أقدمت الحكومة المغربية في شخص وزيرها الأول عباس الفاسي على خطوة غير مسبوقة في التاريخ السياسي المغربي الحديث، عندما قامت بحل حزب سياسي ذي توجه إسلامي هو حزب البديل الحضاري، على خلفية "ضلوع" قياديَين من الحزب أحدهما الأمين العام للحزب المصطفى المعتصم، في "شبكة إرهابية" يتزعمها المدعو عبد القادر بلعيرج، والتي قالت بلاغات وزارة الداخلية التي نشرتها الوكالة الرسمية، بأنها كانت تهدف "إلى القيام بأعمال تخريب والمس بسلامة المؤسسات...". "" واستند الفاسي في اتخاذ قراره ذاك "الفريد"، بحسب متتبعين، إلى الفصل 57 من قانون الأحزاب، الذي بالرجوع إلى مضمونه نجده يعطي الحق للوزير الأول في حل حزب سياسي، ولكن في الحالات التالية؛ حل كل حزب سياسي نظم أو ينظم مظاهرات مسلحة في الشارع العام، وكل حزب اتخذ شكل نظام عسكري يتوفر على مجموعات قتال أو فرق مسلحة خاصة، والاستيلاء على مقاليد الحكم بالقوة، والمس بالدين الإسلامي، والمس بالنظام الملكي، والمس بالوحدة الترابية.. وبرر عباس الفاسي قراره ذاك بأنه "في إطار تفكيك شبكة بلعيرج، واعتبارا لثبوت العلاقة بين هذه الشبكة وتأسيس حزب البديل الحضاري، وتوفر قرائن تفيد بتورط قادة الحزب الرئيسيين في الشبكة، اتخذ الوزير الأول مرسوما يقضي بحل حزب البديل الحضاري طبقا لمقتضيات الفصل ال57 من قانون الأحزاب". وغير خاف على أحد مدى تسرع الجهاز التنفيذي المغربي في إلصاق التهم في الوقت الذي ما تزال فيه القضية في طور التحقيق ولم يفصل فيها القضاء بعد، وهو الجهة المخولة للقول بوجود قرائن من عدمها، ما جعل العديد من المتتبعين والحقوقيين يقولون بعدم شرعية قرار الوزير الأول، خاصة في ظل اتخاذ ذاك القرار ضد حزب سياسي معترف به قانونا ويمارس علانية نشاطه السياسي وينبذ العنف، ألا وهو حزب البديل الحضاري الذي كتب أمينه العام المصطفى المعتصم، قبل أيام فقط، مقالة لم تستبعد مصادرُ أن تكون هي من جرّت عليه سُخط السلطة، وفيما يلي نص المقالة المؤرخة في 11 فبراير الجاري: إلى من يهمهم الأمر: نقطة نظام مخطئ من توهَّم أننا لا نميز بين السراب و الماء الزّلال ومخطئ من اعتقد أننا تعلقنا بالوهم. ومخطئ من ظن أننا نجهل تاريخ بلادنا أو تاريخ الدولة السلطانية القديمة أو الدولة القطرية المعاصرة. كل ما في الأمر أننا نؤمن بالمبدأ الإسلامي الذي يقول " لا تزر وازرة وزر أخرى". لدى لم نشأ أن نحكم على العهد الجديد بما كان في العهد الذي سبقه، ولا على الخلف بما فعله السلف. إنا آمنا بأن تحقيق الانتقال الديمقراطي واجب وقت لا مناص منه وأنه أصبح ممكنا في ظل رياح التغيير الديمقراطي التي هبت على الجهات الأربع من العالم بعد سقوط جدار برلين فحولت العديدَ من النظم الاستبدادية الشمولية نحو الديمقراطية. آمنّا بضرورة أن يحظى العهد الجديد بفرصته وينال حظه من الدعم والثقة وانخرطنا في إنجاح المرحلة ودعم الانتقال الديمقراطي. لم ننخدع ولم يخدعنا أي كان، ومن كذب في ما ادعاه ربحا للوقت حتى يتسنى له أن يضبط المشهد السياسي كما يُريد فقد كذب على نفسه. ومن أساء إلى المرحلة فإنما يحفر قبر الآمال التي تعلقت بها الجماهير مع قدوم العهد الجديد ويحفر قبر الوحدة الوطنية بل يحفر قبر النظام السياسي من حيث يعلم ومن حيث لا يعلم. نحن قمنا وسنقوم بها أملاه ويمليه علينا انتماؤنا للدين والوطن والأمة. واختيارنا للنضال الديمقراطي نهجا لتحقيق الانتقال إلى الديمقراطية هو خيار استراتيجي لن نتراجع عنه مهما كانت