بإصدارها للقانون التنظيمي المتعلق بالأحزاب السياسية، تكون وزارة الداخلية قد مرغت وجه الأحزاب السياسية المغربية كلها وبدون استثناء في التراب معلنة عن نواياها المسبقة بأن لا أحد يمكنه أن يتحكم في المشهد السياسي والحزبي بعد اليوم غيرها، استمرارا على نهجها القديم، وبهذا تكون قد دقت أخر مسامير نعش الإصلاح المزعوم. مؤشرات عدة تقول أن المغرب لن يعرف تغيرات عميقة على الأقل في المستوى القريب، كما طالب بذلك الشارع المغربي، والمتمثل بالأساس في حركة 20 فبراير التي أصبحت من الماضي كما يحلو للبعض الترديد رغم أنه مازال يجني ثمارها حتى يومنا هذا. في ظل التطلعات التي عقد عليها الشارع المغربي الآمال من أجل تدشين المرحلة الجديدة بعد الربيع العربي وبعد المصادقة على الدستور الجديد، والتي كان الآمال معقودا لأن يتم القطع مع المرحلة الماضية وبداية صفحة جديدة، وأولى هذه الخطوات محاكمة المفسدين، وإطلاق المعتقلين السياسيين، ومعتقلي الرأي، ورفع يد وزارة الداخلية عن عدد من الملفات الحساسة كالانتخابات، تفاجئنا بأن هذه الأخيرة وبأساليبها القديمة التحكمية والمبنية على السيطرة كانت المبادرة في كل الأمور المتعلقة بالانتخابات، ومن ضمنها تحديد وقتها بهذا القدر من العجلة والذي يعرف المغزى منه وهو أنها تسعى لإيقاف احتجاجات حركة 20 فبراير التي استوعبت الدرس جيدا بأن لا إصلاحات دون إجراءات الثقة وهو ما لم يجسد لحدود الساعة فلا ناهبي المال العام حوكموا، ولا المفسدين دخلوا السجن، ولا الداخلية رفعت يدها عن الانتخابات، وبالتالي إقفال هذا النقاش السياسي الصحي الذي لم يعرف المغرب له مثيل. لكن في مصلحة من كل هذا إن لم تكن الداخلية؟ أما عن الأحزاب السياسية فإن تخوفاتها الكبرى والتي غالبا ما تتستر خلف الاستعداد الميداني لخوض غمار انتخابات مبكرة، مرتبطة بعدد المقاعد التي ستحصل عليها في الانتخابات، إلا أن الواقع يقول أنها كانت غائبة بشكل فعلي عن الساحة السياسية، بل وإن سقوفها الهابطة جدا -هذا في حال وجود سقوف أصلا- لم تكن تتصور يوما ما أن تجد نفسها في هذا النقاش السياسي الساخن والذي لا يمكن أن تجاريه إلا الأحزاب المقتنعة بفكرة النضال والتي ولدت للنضال لا للمناصب، وهو الأمر الذي لم يتحقق بعد في مغربنا فللاستحقاقات التشريعية في بلادنا طقوس كالمواسيم ولا يسمح لأن تحرك طبولها إلا بالأوامر، وللنضال معنى في بلادنا هو أن يرتبط بالمناصب فقط.