تقديم: تنتقد الحكايات و هي تمارس التربية الجماعية و التنشئة بعض أصناف الاحتيال،و بعض الصفات المشينة كالبخل و الأنانية ، فالمحتال لا بد أن يجد أن يفوقه حيلة ، و البادئ أظلم ..و الحكاية تعرض الأمر في سياق إنصاف المرأة لنفسها .. الحكاية كان حتى كان ، فيما مضى من الزمان ، حتى كان الحبق و السوسان في حجر النبي العدنان عليه الصلاة و السلام يحكى أن رجلا كان متزوجا ، و كان مقترا على زوجته في نفقته، فكان يأتي كل يوم بقليل من اللحم ويقول لها: اطبخي هذا اللحم في طاجن صغير. فلما كانت تطبخه و تعده، كان يقول لها: احمليه إلى فوق أي إلى الغرفة التي توجد في الأعلى ،لأنني أنتظر ضيوفا . و كان المنزل يتكون من مطبخ وغرفتين إحداهما في الأعلى خاصة بالضيوف ، و هناك درج للصعود إليها . و كان الزوج يأتي كل ليلة و يقول لزوجته: إن عندي ضيوفا ، أفسحي الطريق لهم. ثم يبدأ مناديا بأعلى صوته بحيث تسمعه زوجته : مرحبا ادخل يا سيدي محمد، ادخل يا سيدي مبارك ، ادخل يا سيدي بنعيسى . و حتى يؤكد لزوجته أن عنده ضيوفا ، يصعد الدرج وهو يضرب بقدميه : ... دك دك دك .. دك دك دك... ثم يصعد بعد ذلك إلى الغرفة فيأكل اللحم بمفرده حتى يفرغ الطاجن ،و لا يترك لها إلا الفتات ،و بعد ذلك ينزل و هو يقول: الله يجعل البركة ...الله يخلف ، مع السلامة يا سيدي امبارك . و يرد على نفسه بنفسه تم يدخل إلى بيته . و كان كل يوم على هذه الحال حتى يوم جاءت عندها أمها وجدتها لتنظرا حالها فسألتاها: ما هي أخبارك يا ابنتي ، و كيف هي حالك ؟ قالت لهما : لا ينقصني شيئ ، غير أني لم آكل اللحم منذ تزوجت هذا الرجل. قالت الأم مستغربة: هل يعقل ذلك ؟ قالت لهما : كل يوم عندنا ضيوف. قالتا لها: كيف؟ كل يوم يأتي عنده الضيوف؟ غدا سنأتي لنرى هؤلاء الضيوف . و في الغد جاءت الأم والجدة و صعدتا إلى المكان حيث ينفرد الزوج بأكل الطاجن ودخلتا تحت السرير الموجود هناك،فلما جاء الزوج كعادته بدأ يقول نفس الكلام: ما هي أخبارك يا سيدي ابن عيسى؟ ما هي أخبارك يا سيدي فلان؟ و بعد ذالك صعد السلم كأنه برفقة الضيوف ووضع الطاجن فبدأ يأكل قائلا بصوت مرتفع: على سلامتكم مرحبا بكم . و كانت الأم و الجدة تراقبانه من أسفل السرير ، وعندما أزال غطاء الطاجن ، أطفأتا الشمعة فساد الحجرة الظلام ، وأمسكتاه من لحيته دون أن يراهما ، و بدأتا تمشطانها بمشط حديدي يستعمل في نسج الصوف، و تقولان له: الذي يأكل اللحم خفية على زوجته تمشط لحيته. كانت كل واحدة تمشط له من جهة، و هو يصيح ويعتقد أنهما من الجن أو من العفاريت .. أما الأم و الجدة فنزلتا بعد ذلك من السلم و ذهبتا في حالهما و أخذتا مشطهما ، و جلس الرجل وهو يرتعد خوفا في الظلام لا يدري ما حل به . و بعد حين ، صاحت به زوجته فلان و هي تتصنع أنها لا تعرف شيئا مما حدث : لم أطفأت النور، هل انصرف ضيوفك ؟ نزل الرجل من الدرج مرتعشا في حالة شديدة من الفزع وهو يقول : لا تتكلمي على الضيوف و لا تحكي لي عنهم أبدا ، أنا لا أحب الضيوف فلا تذكريهم لي . لم يستطع الأكل تلك الليلة ، فأكلت الزوجة الطاجن لوحدها ،و مرض و حلت به الحمى، و استمر على تلك الحال حتى الصباح. و منذ ذاك اليوم أصبح يقتسم الأكل مع زوجته وصار عندما يأتي باللحم و تعده في الطاجن ، يقول لها: لا تحمليه إلى فوق، نأكله معا هنا قرب الموقد، املئي لنا شايا و أغلقي الباب ،و لا تذكري لي الضيوف. وأصبح يأكل هناك و يجلس هناك و يرقد هناك حتى كاد أن يقضي كل الوقت قرب الموقد ، و لم يعد يبرح ذلك المكان حتى كاد أن ينبت هناك .. و أقلع الزوج عن عادته السيئة و عن أنانيته ، ففرحت المرأة بذلك و شكرت أمها و جدتها على ما فعلتاه من أجلها . سيلي يا حكايتي من واد إلى واد و أنا سأبقى مع الناس الأجواد المصدر : الدكتور محمد فخرالدين كتاب موسوعة الحكاية الشعبية الحكاية 95. رسم : الكاتب انتظروا غذا حكاية أخرى حول نوع جديد من الاحتيال بين الخلطاء و الشركاء