لا تخلو منهم مدينة أو قرية ، يعرضون منتوجاتهم المختلفة في كل الأحياء والأزقة ، تصادفهم في حافلات المسافرين وفي محيط الأسواق ، وسيلتهم عربات تجرها دواب أو طاولات خشبية أو حتى «فراشات» على الأرصفة. خضر، فواكه، ملابس، أواني وغيرها من المعروضات ، هتافات وصخب منقطع النظير، يخلفون وراءهم ركاما من النفايات والمخلفات تشوه جمالية الشوارع وتعيق المرور ، ثم باع طويل في التمويه والتهرب من مطاردة القوات العمومية، إنهم الباعة المتجولون فمتى يستقرون ؟ الباعة المتجولون بالمغرب ، وصل عددهم حسب آخر دراسة لوزارة التجارة والصناعة ، إلى 276 ألف شخص، يعيلون حوالي مليون ونصف نسمة، رقم المعاملات السنوي لتجارة الباعة المتجولين يبلغ 45 مليار درهم، وهو ما يضيع على ميزانية الدولة حوالي 47 مليار سنتيم ، و يحقق القطاع معدل نمو سنوي يناهز 3 % إلى 4 % ، أرقام تبرز مدى ثقل هذا القطاع التجاري في المجتمع المغربي . ومن خلال تتبع الممارسين لهذا النشاط يتبين أن أكثر من 60 % الناشطين يمارسونه لأكثر من عشر سنوات، والثلثين من بينهم يعتبر البيع بالتجوال المصدر الرئيسي والوحيد للدخل بالنسبة لأسرهم . 98 % من متعاطي هذا النشاط يمارسونه دون تراخيص قانونية ، ما يجعل صلب الإشكال هو غياب النصوص القانونية المنظمة التي تؤطر هذا المجال ، ونتيجة لهذا الفراغ القانوني والمتابعة من قبل السلطات العمومية فإن جل الأسواق ببساطة تشكل احتلالا للملك العمومي . 91 % من الممارسين لهذا النوع من التجارة ذكور ، متوسط الأعمار هو 41 سنة ، وبالنسبة للنساء الممارسات لهذا النشاط فإن 46 % منهن تعلن أسرهن فيما 54 % منهن متزوجات ، وحسب ذات الدراسة فإن 80 % من الممارسين للأنشطة التجارية المتنقلة يختارون مواقع يترددون عليها بشكل مستمر مثل المحطات الطرقية، المساجد ، وجوار المراكز التجارية للمدن، الشوارع ، وبجوار الأسواق البلدية و داخل الأحياء . 73% من الأنشطة تهم مجال المواد الغذائية والألبسة ، فيما قيمة السلع المعروضة في المعدل لا تتجاوز 2750 درهم ، والأرباح اليومية لا تتجاوز 104 دراهم أي أجر شهري يقدر بحوالي 3100 درهم ، المواد الغذائية تترك هامش ربح يعادل 110 دراهم والألبسة 105 دراهم، و 36 في المائة من زبائن الباعة المتجولين هم فقراء، و46 في المائة هم من الطبقة المتوسطة0 تجربة نموذجية من القنيطرة بعد سنوات من الإهمال أخيرا سيتمكن الباعة الجائلون من انتزاع الإعتراف بنشاطهم ، وزارة الصناعة والتجارة تستعد لتطبيق مخططا لتنظيم نشاط الباعة المتجولين، لتمكين هؤلاء الباعة من العمل بشكل قانوني، أهم مضامين هذه الأستراتيجية الحصول على مساعدات مالية تتراوح بين 6 ألاف درهم و 20 ألف درهم لكل بائع متجول . ووفقا للبرنامج الذي تعده الوزارة ، سيتم السماح للباعة الجائلين بالعمل في أماكن محددة خلال ساعات معينة داخل المدن ، حيث تعمد الخطة إلى تدبير الفضاءات التجارية ، وسيتم اعتماد ثلاث أصناف من الأسواق ، أولها الاسواق الأسبوعية في ضواحي المدن ، والأسواق الحضرية المشيدة داخل المدن والتي تعرف نشاطا يوميا و بشكل دائم ، وأخيرا أسواق الشوارع المنظمة ، و التي ستقام في