الاحباطات. وحينما اخترنا العمل الديمقراطي فإننا لم نختر الطريق السهل بل اخترنا وعن قناعة الخيار الصعب. فالمعركة من أجل الديمقراطية هي معركة كل الشرفاء في بلادنا أينما كانوا في السلطة أو في الأحزاب أو في المجتمع المدني، معركة من أجل الأمل وضد اليأس، معركة من أجل المستقبل من أجل النهضة والتنمية، معركة من أجل الأمن والسلم المدني وضد العنف والإكراه والإرهاب، معركة من أجل التنوير والتحرير من قيود وأغلال التخلف. وبالرغم من كل الإخفاقات والتراجعات التي عرفتها العملية الديمقراطية لا زلنا نتشبث بضرورة الرجوع إلى صيرورة الانتقال الديمقراطي لأن الخيارات الأخرى التي يُراد لها أن تكون بديلا للديمقراطية، ليست، في تقديرنا، إلا الخيارات والسيناريوهات الكارثية التي سيكون روادها وأبطالها المتطرفون بكل عناوينهم : الدينية أو العرقية أو العلمانية أو الأمنية. يوم أصدرت الجماهير حكمها.. يوم 07/09/2007 أصدرت الجماهير حكمها، قررت أن لا تشارك في مسلسل لم يعد يعني لها الكثير. لقد كانت في غاية الوضوح وأرسلت رسالة قوية للسياسيين وأصحاب القرار: أي إلى الذين يهمهم الأمر. كان حكما سلبيا قاسيا على مرحلة كاملة. من واجبنا أن نطرح الأسئلة الحقيقية التي تساعد على فهم ما جرى عوض الالتفاف على ما حدث لإيماننا العميق أن التشخيص الصحيح هو بداية العلاج: - هل رسالة الجماهير يوم 07/09/2007 رسالة موجهة للأحزاب السياسية فقط؟ - ألم يكن موقف الجماهير ردَّ فعل جماعي لما تلمسه عند السياسيين كل السياسيين (ولا نستثني أحدا) من غياب الوضوح والارتجالية والتجريبية؟ - ألم تعبر الجماهير بموقفها هذا على أنها لم تعد متفائلة بالمستقبل ولا بالطريقة التي تدار بها البلاد؟ إذا عجز السياسيون عن فك شفرة هذه الرسالة فأزمتنا ستزداد تفاقما ولا يُستبعد أن تتكلم هذه الجماهير مستقبلا للغة أخرى للتعبير عن غضبها ورفضها لما يدور ويجري: لغة الانتفاضات العنيفة. إن الشعب المغربي يتساءل اليوم: ما هو الدور الحقيقي للبرلمان حتى نصرف عليه كل هذه الأموال من خزينة الدولة؟ ولماذا ظلت هذه المؤسسة فاقدة للمصداقية والفاعلية؟ وماذا ننتظر من مؤسسة جل نوابها غائبون والبعض منهم نائمون. الموالون من البرلمانيين للحكومة كالمعارضين لها، كلهم يمارس دوره ضمن الحدود المسموح بها والمرسومة سلفا؟ ما هي القيمة المضافة للبرلمان في حياة المواطنين وعلى مستوى معيشتهم؟ ما هو دور الحكومة وما هي صلاحياتها؟ وماذا يمكن أن ننتظر من حكومات تفتقد الانسجام والمشروع؟ وكيف لحكومة أن تحكم وهي تفتقد المشروع المجتمعي المرجعي؟ ثم أليست الحكومة الفعلية هي تلك التي يكونها وزراء السيادة ومستشارو الملك والنخب الجديدة؟ لماذا فشل إصلاح التعليم، قاطرة كل عملية تنموية ومن المسؤول عن هذا الفشل؟ لماذا لم يستطع المغرب الخروج من المأزق الاقتصادي؟ نبيع ممتلكات الدولة لنأكل مداخليها فأفقرنا الدولة ولم نحقق الإقلاع الاقتصادي. وحينما اشتد الضغط على ميزانية الدولة لجأنا لفرض المزيد من الضرائب مما أثقل كاهل المواطن العادي ولم نحقق الرفاه له وزاد غلاء المعيشة من صعوبة الوضعية الاجتماعية للمغاربة. لماذا تعثرت كل المجهودات التي بُذلت لتحقيق التنمية البشرية؟ أين الخلل؟. لماذا فشلنا في تخليق الحياة السياسية والاقتصادية وما دور كل فاعلين -ولا نستثني أحدا- في الفشل في هذين المجالين؟ يعيش المغرب أزمة شاملة لها أسباب محلية وأخرى دولية، متعددة الأبعاد، شديدة التعقيد، لكنها ليست مستحيلة الحل إذا أحسن المغاربة التعامل معها وواجهوها بحزم وإرادة وإصرار. وليس المطلوب الوقوف لعد أو سرد تمظهرات هذه الأزمة وتجلياتها فقط وليس المطلوب البحث عن مشجب نعلق عليه إخفاقاتنا وعجزنا، بل لا بد من التقدم نحو هذه الأزمة لفك طلاسمها وتجاوز تعقيداتها واقتراح الحلول بشأنها. فلا يمكن في ظل هذه الأزمة تصور مستقبل واعد. جوهر أزمتنا سياسي من المؤسف جدا أن البعض وعوض أن يقف عند حدث 07 شتنبر 2007 ليفك رسالة الأمة المغربية، عاد ليتبنى الحل السهل فبحث عن مشجب ليعلق عليه الإخفاقات. عاد ليقول أن المشهد الحزبي ضعيف، وأنه بضعفه مسؤول عن كل إعاقات المغرب. نحب أن ننوه أن ضعف المشهد السياسي المغربي ليس اكتشافا عبقريا خاف على مواطن عاد فبالأحرى على مهندسي المرحلة. لا أحد يقول أن المشهد السياسي المغربي قوي. إنه ضعيف جدا ومنذ زمن ليس بالقصير. إنه تحصيل حاصل، لكن من أضعفه؟ أليس الاختراق و شراء الذمم وتفريخ أحزاب المهمات (الأحزاب الإدارية) وإفساد الحياة الحزبية والمؤامرات ...إلخ كلها كانت من تدبير فاعلين أرادوا أن يضعفوا المشهد السياسي ليخلوا لهم المجال ليفعلوا به أو معه ما يشاؤون؟ وأكاد أجزم أنه منذ عقد من الزمن كنا أمام عملية استهدفت في البداية ( (inpout نشر الفوضى في المشهد الحزبي لتفكيكه قبل أن يصار إلى إعادة صياغته وبنائه وفق تصور جديد في النهاية (output )، إنها الفوضى البناءة للمحافظين الجدد المغاربة. من حقنا أن نسأل الذين يهمهم الأمر: ألم يدق آخر المسامير في نعش السياسة ببلادنا عندما سمح في انتخابات 07/09/2007 التي قاطعها الناس، باستعمال المال فعاد الفاسدون والأحزاب المعروفة بفساد نخبها بقوة لشراء الذمم أمام حياد متواطئ للسلطة؟ ألم تزد طريقة اختيار الحكومة من عزوف المغاربة عن السياسة وزادت من استفحال أزمة السياسيين ببلادنا؟ لا أحد ينكر أن جل قياداتنا السياسية وأحزابنا إما أنها جزأ من الأزمة أو إنها تائهة فاقدة للبوصلة، وأكثر أحزابنا غير ديمقراطية، وجلها لا يمثل إلا مصالح نخبها التي تتماهى في الكثير من الأحيان ومصالح النخب الجديدة السائدة، التي يبدو أنها تحرص على تحصيل الجاه والسلطة وتقوية نفوذها الاقتصادي لتكديس الثروة، ومن احتكر السلطة والقرار السياسي ببلادنا احتكر الثروة. نعم جزء معتبر من الأزمة السياسة ببلادنا هو من أزمة النخب الحزبية التي لم تعد تفكر إلا في تحقيق مصالحها فتنكرت لمبادئها، فأصبح العمل السياسي بدون معنى والسياسي رديف للمرتزق مما زاد في ضرب مصداقية العمل السياسي وأضعف الأحزاب. ولكن أليس صحيح أيضا أن جزءا آخر من أزمة المغرب السياسية ناجم في بعض تفاصيله في كون بعض النخب الجديدة تتوهم أنها لوحدها قادرة على حكم المغرب وحل مشاكله؟ لهذا حرصت أن يكون دور الأحزاب اليوم شكليا ويكاد ينحصر في الانتخابات، وعملت على أن يكون وجود هذه الأحزاب في غرفتي البرلمان وفي الدوائر الحكومية كعدمه، وحرصت أن تكون هذه الأحزاب دوما متماهية مع قرارات الحكام الحقيقيين توافق عليها وتدعمها مقابل استمرارها الشكلي في الحكومة أو مقابل استمرارها في الاستفادة من بعض المصالح هنا وهناك.. أزمتنا لها أيضا أبعاد وتعقيدات دولية نواجه اليوم، بسبب الهيمنة الاستعمارية، عولمة تعادي الدولة القطرية وتسعى إلى تفتيتها والهيمنة على مقدراتها. فإذا كان خطاب العولمة الجديدة في نهاية القرن الماضي قد اتخذ تعبيرات فكرية تبنتها العديد من النخب، سواء النخب الجديدة أو تلك