يعتبر درب السلطان من أقدم و أكبر أحياء الدارالبيضاء ، وقد عرف هذا الحي أوقاتا عصيبة إبان فترة الاستعمار، في المقابل منح للتاريخ مناضلين يشهد شارع الفداء على تضحياتهم. كما احتضن هذا الحي الشعبي مجموعة من المشاهير المغاربة من سياسيين وطنيين كبار، والفنانين نذكر منهم ( ثريا جبران، عبد العظيم الشناوي، محمد التسولي، عبد القادر مطاع، سعاد صابر، مصطفى الزعري، عبد اللطيف هلال، مصطفى التومي، عائد موهوب، أحمد الصعري، الشعيبية العدراوي الحاجة الحمداوية، مصطفى الداسوكين، عبد القادر وعبد الرزاق البدوي، نعيمة سميح ،و ليلى غفران رجاء بلمليح والفنان التشكيلي عبد الرحمان رحول ...) ورياضيين أمثال ( الأب جيكو، بيتشو، الظلمي، الحداوي، اسحيتة، بتي عمر، الحمراوي...) ، بل و حتى علماء الفلك ، إذ تعتبر مريم شديد التي اعتزت - على الرغم من الشهرة العالمية- بالانتماء إلى درب السلطان، وهي أول عالمة فلك في العالم استطاعت أن تصل إلى القطب المتجمد الجنوبي وأول طالبة عربية أنجزت الدكتواره في أكبر مرصد وطني في فرنسا. وبعد سنين من المعاناة استبشر سكان أحياء درب السلطان بعدما تدخلت السلطات المحلية بعتادها ورجالها بشن حملات موسعة ضد احتلال الملك العمومي ، وقبلها شملتها حملة إنذارية ضد الانتشار الكاسح للباعة المتجولين و"الفراشة " بالشوارع والأزقة والساحات ، حيث قامت السلطات المحلية بإفراغ جل الشوارع والأزقة والساحات ، وداهمت وهدمت وأتلفت أعدادا من البراريك الخشبية والبلاستيكية والإسمنتية الموضوعة بشكل عشوائي بكل من ساحات دمشق والتاج وغيرهما ، وأزقة العباسيين والمونستير ووادي زيز وسميرن والمعمورة والغرب ومولاي ادريس وبلغازي وقيسارية الحفاري ، وشارع محمد السادس والفداء ، كما أزالت عددا من الطاولات " الطابلات" التي تختبئ أسفلها العديد من الموبقات ، حيث وضعت بشكل غير قانوني أمام واجهات المحلات التجارية في احتلال صارخ للملك العام منذ سنوات ،حيث استغل أصحابها بعض المستشارين في فترات الحملات الانتخابية السابقة ، فباتت الأرصفة والشوارع مرتعا خصبا لترويج "الرخص" لفائدة من يؤدي عنها أو ممن يدخل في فلك سماسرة الباعة "الفراشة" القارين أو المتجولين الذين أصبحوا يشكلون عائقا حقيقيا يحد من حرية تنقل و تجوال المواطنين وسط الممرات المعروفة برواجها التجاري بدرب السلطان ، مما خلق أزمة حقيقية لأصحاب المتاجر الذين يؤدون الضرائب وفواتير الكراء والماء والكهرباء ، إذ تعالت صيحات احتجاج المتضررين والعديد من الفعاليات التي اعتبرت أن وضع مخادع وأكشاك وطاولات فوق الملك العمومي أمام المحلات التجارية تعتبر ظاهرة لاقانونية ، وحسب مصادر مطلعة، فإن أصحاب هذه المحلات أخبروا بقرارات شفوية غير ما مرة لإزالتها بشكل ودي ، إلا أنهم فضلوا عدم الاستجابة لهذا القرار، الأمر الذي حذا بالسلطات إلى الاستعانة بالقوات العمومية من أجل تنفيذه ليتم نقل عدة محجوزات إلى المحجز العمومي ، وقد كانت عملية التحرير الملك العمومي تقابل باستحسان من المواطنين ، كما عبرت عدة فعاليات جمعوية أن العملية ستتيح لسكان وزوار درب السلطان فرصة التجوال بحرية على الأرصفة. وفي سياق متصل، نادت عدة أصوات من داخل الأحياء المتضررة وسط درب السلطان التي لا تعرف طعم الراحة جراء الحركات غير العادية و الضجيج وأصوات الباعة وما يلفظ به هؤلاء من كلام نابي وساقط وكذا ما تخلفه العربات المجرورة من أوساخ وبقايا السلع المعروضة من كارطون وورق وبلاستيك وأزبال ، إلى جانب تجاوزات فاضحة لاحتلال الملك العمومي، وبالمقابل قام الباعة المتجولون و" الفراشة" بمختلف تلاوينهم، باحتجاجات، مطالبين من خلالها بتمكينهم