الحقيقة أن بعض الممارسين للكتابة القصصية والروائية يظنون أن مسألة الكتابة القصصية تتوقف على تقديم حكاية ما للقارئ، واضعين كل طاقتهم الإبداعية رهن الحكاية المخترعة أو المختلقة أو كما يقال "المفبرَكة". ثمة حكاءون إذن يسعون إلى وضع الصفة الحكائية محل الصفة الأدبية. ومن ثم لا يجب مناقشتهم في حقول الأدب، لا لشيء إلا لأنهم كعامة البشر يحكون، فكل البشر لديهم القدرة على الحكي وعلى اختلاق الحكايات، لكنما الأدب القصصي والروائي يتعلق بداية بالقدرة على تحويل المخيل السمعي إلى مخيل كتابي.. إلى نص.. وبغير النص الذي عماده اللغة لا الحكاية يجب ألا نناقش هذه الأعمال من الأساس، لكنما وفى الغالب نحن مضطرون إلى مناقشتهم طالما أنهم مصرون على الجلوس تحت راية المسمى الأدبي. لكنما ويجب أن نحْذَر الدخول معهم في مناقشات واسعة عالية، طالما تأكد لنا أن هذه التجارب لم تحقق أوليات التجربة الإبداعية واشتراطاتها؛ إذ المفترض في هذه الحالة هو تحقيق الصدمة المطلوبة لهذه المنجزات الحكائية حتى نصل بهم إلى صحوة الحياة الأدبية / التوالد الإبداعي، والانزياح عن الإرث المشترك إلى اللغة الخاصة. ولعل هذا ما يجعلنا نقرر أن الانزياح هو الذي يحكم اللغة الأدبية بينما الدلالة الواقعية البسيطة أو حتى العميقة هي التي تحكم اللغات الوظيفية بوجه عام. إن الأديب يعكس وعيه بالحياة من خلال اللغة وطريقة استخدامه لها لا من خلال الحكائية التي يمارسها. وخضوعا لمنطق الحكاية التي لا نشك أنها عنصر من عناصر كثيرة تخص العمل القصصي أو الروائي فإننا مضطرون أن نعرج إلى التفرقة اللازمة بين الأحداث التي تنبني عليها القصة في وجودها المستقل، قبل أن تتحول إلى عمل أدبي، وبين النص الأدبي باعتباره وسيطاً روائيا أو قصصياً له منطقه الخاص في إعادة رصد هذه الأحداث من منظور زماني ومكاني مغاير، وثمة تفرقة أخرى بين المؤلف والراوية (السارد)... المؤلف له استقلاليته باعتباره مخترع للراوية (السارد) وإن شئنا الدقة خالق له، والمؤلف بالضرورة هو خالق لعشرات الرواة (الساردين) في عشرات النصوص، ولكن استقلال المؤلف يجعله بمنأى عن الالتحام بالراوية (السارد). من ناحية أخرى ثمة تفرقة بين القارئ الضمني الذي يتوجه إليه المؤلف بالخطاب لحظة الكتابة، وبين القارئ المفترض.. القارئ الضمني هو قارئ وهمي يتوجه إليه المؤلف بالخطاب لحظة الكتابة، والقارئ المفترض يظل مفترضاً في التاريخ وهو الذي يتوجه إليه الراوية بالنص، وهو قارئ حقيقي، هو من بيننا نحن جمهرة القراء المفترضين في التاريخ. هذه التفرقة تبدو أولية وضرورية ومن دون الوعي بها سيصبح المؤلف راوية، والقارئ المفترض هو القارئ الضمني، ومن ثم ستصبح الرواية أو القصة باعتبارها نصاً أدبياً مجرد حكاية يتوجه بها كاتبها إلى آخرين لا باعتباره أديباً، وإنما باعتباره ممارسا لتزجية الفراغ أو حكاءً مهمته تسلية الجماهير بدعوى توعيتهم، ثمة زعم أن تتحول التسلية إلى عمل مؤثر يثَوِّر الجماهير أو يوعيها، هذا كلام من قبيل الهرطقة لأن الأديب ليس جماهيرياً من ناحية ومن ناحية أخرى الغرض يظل عبثياً؛ لأن المهرج يظل مهرجا في نظرنا إليه. الأديب أديب بلغته وإلا فلا.. إن اختيار لغة الرواية ليس أمراً ميسوراً.. إذ هل علينا ونحن نكتب أن نراعي مستويات المتلقين الذين نفترض وجودهم افتراضاً ما، وذلك على مذهب الأدب التعليمي الذي يذهبه النقاد العرب التقليديون والمتمثل في أن الأدب يجب أن ينهض بوظيفة تنويرية في المجتمع، وعليه أن يفيد الناس ويهذبهم تهذيبا؟ ومع إننا لا نذهب هذا المذهب العليل، ومع أننا أيضا نقر بأدبية اللغة حين تنشط عبر نفسها، فإننا مع ذلك نميل إلى ألا تكون هذه اللغة عامية ملحونة أو سوقية هزيلة أو متدنية رتيبة، وإلي استخدام لغة شعرية ما أمكن، مكثفة ما أمكن، موحية ما أمكن، تصنع الجمل القصار ما أمكن، وتكون مفهومة مع ذلك لدى معظم القراء الذين لن يكونوا بطبيعة الحال عمالاً أو فلاحين أو حتى معلمي المدارس. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى يوم أن يتنازل الأديب عن دوره وعن لغته التي هي دوره ليتحول إلى رجل مخترع للحكايات مفبرك للأحداث، خاضع تماماً لمنطق الواقع ومستخدما لأية لغة للتوصيل لا التخييل، فبماذا يمكننا مناقشته غير أن نُخضِع النقاش لنفس المستوى، وننظر في حكايته التى يفبركها لنحصي له ما سقط فيه من فجوات أثناء الحكاية وما فاته أن يسبر غوره أمام الصابرين من القراء. ومن المسلم به أن الحكم النقدي أو الرأي النقدي التقييمي يركز عند النظر في نصوص القصة القصيرة على أمرين اثنين.. أولهما التحقق أو التأكد من أدبية النص، أو إجراء المراجعات حول تلك الأدبية إذا كانت قائمة بالفعل؛ بغية تصويب مسارها، وهي عملية تتعلق باللغة وكيفية استخدامها وتوظيفها. وثانى الأمرين هو النظر في الجوانب الفنية للنص القصصي بغية التأكد من قيام شرط القصة القصيرة من الناحية الفنية، وكلا الإجراءين رغم شكليهما في كثير من جوانبهما، إلا أنهما لازمان لقيام العمل النقدي على أساس سليم قبل الولوج إلا أي إجراء آخر. ولنتوقف عند الأمرين كل على حدة؟ أولاً: أدبية النص من المسلم به أن الخطاب الأدبي خطاب "غير نفعي" بمعنى أن ما يواجهنا فيه دائماً هو الطريقة أو الكيفية التي ينبني بها الخطاب، وليس واقع ما يجرى الخطاب بشأنه.. ومن ثم فكل الموضوعات التي يناقشها الأدب تبدو أقل قيمة من الطريقة التي يناقشها بها.. وهذه مسلمة أولى. الثانية: إن جميع المدارس الأدبية في محاولة تعريفها للأدب رأت أنه قابل للتعريف ليس وفقاً لكونه خيالياً أو تخيلياً، بل لأنه يستخدم اللغة بطرق خاصة. ووفقاً لهذا التعريف يكون الأدب نوعاً من الكتابة يمثل كما يقول الناقد الروسي "رومان ياكبسون" عنفاً منظماً يمارس ضد لغة الحديث العادي، وإلى هذا ذهب كثير من الشكلانيين الروس، عندما حاولوا الانتباه إلى الواقع المادي للنص الأدبي ذاته، عندما رأوا أن الأدب تنظيم خاص للغة، له قوانينه، وبنياته وأدواته النوعية التي يجب أن تدرس في ذاتها، بدل أن تختزل إلى شيء آخر. فالعمل الأدبي ليس مركبة لنقل الأفكار، ولا انعكاساً للواقع الاجتماعي، ولا تجسيداً لحقيقة مفارقة متعالية.. إنه حقيقة مادية تلفت إلى نفسها، يمكن تحليل أدائه مثلما يمكن للمرء أن يفحص ماكينة.. إنه مكون من كلمات، وليس من موضوعات أو مشاعر. في هذا الإطار يمكننا أن نتغاضى بضفة إجرائية مؤقتة عن المضمون الأدبي لننظر للعلاقة بين الشكل والمضمون من زاوية أخرى مثيرة للتساؤل: هل المضمون هو الحافز للشكل.. أم أن الشكل هو تعبير عن المضمون؟ وللإجابة أقول: لاشك وبناء على التعريف السابق للأدب إن المضمون هو مجرد فرصة مفيدة أمام الأديب لبناء المجاز، ومن ثم فكل مضمون يكتسب احترامه إذا كان قادراً على أن يظل حافزاً للشكل / المادة الأدبية / النص المعاين، الذي به يصبح الأديب أديباً، وبانهياره تنهار الصفة الأدبية عن النص وعن كاتبه. ولا شك أن العمل الأدبي هو تجميع لعناصر مترابطة، أو وظائف ضمن نسق نصي كلى مثل: الجرس، المخيلة، الإيقاع، بناء الجملة، الوزن، القافية، التقنيات الروائية والقصصية مثل وضعيات الراوية، الزمن، الشخصية، عناصر الدراما، الوظائف الحكائية وما إلى ذلك من رصد لكل العناصر الشكلية الأدبية، ولكن ما يفوتنا أن العامل المشترك بين كل العناصر هو نزع الألفة أو كما تُسمى "الإغراب"، فالشيء النوعي بالنسبة للغة الأدبية، وما يميزها عن أشكال الخطابات الأخرى هو أنها "تشوه" اللغة العادية بطرق متنوعة. فتحت ضغط الأدوات الأدبية تتكاثف اللغة العادية وتتركز، وتلوى، وتمدد، وتنقلب على رأسها.. إنها لغة جُعِلت غريبة، وبسبب هذا الإغراب يصبح العالم اليومي بدوره غير مألوف فجأة.. الأدب إذن هو ما يجبرنا دائماً على اكتساب وعي درامي باللغة، ويجعل الأشياء أكثر قابلية للإدراك، ومن خلاله اضطرارنا للاشتباك مع اللغة بطريقة أشد عسراً ووعياً بها من المعتاد، ومن خلاله يتجدد ذلك العالم الذي تضمه تلك اللغة. إنني ومن هذا المنطلق وبالتركيز على اللغة باعتبارها جوهر العمل الأدبي سأبدأ في طرح بعض النقاط الأدبية التي من شأنها أن تحقق أدبية النص: 1 لابد أن تتحقق صفة الإغراب عن طريق المجاز، وعن طريق الحيودات التي يصنعها الأديب عن اللغة الاعتيادية أو بمعنى آخر عن طريق الانزياح عن الإرث المشترك إلى اللغة الخاصة للأديب. فثمة ما يقال: اللسان العربي ولغة الجاحظ. الأولى هي الإرث المشترك والثانية هي الخبرة الخاصة عندما تتعلق بالشخص والذوق والأسلوب والاختيار، والأخيرة تتعلق بقدرة الأديب على ممارسة التشويه المستمر للغة الخطاب العادي، وكل ما تعارف عليه الناس وألفوه من أنواع الخطابات الأخرى حتى وإن كانت خطابات أدبية شائعة. والإغراب لم يكن أبداً في يوم من الأيام قاصراً على مذهب أو مدرسة أو جماعة بعينها على مدى التاريخ الأدبي كله، بل إنه سمة الأدب في كل عصر من العصور. وقد يظن البعض أن كلمة حيودات عن لغة الاستخدام العادي تعني أن هناك لغة مخصوصة صالحة لتحقيق الأدبية، وأخري غير صالحة لتحقيقها، ولعل هذا ما لا نقصده.. إن مقولة إن هناك ألفاظاً صالحة للأدب أو الشعر أو القصة، وألفاظاً غير صالحة مقولة قديمة، انتفت منذ الأربعينيات؛ فكل المفردات صالحة للاستخدام الأدبي، المهم هو التركيب، ومناسبة اللغة بمستواها وطريقة بنائها للموقف الخاص الذي تستخدم فيه أو تعبر عنه، أو كما يقال في البلاغة التقليدية "مقتضى الحال"، والأديب بحساسيته الخاصة يعرف ما هو المناسب من لغة وتعابير لمقتضى الحال، وربما هو القادر أيضاً على إرباك اللغة لحملها على التعبير عن موقف خاص.. ولعل الأديب وحده هو القادر كذلك على التوفيق بين المفردات توفيقاً جميلا أمثل للتعبير عن الموقف أو الحالة أو المعنى بطريقة جديدة، ربما أن المتكرر أحيانا هو الموقف المعبَّر عنه، لكنما يظل التعبير عنه بطرق جديدة مدهشة هو مهمة الأديب، وبصرف النظر عن كون اللغة مباهية بوجودها المادي، أو برصانتها، أو بضلاعتها القاموسية،أو غير مباهية، فقد تكون البساطة والتلقائية أحياناً هما الأنسب والأجمل لهذا الموقف أو ذاك من غيرهما. وثمة ما يجب أن نؤكد عليه أن الإغراب لا يتحقق باللغة وحدها، بل أحياناً يكون الموقف الذي تُستخدم فيه اللغة مساهماً معها في تحقيق صفة الإغراب، ولعل جهد المؤلف أو مستخدم اللغة هنا أنه بلغ من الذكاء مبلغ اختيار المناسب للمناسب، وصولاً إلى هدف بلاغي يبتغيه، أو إلى معني متسع يرتجيه. ولأضرب مثلا على ذلك: عندما نردد عبارة من عينة "هذا عبور مرعب" ونحن نشاهد فيلماً تسجيلياً عن عبور الجنود المصريين لقناة السويس يوم السادس من أكتوبر عام 1973، ربما أن هذه العبارة التي لم تُبنَ على هيئة مخصوصة رغم عفويتها لا تعتبر أدبية أو شعرية في هذا الموقف تحديداً، لكونها عبرت عن المعنى مباشرة، ولكونها اعتيادية في هذا الموقف، وهي لهذين السببين واقعة ضمن الإرث المشترك من استخدامات لغوية.. لكنما لو ردد هذه العبارة طبيب أو طبيبة أمراض نساء أو جراحة، في لحظة معاينة أيهما للآثار الدموية والتهتكات الشنيعة التي أحدثها عريس بعروسه ليلة الزفاف.. تُرى كيف يكون حكمنا على استخدامها؟ إن استخدام العبارة في هذا الموقف الأخير ينطوي على توظيف دلالي مغاير ينشأ عنه إغراب لم يوفره استخدامها في الموقف الأول. فلفظة " عبور" في الموقف الأول لم تتجاوز دلالة مواضعتها أو دلالتها الاصطلاحية.. أما في الموقف الثاني فثمة "إغراب" منشأه المغايرة بين "فض غشاء البكارة" و "عبور قناة السويس".. غير أن العبارة في الموقف الثاني تنطوي على تصور خيالي لما حدث ليلة الزفاف على أنه اقتحام، أو حرب، ومن ثم فالعريس هو العدو المدجج المقتحِم (بكسر الحاء) والعروس من ثم هي المقتحَم (بفتح الحاء)، وهكذا تنشأ المفارقة عندما تحل العدوانية المستبعدة محل الحميمية المفترَضة، وهكذا أيضاً يمكننا تصور فكرة التعشق على أنها اقتحام، وبداية الحياة الزوجية على أنها بداية حرب.... وهكذا قد تكتسب العبارة قدرة لانهائية على فتح هويس الدلالة، والتأويلات المتسعة لمجرد أنها حققت إغراباً من خلال الموقف الذي قيلت فيه، وليس من خلال قاموسيتها أو رصانتها أو ضلاعتها أو ما شابه ذلك. 2 لابد أن تكون اللغة مكثفة، بمعنى محملة بأكبر قدر من الطاقة الإيحائية والرمزية والدلالية والنفسية والرؤيوية في آن، وليس بمعنى الاختزال والرشاقة والنحول كما يفهم البعض فذاك وإن كان مطلوباً إلا أنه ليس أكثر من مظهر خارجي للغة المكثفة. ولكي يحقق الأديب هذه المواصفات لابد أن يكون قادراً على 1 الاشتباك الدائم مع اللغة بشكل أكثر عسراً ووعياً بها، وربما لكي يكون مؤهلاً للاشتباك مع اللغة لا بد أن يكون مستعداً بجانب الوعي على بذل جهد الانتقاء والتوليف والجمع بين المفردات، وهو جهد مطلوب، وربما أساسي إذ لا يتعين الأسلوب الأدبي بمجرد الخبرة المباشرة وحسب، بل ثمة حساسية فنية باتجاه اللغة لدى الأديب يجب أن تُستحث للقيام بفعلها أثناء الكتابة، الأديب وحده القادر على أن يجمع كلمة تمتُّ إلى الأرض وأخري تمتُّ إلى السماء من عينة "شجرة" و "غيمة" ليعطي تعبيراً مثل: "غيمة شجرية" أو "شجر الغيم". أما عن الوعي فهو بالضرورة متنامي، ولكي يتنامى بحاجة إلي ري دائم ليس بالاطلاع والتمرس وحدهما، وإنما بالنية المسبقة علي هجر كل ما سبق أن استخدمه الآخرون من تعبيرات في مثل هذا الموقف الذي هو بصدد التعبير عنه، حتى وإن كانت تعبيرات أدبية راقية.. إن مثل هذه النية المخلِصة ستكون دافعاً للخلق على غير مثال سابق كما يُقال أو على الأقل دافعا للبحث عن جديد نسبياً. 2 استخدام اللغة استخداماً سليماً وفق قواعدها على الأصعدة النحوية والصرفية والدلالية واللغوية والإملائية، وأن يكون قادراً على تنظيم الشكل الكتابي وفق آلية معينة يستخدم فيها علامات الترقيم وكافة الأدوات الأخرى، يدخل من ضمنها البنط الكتابي وحجمه ويدخل من ضمنها هندسة البياض والسواد في الصفحة، وتحضرني هنا مقولة "إن الأديب الجيد هو الذي يخدم اللغة بشكل جيد، لا الذي يستخدمها بشكل جيد" وأري أن كلا الطريقين مسدودان أمام من لم يسيطر بعد على قواعد الاستخدام الصحيح للغة. 3 أن يضع في اعتباره أن هناك سمة نوعية فارقة هو معنيٌّ بالضرورة بها لحظة أن يبدأ في إنتاج النص، وهي سمة نوعية أسلوبية ورؤيوية تتوقف علي طريقته في التعامل مع اللغة، إذ عليه أن يبني اللغة بطريقة مخصوصة، عندما يعرف متى يقدم ويؤخر عند بناء الجملة أو العبارة، وعليه أن يعي كيف يأتي المجاز كثيفاً، وكيف يأتي التعبير رشيقاً، غنياً بالدلالات ، وغير ذلك عليه اللجوء إلى التعبير التصويري والرمزي والإيحائي عن المعنى أو عن الحالة أو عن الموقف، ليس هذا فحسب بل أيضاً أن يكون قادراً على تحقيق الإيجاز المطلوب، وعليه أن يتوقف عند كل كلمة، أو عبارة، أو تفصيلة حدت ليسأل نفسه سؤالاُ مهما: تري لو استغنينا عن هذه أو تلك هل سيتأثر المعنى؟ فإذا كانت الإجابة ب"لا" فعليه أن يتخلص من الترهلات إذن.. وغير ذلك لابد أن يضع الأديب في اعتباره أنه معنيٌّ بالتعبير عن حالة سديمية، أو عن رؤية غائرة، وليس عن معانٍ واضحة، أو سطحية، أو محددة جبرياً على عادة الأفكار والمعاني العلمية، مثلما أنه ليس معنياً بالتعبير عن رؤية اعتيادية، أو عن موقف اعتيادي، وليس ناقلاً لما يألفه الناس، وليس بنفس الطريق التي يعبرون بها وهم يلوكون الأخبار والحكايات.. إننا بحالة ما لسنا على استعداد لأن نتوقف عند محطة كاتب يَدَّعي مثلا أن لدية قصة قصيرة عن حرب أكتوبر بين الجيش المصري والجيش الإسرائيلي في سيناء عام 1973، ثم نفاجأ أنه لم يزد عما تناقلته الدوائر الإعلامية والسياسية والعسكرية أو حتى عما يتناقله الجنود العائدون من الحرب.. لاشك أنه أديب مخيب للآمال إذ يستهلك وقتنا فيما خبرناه، وربما بأكثر من خبرته، غير أن الإشكالية ليست في أنه قدم حكاية ألفناها وخبرناها أكثر منه أو أقل، الإشكالية تكمن في: ما الذي يريد الوصول بنا إليه من وراء الحكاية تلك، وهل هذه الرؤية المستهدفة تقع أيضاً في إطار خبراتنا الاعتيادية أم أنه يصعد بنا إلى منطقة رؤيوية جديدة لم نألفها من قبل؟ فيما أظن أنه بغير ذلك تنتفي عن الأديب خصوصيته كمنشئ باللغة، وكرائي، وكرؤيوي ، ومن ثم يصبح كل خطاب يقدمه اعتياديا، ومن ثم فكل كتابة يقدمها تقع بالضرورة خارج الكتابة الأدبية. ثانياً: الجوانب الفنية للنص القصصي 1 القصة كعمل درامي لقد تطور فن القصة في خلال القرون الثلاثة الماضية حيث وصل في عصرنا الحاضر إلى ما يُسمى بالقصة الدرامية، ولا شك أن القصة ذات الطابع الدرامي هي أرقي أنواع التعبير القصصي المعاصر، والدراما تعني ببساطة الصراع في أي شكل من أشكاله، والتفكير الدرامي هو ذلك اللون من التفكير الذي لا يسير في اتجاه واحد، وإنما يأخذ دائماً في الاعتبار أن كل فكرة تقابلها فكرة، وأن كل ظاهر يستخفي وراءه باطن، وأن التناقضات وإن كانت سلبية في ذاتها فإن تبادل الحركة بينها يخلق الشيء الموجب، ومن ثم كانت الحياة نفسها إيجاباً يستفيد من هذه الحركة المتبادلة بين المتناقضات. وإذا كانت الدراما تعني الصراع، فإنها تعني أيضاً الحركة من موقف إلى موقف مقابل، ومن عاطفة أو شعور إلى عاطفة أو شعور متقابلين، ومن فكرة إلى وجه آخر من الفكرة، وهي موضوعياً أي الدراما تتخذ مادتها من الحياة، وربما لهذا يقال: إن الحياة في طبيعتها درامية.. طبيعة بناء الحياة في مجملها قائمة على هذا الأساس الدرامي، فلا غرو أن تتمثل الدراما في كل جزئية من جزئيات هذا البناء، وأعني مفردات الحياة ذاتها. وربما لهذا يقال إن التفكير الدرامي تفكير موضوعي إلى حد كبير حتى عندما يكون المعبر عنه موقفاً أو شعوراً ذاتياً صرفاً. وعموماً فإنه ليس من السهل أن يتحقق الطابع الدرامي في العمل القصصي ما لم تتمثل وراءه أو فيه العناصر الدرامية الموضوعية الأساسية وأعني بها الإنسان والصراع وتناقضات الحياة ومفارقاتها. وبجانب خاصيتي الحركة والموضوعية اللتين تميزان التفكير الدرامي هناك خاصية أساسية هي التجسيد، إذ لا يأتلف التفكير الدرامي ومنهج التجريد؛ لأن الدراما أي الحركة لا تتمثل في المعنى أو المغزى، وإنما تتمثل فيما يؤدي إلى معنى ومغزى، وأعني الوقائع المحسوسة التي تصنع نسيج الحياة، ومن ثم كان التفكير الدرامي هو التفكير بالأشياء، أي مجسماً لا تفكيراً تجريدياً، ولهذا فإن من سمات العمل القصصي الدرامي أنه يعني بالتفصيلات الحية والجوهرية. ولذلك فإن طبيعة العمل الفني الرامي ينظر إليها من جانبين، الفني والرؤيوي معاً، إذ لا يمكن أن يكون التفكير دراميا والنتاج الفني غير ذلك، والعكس أيضاً صحيح، ولا يمكن أن يكون التعبير درامياً ما لم يكن الدافع الأول للكتابة يحمل في ثناياه بذوراً درامية. فمن حيث الرؤية فإن الفنان في إطار التفكير الدرامي يدرك أن ذاته ليست معزولة عن بقية الذوات الأخرى في العالم الموضوعي بعامة، وإنما هي ومهما كان استقلالها ليست إلا ذاتاً مستمدة من ذوات تعيش معها في عالم موضوعي تتفاعل معه، وهو ينفتح ببصيرته على دراما الحياة في مسيرة سعيه الدؤوب لرصد الأشياء وفهم الحياة على التناقض الذي يتمثل في أبسط جوانب الحياة قبل أن يكون في أكثر الجوانب تعقيداً. وهو أي الفنان في حالتي الصراع ورصد المتناقضات، و المفارقات قادر على أن يقدم إلينا إنتاجاً درامياً من الطراز الأول، إذ يستطيع أن يقيم بناء فلسفياً يفسر لنا الحياة والأشياء تفسيراً خاصاً. ومن ثم وفي إطار التفكير الموضوعي لا يمكن للفنان أن يصب شعوره أو فكره إلا في إطار البنية الدرامية العامة للحياة. ولذلك يقال إن من طبيعة التفكير الدرامي أنه لا ينظر في اتجاه واحد، ولا يتوقف عند السطوح، ولا يقول ما قيل من قبل، ولا يقول ما قيل دون معاناة، وكما قال الدكتور عز الدين إسماعيل في معرض حديثه عن النزعة الدرامية: "إننا في عصر لم تعد فيه السطوح الملساء تستثيرنا، لكثرة ما استثارتنا من قبل ولم تعد الأنوار وحدها تبهرنا، ولم يعد الظلام وحده يخيفنا، ولكن حين يجتمع النور والظلام يكون البهر والخوف"، وربما أن المثل القديم "إنما يظهر الشيء ضدُه" قائم أساساً على تصور الفكرة بين نقيضين، هكذا يمكننا أن نقرر أن النبرة الوعظية المباشرة، والخطاب الممهود المسطح، الذي يؤثر السلامة فوق السطوح الملساء، لم يعدا لهما موضع في الخطاب العصري الدرامي، ربما لأنهما فقدا جدواهما على التأثير، لمجافاتهما طبيعة الحياة من جهة، ومن جهة أخرى لأن إنسان العصر لم يعد من السذاجة التي تجعله بحالة ما يتأثر بخطابات لا تتماهي مع طبيعة الحياة المتصارعة، بمفارقاتها، وانهياراتها المتلاحقة، وحركيتها التي لا تريم. وربما لهذا يقال: لا تسطح ولا استواء في العمل الدرامي، والفنان المنهمك في فهم الحياة لا يمكن بحالة ما إلا أن يكون صاحب نزعة درامية مسيجة بالوعي الشمولي، وإن وعي الفنان هذا هو ما يحميه دائماً من التسطح والابتذال والتفاهة، وربما لهذا يقال أيضاً: إن السارد (الراوية) المطمئن غير مقنع وغير منطقي وغير مؤثر، إن اطمئنانه يجعله منفصلا عن الواقع المضطرب الذي يتصارع من حوله، ولذلك يقرض عليه اطمئنانه كثير من التمهيدات والتهييئات قبل الدخول إلى الحدث، كما يعطيه سلطة السيطرة على الزمن، فنراه يوقف الدراما ويعطل الحركة أحيانا ممارساً ثرثرته حول الحدث، وحول أفعال الشخوص وتصرفاتهم، وهو غير مقنع لأنه في عالم اللايقين يمكنه أن يدخل إلى رؤؤس ونفوس الشخوص لينقل لي بدلا عنهم كيف يسعرون الآن، وفيما يفكرون. ومن حيث الفن فإن للتعبير الدرامي وسائله في النص القصصي الكثيرة، منها ما نلمسه من عناية بالتفصيلات الحية والجوهرية والتي من خلالها تتجسد رؤية القاص، فمهما يقال إن الدراما متجسدة في الحياة، فإن اكتشافها رهن برؤية الفنان عموماً. ما نلمسه على مستوى الحدث من صراع بين النقائض، وفي الحركة والحركة المتقابلة بين الأفعال وردود الأفعال، وسائر المقابلات التي تغزى الدراما، وعلى المستوى التعبيري ما نلمسه في اللغة من مقابلات.