجمهور الكلام،الأدبي حقا في ما يخصنا لاحقا،كجزء من تنظيم العالم بواسطة العقل حتى وهو يدور في فلك الآلهة. لا أحد ينكر أن نظام المحاكاة الأرسطي مثّل الهيكل الأنضج والأقوم في تاريخ النظرية الأدبية،هو، كما نعلم، نظام معقد تتعالق فيه عناصر شكلت بنية عالم تاريخي وإنساني تقاسمه باختزال شديد قطبا الإيتوس والميتوس،اللذان صنعا أشكالا تنسجم معهما وخطابا يقولهما. بذا فإن القالب هو طريق ودليل وحركة، بعبارة أخرى أشكال وأنواع وأساليب ولغات وبلاغات وفنون فأجناس مصنفة ثم يعاد تصنيفها، إما بموتها أو تجاوزها الحتمي إلى إبدالات لانهائية قدمها الكتاب والفنانون على مر تاريخ البشرية،اتخذت من الأدب،أشكالا وخطابات،1 وسيلة البوح بما في دواخل الأفراد؛2 والتواصل بين هؤلاء الأفراد،لأن ما يَنتقل ويُتواصل به على المستوى الفني والوجداني،هو النصوص المفردة،على خلاف النصوص الجماعية المقدسة التي تتغيا الإقناع والإخضاع؛3 وبينهما المحاولة الدائمة لفهم الذات بمنازعها والعالم حولها. في المتن المجتمِع للتازي تتجاور هذه الحوافز حينا وتتباعد حينا آخر، لكنها تظل مطلبا دائما متنافسة على بؤرة العالم السردي المبني. منذ نصوصه الأولى في منتصف السبعينيات وصعدا إلى حاضره شبه المكتمل،لا الأخير طبعا،هناك تراوحٌ للكتابة في دائرة منفتحة منغلقة،الانغلاق يأتيها عندما تسعى لامتلاك النمط المستنسخ وحيث يلعب القاص في ساحة عبّدها السابقون،وحقل بذروا فيه نقولهم، فتراه يتعثر أو يقلد أو يقتبس، لكنه سرعان ما يمل من هذه اللعبة لا تناسبه قواعدها،لا تنسجم مع استعداده أو فهمه لمقتضاها فيرسم خارطة موازية يرسم فيها طوبوغرافيا سردية سيحتاج إلى وقت طويل إلى من يقتنع بها ويقبل للتفرج على ما يجري في حلبتها، وذلك ببساطة لأن لكل لعبة نظاما،أي قالبا وقواعد،أي نوعا تندرج فيه وتتوفر على الملاءمة الممكنة لتوطين خزان ذاكرة وزخم مرئيات وخصوبة مخيلة. وإذا كانت القصة القصيرة تسعف أكثر على المناورة الشكلية وطواعية اللعب،عند الصناع المهرة،طبعا،الذين يعرفون كيف يجمعون فيض خاطر البشر ويؤطرون شتات الأشياء،في المكان والزمان،التي تطرق مواهبهم على حين غرة أو مصادفة،هذا هي مناسبة القص القصير،فإن الرواية لا توجد إلا بصنع الشيء الروائي الذي لا يوجد بدوره قبلها،هنا لا غنى للكاتب من الدراية والصناعة والحدس وإتقان خطة التوليف لغربلة واستخلاص شيئه الروائي، وهذا ما يحدث غالبا على شاكلة معينة،أولا،ويتضمن تصورا بذاته،لا قيمة له فكرة مجردة، بل تمثيلا وتشخيصا وتهجيسا. وفي أغلب قصصه ورواياته ظل م.ع.