إصلاح عميق وجوهري ينتظر مدونة الأسرة تحت رعاية ملكية سامية        توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء        أخبار الساحة    الأزمي: لشكر "بغا يدخل للحكومة على ظهرنا" بدعوته لملتمس رقابة في مجلس النواب    الدار البيضاء.. توقيف المتورط في ارتكاب جريمة الإيذاء العمدي عن طريق الدهس بالسيارة    تقديم «أنطولوجيا الزجل المغربي المعاصر» بالرباط    أجماع يعرض جديد حروفياته بمدينة خنيفرة    في الحاجة إلى تفكيك المفاهيم المؤسسة لأطروحة انفصال الصحراء -الجزء الثاني-    تقديم العروض لصفقات بنك المغرب.. الصيغة الإلكترونية إلزامية ابتداء من فاتح يناير 2025    أطباء القطاع العام يخوضون إضرابا وطنيا لثلاثة أيام مع أسبوع غضب        بووانو: حضور وفد "اسرائيلي" ل"الأممية الاشتراكية" بالمغرب "قلة حياء" واستفزاز غير مقبول        بمناسبة رأس السنة الأمازيغية.. جمهور العاصمة على موعد مع ليلة إيقاعات الأطلس المتوسط    فيديو "مريضة على نعش" يثير الاستياء في مواقع التواصل الاجتماعي    المغرب-الاتحاد الأوروبي.. مرحلة مفصلية لشراكة استراتيجية مرجعية    الكرملين يكشف حقيقة طلب أسماء الأسد الطلاق ومغادرة روسيا    محمد صلاح: لا يوجد أي جديد بشأن مُستقبلي    تعيين مدرب نيجيري لتدريب الدفاع الحسني الجديدي لكرة الطائرة    النفط يرتفع مدعوما بآمال تيسير السياسة النقدية الأمريكية    أسعار اللحوم الحمراء تحلق في السماء!    نادي قضاة المغرب…تعزيز استقلال القضاء ودعم النجاعة القضائية    غضب في الجارة الجنوبية بعد توغل الجيش الجزائري داخل الأراضي الموريتانية    الجزائريون يبحثون عن متنفس في أنحاء الغرب التونسي    بنما تطالب دونالد ترامب بالاحترام    نيسان تراهن على توحيد الجهود مع هوندا وميتسوبيشي    سوس ماسة… اختيار 35 مشروعًا صغيرًا ومتوسطًا لدعم مشاريع ذكية    "سونيك ذي هيدجهوغ 3" يتصدر ترتيب شباك التذاكر    تواشجات المدرسة.. الكتابة.. الأسرة/ الأب    تولي إيلون ماسك لمنصب سياسي يُثير شُبهة تضارب المصالح بالولايات المتحدة الأمريكية    أبرز توصيات المشاركين في المناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة بطنجة    تنظيم كأس العالم 2030 رافعة قوية نحو المجد المغربي.. بقلم / / عبده حقي    شكاية ضد منتحل صفة يفرض إتاوات على تجار سوق الجملة بالبيضاء    تصنيف التنافسية المستدامة يضع المغرب على رأس دول المغرب العربي    إعلامية فرنسية تتعرض لتنمر الجزائريين بسبب ارتدائها القفطان المغربي    إدريس الروخ يكتب: الممثل والوضع الاعتباري    السلطات تمنع تنقل جماهير الجيش الملكي إلى تطوان    شركة Apple تضيف المغرب إلى خدمة "Look Around" في تطبيق آبل مابس.. نحو تحسين السياحة والتنقل        الموساد يعلق على "خداع حزب الله"    أنشيلوتي يشيد بأداء مبابي ضد إشبيلية:"أحيانًا أكون على حق وفترة تكيف مبابي مع ريال قد انتهت"    حكيم زياش يثير الجدل قبل الميركاتو.. الوجهة بين الخليج وأوروبا    معهد "بروميثيوس" يدعو مندوبية التخطيط إلى تحديث البيانات المتعلقة بتنفيذ أهداف التنمية المستدامة على على منصتها    كيوسك الإثنين | إسبانيا تثمن عاليا جهود الملك محمد السادس من أجل الاستقرار    شركات الطيران ليست مستعدة للاستغناء عن "الكيروسين"    مواجهة نوبات الهلع .. استراتيجية الإلهاء ترافق الاستشفاء    إنقاذ مواطن فرنسي علق بحافة مقلع مهجور نواحي أكادير    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القطاع التجاري بالأسواق العمومية بجهة طنجة-تطوان

يعيش القطاع التجاري بالأسواق العمومية بجهة طنجة-تطوان وضعا غير قابل للفهم والإعراب في سياق الأفق الاستثماري الذي يسود مدن الجهة. مما يدفعنا في القضاء المغربي للمهنيين للقول بأن هذا القطاع مازال خارج التغطية تماما. وبعيدا عن أية مبادرة فعلية من طرف المجالس المنتخبة المتعاقبة!!!
