تحول شارع باب أكناو بمراكشالمدينة خلال التسعينيات من القرن الماضي، إلى ممر للراجلين أطلق عليه اسم الأمير مولاي رشيد، وهي العملية التي توخى منها المسؤولون بمدينة مراكش إعادة الحياة للشارع المذكور الذي عرف ركودا منذ افتتاح المحطة الطريقية باب دكالة ومغادرة الناقلات للساحة العالمية. كان شارع باب أكناو مخصصا للسيارات و الحافلات وكل وسائل النقل وكان يضم العديد من كراجات الناقلات، وما تخلف من دخان ومخلفات الوقود ناهيك عن الضجيج والتشوه المعماري، قبل أن تتحول إلى مستودعات للمهملات. وظلت سينما مبروكة نقطة الضوء الوحيدة بالشارع المذكور، تحتضن بين الفينة والأخرى تجمعات سياسية ونقابية، تضفي على الشارع المذكور حيوية ونشاطا،وهي إحدى اشهر القاعات السينمائية ، والتي لا زالت تصارع الزمن رغم انقراض العديد من القاعات بالمدينة. أعيدت الهيكلة لشارع باب أكناو وأصبح ممنوعا على وسائل النقل وقامت فعاليات اقتصادية بتحويل تلك الكراجات، إلى محلات ومقاهي وقيساريات، أكثر عصرنة وجمالية، وأضحى ممر البرانس من أهم شوارع المدينة العتيقة. وتجدر الإشارة إلى ثمن العقار عرف وقتئذ ارتفاعا كبيرا خصوصا بعد تزليج الزنقة وتشييد أحواض تضم أغراسا وزهور، مما أضفى على الممر رونق وجمالا، حيث تحولت العديد من المرآب الخاصة بالنقل إلى مستودعات وقيساريات تجارية، قبل أن يعمد بعض التجار إلى كراء بوابات دكاكينهم لباعة لهواتف النقالة، وهناك من يسمح لباعة متجولين وفراشة بعرض سلعهم أمام الدكاكين، قبل أن يعمد البعض إلى احتلال الممر الأمر الذي يعيق المرور. لغط كثيف ينطلق بعد صلاة العصر حيث يتحول الممر إلى سوق عشوائي يغزوه الباعة والفراشة، بل شهد توافد بعض الأفارقة لعرض مواد وسلع من يجلبونها من بلدانهم الأصلي' قبل أن يتخصص بعضهم في تجارة الهواتف النقالة والتي يطلق عليها المراكشيون " التيليفونات لمدرحة " بمعنى غير الأصلية. وبدأت الفوضى تطغى على الشارع، وأخذ البعض يحتل وسط الطرقات بشكل قانوني أو غير قانوني، أماكن عرض الهواتف النقالة تحتل مداخل المحلات التجارية، في حين حول البعض ممرات القيساريات إلى محلات زجاجية يعرض فيها بضائعه ويضيق من الممرات مما يخلق اكتظاظا وسط المتبضعين، بالإضافة إلى الباعة المتجولين والفراشة الذين يحتلون الممر ككل، حيث يتراوح ثمن الكلسة حسب أحد التجار ما بين 1500 و 2000 درهم يوميا، في حين يبلغ ثمن أماكن عرض الهواتف النقالة أحيانا 1700 درهم في اليوم. وأفد أحد التجار أن الوضعية الحالية للممر تشجع النشالين على سلب الزائرين، في مشهد يثير التقزز إذا ما أضيفت له احتلالات الباعة المتجولين أو ما يسمى الفراشة الذين يزيدون من معاناة الشارع. ويبقى احتلال الملك العمومي هو السائد في ممر البرانس، في الوقت الذي أبدع البعض في خلق جمالية سواء على مستوى المعمار أو الزخرفة، بتحويل بعض الفضاءات إلى تحف جميلة لها تأثيرها الإيجابي في استقطاب السائح وفي نفس الآن أعطى مشهدا بصريا يشفع من حيث الشكل والمضمون هذا الفعل، في الوقت الذي يحتل البعض الآخر جزءا من الممر ويخنق الأنفاس ويجعل المنظر بشعا،مما يقتل ذلك الإحساس الجميل،مما يجعل الممر يعيش صراعا بين الجمال والتشوه ، في الوقت الذي عجزت السلطات المحلية عن حل معضلة الممر، في حين يتحدث البعض عن تراخيص وقعها نائب العمدة المقال. و تحول كراج مولاي إبراهيم سابقا إلى محل تجاري رغم أن السجل التجاري للكراج يؤكد أنه ورشة لإصلاح السيارات، في الوقت الذي تشير وثيقة المحافظة العقارية إلى أزيد ثمانين مستفيدا من الرسم العقاري عدد: 361 / M، والذي اعتبره بعض التجار بالممر المذكور يحوي قنبلة موقوتة بعد أن تحول جزء منه إلى مرآب للدراجات النارية بمدخل وحيد،حيث سبق أن شبت النيران في محول كهربائي بالقرب منه . وحسب تجار البرانس فإن الاختناق الذي يشهده