التازي رهن توتر دائم وحيوي بين الفهمين المذكورين لمكوني الكتابة السردية، ذلك التوتر الذي لم يكن أبدا محمود العواقب،لأن هاجسه من البداية المخاطرة والتحرك فوق حقل ألغام القواعد تنفجر في وجه من يتخفف منها، أو لا يبالي. وبما أن الشيء الروائي ماديٌّ بالدرجة الأولى، أي ليس شعوريا سلفا،ولا فكريا تقريريا بتجريد قبْليّ، ولا استيهامات تنساق لفطرة المتكلم أكثر من وعي التلفظ،ألفى نفسه يصرف عدداً من التجارب،بعضها تمارين قاسية،فالكاتب مثل الرياضي لا يواصل إلا بالتمرن الدائم، ليصنع من الأشباح والأطياف شخصيات ومن السديم والمتاهة مكانا،ومن المطلق زمنا،ومن اللامُعيّن صفة،وخاصة أن يبدل اللحظة الشعرية وبلاغتها الاستعارية أساسا بملفوظ بلاغته هي لا إنشائيته، لكن خبرية، ومبرر تجنّسه في الإحاطة المقنعة بعالم يتطلب من كاتبه أن يوجده من قلب وجود سابق،ويقنع ويؤثر به بأدوات يشترك فيها مع آخرين، وبلغة أسلوب هو صاحبهما،لا سيما إذا توخى النص المفرد. حصيلة التجربة،تمريناً وبلوغ َوكْدٍ عند صاحبها،أمست بين يدي القراء،محترفين وعاديين، بما أن مجترحها ارتضى أن تصبح مضمومة في سلسلة «الأعمال الكاملة»لوزارة الثقافة، وبالتالي مطروحة للتقويم والتصنيف،بإطلاق تقريبا. وهو ما يتعارض في الظاهر، على الأقل،مع من رغبته وديدنُه الترحل في النصوص لوضع الفصوص،بدءا من «رحيل البحر»(1983) مرورا ب»زهرة الآس»(2003) وانتهاء(هنا) ب»حكاية غراب»(2007) التي نجعلها تعلة هذه القراءة ومناطها،وربما سمحت لنا،بوصفها،من خواتم جهود الكاتب أن نصل إلى قياس المنحنيات البيانية لتجربته السردية بلونيها القصصي والروائي،فالطبع المخاطر واحد في القالبين،وخطة الانقلاب على السرد التقليدي ُمبيّته دائما،واللغة وعُدّة التصوير متجانسة، وهاجس قلب العلائق وصنع إبدال للمجال المعطى المربكة لبروتوكولات التلقي الموروثة هي ذاتُها، يبقى أن لكل فن استراتيجية كتابة؛ أخطر ما في الرهان،بل كله! في عمله «حكاية غراب»يجمع التازي حسابَ مجمل إصدارته ليدفع بها في هذا الرهان. ومن العنوان ينهض العنوان التباسا وإرباك قراءة أمام المتلقي،بحكم التجنيس الموضوع للكتاب»رواية»، وقد بات معلوما أن التجنيس تعاقدٌ وميثاق قراءة، ليس في السيرة الذاتية وحدها،ولا يؤخذ لدى الكاتب المتمرس،الواعي بخطته، مجرد تسويغ، من ثم يبدو الجمع بين نوعين(حكاية/رواية) مثار أسئلة أولية في مقدمها: أهو خلط مقصود لإثارة بلبلة فنية؟أم مزجٌ واستفادة من خصائصهما معا تقود إما إلى التهجين أوبالتلقيح إلى ابتداع نوع ثالث؟ أم يا ترى علينا أن لا نبقى عند حظوظ الظاهر فنتلقى النص بوصفه حكاية بالمعنى أو المعاني التي يحيل إليها القاموس السردي،ولا نسرف في تأويل سيضر بنص طموحه كامن فيه لا أكثر؟ 