بين الصور والمفردات، أو بين الجمل والألفاظ، أو المقابلات بين الأبعاد الداخلية للشخوص وخارجهم، ولهذا كان الحوار بنوعيه الداخلي (المنولوج) والخارجي (الديالوج) من عناصر المغذية للدراما في النصوص لو أحسن توظيفهما، ومن شواهد التعبير الدراما أيضاً ارتباط اللغة بالموقف الدرامي الذي يعبر عنه الفنان، ولذلك من ضمن فنيات القصة الدرامية وجمالياتها أن تأتي لغة السرد الدرامي متوائمة مع الحدث ومع الشخوص وبيئاتهم ورغباتهم ومستوى تفكيرهم. ولنا أن نتوقف ونحن في طريقنا إلى الأسس البنائية للقصة القصيرة عند السارد (الراوية) باعتباره صاحب السرد، وصاحب وجهة النظر القصصية ، وصاحب منظور القص الذي يمارس من خلاله رصد الأحداث، أو باختصار هو أداة المؤلف للتعبير عن الدراما. 2 السارد ووضعيته كثيراً ما تنتاب المرء منا رغبة أن يحكي لأصدقائه حكاية ما حدثت معه أو أمامه في الحقيقة، وهو يعلم أنه بمجرد أن يشرع في الحكي عليه أن يتحول إلي راوية، ومهمته واضحة هو نقل حكاية ما، حدثت حقيقة، لكنه حقيقة يتساءل: لماذا أنا راغب في نقل هذه الحكاية للآخرين؟ وعليَّ أن أجيب بيني وبين نفسي؛ إذ لابد أنني أهدف إلى توصيل رؤية ما من وراء الحكي، إذ ليس من المعقول أن يكون الهدف هو مجرد التسلية، أو حتى مجرد إعادة إنتاج الواقع الذي يراه ويشاهده الناس ويألفونه.. إن مجرد ألفتهم للواقع تعني أنني بالنسبة لهم أطرق المطروق، أو أعيد عليهم ما يخبرونه جيداً.. من ناحية أخري لابد أن أسأل نفسه: أين أنا من الأحداث التي سأرويها: أو بالمعني هل أنا مجرد مراقب من الخارج ودوري الآن هو النقل فقط،، أم النقل والتعليق والتعقيب على الأحداث، أم النقل فقط.. أم أنني حقيقة كنت مشاركاً فيها مثل بقية الشخوص، وهل أنا مشارك بدور أساسي أم كنت هامشياً في الأحداث، أم أنني حقيقة سأنقل أحداثاً لم أكن مشاركا فيها، ولم أكن أعي تماماً ما يدور ولكني سأنقل ما يمكن أن يكون قد وصلني منها علي قدر استيعابي.. باختصار علي الراوية أن يحدد وضعيته من الشخوص والأحداث.. السؤال الذي يمكنه أن أسأله لنفسه قبل أن أشرع في الحكي: من أين أبدأ ؟ لقد حدثت الأحداث في الحقيقة دفعة واحدة أو جملة مترابطة، وفي زمن مركب (زمن القصة في الحقيقة) وعليَّ الآن أن أسلسلها في زمن آخر متسلسلة أفقيا حدثاً وراء حدث (زمن القصة في النص)، ثم أقوم بعملية الربط بينها حتى يستوعب المحكي له العلاقة بين جزئيات الحدث، إذن عليَّ أن أكون صاحب منظور قصصي معين يؤهلني لتشويه زمن القصة التي حدثت حقيقة؛ ليتسنى لي عرضها بشكل آخر وفق تراتبية زمنية مختلفة.. من ناحية أخري أنا أسأل نفسي أيضاً: كيف أبدأ الحكاية.. هل سألتزم بمنطق حدوثها في الحقيقة أم سأبدأ وفق منطقي الخاص، كأن أبدأ من نهايتها مثلا ثم أعود لاحقاً إلى البداية، أم أبدأ من المنتصف، ثم أرتد إلي البداية، وهذا معناه أنني لابد أن أكون صاحب منظور معين للقص يتفق مع وضعيتي التي حددتها سلفا، ويتفق مع وجهة النظر التي أمتلكها أساساً، وعلي أن أتساءل أيضاً هل أنا مجرد سارد للقصة، أم أنني في الحقيقة صاحب أسلوب قصصي مشوق وممتع ومتفرد (مؤلف) وعلى أن أفصل بين كوني مؤلفاً، وبين كوني سارداً، وربما أنني تراجعت أمام عملية القص إذا اكتشفت في لحظة ما أنني لست أهلا لأن ألعب دور المؤلف.. ومن جهة أخرى علي أن أسأل نفسي هل ما حدث في الحقيقة يصلح لعرضه الآن كحكاية لها خاتمتها المنطقية، أو المفارقة؟ وهل لها مبتدؤها الممهود لاستيعاب وجهة النظر، وهل هي حكاية غنية بما يؤهلها لتغذية السرد بعناصر مؤهلة لصنع حكاية مشوقة ذات مغزى؟؟ ثمة أسئلة كثيرة إذن وسمة أدوار، ووضعيات ووجهات نظر ومنظور قص، وأسلوب سرد، ورؤية ما من وراء السرد، وفي النهاية ثمة مؤلف ناسج له سمة الأديب الذي يستطيع أن ينشئ باللغة وعليه أن يتسامي عن مجرد كونه سارداً إذ المفترض أن السارد من اختراعه، والمفترض أن السارد مجرد أداة من ضمن أدواته الأخرى. لعلني بهذه المقدمة أكون قد مهدت للوصول إلى ما أقرته نظرية البويطيقا بخصوص دور السارد (الراوية) ووضعيته، وبخصوص التفرقة بين القصة كما حدثت في الحقيقة، وبين العمل القصصي.. وقبل أن أعرض لهذه الآراء أتوقف عند مقولة من عينة ما قرأناه ونقرأه عند المبتدئين وأحيانا غير المبتدئين وهم يضعون لافتة فوق النص تؤكد أن "هذه قصة واقعية" دون أن يدركوا أن كلمة واقعية لا تعني أنها حدثت في الحقيقة، فثمة واقعي وحقيقي، الواقعي هو النقيض من الرومانسي، وهو أيضاً النقيض من السريالي، وهو النقيض من الأسطوري، ولا يعني ذلك حدوثه على وجه الحقيقة، بل يعني التزامه بالواقع على مستوي الرؤية، هو تصنيف رؤيوي فلسفي إذن، يجر إلي اشتراطات فنية عند الكتابة، أما الحقيقي فهو ما حدث بالفعل وما يمكن أن نقرأه في صفحات الحوادث في الجرائد، وما يجري على ألسنة الناس من حكايات حول ما فعلوه أو ما شاهدوه، ومهما كان أسلوبهم، فإن ما يحكونه ليس عملا قصصياً، لأنه لم يجب عن كل الأسئلة التي سبق أن طرحتها، ولأن مهمة عرضه ليست مهمة الأديب/الفنان، فإعادة إنتاج الواقع ليست من الفن في شيء، الفنان هو من يفن، ولعل الإبداع أساسا كتعريف قاموسي هو الخلق على غير مثال سابق. ولعل كل الدراسات التي تمت أو تتم على القصة القصيرة أو الرواية، تبدأ من اعتباره عملاً سردياً، له سارد (راوية) وهو شخصية وهمية مخترعة لأداء دور معين، مثله مثل الكاميرا أحيانا في