إذا كانت الجماعات الحضرية هي الجهة الوحيدة التي يفترض فيها أن تخلق الآليات التي تدفع في اتجاه الاستثمار وخلق ثروات التنمية بقطاع الأسواق العمومية البلدية أو عن طريق تشجيع الخواص والتعاونيات باعتبار الجماعات وحدات ترابية خلقت أساسا لدعم التنمية في المدن وتزويدها بكل المرافق الأساسية حسب منطوق الميثاق الجماعي الجديد. لكن نفض يدها من هذا القطاع الحيوي الفعال وتركه للفوضى والعشوائية والضياع يعتبر تقصيرا فادحا من قبل الحساسيات السياسية داخل المجلس وقصر نظر من المكاتب المسيرة المتعاقبة وصولا إلى المجلس الحالي الذي عرف حراكا سياسيا لم يسبق له مثيل لكن للأسف حضرت فيه الحسابات السياسية وتعطلت التنمية!!!
عند رصد الاستثمارات في مجال الأسواق التجارية البلدية نجد على سبيل المثال، وعند رصدنا لبرنامج التأهيل الحضري الذي عرفته طنجة نجد الجماعة الحضرية لطنجة بادرت للاستثمار في كل شيء ما عدا الاستثمار في رهان خلق أسواق جديدة أو على الأقل توسيع البنيات التحتية للأسواق الجماعية الموروثة عن العهد الدولي، من أجل الارتقاء بخدماتها المقدمة للمستهلكين وتدعيم شبكات التوزيع والتموين بها.
وفي هذا الصدد، قد يبدو غريبا أن نؤكد الحقيقة التي تقول أنه حتى الاستقلال سنة 1956 وإلى غاية السنة الجارية 2011 لم تبرمج الجماعة الحضرية لمدينة طنجة سوى أربع أسواق جماعية فقط. رغم النمو الديمغرافي المتسارع والهجرة المكثفة، إثنان في فترة الثمانينات من القرن الماضي وهما سوق ادرادب وسوق بني مكادة مع التأكيد أن سوق ادرادب خلق مشوها ومشلولا منذ البداية ولم يكتب له فتح أبوابه منذ ذاك التاريخ وإلى حد كتابة هذه السطور. وسوق بني مكادة مازال يقاوم ويعاقد عوارض الزمن علما أنه الأول على مستوى مداخيل جبايات البلدية. واثنان برمجا في بداية القرن الحالي من قبل الجماعة الحضرية لبني مكادة إبان نشأتها حين خضعت طنجة للتقسيم الجماعي.
وهما سوق بئر الشفا والمركب التجاري بن ديبان، لكن لم يكتب لهم أن يفتحوا أبوابهم إلا في السنتين الأخيرتين عن طريق السمسرة العلنية التي لا تتناسب مع الشريحة الواسعة من التجار الصغار!
لم يكن واردا عند المجالس المتعاقبة على تدبير الشأن المحلي في طنجة أي تصور أو مخطط لتوسيع شبكات الأسواق البلدية عبر إحداث ما اصطلح على تسميته بالأسواق النموذجية، لكن حينما سقطت فكرة هذا النوع من الأسواق على رؤوس المسيرين للشأن العام بالمدينة، بعد الدورية المشتركة بين وزارة التجارة ووزارة الداخلية والاعتمادات المالية الشحيحة 500 مليون سنتيم لإنجاز وتجهيز 7 أسواق على مساحة قاربت 10 هكتارات، التي خصصتها من أجل إنجاز سلسلة من المرافق سميت بتجارة القرب أو الأسواق النموذجية.