1-7 يصعب على القارئ المحترف أن يقبل وضع قالب في قالب، ذوَيْ خصائص مفروزة، لمجرد أن عنصر الحكي مشترك بينهما،لذلك سيذهب إلى مساءلة عنوان العمل الذي كنا نفترض أنه جامع،أي دال ومدلول:الدال مركب من أيقونة النوع الكبير بداخلها أنواع صغرى،تتحقق بحيازة أداءات محددة مخصوصة بالحكى في تقاليدها التاريخية وترسيخها كلما استؤنف العمل بها،وإلحاق الضرر بها إذا ما استخدمت في غير محلها، في قلبه المدلول المستوعب للأفعال مع طقوسها ورموزها وغاياتها أو عِبَرها، سيّان. بيد أن تذييل الأيقونة الروائية يشوش بحدة، مما يستدعي رسم الحدود، بدءا من التعريف وانتهاء بفتحها أو خرقها «غير المشروع»،قد تنشب عنه حرب تؤدي إلى إعادة رسم الحدود، بالتالي «شرعية» جديدة. 2-7 يحرص الكاتب من مطالع نصه على تنبيهنا أنه يعني الحكاية لا شأنا آخر،لا الخبرية أو الحكاية بمعنى القصة التي تروى أو تسرد كمادة لا غنى عنها في هذا الجنس الأدبي وحدها، بدونها لا سند له ولا موجب وجود، مدونا الفصل الأول ب»ترف الحكاية»، و»الحكاية التي تتناسل..» ف»استهواء الحكايات»،يُعْلِمُنا،أيضا،بأنها طريقة «حكي ما مضى، وما كان،ثم إنها تجسد حكايات الحاضر،وتتنبأ بالمستقبل،عبر ذاكرة بعض الناس، ومصائرهم، وعبر الضحك، والشقلبانيات،وقلب مواقع الأشياء..»(12)، ويُعْلمُنا كذلك أن موضوعها، عالمها،ما شئتم، هو مدينة فاس(11)، ليعي بعدئذ أن هذا الخليط لا يستقيم في حد ذاته،فيتشتت إلى حكايات، يفطن إلى أنها «تحتاج إلى تنظم»(13)،لكن هل سيعقلها حقا؟ من يتكلم هنا هو الكاتب يرسم خريطة الطريق في ما يشبه العتبة ليعرف القارئ على أي شيء(= خلط) هو ُمْقدِم،إنما خطابُ العتبات شيء، والقص المسمّى حكاية شيء آخر، يدرك الأمرَ الكاتبُ والناقدُ على السواء. وعليه،لا بد من الانطلاق من البدايات،فما الحكاية على وجه النوع بالعموم،أولا، والخصوص، ثانيا. ففي أبسط تعريف هي فن من يحكي(= حكواتي لا كتابي)،وهي تقليد شفهي جماعي، أكثر منه كتابي، أي فطري لا عالِم. ولكي يتحقق كأداء يستوجب تلاقي (من) مع(هم) ب(ح) في(موقع) و(وقت). والحكاية فن معلوم لدى كل الأمم،وهي تشغل في تراثنا السردي حصة نصية هامة،شفهية ومكتوبة، ونماذجها الكبرى تلتقي إلى حد مع المعينات المخصصة للنوع بوصفه كذلك،والتي استخلصها الدرس النقدي الغربي وأصبحت مرجعا إليه الاحتكام، لتدقيقه النظري،واستنباطه لأهم المتون(مورفولوجية بروب( 1928) فهرست إيرن وتومبسون؛ والهولندي أندري جولس َAndé Jolles). في دراسته الرائدة»Formes simples»(باريس، سوي،1972)(1930 للطبعةالألمانية) ومن مجمل تحليله لحكايات الأخوين غريم الألمانية، والسجال الذي دار بينهما وأشيم أرنيم ، حول مفهوم الرومانسية للشعر ونوعيته،المقسّمة إلى شعر فطرة(شكل بسيط) وشعر فن(شكل عالِم)،يخلصJollesإلى تعريف الحكاية،أولا،كشكل فني حيث يمكن أن يجتمع وتتم الاستجابة لجاذبيتين متعارضتنن هما النزوع إلى العجيب،وحب