برقية تهنئة إلى الملك محمد السادس من رئيسة مقدونيا الشمالية بمناسبة عيد الاستقلال    الحكومة تعفي استيراد الأبقار والأغنام من الضرائب والرسوم الجمركية    القنيطرة تحتضن ديربي "الشمال" بحضور مشجعي اتحاد طنجة فقط    إتحاد طنجة يستقبل المغرب التطواني بالملعب البلدي بالقنيطرة    توقيف شخصين بطنجة وحجز 116 كيلوغراماً من مخدر الشيرا    القوات المسلحة الملكية تفتح تحقيقًا في تحطم طائرة ببنسليمان    الجديدة.. الدرك يحبط في أقل من 24 ساعة ثاني عملية للاتجار بالبشر    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية        إسرائيل: محكمة لاهاي فقدت "الشرعية"    "الدستورية" تصرح بشغور مقاعد برلمانية    استطلاع: 39% من الأطفال في المغرب يواجهون صعوبة التمدرس بالقرى    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    خلوة مجلس حقوق الإنسان بالرباط، اجتماع للتفكير وتبادل الآراء بشأن وضعية المجلس ومستقبله        بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    الحزب الحاكم في البرازيل يعلن دعم المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن        وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    سعر البيتكوين يتخطى عتبة ال 95 ألف دولار للمرة الأولى    نقابة تندد بتدهور الوضع الصحي بجهة الشرق        أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    حادثة مأساوية تكشف أزمة النقل العمومي بإقليم العرائش    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    الأساتذة الباحثون بجامعة ابن زهر يحتجّون على مذكّرة وزارية تهدّد مُكتسباتهم المهنية    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    بلاغ قوي للتنسيقية الوطنية لجمعيات الصحافة الرياضية بالمغرب    منح 12 مليون درهم لدعم إنشاء ثلاث قاعات سينمائية    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    من الحمى إلى الالتهابات .. أعراض الحصبة عند الأطفال    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المشهد السياسي المغربي؟


- الأحزاب و الثورة الإعلامية؟
- هل جاء زمن تجاوز الأحزاب كموضة قديمة؟
- هل بالفعل يعيش المشهد السياسي الحزبي المغربي لحظة انتقال ديمقراطي؟
- البلقنة الحزبية بالمغرب، إلى متى؟ وتعبير عن ماذا؟
- و أي مشهد حزبي مفترض للمرحلة القادمة؟
- الجذور كانت مع البصري وحسابات القصر، لماذا الامتداد زمن عصر المفهوم الجديد للسلطة؟
كلها أسئلة تطرح على الباحث المتخصص وعلى المواطن العادي، وتحتاج إلى مقاربات وإجابات، سنحاول من خلال هذا المقال وعبر إتباع بعض مساقات وخيوط بعض الإشكالات المطروحة على الساحة والمشهد السياسي بالمغرب.
التشتت السياسي
كان أول سؤال من أسئلة ما بعد الاستعمار، هو هل سيختار المغرب منطق الحزب الوحيد أو التوليتاري الملكي أم اختيار التعددية الحزبية الديمقراطية كخيار.. فكان خيار التعددية(رغم محاولات حزب الاستقلال في احتكار والسيطرة على المشهد السياسي المغربي مطلع الاستقلال ومحاولة فرض منطق الحزب الوحيد، إلى جانب قصة تصفيته لرموز المقاومة الوطنية المسلحة) خيارا مغربيا كرسته ظروف المرحلة إلى جانب رغبة القصر في بناء مشهد يميل في صورته العامة إلى المشهد الديمقراطي التعددي ولو في صوريته وشكليته..
وعلى العموم يبقى هذا الموضوع موضوعا تاريخيا طويلا لا يدخل في صلب الموضوع ويبعده عن أهدافه المتوخاة) المهم أن المرحلة انتهت باختيار التعددية لعدة أسباب (الإمارة والتحكيم، واللعب على التوازنات بالنسبة للقصر وظهور أحزاب أخرى لها تصورات أخرى تختلف عن الحزب الأب حزب الاستقلال..).