مناطق مهياة لهذا الغرض ، كما تهتم الخطة الجديدة بتطوير وسائل عمل الباعة من عربات وطاولات وغيرها . البداية مع أسواق الشوارع المنظمة، حيث ستطلق الوزارة الوصية تجربة نموذجية من مدينة القنيطرة قريبا ، التجربة تقوم على أساس دفتر تحملات يحدد شروط وتفاصيل هذه الأسواق بمشاركة مع السلطات المحلية، فيما التجار سيستفيدون من دراجات نارية في مقابل أداء واجبات كراء ، مقابل استغلال فضاءات هذه الأسواق لممارسة نشاطهم التجاري . ومن أجل حكامة جيدة لتفعيل هذا المخطط ، تشرف لجنة مركزية على تفعيل الاستراتيجية يترأسها رئيس الحكومة، فيما لجان إقليمية يترأسها الولاة وثالثة للمتابعة يرأسها العمال والباشوات ، أما عن التمويل اللازم للمخطط ، تسعى الوزارة إلى تأسيس صندوق لتمويل هذا الإصلاح الجديد، وغالبا سيتم اللجوء إلى عدة طرق منها ميزانية الدولة ومساهمة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وصندوق رواج المخصص للتجارة القرب وكذا مساهمات الباعة المتجولين . التجار المنظمون غاضبون بين قساوة شروط الإشتغال في البيع بالتجوال والمطاردات العنيفة، يجد عدد كبير من متعاطي هذا النشاط ، أنفسهم في مواجهة انتقادات حادة من قبل التجار المنظمين والسكان المجاورين لهذه الأسواق الذين طالما نادوا بمحاربة هذه الظاهرة، التي تسببت في إفلاس العديد منهم حيث يوضح صاحب إحدى المحلات أنه يؤدي واجبات ضريبية مقابل تجارته ، وأن على السلطات القيام بواجبها وعدم التذرع بالحالة الاجتماعية لهذه الشريحة ، كما يعتبر في نفس الوقت حملات المطاردة هي ذر الرماد في العيون ، حيث يحتل الباعة أحسن المواقع داخل المدينة مما يوثر على مردودية التجار القارين، آخرون يعتبرون الباعة الجائلين مصدرا لجلب الزبناء وخلق رواح تجاري كبير في الأسواق. سكان المناطق القريبة من هذه التجمعات التجارية ، يعتبرون الباعة مصدر إزعاج كير حيث تعج هذه الفضاءات بالصناديق والعربات وأطنان النفايات التي يخلفهتا هؤلاء الباعة فضلا عن احتلالهم لأرصفة الشوارع ، لكن ردا على الموقف السابق فإن البعض يعتبر الباعة المتجولين عنصرا أساسيا في توفير المواد الضرورية ( صحاب الكرارس كيوفرو لينا كاع لي بغينا بأقل ثمن) تقول إحدى المتسوقات بالقرب من عربة لبيع الخضر. الباعة المتجولين لا يقتصررون على الأسواق الهامشية ، بل تسربوا بالعشرات إلى المحاور الرئيسية، وحتى قلب المنطقة التجارية بالعاصمة الإقتصادية، وهم يصرخون ويهتفون ، بشكل أغضب تجار ( البرانس) و قرروا التوقف عن دفع الضرائب المستحقة عليهم، حتى يتم تعيين حل لمشكلة يعتبرونها آفة على أنشطتهم ، ووجهوا شكاية لرئيس الحكومة، فكان رد الأخيرة سريع الاستجابة، حيث قادت السلطات العمومية حملة واسعة ضد الباعة المتجولين ، وهو التصرف الذي أثار نوعا من الإرتياح في قلوب تجار «البرانس» 0 الدار البيضاء تستقطب نصف الباعة في المغرب وفق دراسة أنجزتها المديرية الجهوية للمندوبية السامية للتخطيط، تبين أن عدد الباعة المتجولين على صعيد جهة الدار البيضاء يبلغ 128 ألف شخصا، وهو ما يعادل نصف الباعة المتجولين على الصعيد الوطني ، وكذلك 10 بالمائة من مجموع