الحقيقي والطبيعي. ثانيا، في كون الوقائع التي نعثر عليها في الحكاية لا يمكن أن توجد خارجها،»بكلمة واحدة،بإمكاننا تطبيق العالم على (ح) لا(ح) على العالم»(184) يلي هذا خواص الحركية والعموم والتنوع. بيد أن أهم استخلاص يقوم في تصنيفها باعتبارها شكلا بسيطا،أي» شكل لا يعنى قط بتمثيل حدث بكيفية توحي بأنه حقيقي،بل يعمل باستمرار على العجائبي»(183)،بذا فالعنصر الأخير مؤسس بنيوي للحكاية كإبداع عفوي أو تلقائي،يميزها بطريقة حاسمة عن شعر الفن،المتطلب للاستعداد،ممثلا في القصة القصيرة[بناء على تراث بوكاشيو]تعطي،على النقيض من الحكاية،الانطباع بأنها تروي أحداثا فعلية،وما يحدث فيها،بالتالي،قابل لأن يوجد في العالم»(ن). نختزل قائلين بأننا ننتقل في التعبيرين من الخيال(فطرة) إلى التخييل(صناعة). واضح بجلاء أننا بهذه الخصائص وأخرى لم نذكرها،أننا أبعد ما نكون عن جنس الرواية،سواء من الناحية الإستطيقية أو الناحية المورفولوجية، وتعد هذه الأخيرة بالذات فيصلا لا يجوز التساهل فيه،وإلا سقطت النظرية،ليتعذر التعاطي النقدي مع النص،أضاع مؤشراته. إن الفصل في الشكل هو،أيضا، فصل في المضمون، في العوالم والمواد والعلاقات والصيغ المبنية داخله،بكل تأكيد،وعندما نتحدث عن الشكل،نصعد إلى النوع السابق عليه، أو المنسوج منه،وإذا ما وقع اللعب أو التلاعب فإنهما يتمان في إطار هذه العلاقة،أو يتهجّنان على نحو ما،وتلك مسألة أخرى. وحكاية م.ع.التازي تنزع إلى صنع مجموعة من التقاطبات وتشغيل عديد الإجراءات والإواليات التي تسمح لها بفعل الحكاية،والحركة في جغرافيتها الحلمية العجائبية بما هي أساسا واقعية، مفارقة، وباصطناع تمثيلات تتضاعف فيها الصور من تركيبات وأوضاع ذات ظهر وباطن،حقيقي وعجيب،تروم تحقق الشرط الحكائي بالانتقال إلى هذا الأخير صنيع الحواة في وضعهم اللمسة السحرية، الخارقة، على الأشياء. تروي هذه»الرواية»حكاية. حكاية مدينة. مدينة اسمها فاس. فاس مدينتان: واحدة تهبط إليها، وثانية تصعد إليها. في هذا الفضاء»تصعد الحكايات وتهبط مجنونة بمسار لم يبتدعه لها أحد(...) في الطريق تضيع الحكاية (...) وفي ضياعها تحاول أن تلتقط رأس الخيط»(11). كلما ضاعت صنعت مدينة(=حكاية). لذلك ليس لها بداية ولا نهاية ككل الحكايات، فماذا تكون؟ ومع هذا لابد من الانطلاق من طريق،خيط ما، ليكن العلاقة بين شخصيتين أساسين تتمحور حولهما لتتلولب، وإن في علاقة غير متكافئة: الأولى (عادل) فاعلة، متحركة،هي الموضوع والمرسل(الحكواتي) في آن. الثانية(سعيد) جامدة،عديمة الفعل،وفي وضع المرسل إليه باعتبارها شريكا، ولتكون»غرفة تسجيل»لأصوات الحكايات،متناغمة أو متلاغطة، تمثل جدلا الجمهورَالمستمع(Auditoire)على مقتضى النوع(=الشفوي)،وهو من هذه الناحية مماثل للرواية لدى ظهورها كشكل،كسند لا كمضمون،تلك التي كتبت بلغة مبتذلة وكانت تتحدث عن الرومان (Les Romans) في القرن الثاني عشر،خلافا للاتينية الموجهة للنساخ ويكتبها الرهبان في الأديرة (انظر: تيبودي،ألبير، قارئ الرواية، باريس،م.