و اليوم و بعد أن انتهت مبررات تفريخ الأحزاب، وأعتقد أنه حينما تنتهي مبررات إحداث الشيء ينبغي التخلي عنه مباشرة لأن مبررات وجوده انتهت نفسها. لا نفهم لماذا لازال المشهد الحزبي ببلادنا يعرف نفس التشرذم والبلقنة والتعددية الرقمية المفرغة من محتواها النضالي الحزبي الديمقراطي الحق.
إننا ندعي اليوم أننا نعيش في فترة تجديد الديموقراطية بالبلاد بعد الفترة "البصروية"، لذلك من المنطقي أن يمس هذا التغيير المشهد الذي ينتج النسق السياسي بالمغرب ونواته الأساسية (الأحزاب)، باعتبارها عملية ترتيب للبيت الداخلي من أجل الفعالية والأداء الأفضل، وهي أهم ما تتميز به الأحزاب الأوربية والغربية عموما تأطيرا وإنتاجا فكريا وسياسيا وتنظيما وقرارات...
و من المعروف عموما أن هناك نوعين من الممارسة السياسية:
- ممارسة ترتبط بها السياسة بالسعي نحو تحقيق الأفضل بالنسبة للمجتمع وترتبط
بالتصورات الفكرية المأمول تحقيقها، والمثل الأخلاقية...
- و ممارسة سياسية أخرى لا تقوم على المبدأ بل على المصلحة، ولا يكون هم
صاحبها تقديم الأفضل للمجتمع بل احتلال المواقع التي تسمح بالوصول إلى المصالح بكل
أنواع التحايل على الوقع السياسي.. وهو النوع السائد في المغرب الآن مع الأسف.
إن التشبث بالواقع حاليا في المشهد السياسي كإرث من الماضي (الغير الديموقراطي) يسمح باستمرار التشويش على دور الأحزاب السياسية وباستمرار النوع الثاني من الممارسة السياسية وتوسيع انتشارها القائم على اختزال العمل السياسي في التسابق على المقاعد والجري على المصالح الضيقة، والعبث في العمل السياسي بدل العقلانية والفاعلية، ثم تصعيب الأمر على المواطن المغربي، (أكثر من 75 بالمائة من الأمية) على فهم وقراءة هذا المشهد وتمييز الخطابات والتيارات، وبالأحرى الاختيار.. أعتقد أن أهم الإنتظارات الديموقراطية في بلادنا اليوم هو الانتقال إلى أحزاب محدودة و معروفة ووازنة وذات مصداقية في الداخل والخارج، وتستطيع أن ترسم خطط وتصورات و برامج لسير البلاد بشكل واضح ومتمايز بين الأحزاب السياسية التي أعتقد أنها في حالة المغرب عليها أن تقفز من حدود الثلاثين إلا حدود العشرة في أفق الانتقال إلى 5 أحزاب عملاقة وقوية ...
5 أحزاب كافية.. نعم كافية.. وكافية جدا!
كما أعتقد أن هذه المرحلة يمكن أن تكون مرحلة لتجميع القوى حسب التوجهات العامة وتقريب الرؤى والإيديولوجيات... ويمكنها أن تكون تيارات واضحة ذات برامج وهويات متمايزة ويمكنها أن تعطي للسياسة المغربية شخصية ودفعة قوية بالداخل والخارج بدل حالة البلقنة والتفريخ اللاعقلاني للأحزاب، فالحرية والديموقراطية تنشد بالتنظيم وبالتوحد رغم الاختلاف (لأن الاختلاف يكون في الخصوصيات، والتوحد يكون في النتائج والقرارات والبرامج الوطنية).
إن موضوع تنقية و ترتيب المشهد الحزبي أعتبره شخصيا من أهم القضايا السياسية بالمغرب اليوم من أجل دعم الديمقراطية الحقيقية، وإن تحقق هذا الأمر سيشكل حدثا لا يقل أهمية عن حدث إبعاد "البصري" عن الساحة السياسية وسيكون حدثا وازنا لصالح الديمقراطية بالمغرب سيصفق له كل الديمقراطيون من مختلف بقاع العالم التي تتابع تجربتنا السياسية باهتمام، وخصوصا منهم الجيران!