وفيما يلي خطوط عريضة لواقع ومضمون "الأسواق النموذجية" التي عرفتها مدينة طنجة:
- سوق حي نجيبة، كان يضم في الأصل 40 براكة "كوخ" وبعد إخضاعها لعملية التهيئة والتأهيل أصبح يضم أكثر من 250 محل تجاري.
- سوق بئر الشعيري كانت تتواجد به حوالي 128 براكة، وبعد خضوعه لإعادة الهيكلة تمكن هذا المرفق التجاري حسب عملية الإحصاء التي أنجزتها السلطات المحليية في إطار لجنة مختلطة من استقطاب أزيد من 400 بائع متجول في كل الأصناف التجارية. مازال البعض منهم ينتظر الحصول على الاستفادة والبعض الآخر في الانتظار!
- سوق الحداد، عرف هذا السوق غياب الجودة في الأشغال وتهيئة الأرضية ونزاع قضائي حول امتلاك الأرض الحاضنة للسوق، ومع ذلك فقد تمكن من استقطاب وامتصاص أزيد من 400 تاجر بينما قدرته الاستيعابية تتسع لما يزيد عن 700 تاجر.
- سوق الوردة، ونظرا لنذرة الأراضي الفارغة وامتناع الباعة عن الانتقال إلى أماكن أخرء فقد تمت تهيئة الأرضية وبناءه القصديري فوق مجرى الواد الحار. وبعد عملية الإحصاء تمكن هذا المرفق من امتصاص أزيد من 100 تاجر كما أن شبكة الأسواق النموذجية في مدينة طنجة التي سنرصد لاحقا عواملها السلبية في إطار هذا التقرير شهدت كذلك تعثر استئناف باقي الأسواق المبرمجة وهما سوق مسنانة بمقاطعة طنجة المدينة الذي لم يستفد منه إلا 33 تاجر في حين مازال 54 محل تجاري فارغ لم يتم توزيعها بعد.
ونفس الشيء بالنسبة لسوق امغوغة رغم أن قدرته الاستيعابية ناهزت 170 محل تجاري إلا أن المقاطعة لم توزع على المستفيدين إلا 51 محل تجاري ومازالت باقي الأماكن التجارية في الانتظار. نفس الأمر ينطبق على سوق السانية بمقاطعة امغوغة، لم يتم توزيع سوى 11 محل تجاري في الوقت الذي مازال أزيد من 70 مكان فارغ لم يتمكن التجار من الاستفادة منها رغم الطلبات الكثيرة والمتعددة.
إن هذه الأسواق النموذجية رغم عواملها الإيجابية المتمثلة أساسا في امتصاص الباعة المتجولين ومحاولة التقليص والتغلب على ظاهرة انتشار التجارة العشوائية آلت إلى كثير من التعثر والإخفاق الناتج عن الصراعات والتطاحنات السياسية بين المنتخبين نتجت عنها مظاهر فوضى عارمة وتسيب أدى إلى تأجيج الصراع والحقد والعداوة بين المستفيدين والمقصيين وبين أعضاء المقاطعات والمجلس الجماعي.
ظاهرة التطاول على الاختصاص وباطنه إحساس بعض أعضاء المقاطعات بالدونية ويفقد الأهلية التمثيلة الكاملة أسوة بأعضاء المجلس الجماعي مما ولد عند البعض منهم كراهية شديدة وحقد ليس له مثيل اتجاه أي شيء لم يشاركوا فيه مهما كان جيدا.
واليوم وبعد مرور قرابة عشر سنوات على انطلاق تجربة الأسواق النموذجية لابد من تسجيل بعض الملاحظات، وهي ناتجة بالأساس عن رصد عيني لأوضاع وأحوال هذه المرافق التجارية العمومية.
الأسواق النموذجية في حقيقتها ليست أكثر من بناء صفيحي متدهور صيفا وشتاء
تفتقر هذه الأسواق إلى أبسط التجهيزات الضرورة كما أن الواقع البنيوي والنظام اليومي للتسيير والتدبير داخل مرافقها لا يمكن وصفها سوى بسياسة الهروب من الواقع الممارس من طرف المجالس المنتخبة!!