من محلات قارة ودائمة لضمان قوتهم اليومي ، حيث فتحت معهم السلطات حوارا قصد إحصائهم و البحث عن حلول مناسبة مع احترام الملك العمومي . إجراءات استبشر بها المواطنون خيرا على أمل رفع هذه المظاهر المشينة التي همت هذه الأحياء. وحسب بعض الإحصائيات، فإن عدد الباعة المتجولين يفوق 8000 "فراشة" منهم من يؤدي سومة كرائية ما بين 6000 و8000 درهم شهريا ومنهم من يؤدي سومة كرائية يومية تقدر ما بين 200 و300 درهم حسب موقع وإستراتيجية المكان ولو على حساب الملك العمومي ، والغريب في الأمر أن عدد من "الفراشة" بنوا "متاجر بالأسمنت" أو بالخشب أو البلاستيك فوق الطرقات والشوارع وأصبحوا يتوفرون على وثائق الترخيص لهم مسجلة ومصادق عليها من طرف أعوان مجالس المقاطعة. السلطات المحلية وبعد تلقيها العشرات من الشكايات أضحت أكثر عزما على مواجهة ظاهرة احتلال الملك العمومي، ووضعت حدا لانتشار الباعة المتجولين بمختلف الشوارع والأزقة، وبعد الإنذارات التي وجهتها السلطات المحلية إلى كل الباعة المتجولين و"الفراشة" جاء دور القضاء للتدخل من أجل للحد من ظاهرة تنامي احتلال الملك العمومي. من جهة أخرى، شنت السلطات المحلية حملة تهدف من خلالها إلى تحرير الملك العمومي بشوارع محمد السادس ودمشق التي تربط العباسيين بزنقة سميرن وزنقة بلغازي التي تؤدي إلى ساحة التاج وزنقة آيت إيفلان وشارع الفداء والمعمورة المؤدية إلى قيسارية الحفاري إلى زنقة سميرن ثم زنقة وادي زيز التي كانت تعد رمزا للعشوائية، إذ شيد بها 11 محلا عشوائيا وبعد عملية التطهير أصبحت نموذجا يقتدى به، حيث تم تغيير أرصفتها وتوحيد واجهات محلاتها التجارية هذه العملية ستقابلها عمليات تعميم كل الواجهات لبقية المحلات الأخرى ،كما تم القضاء أيضا على عدد من المتاجر العشوائية المحتلة للملك العمومي في كل من زنقة المعمورة وزنقة المونستير التي كانت تتوفر على 8000 بائع متجول منهم من يدفع ثمن احتلاله للملك العمومي لأشخاص مجهولين وسماسرة "الفراشة" سومة كرائية خيالية دون أي سند قانوني. لا لمحاربة الباعة المتجولين نعم لتنظيمهم قال رئيس جمعية مسار لتجار ومهنيي العباسيين كراج علال :" إن ظاهرة "الفراشة" والباعة المتجولين لا تقتصر على بيع المنتجات في الطرق بصورة مخالفة للقوانين ، بل إنها تعكس صورة غير حضارية للمستهلك وللسائح كظاهرة الابتزاز والسرقة والفوضى في حركة السير، وبالطبع لم يكن أي من المواطنين والسلطات المحلية ورجال الأمن والسكان أو الزائرين راضين عن هذه السلوكات المشينة ، لهذه الأسباب تكونت جمعية مسار لدعم مجهودات السلطات والتعاون معها خدمة لمصلحة المنطقة التي أصبحت بؤرة للفساد ، لذلك يقول رئيس جمعية مسار: لقد وضعت رهن إشارة السلطات المحلية مشروع مخطط إعادة تهيئة زنقة العباسيين منها توحيد واجهات المتاجر وإعادة هيكلة الأرصفة والشارع بما يليق بالمنطقة حتى تعود إليها جماليتها السياحية والاقتصادية ." يضيف رئيس جمعية مسار لتجار ومهنيي العباسيين كراج علال :" لقد استبشرنا خيرا بعدما عاد لزقاق العباسيين بريقه وأصبح متنفسا للمرور من شارع محمد السادس وامتدادا إلى شارع 2 مارس بعدما تم إخلاؤه من الباعة المتجولين الذين يسهمون في تسهيل بيع البضائع المغشوشة والمقلدة بعيداً عن عيون الرقابة ، مما يضر بسمعة التجارة والتجار بالمنطقة كلها "، ويضيف رئيس جمعية مسار أن "الباعة المتجولين يروجون منتجات معظمها مغشوشة كالهواتف المحمولة والساعات والملابس الجاهزة، مشيراً إلى أنه لا يعارض الباعة المتجولين بقدر ما يطالب بتخصيص أماكن قارة ومنظمة على شاكلة ما هو معمول به في عدد من الدول كإسبانيا ، وقال رئيس جمعية