تمهيد : تدعو الحكاية إلى الإنصاف و عدم التسرع في إصدار الأحكام و في العقاب ، و إنصاف المرأة خاصة في مجتمع يغلب عليه القيم الأبيسية ..إن المرأة في عرف الحكاية قادرة على تحقيق الكثير إذا ما استعملت قدراتها في ما هو إيجابي لها و لمجتمعها .. الحكاية كان حتى كان ، فيما مضى من الزمان ، حتى كان الحبق و السوسان في حجر النبي العدنان عليه الصلاة و السلام .. يحكى أن سلطانا ذهب إلى الحرب و ترك ابنته ،وكانت تلك البنت فقيهة عالمة. و في يوم من الأيام رشت جميع أركان البيت وصعدت فوق السطح، فرآها المؤذن ، فكتب إلى أبيها رسالة و قال له أخبارا كاذبة عن ابنته. فأرسل إليها الأب أخاها و أراه الرسالة و قال له : سر واذهب بها إلى الغابة و اذبحها و آتني بدمها لأشربه إذا صار تقوم بكل هذه الأعمال . و كان أخوها بدوره فقيها فكتب لها رسالة ووضعها أمامها ، فلما قرأتها بدأت تبكي حتى سقت الأرض العطشى بدموعها ، فأخذها أخوها و سار بها إلى الغابة. و قال لها : يا أختي لن أذبحك ، سأذهب بك إلى الغابة وأتركك هناك لأن أبي أقسم علي ، و قال لي : ائتني بدمها لأشربه . سأتركك في الغابة و اذبح أرنبا، وأملأ له دمها في قصبة و أحملها له، و أنت سأطلقك في الغابة. فعلا تركها في الغابة، و اصطاد أرنبا و ذبحه ووضع دمه في قصبة، و حملها إلى أبيه . و كانت البنت قد حملت معها تاجها الذهبي، و كانت متعلمة عالمة فقيهة فوجدت الرعاة ، وقالت لهم: هل تقبلون أن تبيعوا لي جلد جدي ، مقابل هذا التاج الذهبي ؟ وأعطتهم التاج الذهبي فأتى لها أحد الرعاة بجلد ماعز ، فجمعت فيه شعرها حتى لم يعد يظهر شيء منه حتى أصبحت تظهر مثل رجل أقرع ،و صار كل من يراها ينعتها بالأقرع . و اشتغلت عند سفاج ،و لكونها كانت جميلة جدا لم يعد الناس يأتون لشراء الإسفنج و إنما لينظروا جمالها ، وامتلأ الدكان عن آخره بالزبناء ، و ازداد دخل السفاج وصار من الأغنياء و عرف في كل البلاد . ومرت الأيام فافتقر أبوها و فقد أمواله، وتذكر ابنته العزيزة التي فقدها بجهله، فبقي يبكي حتى فقد بصره . أما هي فقد بنت قصرا مثل قصر أبيها، و بنت الغرف كما كانت في قصر أبيها، و خزنت الزرع في المخازن، وجمعت القمح و الشعير و صارت من الأغنياء. و عندما افتقر السلطان ، قال له الناس: إن الأقرع هو الذي سيعطيك الزرع. فأرسل أبوها السلطان عبيده و جماله، و هي عندما رأت الجمال و العبيد عرفتهم، فقالت لخدمها: رأيتم ماذا تعملون؟ أكرموا هؤلاء جميعا،و قدموا لهم الطعام و الشراب. ثم ملأت لهم الجمال بالزرع، ووضعت لهم المال فوق الزرع، و عندما وصلوا عند السلطان فتح الأكياس فوجد المال فوق الزرع، فقدم عندها في الحال و عندما دخل رحبت به و قدمت له الأكل والشرب. فصار الأب يقول في سره، و هو يتعجب : هذا قصري تحول هنا. فدخلت عنده و قالت له: لم يفت عليك شيء، ألم يضع منك شيء ؟ قال: ضاع مني شيء عزيز، كانت عندي بنت عالمة فقيهة فذهبت إلى الحرب فأرسل إلي المؤذن رسالة، ففقدت صوابي لما قرأت الرسالة، فأرسلت أخاها وقلت له اذبحها و ائتني بدمها أشربه، و لم أعلم ما فعل بها . قالت له: و هل تعرفها بعلامة ما. قال لها متذكرا: فيها علامة . قالت له: أين ؟ قال لها : بين أكتافها. فنزعت الثوب عن كتفيها، وقالت له: أليست هذه هي العلامة؟ فلما رأى العلامة عرف أنها ابنته ، ففرح غاية الفرح وعانقها و قعد يبكي و هي تبكي، و طلب منها الصفح فسامحته ، و عاشا جميعا حياة سعيدة . تركتهم هناك ورجعت وسيلي يا حكايتي من واد إلى واد و أنا سأبقى مع الناس الأجواد المصدر : الدكتور محمد فخرالدين كتاب موسوعة الحكاية الشعبية الحكاية 57. رسم الكاتب انتظروا غدا حكاية أخرى حول اختيار الجار قبل الدار.