إن صيرورة الفكر السياسي المغربي تقول بغربلة الأحزاب المغربية، فبعد أن قطع المغرب أشواطا لا بأس بها في توحيد التعليم نسبيا، وتوحيد الاقتصاد نسبيا (الشباك الوحيد، المقاولات...)، جاء دور توحيد وتقوية المشهد السياسي ولو نسبيا للحصول على الفاعلية والقوة التفاوضية مع الخارج، والمصداقية، والقيام بالأدوار المنوطة بها داخليا...
و نتيجة لهذا الوضع الآسن والمريض للعبة السياسية المغربية لابد أن يكون لذلك تداعيات سلبية على تدبير الشأن السياسي بالمغرب:
فالمغرب اليوم يعيش –كما يشير إلى ذلك محمد ظريف في كتاباته السياسية- سكيزوفرينيا سياسية، من حيث أننا نميز في المغرب بين التعددية الحزبية والتعددية السياسية، حيث أشار إلى أن المغرب يعيش تعددية حزبية ومجالها في (النظام القانوني) بدل التعددية السياسية التي مجالها في (طبيعة المجتمع). إذ أن تحديد الهوية الإيديولوجية لكل حزب أصبح مطلبا أساسيا لأنه مرتبط بالمبدأ الأساسي للحزب..
ظاهرة مرضية أخرى تعرفها الأحزاب المغربية، وهي أنها توسم بطابعها الإقصائي باعتبار أن كل حزب يعتبر نفسه هو الممثل الحقيقي للشعب والمجتمع، وأنه لو احترمت إرادته لن يختار غيرها.
ومن الأمراض الأخرى الكثيرة أن الأحزاب الضعيفة والصغيرة تعتمد على" مرتزقة سياسيين" زمن الانتخابات.. إلى جانب أن الأحزاب السياسة باعتبارها توفر مجموعة من الخدمات لمجموعة من الأعضاء الحزبيين الدائمين تعويضا لهم عن مجهوداتهم داخل الحزب، بالشكل الذي تصبح معه الأحزاب كمقاولات سياسية يملأها الانتهازيون من كل حدب وصوب.
إلى جانب المشكل الذي يطرح بسبب العمل بغرفتين، حيث نتساءل عن القيمة المضافة للعمل بغرفتين بالمغرب؟ والسؤال المطروح: هل العلاقة علاقة تكامل وانسجام أم تضاد وإعاقة؟
لا بد اليوم أن تلعب الدولة دورها في وقف تناسل الأحزاب، ومسلسل الانشقاقات كما فعلت في السابق على تفريخ الأحزاب وتفجير التناقضات داخل الأحزاب لصالح تشتيت المشهد السياسي، عليها اليوم القيام بعكس دورها بالأمس، إذا كانت تريد ديمقراطية حقيقية بطعم الوطن والوطنية، لا بطعم الانتهازية والرشوة والجهل والمصالح الشخصية...
و إذا استطاع المغرب اليوم أن يحقق استقلاله ووحدته في الفكر والسياسة والعلم والتقنية والاقتصاد واللغة والتعليم... فسيعيش الألفية الثالثة ندية مع الآخرين داخل هذا العالم، وذلك يوجب عقلية جديدة. إذن الدخول المغربي للألفية الثالثة يجب أن يكون بالقطع مع عناصر السلب والتخلف والتقليد التي عطلته وأخرته في الألفية السابقة، والتوجه بالمقابل إلى الاستفادة من كل ما تراكم من تجارب وتتبع أفضل الطرق وعلى رأسها (العمل ثم العمل ثم العمل) بدل الإثقال بالتنظير، كما نريد حكومة مبنية على تحالف سياسي واضح متين وفعال بدل تحالف واسع جدا وغير واضح و مفرغ من محتواه.