التي ظلت حتى قبل سقوط الاتحاد السوفياتي وفية للأطروحات الاشتراكية واليسارية لكنها انقلبت 180 درجة بعد سقوطه، وتبنت مقولات مفكري النظام العالمي الجديد من أمثال فوكوياما وهنتينكتون الذين روجوا لكل النهايات: نهاية التاريخ، نهاية الإيديولوجيا، نهاية الدولة القومية أو الوطنية التي بدا دورها في التراجع في كل المجالات وخصوصا في أدوارها الاجتماعية وتحديدا في مجالات الصحة والتعليم ودعم المواد الأساسية التي يعيش منها الفقراء. كما أصبح المغرب في لب الصراع بين القوى السياسية الدولية وتحديدا بين فرنسا وأمريكا. ولقد وصل بنا الأمر إلى أن نسعى إلى إرضاء هذه الدول ولو على حساب مصالحنا الحيوية. هذا وإن الضغط الذي مارسته الإدارة الأمريكية على المغرب من أجل توريطه في حروبها الاستباقية وحروبها ضد ما تسميه الإرهاب والضغوط التي مارستها فرنسا وإسبانيا باعتبار أن المغرب يدخل في مجالهما الحيوي وتطور قضية الصحراء .. كلها قضايا تعاملت معها السياسة الخارجية المغربية بالكثير من الضبابية والتردد بل واعترتها الكثير من الأخطاء. أكبرها تخلي المغرب عن دوره العربي وتهديد علاقاته مع دول كالسعودية وقطر والإمارات والكويت وإسبانيا والسينغال لأسباب غير مقنعة وفيها الكثير من التسرع. في ضرورة تجنب السكتة الدماغية أو الموت السريري في منتصف العقد التاسع من القرن الماضي وقف الملك الراحل الحسن الثاني ليقول أن المغرب كاد أن يصاب بالضربة القاضية نتيجة السياسات الفاشلة التي انتهجتها الحكومات التي حكمته منذ الاستقلال. لكن بدخول المغرب في صيرورة من التحولات بدأت بصدور عفو شامل على المعتقلين السياسيين والسماح بعودة المنفيين منهم واستمرت بحصول التناوب التوافقي وتنصيب حكومة السيد اليوسفي بدا جليا أن المغرب قد انطلق من حيث لا رجعة فيه نحو تكريس ديمقراطية حقيقة تُحدث القطيعة مع الماضي الاستبدادي الذي عاشه منذ الاستقلال. وازداد المغاربة تفاؤلا بتربع ملك جديد على عرش المغرب. جاء حاملا معه قاموسا غنيا بالمصطلحات وبادر بالعديد من الإجراءات وأرسل الكثير من الإشارات التي كانت توحي في جملتها أن المغرب مقبل على تحول معتبر على كل الأصعدة: العهد الجديد، الانتقال الديمقراطي، المفهوم الجديد للسلطة، تخليق الحياة السياسية، طي صفحة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، جبر الضرر، الشفافية، المسؤولية، الملكية المواطنة، المنهجية الديمقراطية، الحكامة، تأهيل الحقل السياسي الخ.. ونزل الملك ليتصل مباشرة بالشعب خصوصا الفئات الفقيرة منه حتى كرس صورة ملك الفقراء. وتوجت هذه الدينامية الملكية بإطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي فتحت أوراشا كبرى وحققت للمغرب في وقت وجيز ما لم يحققه في عقود. ويعد بناء ميناء طنجة المتوسطي مفخرة هذه المبادرة. نعم هناك منجزات معتبرة نثمنها ولكن المرحلة عرفت أيضا إخفاقات بل إعاقات تكاد تغطي أو تحجب هذه الإصلاحات مما أعاد الشعور بعدم الارتياح في محصلة الترتيبات التي تمت في هذه المرحلة. فلقد نجحت قوى الفساد والإفساد المتجذرة في كل المجالات والتي كانت موازين قوى في بلادنا تميل لصالحها عند مجيء الملك محمد السادس أن تبقى قوية، كامنة تارة، وحاضرة تارة أخرى، تتربص الفرص لإفساد وتعطيل كل محاولات الإصلاح وإفشال كل تحول إلى الديمقراطية وما يعنيه من شفافية ووضوح ومحاسبة وقبول بالاحتكام إلى القرار الشعبي عبر انتخابات حرة ونزيهة. أي الحيلولة دون تطور الحياة