يد المصور عليه أن ينقل الأحداث بحيادية، إذن هو في النهاية أداة من أدوات القاص (المؤلف) وله مستوى لا يتخطاه، أو بالمعني هو في إطار دوره يختلف عن المؤلف، ومن ثم له وجهة نظر ترتبط بوضعيته بالنسبة للشخوص والأحداث، وله مستوي معين من الفكر والثقافة في إطار دوره أيضاً، وهو مختلف بالضرورة عن مستوي المؤلف (صاحب آلاف الرواة أو الساردين عبر أعماله الإبداعية) لذلك يمكننا ببساطة اكتشاف سطوة المؤلف على الراوية ودوره عندما نجد أسلوب الراوية أعلي بكثير من وضعيته في القصة، وأعلي من مستواه الفكري والثقافي المفترض إذا كان من الشخوص ساعتها يمكننا التعرف علي مستواه من خلال حكيه عن نفسه، ومن خلال سلوكه الفعلي ومساهماته في الأحداث، أو من خلال المعلومات التي يوفرها لنا عن نفسه، كأن نأتي بعامل في البلدية مثلا، ولم يتلقى تعليماً، ومن وسط فقير ثقافياً، ومادياً وحضارياً، ثم نجعله بطل القصة وراويها ، ثم نجعله يتكلم في حواراته بلغة قاموسية رصينة، ثم ننطقه بمنطق المثقفين، ثم نجري على لسانه حديثا يفيض فلسفة وتحليلاُ للواقع، أو تتساقط منه عبارات تنم عن تخصصية علمية، أو تبحر فكري.. هنالك نكتشف أن المؤلف أعطى الراوية أجازة مفتوحة وبدأ يتحدث نيابة عنه، وهنالك نقول: لقد سقطت الأداة الأولي في يد المؤلف وهو الراوية ومن ثم لا عمل قصصي في الأساس، إذ بانهيار السارد (الراوية) ينهار السرد تماماً. إذن عندما نشرع في السير في دراسة وضعية /وضعيات السارد في علاقتها ببنية النص يجب أن نفرق بداية بين القصة كما حدثت أو تحدث في الحقيقة وبين العمل القصصي/النص باعتبار الأخير وسيطا قصصياً/خطاباً. ثمة فارق كبير إذن بين النص القصصي والقصة أو الأحداث الحقيقية قبل أن تتجسد في نص. إذ تُرى أحداثا ينظر إليها على أن لها وجوداً مستقلا عن أية وجهة نظر معينة تظهر من خلالها الأحداث في العمل القصصي/النص. وينظر إليها على أن لها خصائص الأحداث الحقيقية التي لها وجود فعلي، والأحداث في وجودها الفعلي يمكن أن تحدث جملة " في لحظة واحدة "لكنها في الخطاب القصصي تأتى بكيفية ما وفق نظام زمني أفقي تراتبى قد يستغرق مساحة زمنية طويلة لذلك يمارس السارد (الراوية) كافة صلاحياته – باعتباره صاحب الخطاب القصصي وصانعه- في تشويه هذا الزمن الأفقي ليربكه ويجعله قادرا على استيعاب الأحداث بشكل أو بآخر، وربما يترتب على هذا الإرباك والتشويه الزمني أن العمل القصصي ربما لا تظهر فيه العلاقات بين حدث وحدث بشكل يتفق ومنطق الواقع أو منطق حدوثها في الحقيقة أو حتى ترتيبها. والسارد وهو يقوم بهذا الفعل لا يقوم به اعتباطاً وإنما يتم الأمر وفق منظور معين أو وجهة نظر معينة. هذا المنظور أو وجهة النظر هو الذي يحدد وضعية السارد مكانياً وزمانياً بالنسبة لشخوص قصصه. والحقيقة أن وضعية السارد تثير مشكلات منهجية عدة، يتعلق بعضها ببنية النص وبعضها الآخر يتعلق بالقيم المبثوثة في النص، وبعض ثالث يتعلق بالعلاقة بين النص والمؤلف، وبعضها يتعلق بأسلوب السرد، وبعضها يتعلق ببنية الزمن القصصي، وبعضها يتعلق ببنية المكانية في النص. ولقد حدد "تزفيتان تودوروف" وضعيات أو تجليات السارد في النص في ثلاثة أصناف: السارد أكبر من الشخصية القصصية أو الروائية (الرؤية من الخلف) وهو ما يسمي بالسارد العليم الذي يبدو أعلي من شخوصه. السارد مساوٍ للشخصية (الرؤية مع أو الرؤية المصاحبة) وهو أقرب إلى الكاميرا الذي عليها أن تنقل الأحداث بحيادية. السارد أصغر من الشخصية (الرؤية من الخارج أو الأمام) وفيها تبدو معلومات السارد أقل من شخوصه، كأن ينقل مثلا قصة من داخل المناجم، وهو لتوه يدخل منجما لأول مرة في حياته. ولقد كان القصاص والروائيون التقليديون لا يعرفون أو لا يكادون يعرفون إلا ما يسمى في تقنيات السرد بالرؤية من الخلف، حيث الراوية المسيطر على الحدث والشخوص يعرف كل صغيرة وكبيرة ويسمح لنفسه بالشروح والتعليق على الأحداث، وربما أعطي لنفسه حق السخرية من الشخوص، ويسمح لنفسه أيضاً للدخول إلى جوانيات الشخوص وينقل ما في ضمائرهم، ونفسياتهم، وربما يمارس بعضاً من التعليق عليها وشرحها باعتباره عليما بكل شيء، ولذلك يبدو سرده ملئ بالثرثرة، وبالفجوات غير الدرامية أي الخالية من الفعل ورد الفعل، أو الأحداث، فيما يحتل وحده مساحات كثيرة من السرد، بعيدا عن صلب الأحداث. هذا بالنسبة للسارد ووضعيته.. أما عن القصة القصيرة كعمل نوعي له سماته الفنية المحددة التي تجعله عملا فارقا عن الأجناس الأدبية الأخرى ومهما قيل أنه يستوعبها أو يتماس معها، ومهما قيل أن الحدود سقطت بين العرق والجنس واللون، فإن كل ذلك يأتي من باب التقارب والاستيعاب وليس من باب القضاء على النوعية. إننا لا نستطيع أن نلغي تاريخ الأدب ونظرياته والمنجز فيه من أعمال فنية، ولكن علينا أن ننطلق منها لا عليها، هذه واحدة، الثانية لكي أنطلق منها لابد أن أعيها أولاً، ومهما يقال إن الفن هو التجاوز أو اجتياز المحددات التقعيدية ولعل هذا صحيح يبقي شرطنا في مضمار الفن أن الخروج على الفن لابد أن يكون بفنٍ أيضاً. ولعلني أكون ممهدا بذلك لعرض ما اتفقت عليه المراجع الأدبية في مجال القصة القصيرة كعمل نوعي. 3 الأسس البنائية للقصة القصيرة والحقيقة إن النقاد عبر التاريخ الأدبي الحديث ومنذ بزوغ القصة القصيرة في منتصف القرن التاسع عشر وحتى الآن اختلفوا في تعريف القصة القصيرة، وذهبوا مذاهب شتى، ومع ذلك فإن محاولة تعريف القصة القصيرة تعريفاً جامعاً