السكان النشطين بجهة الدار البيضاء ، يتمركز 13 ألفا منهم بعمالة الفداء مرس السلطان، بمعدل 10 في المائة من الباعة المتجولين بالجهة 0 وأوضحت الدراسة أن 95 في المائة من هؤلاء الباعة لا يمارسون نشاطا آخر. 80 في المائة منهم من الذكور، و 86 في المائة منهم يقيمون بالعمالة نفسها، في حين يلتحق ما تبقى منهم بدرب السلطان الفداء، نظرا لمعدلات الرواج التجاري التي يعرفها هذا الحي، وتم تحديد 30 نقطة بيع موزعة على مختلف تراب العمالة، وتبين أن عدد الباعة المتجولين يبلغ ذروته يوم الأحد بأكثر من 11 ألفا و 235 بائعا متجولا وبائعة 0 خاصة قرب “كراج علال”، الذي تحول إلى مركز للبيع بالتجوال إلى جانب القيساريات وفي محاولة لتنظيم الباعة المتجولين، قامت سلطات عمالة درب السلطان الفداء بتعاون مع غرفة التجارة والصناعة للدارالبيضاء، بتخصيص 15 ألف ملصق تحسيسي، وتوزيع 50 ألفا من مطويات التوعية0 هذا إلى جانب سلك قنوات أخرى تعزيزا لحظوظ إنجاح عملية تنظيم الباعة المتجولين، من قبيل تكوين رجال الأمن والقوات المساعدة الذين سينخرطون في هذه العملية بخصوص التعامل مع هذا الموضوع، وبالتالي مساعدة قرابة 1300 من أصحاب العربات المجرورة، وزهاء 12 ألف بائع متجول المعنيين، باحترام مواعيد وأماكن الأسواق المتنقلة لاحتواء هذه الظاهرة الأسواق النموذجية تجربة فاشلة وضعية هذه الأسواق في العديد من المدن، وتحولها إلى أطلال ومباني مهجورة ، توضح بالملموس أن الأسواق النموذجية أصبحت نموذجا للركود والكساد، وفشلت في استقطاب ما يكفي من الزبناء، وللإجابة على سؤال يتعلق بفشلها هذه التجربة، كآلية لتنظيم الباعة المتجولين، يرى أحد المسؤولين بالشركة المكلفة بتدبير الأسواق النموذجية بالدار البيضاء، أن ذلك يرجع بالأساس لشيوع عقلية البيع بالتجوال، وتفضيل العديد من الأشخاص لتفويت منتوجاتهم على قارعة الطريق وفي الفضاءات العامة تهربا من الضرائب وأقساط الكراء تم غياب الرغبة لدى السلطات العمومية في القضاء على هذه الظاهرة ثم قلة الفضاءات التي تصلح لإقامة الأسواق النموذجية . من الأخطاء القاتلة التي أجهضت هذه التجربة ، كون أغلب هذه الأسواق تقام على مسافات بعيدة عن المتسوقين، ناهيك عن ظاهرة التوزيع غير العادل لهذه المحلات حيث يستفيد السماسرة من محلين أو ثلاثة في حين لا يحصل البائع المتجول العادي سوى على محل صغير لا تتعدى مساحته أربعة أمتار ، وبين مطرقة المطاردات الأمنية، وسندان الأسواق النموذجية الفاشلة، يجد الباعة المتجولين في شوارع المدن ضالتهم ، مطالبين بتحمل المزيد من لفحات الشمس الحارقة وموجات الأمطار والبرد القارس ، التي تنضاف لظروف عيشهم القاسية، و يعلقون آمالا كبرى على الخطة الجديدة للوزارة . صندوق ( رواج) ونتائج محدودة في إطار برنامج ( رواج ) رصدت وزارة الصناعة والتجارة والتكنولوجيات الحديثة، غلافا ماليا بقيمة 90 مليار سنتيم لدعم تجارة القرب موجهة لتمويل المشاريع الصغرى والمتوسطة لحوالي 850 ألف مقاولة على الصعيد الوطني، خلال الفترة الممتدة بين 2008 و 2012 ، خصص منها مبلغ 10 ملايير سنتيم برسم السنة الأولى ، كما وقعت الوزارة في الدارالبيضاء