خلال يوم كامل، وبمشاركة أربعة عشر ناقدا مغربيا، انعقدت ندوة ( اللغة والمجتمع وغياب اليقين في روايات محمد عز الدين التازي) يوم الجمعة 29 مايو 2009 برحاب كلية الآداب بنمسيك بالدار البيضاء في ضيافة مختبر السرديات الذي دأب على الاحتفاء بالثقافة المغربية والعربية في لقاءات علمية. وقد عرفت الجلسة الافتتاحية كلمة شعيب حليفي التي سجل فيها المقاصد الكبرى من هذه الندوة وأهمية الروائي المغربي التازي في المشهد الثقافي. كما تحدث محمد عز الدين التازي عن بعض الملامح والآفاق في مسار الكتابة عنده. التخييل المفتوح انطلقت الجلسة الأولى والتي ترأس أشغالها جواد بنيس، بمداخلة عبد الفتاح الحجمري (روايات التازي : كتابة منذورة للبقاء) حيث تحدث بتفصيل عن حياة محمد عز الدين التازي الثقافية ومسيرته الإبداعية متوقفا عند أهم المحطات بدءا من أول رواية «أبراج المدينة» إلى «أبنية الفراغ».وفي مداخلة بعنوان ( الواقعي والتخييلي في رواية أبراج المدينة ) تدخل محمد بطل متحدثا عن محاور منها شبق الكتابة وتمفصل الحكي عن الخطاب، لينتقل إلى مقاربة تمفصل الدلالة الرمزية للمدينة وأبراجها. أما مداخلة عبد الرحيم جيران فكانت بعنوان» البلاغي الأسطوري في (زهرة الآس) أو تقابل العوالم» وقد انصبت على معالجة العلاقة بين الأسطوري والكتابة الروائية. وقد تطرق الباحث إلى العلاقة الماثلة بين الأسطورة والبلاغة، وضبط اشتراكهما معا. وحول (انعدام الحقيقة وهشاشة الكائن: مفاتيح لفهم المنطق الحكائي لدى عز الدين التازي) اعتبر رشيد الإدريسي المدونة السردية للكاتب من أكثر المدونات ارتيادا للتجريب، ونتيجة لهذه الخاصية التي تطبع أغلب إبداعاته، يجد القارئ نفسه إزاء عوالم حكائية غير مألوفة لديه. أما مداخلة عبد الإله رابحي الموسومة ب« التخييل الليلي في رواية الخفافيش» فقد انطلق فيها من توصيف ثنائية الظلمة والنور في الرواية بكل ملحقاتها أو سيماتها التي يعجز منطق الترادف على الإحاطة بها، وذلك عبر اقتران الكتابة الإبداعية بالحلم كسياق ليلي. وحول (لعبة الحكي وتراجيديا التحول في رواية مغارات) قارب عبد الغاني عارف النص الروائي من خلال أربعة محاور وهي المكان؛ ثم لعبة الحكي؛ وشخصيات الرواية، واخيرا اللغة وماهية الكتابة. في الجلسة الزوالية تدخل بوشعيب الساوري في موضوع ( ترميم الذات والمكان في رواية امرأة الماء) من خلال محورين بخصوص السفر في الذات والتنويع السردي .أما مداخلة سلمى براهمة فقد كانت بعنوان: «من تصدع البناء إلى تصدع الأسطورة»، حاولت فيها الكشف عن تصدع البناء وتشظيه، وذلك بالوقوف عند محاور الحكاية الكبرى أو المحكي الإطارثم المحكيات الصغرى أو محكي الشخصيات. ثم تدخل بعد ذلك جمال بندحمان في موضوع (مدارج اللغة وحكي القيامة الدنيوية: دراسة في رواية «خفق أجنحة») حيث قدم مقاربة تعتبر أن للغة سلطتها في بعض المقامات الحكائية التي تتوسل بها لتبليغ مضامين ذات التباس دلالي كبير. أما محمد خفيفي فقد كانت مداخلته بعنوان «تعدد الأصوات وانهيار القيم في رواية حكاية غراب» حول النصوص الغائبة التي قد تفرض ذاتها على المتلقين تبعا لقدراتهم الإدراكية. في الجلسة الرابعة والختامية خلال هذه الندوة والتي نسق أشغالها شعيب حليفي تدخل شريشي لمعاشي بورقة نقدية حول رواية المباءة (الرواية واللايقين ..يقين الجنون) معتبرا أن هذه الرواية هي سرد يولد من متاهة اللايقين وتتشكل من مفصلين كبيرين، الأول تخييلي والثاني شبه واقعي.أما إبراهيم أزوغ فقد قارب موضوع (صوغ المتناقضات والأوهام والمواقف في رواية بطن الحوت ) باحثا عن تيمة غياب اليقين المفضي إلى العجائبي باعتباره وسيلة تعبيرية لتصريف المواقف والرؤى. وتدخل بعد ذلك المصطفى مويقن في موضوع «دم الوعول: بين المسخ والبوح» عاملا على مقاربة الرواية من خلال دلالة المسخ. وكانت آخر مداخلة لعبد اللطيف محفوظ، تحت عنوان «بناء المعنى في رواية أبنية الفراغ» حيث عالج المعنى انطلاقا أولا من شكل توظيف اللغة الموسوم بالبساطة والشفافية في التعبير عن الموضوعات، وثانيا من خلال سجلات الكلام التي تتركب من ثلاثة مستويات، مستوى عام ومجرد، ومستوى ثقافي اجتماعي ثم مستوى ثالث يتصل بالفردي والخاص. المجرى والمسار في نهاية اللقاء تحدث عز الدين التازي عن تجربته الروائية الممتدة في مساحات التخييل الروائي من خلال ورقة جاء فيها أنه يحتمي بالكتابة من فراغ المعنى ومن المسخ والتشييء ومن ابتذال القيم، لأن ثمة ما يكمن أصيلا في ذات الكاتب، يحميها من التزلف والزيف والنفاق. بهذا المعنى – يضيف التازي - تصبح الكتابة الروائية سؤالا عن الوجود، في تضعيفاته وتحييناته في الأزمنة، في توسيع للزمن الروائي الذي يستوعب كل الأزمنة. بحيث لا تغدو الرواية وثيقة، لأنها تخون البحث عن حقيقة الإنسان. وأمام تعدد الصفات، يختم محمد عز الدين التازي قوله إنه لا يوجد إلا ككاتب روائي، وبهذه الصفة يجب أن يُعَرَّف.