و كإجابة عن هذا الإشكال المركزي الذي نصنفه كأول خطوة منتظرة من أجل إصلاح الشأن السياسي بأسره في المغرب نقترح خلق 5 كيانات حزبية إيديولوجية عملاقة، وهناك من تحدث عن حزبين قويين ، بينما تحدث آخرون عن يمين و يسار ووسط أي 3 أقطاب حزبية. و أيا كان العدد فنقطة التقاطع هي الحديث عن كيانات سياسية حقيقية ومحصورة في العدد والقيمة الفعلية لا العددية.
- 5 أقطاب:
- قطب وسط: حزب الاستقلال، حزب العمل، الحركة الشعبية كل الإيديولوجيات ذات الطابع العرقي أو الشعبي والاجتماعي.
- قطب إسلامي: العدالة و التنمية، العدل والإحسان، كل الإيديولوجيات ذات المرجعية الدينية أو التراثية.
- قطب يساري: الإتحاد الاشتراكي، اليسار الموحد، النهج، الطليعة، كل الأحزاب ذات الإيديولوجية اليسارية.
- قطب مستقل: كل الطاقات الوطنية المغربية الشابة، التكنوقراطية والمستقلة.
-و لا هروب من قطب يمين!: الأصالة و المعاصرة، التجمع الوطني للأحرار، الحزب الدستوري... كل الطاقات اللبرالية المغربية.
و الهدف هو الحصول على مشهد سياسي مريح، ديمقراطي، حقيقي، وفاعل.
إن جل الأحزاب المغربية في معظمها أحزاب إدارية، أو نتيجة انشقاقات حزبية، أو بسبب مصالح وأهداف شخصية... لم تتأسس على قاعدة سوسيولوجية أو مشروعية تاريخية، بل محقونة حقنا في المشهد السياسي (دون ثقافة سياسية وطنية) إنها أحزاب (الكوكوت مينوت). وتبقى الخلفية وراء هذا الكم الفارغ هو امتصاص لطموحات النخب السياسية الجادة وعرقلتها. لقد حان وبشكل حتمي وقت تحسين الأداء السياسي عبر توحيد المشهد السياسي ولم شعته وغربلته من النشاز والتشتت.
الديمقراطية و الأمية؟!
فالديمقراطية و الأمية شيئان لا يجتمعان، كاستحالة اجتماع الماء بالنار! إذ الديمقراطية ليست وصفة جاهزة أو حلا سحريا، كما أنها ليست منحة سماوية تتحقق بقدرة قادر أو شيء خارق يمتلك إمكانات تحققه العجيبة في ذاته، الديمقراطية هي أولا وقبل كل شيء فعل إنساني إرادي.. وعليه ف"مناخ" تطبعه اللامبالاة والخنوع ومشاعر الإحباط لا يبدو البتة ملائما لتحقيق التغيير الديمقراطي المنشود أو لنقل يفرز ديمقراطية على مقاسه: مهزوزة وصورية وناقصة.
و لكي نمحو الأمية السياسية نحتاج إلى أحزاب سياسية حقيقية وليس من الكاغيط وعلى الورق فقط.
إنك تجد اليوم أن المواطن لا يعرف حتى رموز هذه الأحزاب التي تفوق 30؛ و إذا لم نعرف حتى الرموز فكيف نعرف ما وراء الرموز!؟؛ البرامج، الأدبيات، الايدولوجيا، المبادئ...
أدوار الحزب اليوم؟
لا يخفى على أي أحد اليوم على أن دور الحزب في عالمنا المعاصر وعبر أدواره التاريخية في مختلف دول العالم، أن دوره المركزي هو التعليم والتمرين على التفكير بشكل جماعي وصوت مسموع وإدارة الصراع والخروج بالخلاصات والنتائج رغم الخلافات والاختلافات. من هنا ضرورة التوفر على الكفاءات اللازمة لممارسة وظائف التدبير والتخطيط والتأطير، فتكون الأحزاب بهذا المعنى ذات بعد تكويني. ولا أعتقد أن الأحزاب على عددها وظروفها الحالية قادرة على ذلك حسب ما يفضحه واقعها إذ لا تتذكر أن هناك مواطنين بالمغرب إلا في الفترات الانتخابية لشهر أو لبضع أيام مكثفة من 365 يوم في السنة التي تمضي فارغة من أي حضور حزبي حقيقي إلا في مناسبات حزبية ضيقة جدا.