الممر يشجع اللصوص والنشالين على تكثيف نشاطهم خاصة عند غروب الشمس ، حيث لم يسلم من اعتداءاتهم سائح أو زائر ، كما تعاني النساء كثيرا من تواجد بعض الأشخاص الذين يستغلون الازدحام من أجل الاحتكاك بهن وإشباع نزواتهم بشكل فظيع ، على مرأى ومسمع من التجار والمارة . وأشار المصدر ذاته إلى ما أسماه ب " التراخي في اتخاذ الإجراءات الضرورية لتحرير الملك العام والاستسلام لجيوش من الباعة الذين استغلوا الظرفية الحالية،خصوصا بعض الأحداث المأساوية التي ارتكبها بعض المتهورين، وتقييد اختصاصات السلطات المحلية وخاصة القواد يزيد الظاهرة استفحالا ". ويذكر أن الممر المذكور ما فتئ يشهد بين الفينة والأخرى حملات لمحاربة انتشار الفراشة والتي لا تخلو من مواجهات مع شهدت ساحة جامع الفنا صباح السبت 7 يوليوز إنزالا أمنيا كثيفا برئاسة كل قائد المنطقة وقائد المقاطعة ورؤساء المصالح ومسؤولين أمنيين لتحرير شارع البرانس من الفراشة والباعة المتجولين ويذكر أن اجتماعات سابقة بين جمعيات تجار ساحة جامع الفنا والأسواق المحيطة بها ومسؤولين من ولاية مراكش قد خلصت إلى ضرورة استعمال القوة العمومية لإيجاد حل للمشكل على اثر وقفات متعددة وإضرابات شلت ممر البرانس. كما خلفت حملات رجال السلطة ارتياحا لدى تجار ممر البرانس، وأحسوا بنوع من الهدوء وراحة البال بعد الحملة التطهيرية التي قامت بها السلطات المحلية ضد الباعة المتجولين الذين احتلوا الشارع بشكل ملفت، وحولوه إلى ممر مغلق يستحيل المرور منه بسهولة. وتأتي هذه الحملات على إثر الشكايات المتتالية التي وضعتها جمعيات التجار في الموضوع، مطالبة بوضع حد لهذا التسيب الذي أدى إلى تشويه هذا الشارع الذي يعتبر نموذجيا بعد إعادة هيكلته وتأهيله ليكون في مستوى تطلعات المواطنين إلى تحديث الشوارع المطلة على فضاء ساحة جامع الفنا المصنفة عالميا ضمن الثراث الانساني الشفهي. ويذكر أن أحد الفراشة سبق أن هاجم ضابطا بالقوات المساعدة أثناء إشرافه على تحرير الملك العمومي وأصابه بجروح في الرأس نقل على إثرها على وجه السرعة إلى المستعجلات، مما اضطر المخازنية إلى استدعاء تعزيزات أخرى أنهت مهمة تحرير الممر الذي شهد كذلك مواجهات عنيفة بين فراشة أفارقة ومغاربة استعملت خلالها مختلف أنواع الأسلحة البيضاء. وحسب المتتبعين لشأن ممر الأمير مولاي رشيد فإن الفوضى الذي يعج بها الشارع تعود لانعدام الضمير لدى بعض التجار الذين يتوفرون على محلات تجارية بنفس الشارع، حيث يقومون بشحن بضائع رخيصة الثمن من الشركات التي تعلن عن رغبتها في تخفيض أثمنة بعض السلع الكاسدة أو ضعيفة الجودة، فيقومون بشحنها و توظيف مجموعة من الشباب العاطل لترويجها بالشارع في تواطؤ مكشوف مع عناصر من القوات المساعدة وغيرهم من رجالات السلطة. كما حملت جمعية تجار ومهنيي ممر الأمير مولاي رشيد في وقت سابق المسؤولية إلى رئيسة الجماعة الحضرية بمراكش التي رخصت لإحدى الشركات بوضع لوحة إشهارية متنقلة أمام مدخل إحدى القيساريات بالشارع المذكور، والتي تسببت في إغلاق وحجب الباب الرئيسي للقيسارية مما نتج عنه عزوف الزبناء وإلى كساد التجارة، كما خلق نوعا من التذمر لدى التجار. واستغربت الجمعية من الكيفية التي يتم بها الترخيص لمحل واحد باستغلال مدخل مشترك لجميع التجار الذي يفوق عددهم الأربعين . والتمس التجار من السلطات المحلية بالاستمرار في حملتها ضد الباعة المتجولين، وحماية الشارع النموذجي من كل الأشكال المخلة بجماله، المعرقلة للسير، والمضرة بالتجار الذين يؤدون ضريبة تلك التواطؤات المكشوفة والجشع اللامحدود. إلا أنه سرعان ما يعود الباعة المتجولون والفراشة لاحتلال الشارع المذكور، في تحد للسلطات المحلية، مما يطرح السؤال": هل نريد مدينة عصرية تنتصر للجمال والحداثة والحياة ، أم أن العقلية هي مجرد إجراءات إدارية تتم بعد ؟؟.