مانعاً لم يُكلل بالنجاح، ولعل تقريب مفهوم "الشكل" وتقاليده، عن طريق مقارنته بالرواية التي تشاركه في بعض الملامح والقسمات، يصبح أكثر إقناعاً وتيسيراً لتقبل خصائصه ومميزاته في محاولة السعي من أجل التعريف والتحديد. إن القصة القصيرة هي أقرب الفنون الأدبية إلى روح العصر، لأنها انتقلت بمهمة القصة الطويلة أو الرواية من التعميم إلى التخصيص، فلم تعد تتناول حياة بأكملها، أو شخصية كاملة بكل ما يحيط بها من ملابسات وظروف وحوادث كالرواية. وإنما اكتفت بتصوير جانب واحد من جوانب حياة الفرد، أو زاوية واحدة زوايا الشخصية، أو تصوير خلجة واحدة من خلجات النفس الإنسانية، تصويراً مكثفاً يساير روح العصر في إيجاز وبكلمات منتخبة، تؤدي إلى جلاء حقيقة واحدة، أو تحديد رأي معين، أو نقل انطباع خاص. فإذا كانت الرواية تتناول قطاعا طولياً من الحياة، فإن القصة تتناول قطاعا عرضيًّا. وإذا كانت الرواية أقرب إلى التوغل في أبعاد الزمن، فإن القصة القصيرة أقرب إلى التوغل في أبعاد النفس. وعليه يمكننا أن نحدد الأسس البنائية للقصة القصيرة. لما كانت القصة القصيرة تُعدُّ من أصعب الأشكال الأدبية، فإن نقاد هذا الفن الأدبي، يحاولون وضع مجموعة من المقومات والمبادئ، تشكِّل أسسه البنائية الفنية، حتى يَتَرَسَّمها كل من يريد الإبداع في هذا المجال، ومنها: مبدأ الوحدة: إنه جوهري وأساسي من أسس بناء القصة القصيرة فنيًّا، فالقصة القصيرة يجب أن تشمل علي فكرة واحدة تعالج حتى نهايتها المنطقية بهدف واحد، وطريقة واحدة، وهذا المبدأ هو ما يميز كلَّ قصة قصيرة جيدة عن غيرها، إذ إن طبيعة القصة القصيرة لا تسمح بعناصر مختلفةٍ تدخل في نسيجها، وما نلاحظه في كثير من القصص الحديثة من خروج عن مبدأ الوحدة هذا هو في الحقيقة ليس خروجاً، فكثيراٌ ما نلاحظ ثمة تشعب بوسائل فنية إلى ماضي الشخصية عن طريق الفلاش باك " الاسترجاع"، أو إلي اجتاز اللحظة القصصية إلي الأمام عن طريق الاستباق، أو الحلم، أو التداعي الحر، أو ما شابه ذلك من وسائل من شأنها الخروج بفنية ما عن اللحظة القصصية، إلا أن ذلك لا يعد خروجاً ما دام يتم وفق مع وجهة نظر الراوية ومنظور القص عنده، وما دام خروجه مبررا فنياً لتدعيم اللحظة القصصية نفسها. وربما المثال الذي دائماً ما نعطيه كتطبيق عملي علي هذه الجزيئة، وهو مثال افتراضي على أية حال: نفترض أننا بصدد كتابة قصة قصيرة عن حادثة تصادم سيارتين، فإن مهمة السارد من حيث تطبيق مبدأ الوحدة هي تصوير أو رصد لحظة التصادم نفسها، أما لو نظرنا إلى وجهة نظر السارد الكامنة وراء عملية الرصد وربما دافعه إلى الرصد سنذهل. هو سارد متابع فقط، وأراد أن ينقل لنا حادثة التصادم هذه من خلال وجهة نظر محددة تتفق مع رؤية ما يعتنقها، ولتكن مثلاً: "فتِّش عن المرأة وراء كل جريمة، أو حدث حتى لو كان حادثة تصادم سيارتين".. هذه الرؤية ستظل دافعه إلى عملية الرصد، وهي السبب الجوهري من وراء نقله الحادثة، وهي على أية حال هي رؤية خاصة بالمؤلف، ولكن المؤلف اخترع لها ساردًا ينوب عنه لنقلها أو يعبر عنها من خلال نقله لحادثة التصادم تلك.. إذن العملية ليست مجرد إعادة إنتاج الواقع، وليست مجرد رصد حادثة من شأنها أن تسلي القارئ أو السامع، وليس لتزجية الفراغ، وليس للحديث عما يمكن أن يكون متوقعاً عن أحداث السير وتزاحم السيارات أو مخالفة قواعد المرور أو ما شابه ذلك مما يعرفه الناس من أحداث اعتيادية. لهذا هو مضطر بناء على وجهة نظره تلك أن ينتقل بالكاميرا ( عين السارد)، مودعاً المشهد الآني (التصادم وما فيه من تحطم ودماء وفرقعات وقتلي) إلى ماضي كل شخصية على حدة؛ لينقل لنا معتمداً على "الفلاش باك" لقطات من حياة السائق الأول الذي كان شارد الذهن، لأن امرأته ليست جميلة، ولكنه تزوجها دون قناعة منه خضوعاً لثقافة البيئة القروية الريفية القبلية التي قد تُلزم ابن العم أن يتزوج من ابنة عمه درأ للعار الذي لابد أنه سيلحق القبيلة لو أن ابنة عمه ظلت هكذا دون رجلٍ، أو مطمعاً للرجال. ومن ثم فإن هذا السائق بوضعيته تلك غير قنوع بامرأته، ودائماً يروغ ببصره إلى النساء في الشارع، ومن ثم كان من المنطقي أن يصطدم يوماً ما بالسيارات المارقة وغير المارقة في الطريق. السائق الثاني وهو ثري.. و سوف يتطرق إليه السارد أيضاً عن طريق "الفلاش باك "إلى لقطات من ماضي حياته، وهو على أية حال متزوج من امرأة جميلة جداً، تزوجها دون إرادة أو رغبة حقيقية منها، خضوعاً لرغبة أسرتها في تزويجها من هذا الثري، ومن ثم لم تكن حياتهما مظللة بالمودة والوئام وكانت كثيرة التمنع والتدلل، والمطالب، كثيرة الأوامر، استطاعت أن تسيطر عليه وتسلبه قراره في بيته وحياته برمتها، وكان رغم هذا صبورا عليها، غير أنه لم يجد منها ما يرضي رجولته وذاته كرجل، ومن ثم هرب منها إلى الخمر، وأمسى وأضحى يعاقرها حتى لأنه أدمنها، ومن ثم كان يقود سيارته وهو مخمور. على أن ما يجب أن ينقله السارد من ماضي الشخصيتين لا يجب أن يكون بأية حالة مثلما عرضت أنا بشكل مباشر هنا، بل عليه أن ينقله بأسلوب الكاميرا التي تنقل أحداثاً ووقائع يستشف منها القارئ ما قيل هنا بأسلوب مباشر. وعليه بعد أن يمارس ما مارس من ارتدادات نحو ماضي السائق الأول والثاني أن يعود إلى لحظة التصادم التي من المفترض أننا لازلنا متوقفين عندها، إذ هي اللحظة القصصية الرئيس، ونحن المعنيون برصدها، وهى وحدها التي سننقل من خلالها رؤيتنا السالفة. لنعود إذن إلى لحظة التصادم