إن أسواقنا البلدية وقيساريتنا وشوارعنا العمومية وأحياءنا الشعبية في حالتها الراهنة والحالية هي في الأصل صورة حقيقية معبرة عن سوء تنظيم مجال الاستهلاك وغياب العرض التجاري المتجانس الموحد. وهنا نشير إلى الخليط الهجين السائد داخل أسواقنا وقيساريتنا، ولعل سوق كسابراطا بتشعباته وتلويناته خير نموذج حيث يحتضن هذا المرفق الكبير والهام أجنحة متعددة لا صلة بينها: المتلاشيات، مع الأثاث القديم المستعمل، الثياب البالية أي المستعملة المستوردة من سبتة السليبة، الأخشاب المستعملة والجديدة، الملابس الجاهزة، إلى جانب المواد الإلكترونية ومواد البناء إلى جانب الفواكه الجافة، مواد التجميل إلى جانب الخضر والفواكه، الملابس التقليدية إلى جانب الأواني المنزلية والزليج المستعمل، والمطاعم والملبنات إلى جانب العجلات المطاطية و........ والقطاني أي أن الأمر يتعلق بجوطيات أكثر منه بسوق يعتبر قبلة لضيوف طنجة وممونا رئيسيا لساكنة المدينة وخزانا أساسيا لكل السلع!
في ظل غياب المخططات التنموية وتراجع الموارد الجبائية للمجالس البلدية وفي ظل تنامي ظاهرة وانتشار الباعة المتجولين، خلقت الأسواق النموذجية أساسا استجابة لهذا الطلب للمساهمة في امتصاص جحافل الباعة المتجولين والقضاء على التجارة المتسكعة.
غير أن المتجول بالمدينة وشوارعها وفضاءاتها الخارجية ومجموع هذه الأسواق يشاهد أنها تحولت ويفعل فاعد إلى تجمعات جديدة للتجارة الجائلة التي تحتل مداخل ومخارج المرافق التجارية والشوارع العامة. كما أن فضاءاتها الداخلية هي الأخرى أصبحت بطريقة تدريجية وجهة جاذبة لهذا النوع من التجارة العشوائية!!
إن هذه الملاحظات التي لم نذكر منها سوى ما هو بارز للعيان الراصدة تؤكد على نحو ملموس إخفاق التجربة التي جاءت في سياق ضاغط وتم توزيع مرافقها "دكاكينها" بطرق أرضت المستفيدين وطعن في مشروعيتها وقانونيتها المقصيين.
وهنا وجب التساؤل ما موقع مركب ابن بطوطة الذي يضم أزيد من 300 دكان إضافة إلى أزيد من 4000 عبارة عن مستوطنات بالأراضي المجاورة والأموال التي بددت عليها ما موقعها من الإعراب في الجملة الاعتراضية التي تلاحقها علامات استفهام حول هويات أصحاب تلك الدكاكين!!!
وكيفية التوزيع والاستفادة ولماذا تخرس الألسن الطويلة حينما تذكر كسابراطا بجميع ملحقاتها التجارية.
لقد تم إنفاق وتبديد أغلفة مالية ضخمة في مناسبات انتخابية على ما يطلق عليه جامعة الأسواق وكلياتها المتعددة الاختصاصات أي أسواق كسابراطا دون جدوى حقيقية ودون أي حصيلة فعلية على صعيد تعزيز قطاع الأسواق العمومية.
ولم يتم الاكتفاء فقط بمراكمة سلبيات عدم الاستثمار الإيجابي في هذا المجال من طرف المجالس المنتخبة، بل تم نهج سلوك أكثر سلبية وأكثر خطرا ونعني به قيام الجهات المسؤولة بغض طرفها عن تجاوزات القطاع الخاص المتمثلة فيما يلي من حقائق.
فقد تم تحويل العديد من المنشآت والمآثر التاريخية التي كانت تزخر بها مدينة طنجة إلى عمارات سكنية وقيساريات تفتقد للحد الأدنى من السلامة مقابل متاجر فخمة لا تتعامل إلا مع الفئات الاجتماعية الثرية والعائلات الراقية. من نماذج ذلك فندق باصادينا التاريخي، فندق سينما كبطول والقائمة أكبر من أن تحصى أو تعد. كل ذلك تم أمام أعين السياسيين والغيورين المدعين الغيرة على مدينتهم.