غريس،1925،ص IV ). إنها فعلا ضاجة،متلاغطة،لأنها ليست واحدة(13)»تصير حكايات»(ن)، وهكذا سنسمع من عادل كل ما يُحكى»على ألسنة السائرين في طريق من طرقات فاس بعدما جف ريقهم من فرط ما تدفق على ألسنتهم من حكايات..»(14)،وللقارئ أن يتخيل ما يمكن أن يجري على هذه الألسنة من المهد إلى اللحد تقريبا، فهذا هو المجرى الزمني العام الذي يسلكه عادل صعودا وهبوطا،عمريا،وطبوغرافيا،وتخييليا،تزكّيه جغرافيا طبيعية لمدينة منقسمة إلى قسمين: فاس البالي، وفاس العصري(دار دبيبغ). يجري على ألسنتهم، لسانه،كل شيء في سلسلة من عمليات الاستذكار والاسترجاع والاستحضار والاستبصار والاستبطان، في القلب ذاكرة تشتغل بسرعة قياسية في تذكرها تذرع المسافات الزمنية والمكانية طولا وعرضا، ظهرا لباطن،ذهابا وأوبة،تلتقط الصغيرة والكبيرة،صانعة عمدا من الحبة قبة،بؤرتها حيث تقف القدم،وتبصر العين،وتنشط الذاكرة، وتينع المشاعر، ويتفجع القلب، وكل بؤرة تنسخ ما قبلها من تبئير فيما تكتسحه فيصبح ماء آخر سيجري مع مياه متدفقة تصنع نهر الحكاية الحكايات الغامر. نهرٌ يجمع كل ما تراكم من عمر (عادل) وما تفرق في المدينة وما تراكم من عيشه في زمنية تتراوح بين أزمنة الطفولة واليفاعة والشباب والكهولة، خطيتها مكسورة مثل طريقة سرد الرواة للحكايات، يذهبون ويجيؤون،وهم يستدعون التذكر من الجمهور، لذلك فالأصل في»حكاية غراب» أن لا ُتقرأ وبالأحرى ُتسمع، وعندئذ فهي ستندرج في سجل كتابي آخر،ليس دونيا على أي حال خلافا لتصنيف يعتبر»الأشكال البسيطة» دونية أو مبتذلة. نهر تتكدس فيه الأماكن مأهولةً وقفراً،الأسواق والأزقة رائجةً وكاسدة،الحِرَفُ بأنواع، الرجال والنساء والأطفال،بنزوات الأعمار،الثقافات واللغات متعددة،متجاورة متحاورة، معرض يتسع ليجمع كل ما حفلت به فاس من طريف وتليد خاصة،محتوٍ على مخازن من كل صنف ولون،أليست فاس أمام الزائر الأجنبي،السائح الذي ينزل إليها من علٍ،الآتي إليها من خارج، معرضا للطرائف والغرائب تقف أمامها العين لتتملاها تستنشق منها رائحة التاريخ وعتاقة الزمن، تنظر إليها مستكنِهة الغرابة، متلذذة بالعجيب، فماذا حين تنقلها العين الواصفة بروح غرائبية، لوحات عجائبية تستقل بنفسها عن أي سياق كموتيفات تزيينية، وإن كان لها أن تغذي المحكيات الصغرى،من طبيعة بشرية طقوسية أو حضارية تأثيتية، من قبيل رصد عملية الختان وإعداد الولائم والتعريف بالتوابل وألوان الطعام(وصفة إعداد القديد)(22)؛ (وصفة الإسفنج المطفي)(23) وكثير مما يؤكل في شتاء فاس من (رؤوس خرفان،رغائف محشوة بالشحم والبصل ،فول منقوب، حريرة ساخنة،وغيره من التحيمضات في العشّابين) (21) م؛ إلى جانب المهارات المحلية، وأمور تحتاج إلى جرد مستقل تظهر فيها عناية تامة من لدن الكاتب لتصوير مدينته(مدينة بطله؟)