إن قوة أي حزب تتجلى في:
- مدى تواصله مع الجمهور العريض.
- توفره على أطر في مختلف مجالات النشاط المجتمعي.
نستطيع القول أن الأحزاب المغربية أفرغت من محتواها وخصوصا "التأطير" في حين أصبح الطابع الغالب عليها التنافس على المواقع والمناصب... ولذلك ليس من الغريب أن نلمس هوة متزايدة بينها وبين المجتمع تشتد كلما تذكرنا دور العولمة في التأثير على الأفراد والمجتمعات بل والمؤسسات ومنها الأحزاب... الأمر الذي يهدد بسحب البساط أكثر من تحت أرجل العديد من الأحزاب في العالم وليس المغرب وحده إن لم تتقوى وتدخل في أحزاب كبرى تندمج حسب التوجه الإيديولوجي، اندماج يشبه من حيث الشكل ما يقع في الاقتصاد تماما. وتجارب الاندماج الناجحة خير مثال على ما يمكن أن يقع من نجاح مماثل إذا ما طبق على السياسة.
أزمة الثقة
لقد تعب المواطن من (سياستنا.. سوف نعمل.. سوف نقوم..) ويحتاج لأحزاب تقول (قمنا ببناء كذا... وحدثنا القطاع كذا... حصيلة حزبنا في الحقبة الفارطة هي كذا...) احذفوا "سوف" من خطابكم وانظروا ما تبقى لكم فيه!
لقد أصبح العزوف عن الأحزاب السياسية والمشاركة السياسية ممارسة وتصويتا، هو العنوان السياسي الأبرز والدليل الأكبر لفشل العمل السياسي بالمغرب حيث أصبح الشعب في واد والأحزاب في واد.
إن علاقة المواطن بالأحزاب في المغرب لا تتوثق إلا أثناء الحملات الانتخابية. وبمجرد انتهاء الاقتراع تأتي الشاحنات لجمع الكراسي والأبواق واللافتات وكأنه حفل زفاف انتهى وتفرق المدعوون إلى حفل آخر، وتغلق دكاكينها إلى حملة انتخابية أخرى تمثل فيها مسرحيتها المعتادة والمكرورة ك"أغاني العراسات" المعروفة والمحفوظة. ولا نريد أن يحس الشعب أن المعارضة كان هدفها الأساس هو الوصول إلى السلطة، لأن فقدان الثقة في كل مرة، معناه الكارثة، وهو الأمر الحاصل الآن بالفعل.
و النتيجة؛ قطيعة متزايدة بين الأحزاب والمجتمع، وبالتالي تراجع قدرة الأحزاب على خلق مشاريع سياسية مجتمعية جماهيرية.
أزمة النخب
هذه الأزمة، أزمة النخب هي كابوس من الكوابيس المخيفة التي تهدد المشهد السياسي المغربي، فمن مناحي الضعف العميقة في الحياة الحزبية بالمغرب، هو الارتباط بالأشخاص أكثر منه بالقناعات الفكرية، وهذا في عمقه نوع من الاستمرارية لثقافة الزاوية والشيخ والمريد...
وأغلب الانتماءات الحزبية غير عقلانية وإقتناعية ببرامج سياسية محددة، بل بارتباط وجداني بثقافة ورموز معينين، وفي إطار شبكات من العلاقات الشخصية تماما مثلما يقع داخل الزوايا، الأمر الذي يؤثر على العقلية والمشهد السياسيين في البلاد...
مسألة أخرى مثيرة للملاحظة وهو وجود أعداد هائلة من الوزراء فاق حكومة الصين! الشكل الذي يوقع في إشكالية تقاطع القرارات وتداخل الاختصاصات في ضل العقلية التسلطية للمسئولين في بلد مثل المغرب تغيب فيه الديمقراطية لصالح سيادة لغة التعنت والفرض للنفوذ، عملا بالقول الشعبي المأثور "المغاربي عطيه يحكم وما تخلصوش"!