اتفاقية إطار مع عدد من الشركاء المحليين تهدف إلى تفعيل مخطط ” كازا رواج” . وتنص الاتفاقية على أن الأطراف الموقعة مدعوة لوضع خطة جهوية لتطوير قطاع التجارة والتوزيع على مستوى الجهة ومواكبة إنجاز مشاريع تحديث قطاع تجارة القرب و تأهيل الفضاءات التجارية، وموازاة مع ذلك جرى توقيع اتفاقية أخرى ، موجهة أساسا لإعادة تأهيل البنية التحتية لموقع درب عمر، بعدما تم اعداد لائحة أولية تتعلق بتأهيل درب عمر ودرب غلف وسوق القريعة وشارع الأمير مولاي عبد الله . و من بين 64 ألف نقطة بيع منتشرة بالدار البيضاء لم يتجاوز عدد الطلبات التي تقدم بها التجار 1200 طلب من أجل الإستفادة من دعم صندوق رواج ، الأمر الذي فسرته مصادر مهنية بالتردد في صفوف التجار، نظرا للتخوفات النابعة من عدم الإطلاع على تفاصيل العملية، ذات المصادر أشارت أنه كلما تماطلت المصالح المعنية في الإسراع بتنفيذ وعودها، ازدادت مخاوف التجار والمهنيين مما ينعكس سلبا على تطوير القطاع حيث تعيش 800 مجزرة بلدية على الصعيد الوطني حالة متردية وتمارس نشاطها في شروط بعيدة عن الجودة، ونفس الأمر بالنسبة لحوالي 5 آلاف متجر في الدار البيضاء متخصصة في بيع اللحوم الحمراء والبيضاء، وكذلك سوق الدواجن بالمدينة الذي يعد أكبر مزود للسوق الوطنية وأسواق السمك التي تعيش ظروف سيئة ، ناهيك عن أحوال التجارة على قارعة الطريق والماكولات في الأحياء الشعبية التي تبقى بدون مراقبة 0 مطاردات لا تنتهي أن تكون بائعا متجولا ، فذلك يعني أنك محط ملاحقات سيارات أعوان السلطة العمومية ، وماعليك إلا الانتباه والحذر الشديد من (مالين الوقت) كان هذا خلاصة حديث أحد الباعة المتجوليين، الذي يشبه نفسه ببطل الفيلم الشهير ” الهارب ” ، جراء الفر والكر من قبضة رجال الأمن في الشوارع . حملات المطاردة والمضايقات التي تستهدف الباعة المتجولين في شوارع الدار البيضاء ( الحي المحمدي، كراج علال ،البرنوصي ، اسباتة ..) من قبل السلطات المحلية والأجهزة الأمنية تخلف ارتباكا واضحا في صفوف الباعة وتلحق بهم أضرارا مادية بالغة على مستوى المداخيل المتدهورة أصلا خاصة أن ممتهني هذه الأنشطة هم في الغالب شبان عاطلون يمتهنون التجارة بشكل متقطع لمواجهة العطالة . وإذا كانت هذه الحملات محمودة في بعض جوانبها خاصة إعادة الإعتبار للشوارع، كفضاءات خاصة بالتنقل وفسح المجال أمام وسائل المواصلات المختلفة ، فإن تصريحات بعض الباعة المستهدفين قد أجمعت على انتقاد هذه المطاردات التي اعتبرتها تحركات ظرفية ،لا يمكن أن تحل مشكلة معقدة كهذه، حيث لابد أن تواكبها حلول جذرية ، كتخصيص فضاءات منظمة لهؤلاء الباعة، كما عبر بعض المتضررين عن استياء عميق من تصرفات بعض أفراد القوات المساعدة وأعوان السلطة العمومية الذين تتسم تدخلاتهن بالعنف أحيانا، كالعمل على بعثرة سلع الباعة على الأرض بشكل استفزازي واستعمال السب والشتائم في حق المواطنين ، ناهيك عن كون هذه الأخيرة تتم بنوع من الإنتقائية حيث تستهدف البعض و تتسم التدخلات في حقهم بالتشدد البالغ دون غيرهم، وهوما أرجعه العديد من الباعة إلى ظاهرة تقديم الأتاوات لبعض الأعوان وعناصر القوة العمومية