حين تمت إعادة هيكلة شارع باب «أكناو» وأصبح يسمى شارع مولاي رشيد أو كما يحلو للمراكشيين أن يسموه، «البرانس» .. كانت الغاية هي تأهيل شوارع المدينة العتيقة وتحديثها لتساير العصر مع المحافظة على خصوصيتها المغربية ، طبعا الذين فكروا في الأمر أرادوا استنساخ شارع مولاي عبد الله بالدار البيضاء والمعروف أيضاً بالبرانس.. كان شارع «باب اكناو» ممرا للسيارات و الحافلات وكل وسائل النقل وكان يضم عددا من مرائب (كراجات) الحافلات وما تنتجه من أدخنة ومخلفات الوقود ناهيك عن الضجيج والتشوه المعماري، بل تحولت هذه الكراجات إلى مستودعات للمهملات والقمامة.. نقطة الضوء الوحيدة التي كانت آنذاك هي قاعة سينما مبروكة، إحدى اشهر القاعات السينمائية ، والتي لاتزال تصارع الزمن إلى اليوم رغم انقراض العديد من القاعات بالمدينة الحمراء.. والتي خلقت إشعاعا فنيا ،بل وفضاء سياسيا حيث كانت تعقد فيها العديد من اللقاءات الجماهيرية للأحزاب الوطنية والديمقراطية ومن بينها حزب القوات الشعبية الذي كانت هذه القاعة قد استضافت عددا من قاداته التاريخيين الكبار.. أعيدت الهيكلة لممر باب أكناو وأصبح ممنوعا على وسائل النقل وقامت فعاليات اقتصادية بتحويل تلك الكراجات ذات المشهد المقرف، إلى محلات ومقاهي وقيساريات. أكثر عصرنة وجمالية، حتى أن من لم يمر من «البرانس» كأنه لم ير مراكش.. مع مرور السينين بدأ نوع من الفوضى يسيطر على الشارع، وأخذ البعض يحتل وسط الطرقات بشكل قانوني أو غير قانوني، ففيترينات الهواتف النقالة تحتل مداخل المحلات التجارية، والبعض الآخر حول ممرات القيساريات إلى محلات زجاجية يعرض فيها بضائعه ويضيق من الممرات مما يخلق اكتظاظا وسط المتبضعين. ويشجع النشالين على استغلال ذلك ونشل الزائرين، مشهد حقاً يثير التقزز إذا ما أضيفت له احتلالات الباعة المتجولين أو كما يسمونهم «الفراشة» لتزداد القتامة سوادا.. المثير في الأمر أن احتلال الملك العمومي هو السائد في هذا الشارع، لكن هناك من أبدع وخلق جمالية سواء على مستوى المعمار أو الزخرفة وتحويل بعض الفضاءات إلى تحف جميلة لها تأثيرها الإيجابي في استقطاب السائح وفي نفس الآن أعطى مشهدا بصريا يشفع من حيث الشكل والمضمون هذا الفعل، وهناك من يحتل وفي نفس الآن يخنق الأنفاس ويجعل المنظر بشعا ويقتل ذلك الإحساس الجميل بالانتماء إلى مفهوم الجمال.. الذي يحدث الآن بشارع البرانس هو صراع بين الجمال والتشوه ، والسلطات سواء الجماعية أو المحلية، لا تعرف ماذا تقدم وماذا تؤخر، همها أن تسكت هذا الإطار أوذاك.. والسؤال المطروح اليوم: هل نريد مدينة عصرية تنتصر للجمال والحداثة والحياة ، أم أن العقلية هي مجرد إجراءات إدارية تتم وفق تأويل القانون حسب المزاج أو الخوف من إثارة غضب هذه الجماعة أوتلك، ليس إلا؟؟..