السياسية نحو الديمقراطية ببلادنا. أما القوى الديمقراطية فقد ظل أداءها في هذه المرحلة باهتا سلبيا واكتفت في العديد من الأوقات بالوقوف موقف المتفرج تعد المبادرات الملكية حتى أنشأ بعضهم مرصدا لها ولم تبادر لا إلى دعم الملك ومساندته في خطواته ولا إلى الاقتراح عليه أو نصيحته أو معارضته حينما يقتضى الأمر ذلك. فقط نسجل لبعض المنابر الصحفية المستقلة تحملها بعضا من هذه المسؤولية فتوفقت أحيانا وأخفقت في أحيان أخرى. ولعل ما سهل على الفاسدين تشويشهم على المرحلة بل عودتهم بقوة خصوصا خلال الاستحقاقات الانتخابية الأخيرة أن بعض الفاعلين السياسيين ممن جاء بهم العهد الجديد وبعض الفاعلين الحزبيين سواء من يمينيين أو يساريين قد أصيبوا برهاب الإسلاميين وهو الداء العضال الذي استشرى في الجسد السياسي المغربي حتى أصبح هم البعض هو استعمال كل السبل لقطع الطريق عن الإسلاميين. فانتهكت القواعد الديمقراطية ومزقت الحجب الأخلاقية والمبدئية وصرنا إلى تحالفات وتعاقدات غريبة وعجيبة فاختلط الحابل بالنابل : اليساري بالإداري بالأمني. وساعدت الظروف الدولية ودخول أمريكا في حروبها الوقائية ضد الإرهاب والأعمال الإجرامية الإرهابية ل16 ماي 2003 بالدار البيضاء على تبرير عودة بعض الممارسات التي تصنف في خانت الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. اليوم بعد صدور حكم الجماهير وبعد صدور التقرير السري للبنك الدولي الذي أعلن عن وجود المغرب في وضع تنموي صعب ترجمه تراجع المغرب ثلاث رتب في التصنيف الدولي للتنمية لم نعد مهددين كما كنا في 1995 بالسكتة القلبية بل بالسكتة الدماغية وبالموت السريري. الحريق طال ثيابنا ولم يعد مسموحا لأحد يشعر بالانتماء لهذا الدين والأمة والوطن أن يستقيل أو أن يقف موقف المتفرج. في البدء: الجميع مطالبون بالقيام بالمراجعات الضرورية نحن مطالبون جميعا بالقيام بالمراجعات اللازمة قبل فوات الأوان: سلطة ويسار وإسلاميين ويمين. من حقنا أن نطالب الإسلاميين بمراجعات وبمواقف واضحة من الديمقراطية والتعدد وحقوق الإنسان وحقوق المرأة الخ... ومن حقنا أن نطالب السلطة وباقي السياسيين بأن يراجعوا موقفهم من الإسلاميين باعتبارهم شركاء في المواطنة، وأن يقبلوا بهم أعضاء كاملي العضوية في المعادلة السياسية ببلادنا. كما أننا مطالبون بالقيام بالإصلاحات الضرورية لتأهيل الحقل السياسي المغربي وإعادة الاعتبار للسياسة والسياسيين: إصلاحات دستورية، قانونية، إصلاح القضاء الخ... على سبيل الختم أقول: طيلة السنوات الأخيرة لا يذكر المشهد الحزبي المغربي إلا ليجلد وقد آن الأوان أن نطرح سؤالين جديرين بالإجابة عنهما: - الأول، هل من الممكن أن نبني دولة عصرية حديثة من دون أحزاب أو بأحزاب ضعيفة مترهلة فاقدة للمصداقية؟ - الثاني، إذا كان الجواب على السؤال الأول بالنفي فكيف نعيد تأهيل المشهد السياسي ببلادنا درءا للوقوع في فراغ سياسي قاتل ؟ وهنا أتوجه إلى من يهمهم الأمر بكل عفوية وصدق وحرص على انجاز وإنجاح استحقاقات المرحلة لأقول لهم أن المغرب في حاجة إلى إطلاق ورش كبير للجواب على هذين السؤالين المركزيين. ورش- حوار يشترك فيه الجميع ولا يقصي إلا من أقصى نفسه. وأتوجه إلى من يهمهم الأمر لأقول بكل صراحة: مخطئ واهم من تصور أن يبني الثقة في السياسة والعملية السياسية بسياسيين يتأرجحون بين دور الشريك الصوري ودور الكومبارس. ومخطئ واهم من تصور تعويض السياسيين والأحزاب بالجمعويين وبالمجتمع المدني.