حيث مرابع صباه،ومهوى القلب،وملعب الذاكرة والخيال،تحسبه ما ترك شاردة ولا واردة مما عاشه في المكان والزمن، وما تقلّب وسطَه،وما حلم به أو انتابه هاجسا إلا سجله مباشرة،وتارة أخرى أوجد له أقنعة وأصواتا تنقله، فيحدث بين القناع والصوت تنافس على انتزاع وضع شخصية روائية،غير ممكنة في النهاية، لاستحواذٍ مُعلن للراوي على مجال حكيه وسيرته،الآخرون لا يتحركون فيها عضويا وإنما ليكمِلوها بالأبعاد التي يفترض أنها توسع الحكاية وتضفي عليها ما تحتاج إليه من أطراف وطرائف الغرابة. جمعهم الراوي كلهم في الفقرة التالية:»..أمي سعادة، وأمي لالّة حسنية، وفريدة بنت السي عبد الحق الشامي،وخالها السي عبدالرزاق لبصير،ومنصور(...) وحاييم اليهودي(...) وعمي الحاج القلالشي(...) وابن خالتي عبد الفتاح، وتوفيق ولدي، وأمي زهرة منظفة البنك، والغراب(...) والملك (...) وشخصيات أخرى..»(134)،لنسمها لا شخصيات، تنسجم تماما مع ما يعينه الكاتب بحق ب» سديم حكايات»(ن). مما يتوافق مع هذا المنزع رغبة التشميل بتوظيف التعبير الشفهي وملفوظاته مرويات ومستنسخات شعبية وثقافية ضمن إطار النوع الحكائي العام المستخدِم للُوينات شكلية كالحوار،والاستدراج،والنكتة،والمثل،والأقوال السائرة،والتعليق،والحلقة،واللَّغْو(القائم بوظيفة لَغْوية) الخ..تنخرط جميعها في توليد خطاب لا يتنطع لما هو أعلى منه، يبتغي الانسجام وكثيرا ما يحققه،ساعيا لأن يصنع لكل مرتبة بشرية وثقافية إيقاعها الخاص،لا يحفل،أو بمحذور تكاثر الإيقاعات حد التضارب،بافتقاد إيقاع كلي،إذا ما كانت الحكاية المفردة قبل الجامعة تستطيع أن تستوعبه، فالرواية تنفر منه وليست مجاله إلا بوجود الوحدة الكلية. هذه الوحدة يحتاج إليها النص قبل القارئ ويضعها الكاتب نصب عينيه،لأنها بوصلة وطريقة أداء،تضمن ما سميناه منذ مطلع هذه الورقة بصوغ الشيء الروائي،ذاك الذي يوجده الروائي وحده. من الجائز أن الوحدة تمثلها آصرة،حاضرة أو مفتقدة،هي لملمة أطراف مبعثرة من شتات حكايات حياة عادل،فهو البطل،بالمعنى التقليدي، فاس، وجميع الشخوص الفاعلين في مجال تذكره المحموم، والموتى في قبورهم أبطال، والقيم المتدهورة مع نقيضها الصاعد، وبما أن حياة عادل تفككت،وتداخلت بين أزمنة،وأمكنة ولغات وثقافات،أحياء وأموات، صعود وهبوط دائمين، فإنها بالطبيعة تفتقد الوحدة كسيرةٍ، لكن وحدتها الفنية التي تذهب بها من النوع إلى الشكل،وبالعكس، لتضع لها صنافة مورفولوجية تصلها بشجرة أنساب الحكاية. أم يجدر البحث عنها في المعلن قبل المستور، وإن كانا معا ملغزين؟ والمعلن منذ البداية هو الغراب،دالا سيميائيا مكشوفا،ومنطويا على خفائه الدلالي،مثل الكنوز المرصودة تحت المدينة(143)،وهو خدعة في الآن عينه،مثل الحكاية تماما حين تكون متقنة فيشغل الخداع وظيفتها الجوهرية. لن نطيل في دلالة الغراب في المخيال الجماعي،العربي على الأقل،ولننصرف إلى خداعيته،أي بطلان وظيفيته تماما في المحكيات، ليستخدم على امتداد نصف الكتاب(130 ص) ذريعة لا غير:»الغراب مجرد حكاية تستدعي حكايات أخرى»(133) الذي لن ينفرد بحكايته المخصوصة به إلا ابتداء من ص161،في ما يشبه الفصل،حيث نرافق(عادل)المولع بالمقابر من بين أماكن أخرى،سيرى غرابا يحوم فوق جماعة أثناء الدفن،وينسج حوله تهويمات متعددة الأشكال،كرؤى حلمية، بين المقبرة والحمّام وغرفة النوم بالمناسبة،نحتاج إلى مقاربة أدق للعلاقة بين الواقعي والحلمي بسبب التشبيك الموجود بينهما في فقرات عديدة،ولأن النص ينزع إلى تحقيق حكائيته في غير موقف على حبك هذه العلاقة مراهنا على خلق التماهي بين كلا المكونين وأخيرا في الرؤية العينية جدلا التي»تحققت»منها»أم سعادة»، شخصية الأم الثانية للراوي،التي تزوجها أبوه بعد وفاة أمه وأعتقها لكونها أَمَةً سابقة،وهذا مكون أنتروبولوجي آخر ينضاف إلى مكونات سحرية أسطورية،لأسطرة سطح الحياة الواقعية، بإعادة خلقها حكائيا. وسواء رأت هذه الأم الأُمَة، الغراب حقيقة،قتلته أم شبّه لها،فللغراب وظائف محددة من أجلها وُجد،أولها ما صرح به الكاتب نفسه، سبقت الإشارة إليه؛ ثانيها نشر جناح الغُرابية(=الغرائبية) على امتداد حكاية لا تسلس قيادها بترابط حدثي،أو كرونولوجية لا خطية ولا متداخلة،ولكن بتوزيع مقطعي يثبت لوحات في شريط متموج وخطابات متصادمة ورؤى متداخلة تتراكم وتنفصل كلما اقتربت من التلاقي في وحدة مركبة، فتعطى عنوانا فرعيا:»احتراب الحكايات»،والكاتب فيها واع بفعله،وكيف تفلت الخيوط من بين يديه فينبهنا(يعترف سلفا):»في الطريق تضيع الحكاية، تتشعب دروب المدينة،وفي ضياعها تحاول أن تلتقط رأس الخيط.»(11) فضلا عن أنه خاضع ل» استهوائ»ها(ن)،وبالتالي فهي»تحتاج إلى تنظم»(13). إدراكا من الكاتب لكل هذه الحواجز يقدم لقارئه في المدخل ما يساعده على اجتيازها بمثابة فهرس أسماه» دليل القارئ إلى حكاية غراب» ولو زاد»الحيران»ما بالغ. ثالثها ما يبتغيه النوع وهو يحاول أن يطابق شكله،مورفولوجيته،بالمعنى الذي يوجد لأجله على مقتضى الفانتاستيك،وهو أسلوب ينتج فعلا تحويليا،ينقلنا من الواقع العادي إلى عالم آخر مواز له ذي طبيعة مختلة بالدرجة الأولى. وتارة أخرى يمكن ل»الغُرابية»أن تصبح جزءا من البنية العميقة للمحكي،أي غير مقحمة