صحيح أن المغرب أول بلد عربي تسلم فيه المعارضة الحكم، لكننا نريد التقدم أكثر في جني ثمرات الديمقراطية لأننا نريد حكومة حل الأزمة وليس حكومة تسيير الأزمة بشكل ديماغوجي وخسيس، نريد حكومة تستقيل إذا لم تستطع حل الأزمة، وليس حكومة متشبثة بالكراسي والمناصب والبلد غارق في وحل الفيضانات أو ركام الزلازل.
إننا اليوم نعيش وبكل صراحة جارحة نخبا متحالفة مع المخزن السياسي والعسكري، والأدهى من ذلك أنها من تلك الطينة التي كانت بالأمس تحمل مشعل الثورية والتقدمية وشعارات التغيير والحداثة، هي اليوم متهافتة تهافت الذباب على قصعة المصالح الذاتية الضيقة في أبشع صورة وأفظع حال.
إن هذه الوضعية المتردية تفرز إشكالا خطيرا وهو عدم القدرة على إعادة إنتاج نخب نافعة للوطن سياسيا وفكريا واقتصاديا ودبلوماسيا..
إذ من خلالها تنبثق أغلب الأطر التي تصبح في المستقبل في الوظائف الأساسية وذات الحساسية الوطنية؛ بالحكومة، البرلمان، والسفارة...
بل إن النخب الحزبية اليوم، لم تعد تظهر في أوساط المجتمع المدني وتمشي في الشارع إلى جنب المواطنين إلا في الانتخابات، وكأنهم يعيشون في المريخ أو في مكان ما في السماء طوال الفترات مابين الانتخابات وكأنهم ليسوا من هذا المغرب، أو كأن المغاربة ليسوا سوى أوراق انتخابية يخطب ودها في فترات الحملات الانتخابية.
إن من مظاهر ضعف النخب الحزبية بالمغرب هو أن "القصر" اليوم هو الذي يقود قاطرة القرار وقاطرة الفعل السياسي ويلعب دور البطولة في صناعة الحدث، إذ هو الذي يعطي التوجيهات
و الأحزاب تتسابق إلى التزكية وترديد المضامين، إذ هناك خطب ملكية توجيهية، أوامر عليا تنفذ، مستشارون بلاطيون، سلطة أبوية، ونخب عريضة مجمدة العقل ومعدومة القرار وتفتقر إلى المبادرة. في جملة واحدة يعيش المغرب بنخب معطلة غير منتجة و لا مبدعة.. مما يكرس استمرارا للزمن الضائع و مزيدا من الجمود و هيمنة التقليد.
تحصيل حاصل
ليس من حقنا أن نستغرب من واقع مشهدنا الحزبي المغربي في ضل معرفتنا بمسببات هذا المشهد
الفاشل المتميز بصفات: التشرذم، البلقنة، التشتت السياسي، أو ما يمكن تسميته ب "سيبة عارمة"،
إنها ديمقراطية عرجاء، متسمة بالزيف واللاعقلانية.
إذ لا زال القانون الغير المكتوب هو الذي يحدد معالم السياسة الحقيقية بالمغرب، قانون تبقى عناوينه السياسية البارزة بعيدة كل البعد عن الديمقراطية والشفافية ودولة الحق والقانون، والإرادة السياسية، والضمير الوطني، أو الوازع الديني. قريبة كل القرب من غياب الشفافية، حيث هناك دائما كواليس مقيتة وقيل وقال وأمراض صبيانية خبيثة لا تنم عن نضوج أو عن وعي أو وطنية أو بعد نظر.
و كنتيجة للعناوين-الإشكالات التي قاربنها أعلاه نقول:
أن هناك تشابها مريضا و مقيتا في البرامج الحزبية، بسبب التنظيم الحزبي الهش والتعددية العددية التي يعرفها المغرب، هذا الضعف وتلك الهشاشة التي تجعلها تلجأ في النهاية إلى "التحكيم".
