بمناسبة صدور ألبومها الجديد «الطير العالي »، عن شركة « بلاتينيوم ميوزيك » بالدارالبيضاء.. وبعد المسار المحترم الذي رسمته لنفسها فنيا، مما يجعلها واحدة من الأصوات الفنية المغربية النسائية المحترمة التي تحمل وعدا بالعطاء المتميز والراقي في مشهدنا الغنائي المغربي الجديد.. ورغم صعوبة مزاوجتها بين اختياراتها الفنية، الخاصة التي لا تنخرط في موجة الموسيقى الجديدة ( التي هي تجارية أساسا )، ودراساتها الجامعية العليا، وهي دراسات علمية.. حملنا أسئلتنا إليها منذ يومين، من باب دعمها وتقدير ما ترسمه لنفسها من مسار فني، وكذا معرفة الجديد في حياتها الفنية، فكان هذا الحوار الخاص، الصريح والحميمي. هل نبيلة معان، تنتمي إلى موجة الموسيقيين الشباب، أم أنها تخلق تميزها عن هذه الظاهرة التي تفجرت فجأة في المشهد الفني المغربي؟ لا أعتقد، أن هناك موجة موسيقية جديدة، بل هناك أسماء ومجموعات موسيقية بدأت تظهر وتفرض وجودها داخل الساحة الموسيقية بلونها الموسيقي سواء في صنف «الراب»، أ «فيزيون» وغيرها... وبالتالي لا أظن أن هناك موجة موسيقية.. ونبيلة معان هي جزء من هذا التجريب المفني الموسيقي المغربي الجديد. لست في خصومة أو تميز عن أحد، ولكن أحاول أن أخلق بصمتي الخاصة لدى الجمهور المغربي، وهذا في نظري هو الأهم. لماذا اختيارك الدائم لغناء القصيدة والكلمة الجادة.. هل هذا هو سعيك نحو التميز، أم أن طبيعة تكوينك والفضاء الذي كبرت فيه هو الذي وجهك نحو هذا الإختيار؟ هذا الاختيار نابع من قناعة فنية تتمثل في ضرورة تقديم أغنية جادة، تحترم الذوق الفني للجمهور المغربي. لهذا تجدني أثناء عملية الاشتغال الفني، أحرص على اختيار كلمات واضحة، وجمل موسيقية تسمح بلحن جيد، وبالتالي تعطي أغنية تحمل رسالة إنسانية ذات معنى فني. معنى هذا أن عملية البحث عن نصوص جيدة تتطلب منك وقتا كبيرا، واستثمارا في الزمن؟ في البداية، كانت عملية البحث تتطلب مني جهدا كبيرا، لكن حاليا مع الاستاذ عبد الوهاب الرامي، الأستاذ بالمعهد العالي للصحافة بالرباط، تغلبت نوعا ما على هذا التحدي. دون إغفال استمراري في التعامل مع ما يكتبه كل من والدي وأختي مريم.. في هذا السياق، لابد من التذكير، أن بداياتي الأولى على مستوى النصوص المغناة في ألبومي الأول، هي لكل من والدي وأختي مريم، بحيث كان من الصعب ايجاد كاتب كلمات يضع ثقته في ويعطيني كلمات كما أحلم بها وكما أتصورها فنيا.. في هذا السياق، كان تعاملي مع كلمات أغنية «حين قالت» التي كتبها والدي سنة 1964 إلى جانب تعاملي من نصوص لأختي مريم كتبتها بالفرنسية، إضافة إلى نصوص كنت أكتبها بنفسي. وبعد صدور ألبومي الأول، الذي حضيت أغانيه بإعجاب الجمهور، جاءت الرغبة لكي أغني أغاني بالدارجة المغربية. من هنا جاء تعاملي مع الاستاذ عبد الوهاب الرامي الذي يكتب نصوصا ذات معنى وبلغة سهلة على الفهم. كما أنني اكتشفت فاطمة الزهراء فرح، كشاعرة تكتب نصوصا شعرية جميلة وسهلة بالفصحى. هكذا فإن ألبومي الثاني يتضمن إحدى نصوصها، والمعنون ب « لم لا أحب ». هذا إلى جانب نصوص أخرى لأختي مريم ولوالدي.. نبيلة معان، هل هي صوت أم موسيقي أم نص؟ سؤال من الصعب الجواب عليه وذلك إذا ما استحضرنا رغبات الجمهور الفنية. أما من جهتي، فأنا أحس بأنني أجد نفسي في هذه العناصر الثلاثة. ولكن الحكم الأخير، يبقى للجمهور. من خلال أغانيك وأداءك الفني، كثيرا ما يذكرنا مسارك حتى الآن، بالفنانة المغربية المتألقة سعيدة فكري، وأنك مثلها تقدمين أغنية نسائية جادة.. ما طرحته سبق وطرح على منذ ألبومي الأول، وكان الفنان المغربي المحترم « مالك » قد قال لي نفس الملاحظة. وصدقني كنت حينها بسبب سني ( كنت في 17 من عمري ) لا أعرف الفنانة سعيدة فكري ولا سمعت عنها شيئا، فكان أن بحتث عن أغانيها، فوجدت أننا ننتمي شكلا لنفس التوجه، لكن حقيقة نحن لا نتشابه. إذ لكل واحدة منا ظروفها الفنية وحساسيتها الفنية الخاصة وهذا مما يغني ربما ريبرتوار الأغنية المغربية النسائية الجديدة. أما عن روح الجدية التي يقال إنها تميز أعمالي، أكتفي بأن أقول إنني معروفة بالجدية في حياتي الشخصية.. هل تتدخلين في اختيار كلمات أغانيك .. بمعنى، هل لك حق التدخل في النص الشعري لكاتب الكلمات، أن أانك مكرهة على التعامل مع النص كوحدة قائمة لا تقبل التدخل؟ نعم أتدخل في اختيار أغاني. وهذا لا يخلق لي أية مشاكل مع كتاب الكلمات. وطبيعة تدخلي تأتي في سياق الإكراه الفني، الذي يلزمني بضرورة تغيير البناء العام للنص ولبعض الكلمات التي لا تتوافق مع الجمل الموسيقية أو اللحن الموضوع للأغنية. وأنا لا أتدخل من تلقاء ذاتي في النص، بل إنني أقترح أفكاري على الشاعر، وهو الذي يبدع نصوصه ولا حق لي في ادعاء أنني أعيد كتابة النصوص، فالمبدع هو الشاعر، وأنا فقط أتصالح موسيقيا مع النص الذي يكتبه الشاعر. هذه الجدية التي تتميزين بها في أعمالك الفنية، هل تخلق لك مشاكل مع سوق الانتاج بالمغرب؟ لا.. حقيقة لا.. ليس هناك مشاكل وربما إنني محظوظة أنني وجدت إلى جانبي مؤسسة مثل شركة «بلاتينيوم» التي تتعامل بشروط فنية احترافية. مثلما أن خالتي التي هي في نفس الوقت مديرة أعمالي، تساعدني كثيرا في مشواري الفني. بل كان لها الفضل الأول في بروزي، من خلال تسجيلها لأغاني الأولى، وحملتها إلى الجهة التي تبنتها وأصدرتها بعد ذلك في ألبوم. فأنا مدينة لها بالكثير.. دون أن أنسى أن الفضل الأول يعود كذلك إلى والدي.. كيف تزاوجين بين الدراسة والموسيقى؟!. فأنت من الفنانات القلائل في المغرب، وضمن جيلك اليوم، التي تزاوج بين النجاح في الفن والنجاح في الدراسة بتفوق.. وربما التجربة الوحيدة التي كانت متميزة في المغرب من قبل هي تجربة الفنانة الراحلة رجاء بلمليح.. حاليا، أتابع دراستي في مجال الهندسة. وأساسا في مجال « الديزاين ». أما عن كيفية المزاوجة ما بين الموسيقى والدراسة، فإنني أحيانا أحلم لو كان طول اليوم الواحد هو 48 ساعة حتى أحقق كل طموحاتي. لأنه صراحة، الجمع ما بين الدراسة، والتداريب الموسيقية، والتلحين، وإحياء السهرات هو أمر ليس يسيرا ولا بسيطا، بل أحيانا من الصعب الجمع بينها جميعها. وأنا عموما أحاول أن أحسن استثمار الزمن لما هو مفيد لأحلامي وطموحاتي ومشاريعي.. نبيلة معان، الغناء عندها هل هو عشق أم مهنة؟!.. هل هي طائر يغني، أم أنها ضحية واجب مهنة الغناء؟! أنا أغني بحب، وهذا الشعور نابع من حبي الخاص للغناء والموسيقى عموما. أنا أمارس شيئا أحبه، وبالتالي لا مجال للواجب عندي في هذا المجال.. أنا سمكة في بحر الغناء، وهذا يغنيني وينعشني ويقويني على كل ما أعانيه في اختياري الفني والحياتي. ماهو الفرق ما بين الألبوم الأول والثاني؟ الألبوم الثاني أجود فنيا من الأول، لماذا ؟!.. لأن الألبوم الأول كانت أغلب الاغاني فيه مؤداة ب «سانتيتزور»، بينما الألبوم الثاني العزف تم بصحبة موسيقية وآلات موسيقية حقيقية وعازفين متعددين. إلى جانب أدائي لأنواع موسيقية لم يتضمنها ألبومي الأول كصنف «الصالصا»، « الروك»، « الفلامينكو».. اضافة إلى أن الألبوم الثاني تطلب مني كثيرا من الوقت لإنجازه (حوالي أربع سنوات). وهذا فرضته طبيعة الألحان والعزف لكل الاغاني التي يضمها الألبوم الثاني. إلى جانب أن الألبوم يضم الروح الفنية لكل الطاقم الذي عمل على إخراجه. إن هذا الألبوم يكتسب تنوعه من تعدد المدارس الخاصة لكل عازف مما أغنى العطاء الفني أكثر، على كافة المستويات من العزف والتوزيع، والكلمات إلى الغناء. الألبوم الاول تضمن توزيعا جديدا لإحدى أغاني ناس الغيوان والحسين السلاوي.. كما ضم الألبوم الثاني تعاملا مع أغنية لمجموعة جيل جيلالة.. لماذا هذا الاختيار؟ وبماذا تفسرينه فنيا؟ الاختيار نابع من استحضار تلك الاغاني الخالدة ولكن بتوزيع موسيقي جديد. وذلك من أجل إعادة الاعتبار لها وتقديمها للأجيال الحالية وتعريفهم بالتراث الموسيقي المغربي. عند سماع موسيقى الألبوم الأول والثاني، هناك حضور لموسيقى عالمية بصوت مغربي.. أين هي الألحان المغربية الخاصة؟! بالنسبة للموسيقى المغربية ليس هناك نوع موسيقي واحد أو إيقاع واحد.. وبالتالي لا يجب أن نظل مرتبطين بموسيقى الاجداد فقط، أي التراث، على أهميتها. لكن، هذا لا يمنع من البحث الموسيقي، وابتكار أشكال أخرى من الفن الموسيقي، ولما لا العمل على ترك بصمة لنبيلة معان في الموسيقى المغربية.. وهذا لا يعني أنه في الموسيقى التي أقدم، لا أتعامل مع الموسيقى والايقاعات المغربية، بل هناك مزيج ما بينها وموسيقى العالم.. لهذا أفضل اختيار أغنية من التراب الموسيقي المغربي القديم، والعمل على توزيعها بنفس فني موسيقي جديد.. أين تجد نفسها نبيلة معان، ما بين سعيدة فكري ويونس مكري؟ أولا، قبل أن أصدر ألبومي الأول، لم يكن لي أي فكرة عن موسيقى وآداء سعيدة فكري.. ولكن كنت أسمع بها خصوصا عندما يعمل بعض الاشخاص على تشبيهي بها، في هذا السياق، أذكر بنفس التشبيه الذي عبر عنه الفنان ملاك، عندما شبهني بسعيدة فكري ولونها الموسيقي.. وهذا دفعني إلى البحث عن اغانيها لأكتشف ليس هناك أي تشابه بيننا فنيا.. واعتبر هذا التشبيه يعود إلى استعمالنا ربما نفس الآلة (قيثارة) والآداء المنفرد.. وأنني أنا أيضا ألحن أغاني بنفسي .. الموسيقى التي تقدمها نبيلة معان، هل لها صدى بالخارج؟ نعم، هناك أصداء طيبة جدا. مثلا بهولندا خلال الجولة الفنية التي قمت بها بكل من: أمستردام، أوتريخت وفورغن وروتردام، كان تجاوب الجمهور الهولندي وليس فقط المغربي المهاجر هناك، كبيرا جدا. بل إنهم رددوا معي الكثير من أغاني رغم عدم فهمهم لمعانيها. ويمكن لي أن أؤكد لكما، أن أغاني عرفت تجاوبا طيبا مع جمهور واسع بأروبا.. واعتبر هذا، تشريفا لي وللأغنية التي أقدمها.. نفس الشيء، حدث معي خلال السهرة التي شاركت فيها بفرنسا على مسرح «الأولمبيا»، الذي يعتبر واحدا من أهم مسارح العالم. فإن هذه السهرة بدورها عرفت تجاوبا جماهيريا كبيرا مع كل المقطوعات الموسيقية التي أديت، خاصة حين غامرت بأداء أغنية للفنانة الفرنسية والعالمية الراحلة إديث بياف. لقد أسمعني بعضهم كلمات جارحة قبل الصعود إلى الخشبة، حيث استغدب كيف أنني أتطاول لغناء أغنية لبياف، أنا المغربية الغفل التي لا يعرفني أحد في تلك القاعة الممتلئة بالجمهور. لكن، ما أن شرعت في الغناء بتحد حتى، أصاخ الجمهور السمع واندمج عميقا مع في الأغنية، وما أن انتهيت حتى دوت القاعة بالتصفيق، فعاد نفس الشخص ليعتذر لي، لكنه أضاف كلمة جترحة أخرى، اعتبرتها أنا جارحة، حين قال « للأسف أنك مغربية » (!! ). أما على المستوى العربي، لم تتح بعد الفرصة لإحياء سهرات هناك، حتى وإن كنت أتوصل برسائل من الجمهور تطالبني بالغناء في سوريا ولبنان والأردن وتونس وغيرها..