ولا عارضة،وعندئذ ترسّخ انتسابه الشرعي إلى الحكاية بوصفها نوعا متميزا،مختلفا،بالطبع، عن جنس الرواية،ما همّ إن وشّح بها المؤلف صدر الرواية،فالغلاف غير ملزم للنص جبرا. جدير بالذكر أن صرصار كافكا ليست هي غراب التازي، وإلا سنحتاج إلى نقاش آخر ينقل نص هذا الأخير إلى مجال يمكن فيه استخدام مفاهيم ووسائط النقد والتأويل الروائيين، لكن.. بوسع الدارس أن يبحث عن مخرج وسط من التيه،ونقطة ارتكاز في»السديم» بالقول إن الكاتب،وهو يدرك أنه يشتغل بمواد ومهارات نوع ينتمي إلى تقاليد سردية قديمة، شفوية، ومن إنتاج جماعي،قبل كل شيء،يمكن أن يعمد إلى تحيين النوع وتلبيسه أدبيا. في هذا السبيل يتخذ التحيين أشكالا منها تطوير فن الحكاية واستخدام بعض خصائصها ولويناتها، بالاستلهام أو الاقتباس،ما شئنا،لخدمة غرضية مستحدثة،وهو نشاط لاحظناه في أدبنا العربي لدى روائيين وقصاصين،ومسرحيين خاصة،إما رغبوا في الاستفادة من التراث أو تلقيح الشكل الغربي،أو الجمع بين الحسنيين في قالب مفترض، أو ما إلى ذلك من المفبركات، وهو منهج يخرج الأدب من الزمنية،والأجناس الأدبية من أي إطار ثقافي تاريخي أوجدها وملأها. ويتخذ التحيين،الذي هو»لقاء شكل عالِم مع شكل بسيط ليعطى لهذا الأخير وجها متماسكا، وخصوصيا، وفريدا»(Jolles،م.س.187) طابع تقاطع،هو مظهر هُجنة وتبعثر لأخلاط. أن تأخذ طرفا من كل شيء ربما لكي لا تحصل في الأخير إلا على التبعثر. إننا لا نستطيع في الحقيقة،كما اعترف الباحث الألماني قبلنا،أن نجزم بقول فصل في هذا الصدد،لا ندرك بعد أي نتيجة يمكن التوصل إليها بالنسبة للنظرية الأدبية كلما تقاطع الشكلان العالم والبسيط، مقتنعين مثله أن كل تحيين يحرف هذا الأخير عن الهدف المراد الوصول إليه،من غير أن يوصله بالضرورة إلى ذلك الشكل الآخر»المتماسك،والخصوصي،والفريد»(ن). تأخذ الرواية عند التازي مكان»شعر الفن»مقابل الحكاية»شعر الطبيعة»،وإذا ما اقتربت هذه من سابقتها واقتنت لبوسها فإنها ستتجه إلى منحى الثبات النهائي للشكل العارف القرينة بالصلابة والتميز والوحدة،فتفقد بهذا حركيتها وعموميتها وتعدديتها، أي تخسر كيانها. هكذا فنحن أمام نص يطرح علينا في الأخير، وهذا جزء من أهميته الإضافية، إشكالية التلاقح بين الأنواع وقنواته وإجراءاته. ونحن نعلم أن تحول الأجناس الأدبية وتطور الأشكال ليس نتاج الرغبة وحدها بقدر ما نعلم أن»الحكاية»،حتى وهي»تعبيرعفوي» أكبر من التناسل التلقائي شفويا ومكتوبا للحكايات،ومساحة بلا حدود للتهويمات،فهي خاضعة لمورفولوجيا معينة،بقدر ما نعلم أن الرواية لم تكن في أي أدب جرابا نحشوه بكل ما ُيلتقط في الطريق لأن عمدتها النظام والتناغم والوحدة العضوية،ضمن تعددية منفتحة،هذه شعريتها ومسارها عبر تاريخ الأدب.