وأن أ كثر من 650 من البرلمانيين رحل بين الأحزاب. وأن هناك غيابا للديمقراطية وتهميشا لمصالح الشعب والمواطنين. وأنه لا زال هناك - في زمن انتهى فيه زمن الولاء لصالح التعاقد السياسي منذ زمن بعيد- عوائق "المقدس" أمام الديمقراطية الحداثية والمعاصرة.
و أن البرامج السياسية ما هي في النهاية إلا عبارة عن "فوطوكوبي" لنفس المشروع مع اختلاف في الترتيب للفقرات والعناوين واختلاف بسيط في الصياغة، فقط شيء واحد هو الذي يتم عليه الاتفاق وبوضوح تام وهو ما يتعلق بالوحدة الترابية وما يهم الصحراء، وما تبقى هناك اجتهادات وليس هناك ملامح واضحة وطنية يعرفها الجميع ويعمل في ظلها (في الاقتصاد، الزراعة، التشغيل، إصلاح التعليم...)
و العمل؟
لابد من تدارك الزمن الضائع.. هذا هو الهاجس الأكبر المطروح علينا كمغاربة..
إن النظام المغربي ومع الأسف الشديد له شهرة عالمية في صناعة الأحزاب و الوزراء، والنقابات؛ ولو كانوا صالحين للتصدير لكسب المغرب عملة صعبة من وراءهم، لكن الكارثة هو أن مثل هذه السلع لا تروج إلا ببلدانها ولا يتأثر بسمها إلى الشعب.. وذلك راجع لصلابة التقليد والسلطة التقليدية، ولابد من تكسير الجمود إن أردنا الحراك والانتقال إلى الأمام و ليس إلى الوراء.
فوضعيتنا كما أتذكر؛ وصفها الأستاذ "الجامعي" في إحدى لقاءاته مع الطلبة ب"الحي الجامعي السويسي الثاني" بأن المغرب يعيش بين نموذجي السعودية والسويد في السياسة الانتخابية التي ينتهجها: السعودية؛ التي تعيش على التعيين المباشر دون انتخابات! والسويد؛ حيث هناك ديمقراطية انتخابية برلمانية. أما المغرب فيصل إلى الشكل السويدي الديموقراطي بطريقة انتخابية سعودية مسرحية.
ثم عن أي انتقال ديمقراطي نتحدث؟ الانتقال الديمقراطي كما نعلم هو ذلك المخاض وتلك النقلة النوعية، هو تلك المسافة بين نقطة البدء ونقطة الوصول. ومن ميكانيزمات النظام السياسي الديمقراطي: سيادة الأمة (و المشروعية فيها تكون من الأسفل إلى الأعلى، قرار الجماعة، تطبيق الإرادة العامة)، فصل السلطات (لا تجمع السلطات في جهة معينة، كسلطة تمارس سيادتها، كل سلطة تحد أخرى)، والانتقال الديمقراطي: حرية في التعبير، جيش قوي ومستقل، إدارة متطورة، اقتصاد واضح، إعلام حقيقي مدافع عن الحقيقة، نعم هناك انتقال ولكنه انتقال إلى الوراء رغم كل مظاهر الانتقال السطحية المزيفة، ليس هناك انتقال قوي وفعلي. الانتقال المنشود هو انتقال من التعددية الرقمية المسرحية الفارغة، إلى تعددية فعلية، انتقال من أدواته الأساسية: تحديث سياسي، ديمقراطي، أدوات سياسية، مناضلون مؤهلون، و إرادة سياسية...
لازلنا نرى نفس المظاهر الانتخابية السابقة مع الأسف: فمع الحملات الانتخابية ترى الأحزاب تتهافت مثلما المواسم؛ تكترى المحلات و"الكاراجات"، وتصبح دكاكين سياسوية لبيع المنتوج/ البرنامج الحزبي وتنصب المنصات، وأجراء/مروجين للأوراق والملصقات الحزبية مياومين لا علاقة لهم بالحزب إلا الأجرة!