وقد تجمهر الناس حول الواقعة والسيارتين المحطمتين، والدماء السائلة، وسط لغط الناس وحواراتهم التي قد لا تعنينا في لحظة القص كثيرا، وإنما الذي يعنينا أن تتوقف كاميرا السارد أمام امرأة جميلة جدا تمرق عبر المكان بجوار السيارتين.. ومن دون أن تعبأ بمعاينة الحادث كان الناس المتجمهرون معنيين بتفرسها، وفيما كان السارد مركزاً كاميراته عليها غابت، وربما أن في تلك اللحظة كانت روح أحد السائقين قد خرجت، فيما كان الثاني يحتضر وعينه كغيره من الناس تتابع تلك المرأة المارة.. لتنتهي القصة وقد استطاع السارد (الراوية) كسر مبدأ الوحدة والخروج منه بفنية ما تتعلق أو تتفق مع وجهة نظره، واستطاع من خلال تركيزه على لحظات معينة وأحداث بعينها أن ينقل إلينا رؤيته، وإن كان من خلال رصده لحادثة السير أو التصادم بين السيارتين، ولا يستطيع أحد من الراصدين لفنيات القصة أن يتهمه بكسر مبدأ الوحدة/ وحدة الحدث، ووحدة اللحظة القصصية، مع أنه حقيقة كسرها، وهكذا هو الفن دائما، التجاوز عن محددات الفن بذات الفن. مبدأ الثكثيف : القصة القصيرة هي الفن الأدبي الشديد التركيز والتكثيف والموضوعية، وما دامت القصة القصيرة تعالج موضوعا واحدا، أو فكرة واحدة، أو موقفاً محدداً، أو جزئية من جزئيات حياة شخصية ما، ويتلقى القارئ أثرها ككل، وفي الحال، وبسرعة أيضاً، فإن عنصر التركيز يلزم أن يكون مقَّوماً من مقوماتها الإيجابية الخاصة بها. غير أن البعض يعي التكثيف في القصة على أنه الاختزال، والاختصار، والتلخيص.. والحقيقة إن هذا الفهم هو وراء ما نقرأه من قصص دائما تبدو كالفرخة بغير لحمها، نعم تبدو القصة هيكلا عظمياً، أو في تشبيه آخر مثل "شاسيه السيارة" عندما نصوره وحده ونقدمه للناس تحت شعار: "هذه سيارتكم الرشيقة"!! لا لا.. الأمر يختلف.. هناك تكثيف علي مستوي اللغة بالاستغناء عن غير الدال من مفردات ترد في العبارة، وبناء العبارة وفق مبدأ مهم في البلاغة العربية ألا وهو الإيجاز، وكذلك استخدام لغة مكتنزة بالإيحاءات والتصويرات المشفة عن معاني كثيرة ومتسعة. وهناك تكثيف يتم على مستوى الأحداث والحوارات يُستغنى فيه عن غير الدال من حوارات، والتمهيدات، والوصف الحسي غير الخادم، والذي لا يمت بشدة إلى الحدث، أو إلى لحظة التنوير في القصة، أو لا يشف عن رؤية ما، أو جانب من الرؤية، والاستغناء عن السفاسف والتوافه من التفاصيل الصغيرة غير الدالة، وغير المؤثرة والبديهية، وكذلك الكفُّ عن تدخلات الراوية وتعطيله للحظة الدرامية وتوقيفه لعملية القص من اجل أن يبث في القارئ قيماً معينة وتعليقات وشروح وتفسيرات وكأنه يقود قارئاً غبياً، أو لكأنه بصحبة قارئ ضرير وسط مجاهل غابة متشابكة. تفاصيل الإنشاء وهو ما انتهينا إليه في الجزئية السالفة، حيث أن تأكيد مبدأي الوحدة والتكثيف يتطلب عناية خاصة بتفاصيل بناء وإنشاء النص القصصي ضماناً للإحكام الفني، وعلى هذا فالتفاصيل يجب أن تكون جزءاً من البناء الكلي، وإلا اعتبرت ثرثرة وتزيداً. وأصبحت عالة على الحدث والشخصية، ومشتتة للأفكار، وصارفة لانتباه القارئ وتركيزه وتشتيته فيما لا طائل من ورائه، وربما أضحى كل ذلك طعناً في جماليات القص، وموقعاً في الملل. وسنتوقف فيما يخص تفاصيل الإنشاء عند: أ ما يتعلق بالشخصية ويشترط في القصة القصيرة إذا ما تعددت فيها "الشخصيات" لسبب ما، أن تكون جميع شخصياتها في التحام تام، وتوافق كلى. فتبدو كل شخصية كما لو كانت منسوجة في الأخرى حتى تتحقق للأثر وحدته، ولا تحتاج القصة القصيرة إلى الجري وراء شخصيات ثانوية، كما أن الوصف الطويل للشخصية، قد أصبح زائدا عن اللزوم. ب : ما يتعلق بالحوار وقد تشمل القصة القصيرة "حوارا"، وقد لا تشمل أي حوار على الإطلاق، وإذا وجد "الحوار" فإنه ينبغي أن يكون عاملا من عوامل الكشف عن أبعاد الشخصية وثقافتها وبيئتها وطرق تفكيرها أو طريقة معيشتها أو ما شابه ذلك من عوامل الكشف عن أبعاد الشخصية، أو يكون كاشفاً عن تطور الحدث، أو تجلية النفس الغامضة، أو إيضاح الفكر المراد التعبير عنها، علي أن المنولوج الداخلي يعد أيضاً من ألوان الحوار، ويسمي في هذه الحالة المناجاة.. أو التناجي، ويمكن أن يسترسل السارد في المناجاة ويشكل منها لحمة أساسية من لحمات السرد، خاصة في القصص التي تعتمد على تيار الوعي. ت : ما يتعلق بالصراع و"الصراع" أصبح بمثابة العمود الفقري في بعض القصص القصيرة، وقد يكون "الصراع" خارجيا، أيدور خارج الشخصية، في البيئة أو المحيط ، وقد يكون داخليا، أي يعتمل في أعماق الشخصية من الداخل. وهو في الحالتين لابد من أن يكون ذا قيمة، وغير مفتعل، حتى يمكن تقبله، وليبلغ تأثيره في النفس. ث : ما يتعلق بالتشويق كما أنه يجب أن يكون ثمة ترقب وتلهف من جانب القارئ. وهو ما يجعلهم يشترطون فيها أن يكون "التشويق" أساس المتعة الفنية فيها، وللتشويق عناصر كثيرة منها تعليق الحدث على سبيل المثال، منها إلتقاط عناصر جمالية من واقع أو بيئة وتوظيفها ضمن البنية النصية، منها المفاجأة، وكسر توقعات القارئ.. منها الحبكة الجيدة ، وأسلوب السرد المكثف ولغته السلسة بسماتها الأدبية والفنية التي تمتع القارئ، وغير ذلك كثير. ج : ما يتعلق بالصدق يضاف إلى ما سبق "عنصر الصدق" بمعنى أن يكون القصة القصيرة صادقة مع الواقع الذي تقدم إليه، أي أن تكون كل عناصرها وأجزائها وتفصيلاتها مقنعة عند اختيارها، بمعني ألا تكون الأحداث مفبركة، أو متسمة بالسذاجة، أو متناقضة، أو مجافية طبيعة وواقع ال