إن تحويل العديد من الأسواق الموجودة بالمدينة التي لها إشعاع تاريخي وتمثل ذاكرة طنجة التراثية والحضارية والتجارية إلى فضاءات ذات أنشطة مغايرة تماما. هكذا عوض أن تبادر الجهات المختصة والمسؤولة إلى رفع عدد ومستوى الأسواق خدمة للمستهلكين وتنويعا في المنتوج المعروض للاستهلاك، فعلت العكس حيث لم تكتفي بعدم برمجة أسواق جديدة تماشيا مع تطور المدينة والاستثمار المنتج في هذا المجال بل لجأت إلى منح تراخيص عشوائية للقضاء على الأسواق الموجودة!!
إن تحويل سوق الجهة للخضر والفواكه بطنجة بعد انتقاله من ساحة المغرب إلى طريق العوامة إلى فضاء تجاري مخترق بالفساد بسبب التواطؤات المكشوفة مع اللوبيات المسيطرة على مرافق وشرايين سوق الجملة، الذي أدى إلى بروز ظاهرة الغلاء الفاحش وابتزاز القدرة الشرائية للمستهلكين وتقديم طنجة كأغلى مدينة مغربية في ارتفاع الأسعار.
ليست مدينة طنجة لوحدها التي تعرف سوء أوضاع الأسواق العمومية وولج هذا القطاع إلى النفق المغلق بل ثمة مدن أخرى تشهد وضعا تجاريا مماثلا وإن كان أقل حدة من الوضع بطنجة. في هذا السياق يمكن أن نشير إلى مدينتي تطوان ومرتيل والفنيدق، باعتبارهم المدن الشمالية الأكثر استقطابا للباعة المتجولين والأكثر ضعفا من حيث شبكة الأسواق البلدية مقابل القيساريات العشوائية للخواص. فمدينة تطوان التي أصبحت أكبر مستعمرة للباعة المتجولين على صعيد شمال المملكة، لا تتوفر سوى على عدد محدود على الأصابع من الأسواق البلدية ومجملها يعاني على غرار طنجة لم تستثمر في هذا المجال كذلك مما جعل شبكة توزيع وتموين المدينة من السلع يشهد الكثير من الانزلاقات والاختلالات التي أضحت تتراكم يوما بعد يوم وبصورة صارخة!!!
مدينة مرتيل التي تم إلحاق مجالها الترابي بعمالة المضيق-الفنيدق تعاني هي الأخرى من تردي أحوال أسواقها العمومية علما أنها مدينة ساحلية مستقطبة لأكثر قدر من السياحة الداخلية ويرتفع فيها معدل الاستهلاك العمومي، مما يتطلب جهد مضاعف وعناية خاصة ومتميزة لا الإقدام على الترخيص بإقامة معارض عشوائية تنافس تجار المدينة الذين ينتظرون فصل الصيف انتظارا المضطر للفرج.
إن صفقات إنجاز الأسواق النموذجية في المدينتين تطوان ومرتيل وحسب المهنيين والمتتبعين راكمت الكثير من الاختلالات وحالات فساد تشكل البعض منها نموذج خضع للفحص من طرف لجان تقصي الحقائق التابعة لوزارة الداخلية مما يؤكد بؤس هذا القطاع الذي يلعب أدوارا هاما وكبيرة في الحياة اليومية للمواطنين.
بالعودة إلى مدينة طنجة نجد أن أي مشروع يستهدف هيكلة قطاع الأسواق العمومية وتنظيم خدماتها لم يتم تبنيه من طرف المجالس المنتخبة المتعاقبة إلا ابتداء من الألفية الثالثة، بعد أن اتضح للجميع تداعيات ترك هذا القطاع ينمو في منأى عن أي رقابة أمنية أو السلطات المحلية والجماعية.
لقد ضخت المجالس المتعاقبة كما تدعي أموال وميزانيات ضخمة من أجل تنظيم الأسواق العشوائية وإعادة هيكلتها من قبيل سوق كسابراطا الذي كان ناتجا عن إجلاء جوطية سيدي بوعبيد والعديد من الأسواق العشوائية بالمدينة غير أن هذا المرفق التجاري الكبير والمولود الذي ولد بشكل غير طبيعي وغير متجانس وفي فترات متقطعة في مساحات شاسعة وفارغة ظل منذ ذلك التاريخ نقطة سوداء على صعيد التنظيم التجاري للمرافق التجارية العمومية!!