ثم أين نحن من حكومات ووزارات تقال بسبب عدم قدرتها على إدارة الأزمة في حالة فيضان أو زلزال؟ إذ لازالت أهم التغيرات التي تقع في أغلب الأحزاب السياسية المغربية إما تتم بسبب وفيات أو إقالات! و نادرا ما كانت نتيجة استقالات، والتي تعبر عن أقصى مظاهر الديمقراطية.
ثم من المفارقات العجيبة التي نراها في بلاد العجائب هذا! أن يكون للمغرب مجلسان (النواب والمستشارون) مع ما يكلفانه من مصاريف يحتاجها المغرب أشد ما احتياج في معركة البناء والتشييد، ناهيك عن لا جدوى فيما يبدو لنا من وجودهما معا في الراهن المغربي غير التعطيل وعلاقة التضاد ليس علاقة الانسجام والتكامل.
إن عناصر الحداثة لازالت غائبة بالرغم من مراكمة الممارسة الحزبية السياسية لعقود من التجارب فإنها تبقى مراهقة لم تصل بعد إلى مرحلة النضج والاكتمال، ورغم أن الظاهرة الحزبية المغربية حديثة مقارنة بنظيراتها في الدول الديمقراطية العريقة لكنها مع ذلك راكمت ما يكفي لأن تكون ناضجة، الأمر الذي نجد عكسه؛ إذ الثقافة الديمقراطية في المغرب لا زالت ضعيفة (الأمية والفقر).. والنتائج على مستوى المشهد السياسي لا زالت هزيلة ولا تتماشى وعراقة المغرب تاريخا وحضارة..
و نشير أيضا إلى الغياب الخطير للعديد من مقومات الديمقراطية:
- كالافتقار المهول ل "الإرادة السياسية"، إن غياب المسؤولية ومصلحة الوطن معناه غياب المستقبل.
- إلى جانب أننا لا نعرف شيئا عن التسيير المالي للبلاد.
- غياب مؤسسات النقد والمتابعة والمحاسبة.
- مسألة "الحسم" إذ على المسئولين في مراكز القرار أن يعرفوا أن زمن التردد قد انتهى وولى إذا كنا ننشد مغربا قويا وموحدا خصوصا في ظل عصر الإعلاميات والتواصل والعولمة والسرعة الذي نعيشه اليوم، وجاء زمن التعبئة المستديمة والقضاء على زمن "الحملة"، التي لا تفيد كما كانت شقيقتها "الحركة" تاريخيا..
- كما لا يمكن التغاضي عن عاملين خطيرين يتحكمان في العملية السياسية والديمقراطية بشكل عام ألا و هما:
- انتشار الأمية والفقر بشكل مخجل.
- طبيعة النظام السياسي المغربي المتميز بالحكم الشمولي.
ثم أين المفهوم الجديد للسلطة في الشارع والإدارة والاقتصاد، فالأطراف الخارجية رحبت بمجيء الكتلة إلى الحكم والذي وجدت فيه المخاطب المسئول الذي كانت تبحث عنه.. لكن ماذا بعد, هل كان الأمر زوبعة فقط؟ على المعارضة التاريخية أن تجيب عن هذا السؤال المحير.
إن الحاصل في مغربنا الحبيب هو أن السياسة تظل-مع الأسف- في مواسمها وتظاهراتها مرتبطة بالأحزاب أو هي على الأصح تختزل في الحزبية. بشكل يحاكي الزاوية والطائفة في مواسمها.. كما نخشى أن تكون الحكومات الحالية حكومات تسيير الأزمة وليس حلها.
فكفى من الأحزاب الاصطناعية التي تخلق خلقا وبقدرة قادر، وإذا أردنا الدخول الفعلي في المغرب الجديد فلابد من التحرر من أثقال المغرب القديم، مغرب الحركة، والحملة، والمقدم والشيخ، والمخزن، النضال المأجور... كفى من التعددية الخلافية، الناتجة عن خلافات ضيقة شخصية وأنانية، كفى من المصالح الفردية، كفى من السيبة، كفى من الاعتداء على هذا الوطن الرائع الجميل..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.