منذ صدور ألبومها الأول سنة 2005، والفنانة نبيلة معن، أيقونة الموسيقى المغربية المعاصرة، والرمز الرابط بين جيلين من الموسيقيين في المغرب، تفاجئ جمهورها، بصوتها البلوري الصافي، وطريقتها المبتدعة، المستوحاة من التراث الموسيقي التقليدي المغربي. ارتبطت نبيلة معن، بالموسيقى منذ صغرها، وكانت أصغر مغنية عربية وإفريقية تشارك في أولمبيا باريس، وهي في التاسعة عشرة من عمرها، غنت الأندلسي، والموشحات، والطرب العربي الأصيل، خاصة أغاني كوكب الشرق أم كلثوم. أصدرت ألبومها الأول "دنيا" سنة 2005، وألبومها الثاني "الطير العالي" سنة 2008. شكلت في السنوات الأخيرة، إلى جانب عازف القيثارة المغربي، طارق هلال، ثنائيا موسيقيا رائعا، وقدما حفلات موسيقية رائعة، أبهرت الجمهور، كان آخرها حفل بمهرجان الجاز بشالة في دورته 16 شهر يونيو الماضي، حيث قدما أغانيات ومعزوفات موسيقية رائعة مع الثنائي النمساوي ميكاييلا رابيتش، وروبير باوليك. في حوارها مع "المغربية"، كشفت الفنانة الشابة، نبيلة معن، عن بعض الإكراهات التي يعيشها الفنان المغربي، وعن الوضع الكارثي للمعاهد الموسيقية بالمغرب، ودعت منظمي المهرجانات إلى احترام الفنان المغربي، ومعاملته مثل نظيره الأجنبي. * كيف تنظرين للمزج الفني بين الجاز أو الموسيقى العالمية بشكل عام والموسيقى العربية؟ ** برأيي من يحب جميع أنواع الموسيقى، لا يرى ضررا في المزج بينها، وهذا يعطي طابعا خاصا للعمل، فالجمع مثلا بين المقامات الهندية والمقامات المغربية مثير وممتع في الوقت نفسه، وما هو مشهور هو المزج بين كناوة والجاز، الذي أبدع فيه بعض الفنانين المغاربة، وأضفوا عليها رونقا وبهاء لا نظير لهما، ولا يتذوقه إلا محبو الموسيقى. * لكن هناك من يعطي لهذا المزج طابعا فولكلوريا يسيء للفن المغربي الأصيل، ما رأيك؟ ** في كل المجالات يوجد الجميل والقبيح، وبالتالي لا يمكن لي الحكم عليهما، لكن من المؤسف أن تذهب كل المجهودات هباء. ومع ذلك، هناك اجتهادات فنية رائعة لا يمكن إغفالها، لأن من يقف وراءها يشتغل بروح فنية. * كيف جاء اشتغالك مع طارق هلال؟ ** اشتغلت مع طارق هلال في ألبومي الثاني، وشاركت معه في حفلات فنية بمختلف المدن المغربية، ونحن الآن نهيء معا لألبومي الثالث، كما أن لنا جولات فنية سنقوم بها معا. وبكل صراحة، فأنا أتجاوب مع العازف طارق هلال، الذي يعرف ما أريد، ويقدر طاقتي الصوتية، وحسي الإبداعي. * أنت معروفة بالدقة في اختيار أعمالك، التي تكتبين كلمتها أو تستعينين إلى بأسماء شعرية غير معروفة، فلماذا هذا الاختيار؟ ** أنا فعلا دقيقة في اختياراتي، وأركز بالأساس على النص، لأنه لا يهمني أن يكون الشاعر معروفا ومشهورا، بقدر ما يثيرني النص الشعري الجميل والعميق، الذي ينفذ إلى الأعماق، ويجد صدى في نفسي، ويكون محملا بأشياء جميلة يمكن أن أقدمها للجمهور. * لماذا تستغرقين وقتا طويلا في إصدار ألبوماتك؟ ** دراستي هي التي تؤخرني نسبيا، لأنها تأخذ مني وقتا كبيرا، فلو لم تكن الدراسة، لاشتغلت ليل نهار، ولأصدرت أعمالا أخرى. أنا آخذ وقتي في اختيار النصوص، التي أكتب بعضها بنفسي، أو ألجأ إلى نصوص لشعراء آخرين، هذا ناهيك عن الاشتغال على الجانب الموسيقي، الذي يأخذ مني وقته أيضا. * ما هي المواضيع التي تشتغلين عليها؟ ** الكثير من المواضيع، كل ما يمكن أن يحدث للإنسان، مثل الحب، الذي لا أقتصر فيه على الحب الذي يجمع بين المرأة والرجل، بل الحب بشكل عام، حب البلد. كما أنني أحب النصوص المجردة، التي يمكن لكل إنسان أن يجد نفسه فيها، والنصوص المحملة برسائل الحب والسلام، والأخوة، أو النصوص التي تحتفي بالذات والطبيعة. * يعقد البعض مقارنة بينك وبين الفنانة سعيدة فكري، هل لأنها تعزف وتغني مثلك؟ ** )تضحك بتوتر( لكل واحدة منا أسلوبها الخاص، صحيح المشترك بيننا هو العزف على القيثارة والتلحين، فهي أول امرأة في فترة ظهورها، تكتب وتلحن وتعزف وتغني. وهذا النموذج كان قليلا جدا في ذلك الوقت، خاصة أن المرأة لم تكن لها حرية كبيرة، ولم تكن تتجرأ على القيام بكل شيء بنفسها. بصراحة أنا لم أكن أعرف سعيدة فكري ولم يسبق لي أن سمعت بها، وما جعلني أبحث عن أعمالها، هو مقال للفنان مالك، الذي شبهني بهذه الفنانة. لكنني لما استمعت إلى أعمالها، وجدت أنني مختلفة عنها تماما، لأنها تغني الراي، وأنا أغني أشكالا أخرى. فباستثناء التلحين لا يجمعني أي شيء آخر بسعيدة فكري. * هل تشعرين أنك أخذت حقك في الساحة الفنية بالمغرب أم لا؟ ** نعم لقد أخذت حقي فعلا، وهذا بفضل الصحافيين، الذين يقومون بكل ما في وسعهم لتشجيع الفنانين المغاربة، ولكن لسوء الحظ هناك بعض منظمي المهرجانات، وخاصة أكبر مهرجان في المغرب، لا أرغب في ذكر اسمه، يحطون من قيمة الفنان المغربي، الذي يشارك في هذا المهرجان من أجل الجمهور المغربي، الذي ينتظره، والذي لا ذنب له، لأن الفنان يجب أن يتواصل معه، مهما كلف الأمر. لكن هناك بعض المهرجانات التي يجب أن تعيد النظر في طريقة اشتغالها، وأن تحترم الفنان المغربي أكثر، خاصة ذلك المهرجان الضخم. * ألا يجب على الفنان المغربي أن يفرض شروطه، مثله مثل الفنانين الأجانبن على المهرجانات؟ ** لا يتعلق الأمر بشروط معينة، بقدر ما هي نسبة من الاحترام، التي تفتقر إليها بعض المهرجانات في المغرب، حتى لا أعمم، خاصة أن تقاليدنا المغربية تحث على تقدير الضيف و"التكبير به". وحينما أقارن بين المنظمين المغاربة بالداخل ونظرائهم المغاربة، أيضا، بالخارج، أجد فرقا كبيرا، لأن المنظمين بالخارجن سواء كانوا مغاربة أو أجانبن يهتمون بك ويقدرونك ليس لأنك مشهور، ولكن لأنك فنان تستحق كل التقدير والاحترام مثلك مثل الآخرين. * ما هي البلدان التي شاركت فيها بأعمال فنية؟ ** شاركت في حفلات بمدن عديدة في هولندا، لا أذكر أسماءها كلها، مثل أمستردام، وروتردام، وأوتريخت، إلى جانب فرنسا. * هل الجمهور الذي حضر حفلاتك يتكون من المغاربة أكثر أم من الأجانب؟ ** هناك حفلات حضرها بالدرجة الأولى المغاربة، ولكن هناك حفلات حضرها الأجانب بشكل كبير، كما أن هناك حفلات جمعت بين الاثنين، وتكونت من أناس يتذوقون فعلا الفن الرفيع. * ما رأيك في الأعمال المشتركة مع الفنانين الأجانب في أعمال فيزيون؟ ** كانت لدي تجارب كثيرة، ولكنني ساعتها كنت صغيرة السن، أما عن تجربتي الأخيرة فهي أول تجربة أقوم بها في وقت وجيز، استطعنا فيها أن ننجز ريبرتوارا مع موسيقيين لم يسبق لنا أن تعاملنا معهما أو شاهدناهما، فهما رغم اختلاف ثقافة بعضنا البعض، ورغم أننا لا نتحدث اللغة نفسها، استطاعت الموسيقى أن تجمعنا في عمل فني دون أي عوائق. * ماذا عن ألبومك الثالث؟ ** هيأت بعض الأغاني، لكنني ما زلت في طور الإعداد والاختيار، والوقت مبكر جدا للحديث عنه بتفصيل، لأن الأغاني التي أختار، لا أدرجها غالبا في الألبوم. * هل قدمت بعض الأعمال بالفيديو الكليب؟ ** شاركت مع مجموعة من المغنيين في كليبات، وقدمت كليبا لأغنية من ألبومي الأول "دنيا"، والثاني مع المخرج عبد الحي العراقي لأغنية "الله يا مولانا". أما حاليا فأنا أقوم بالإنتاج المشترك مع العازف طارق هلال، ونفكر في إنتاج كليبات معينة، لكنها تتطلب إمكانيات كبيرة لا نتوفر عليها حاليا. * هل بإمكان الفنان العيش من أعماله اليوم بالمغرب؟ ** أنا حاليا أعيش بشكل جيد وأسعى لإنهاء تكويني، ولهذا، لا يمكن لي إطلاق حكم معين. ولكن في حدود علمي، هناك فنانون مغاربة يعيشون اليوم من أعمالهم. وبشكل عام، القطاع الفني بالمغرب يحتاج إلى الكثير من العمل، ويجب أن تعطى الفرص للمواهب، وأن تنفق الأموال في هذا المجال، خاصة على البنيات التحتية، التي نفتقر إليها، فالمعاهد الموسيقية بالمغرب وضعها كارثي ومحزن للغاية، الأساتذة لا يعوضون بشكل جيد، والأقسام روائحها نتنة تزكم الأنوف، والآلات غير مضبوطة، أو بلغة الموسيقيين "مامساوياش"، وخاصة آلة البيان، لأن المتخصصين في ضبطها يكلفون المعاهد ميزانية مهمة، وهذا بشكل عام واقع غير معقول. * لكن في المقابل نشهد موجة فنية بالمغرب ** طبعا، فالمغرب مقارنة مع السنوات الماضية، يشهد حراكا فنيا مهما، على مستوى الأعمال الفنية، والمهرجانات، لكنه يحتاج إلى الكثير من الغربلة، لأن فيه الغث والسمين. المغربية