لم يشهد المغرب المعاصر، حكومة ضعيفة بحجم ضعف حكومة عباس الفاسي، فالتحديات والعراقيل التي تحاصرها من كل حدب وصوب، لم تترك لها أدنى خيار، إذ تحولت إلى رهينة لضغط الشارع الذي تتصاعد يوما بعد يوم وتيرة مطالبه الإجتماعية، كما استهدفت ب"ظلم ذوي القربى" من مكونات الأغلبية الحكومية، التي لا تفوت فرصة إلا وتوجه فيها الضربات تلوى الأخرى للفريق الوزاري الإستقلالي، مصداقا للمثل الدارج القائل"ارجل اهنا وارجل لهيه" . وما زاد من عزلة هذه الحكومة جماهيريا، السياق الإقليمي والمحلي الذي تتحرك في إطاره ولا يترك لها أدنى فرصة لالتقاط أنفاسها، وهو الأمر الذي عجل بدفع مهندسي سياسة حزب الاستقلال، إلى الإسراع بالترويج لخطاب مفاده أن السياق العام ،يقتضي من ضمن ما يقتضيه، تقديم حكومة عباس الفاسي لاستقالتها مباشرة بعد إجراء الاستفتاء على الدستور في يوليوز المقبل، حتى يتسنى لها التحضير للانتخابات التشريعية المقبلة التي أصبح في حكم المؤكد أنها ستجري في شتنبر 2011. ولا عجب والحالة هذه، أن يكون هذا الموضوع، قد هيمن على أشغال اللقاء التنسيقي للأغلبية، المنعقد في غضون الأسبوع الحالي، كيف لا؟ وقد أدركت قيادة حزب الاستقلال أن مجال المناورة أمامها أصبح ضيقا،وهي تعي أن أي تأخير في تفعيل سيناريو استقالة الحكومة التي يترأسها عباس الفاسي، لن يزيد إلا في تقليص فرص ظفرها بموقع مريح خلال الانتخابات التشريعية المقبلة، بعدما أصبحت أصابع الاتهام توجه صوب حزب الإستقلال دون غيره ، محملة إياه مسؤولية كل الإخفاقات والنكسات التي رافقت أداء الحكومة . وهذا شيء طبيعي، وهو ما يفسر الحضور المتزايد لشبيبة الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية، في تنسيقيات حركة 20 فبرايرعلى الصعيد الوطني وكذلك الشأن بالنسبة لبعض قادته الذين لم يعودوا يفوتون أية مسيرة احتجاجية، إلا وحرصوا خلالها، على البروز أمام وسائل الإعلام بمظهر المساند والمؤيد لمطالب الشارع المغربي، وهو ما يضرب في العمق بمبدأ التضامن الحكومي ويستبدله بالتالي، بحملة انتخابية قبل الأوان لاستدراج تعاطف وود المواطنين. إن الحديث المتعاظم في هذه الأيام، حول تشكيل حكومة وطنية، تضم كل أطياف الخريطة السياسية المغربية، والتي يظهر أن الإجماع حولها لم يتحقق بعد، هو مخرج سياسي يخدم مصلحة حزب الإستقلال ولا يقدم الخدمة ذاتها لباقي مكونات الصف الوطني الديمقراطي، فهل ستتمسك باقي الأحزاب بحبل "النجاة" الجديد الذي تنسج خيوطه قيادة حزب الإستقلال؟ هذا ما ستكشفه الأيام القليلة المقبلة.