وابتداء من سنة 2000 صحت الجهات المعنية من نومها العميق لتلمح بأعين مشدوهة اختلالات بالجملة على صعيد الأسواق العمومية. وهكذا انطلقت عملية إحصاء وإدماج الباعة المتجولين في أسواق قارة ومتنقلة، هذه العملية ستتشاعف وتيرتها بشكل ملحوظ بعد التفجيرات الإرهابية التي شهدتها مدينة الدارالبيضاء يوم 16 ماي 2003، حيث اتضح للعيان وأكدته التحقيقات القضائية أن من ضمن المتورطين في هذه الأحداث ينشطون في القطاع التجاري غير المنظم، كما أن البعض منهم كان خزانا للمجاهدين بالعراق والشيشان وأفغانستان.
غياب التخطيط المحكم لهذه العملية الإدماجية وغياب المعايير الانتقائية في تسجيل المستفيدين والأعداد الكبيرة التي أبدت إلحاحها ورغبتها في الاستفادة من هذه الأسواق إضافة إلى توقف الأشفال في البعض الآخر وتوزيع المرافق والدكاكين ببعض الأسواق دون الأخرى، فمن أصل سبعة أسواق لم يتم توزيع على المستفيدين إلا أربعة أسواق: نجيبة، بئر الشعيري، الحداد، الوردة، في حين تم التوقف عن الأشغال ولم يتم توزيع سوق السانية وامغوغة ومسنانة. مما أدى بالعملية إلى وصفها بالفشل من قبل البعض وبالفساد من قبل الآخرين. وهكذا استمرت لعبة القط والفأر بين الباعة المتجولين ورجال السلطة، ورجال الأمن والقوات المساعدة، في ظل التزايد المفرط في أعداد الباعة المتجولين والخصاص المسجل على صعيد الأسواق الجديدة في مدينة يتسع نموها الديمغرافي بصورة ملحوظة مثل مدينة طنجة.
بمناسبة الحديث عن ظاهرة الباعة المتجولين سبق للسيد أحمد رضا الشامي وزير الصناعة والتجارة أن ذكر أمام البرلمان أن عدد الباعة المتجولين في المجال الحضري بالمغرب يبلغ 238 ألف، 50 في المائة منهم ينشطون في قطاع التغذية.
وفي آخر إحصائيات أظهرت نتائج دراسة أنجزتها وزارة الصناعة والتجارة والتكنولوجيا الحديثة بالتعاون مع وزارة الداخلية أن غياب ظاهرة الباعة المتجولين من شأنها أن تؤدي إلى ولوج 120 ألف باحث جديد عن العمل إلى سوق الشغل. وأظهرت نتائج الدراسة التي عرضها الشامي وزير التجارة أن القطاع التجاري الغير المهيكل يشغل 238 ألف شخص وأبرزت نتائج الدراسة أيضا أن 91 في المائة من مزاولين النشاط التجاري هم رجال، 20 في المائة منهم مستقلين أي يمارسون لحسابهم الخاص. ويشكل هذا النوع من النشاط مهنة قارة لمزاوليه، وأن 60 في المائة منهم صرحوا أنهم يتوفرون على أقدمية 10 سنوات من الممارسة. وأكدت الدراسة أن 70 في المائة من الباعة المتجولين لا يتجاوز مستواهم الدراسي الطور الابتدائي وأن 73 في المائة منهم يمارسون بيع الألبية والمواد الغذائية كما أن أزيد من 65 في المائة صرحوا أنهم يحرصون على المتاجرة في المواد التي يقع عليها الطلب أي المناسباتية.
وبخصوص زبناء التجارة المتجولة، فقد كشفت الدراسة أن 46 في المائة من زبنائهم من الطبقة الوسطى وأن 36 في المائة ينحدرون من الطبقة الفقيرة ويفضلون اقتناء حاجياتهم من الباعة المتجولين الموجودين بمقربة من مقر سكناهم وأحيائهم. كما أكدت الدراسة أن البيع بالتجوال يشكل مصدر رزق لما يناهز أكثر من مليون و300 ألف شخص. في حين تصرف 4 ملايير دولار في تجارة الظل وتحرم منها خزينة الدولة، وأن 10 في المائة من البيضاويين النشيطين هم باعة متجولون.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.