مسار في تصريحه إننا طرحنا على السلطات المحلية حلولا لتنظيم الباعة المتجولين ، إلا أنها تلقت معارضة من طرف بعض ممن يخوضون في الماء العكر" واختتم رئيس الجمعية حديثه بالقول إن أعضاء الجمعية مرتاحون للخطوة التي اعتبروها ضرورية لمواصلة السلطات المحلية لهذه الحملات على أن لا تكون مجرد حملة عابرة لا غير". الباعة المتجولين لم يخلقوا من عدم فهناك لوبيات خطيرة تحتل الملك العمومي وتستأجر "مربعات" لتستقطب "الفراشة" في هذا الإطار، يقول بوبكر بومزوغ، المنسق العام لتنسيقيات جمعيات الوحدة والأمناء وتضم خمسة جمعيات و14 أمينا بمنطقة الحفاري ومرس السلطان :" لقد تضررنا كثيرا فمنذ سنوات ومداخيلنا في خطر دائم ومنا من أفلس بعد تدني تجارته، مقابل ارتفاع المصاريف، خصوصا الضرائب ومستحقات الكهرباء بسبب احتلال الباعة الجائلين "الفراشة" وسد المنافذ المؤدية إلى القيساريات وأسواق بيع الأحذية والملابس، حيث يوجد 14 ألف بائع متجول في عمالة مقاطعة درب السلطان الفداء وحدها أي حوالي نصف عدد الباعة المتجولين في الدارالبيضاء . وحسب الدراسة، جرى تحديد 30 نقطة بيع موزعة على مختلف تراب عمالة درب السلطان الفداء، وتبين أن عدد الباعة المتجولين يبلغ ذروته أيام الأربعاء والسبت والأحد، بأكثر من 11 ألفا و 235 بائعا متجولا، في حين يزداد العدد في الأعياد والمناسبات، وخلال شهر رمضان وعيدي الفطر و الأضحى، حيث إن المعدل اليومي للباعة المتجولين يقدر ب 7700 بائع ، وقد انعكست هذه الظاهرة غير المنظمة في المنافسة غير الشريفة للقطاع في التهرب من الضرائب والجبايات الجماعية المحلية ، إضافة إلى أن تزايد عدد الباعة الجائلين و"الفراشة" فتح الباب على مصراعيه للوبيات المتخصصة في الرشوة والزبونية. تجار درب السلطان الفداء وعائلاتهم محرومون من أبسط الحقوق الاجتماعية منها الضمان الاجتماعي والتغطية الصحية والسكن ، إذ لا يتوفرون إلا على "الباتانتا"وأداء الضرائب .بالرغم من أن السلطات تراهن على مشروع "رواج: رؤية 2020" والهدف منه تنظيم التجارة الداخلية من خلال تسوية التجارة العشوائية و"الفراشة "،عبر تخصيص فضاءات عمومية للتجارة، وهي مسؤولية تقع على عاتق مجالس المقاطعات ، لكن ما نراه ونسمعه هو سيطرة لوبيات "التجارة غير المنظمة" على كل من يستهدف مصلحة المواطنين والتجارة المنظمة ، حيث تقوم باستقطاب "الفراشات" وربما عدد من يتاجرون في المخدرات وبيع الكحول، لقد استطاعت، يقول بوبكر بومزوغ، عصابة من اللوبيات بتواطؤ مع بعض المستشارين بمقاطعة مرس السلطان بكراء "مربعات" بالملك العمومي وهي تقوم حاليا بحملة ترويجية لإعادة التدخل لدى جهات قصد عودة "الفراشة" وهم يعتقدون أي بعض المستشارين أن حملتهم هاته ستقودهم إلى الظفر بمقاعد في الانتخابات القادمة والحال أن من يصوت في الانتخابات هم السكان المتضررون من عمليات إنزال "الفراشة" المنتمين لقرى وبوادٍ وأحياء عمالات أخرى. كان يصعب على سيارة نقل الأموات أو الإسعاف ولوج الأزقة لولا القضاء على ظاهرة احتلال الملك العمومي بدوره، قال محمد شهيد رئيس جمعية مولاي إدريس وجمعية فضاء المغرب للمهنيين ، إن ما قامت به السلطات المحلية مشكورة ليبعث فينا الأمل للمزيد من التضحيات من أجل إعادة المكانة اللائقة لأحياء درب السلطان ، وما زلنا نأمل أن نعمل بشراكة مع السلطات المحلية على أن تعود الكرامة للساكنة التي ضاقت ذرعا من شدة احتلال الباعة الجائلين و أشياء أخرى سبق لغيري أن تطرق إليها . ويضيف محمد شهيد :" إن ساكنة درب السلطان عانت وتعاني الأمرين كلما حاولت سيارة الإسعاف لإنقاذ مريض أو سيارة نقل أموات المسلمين الدخول لإحدى الشوارع فبالأحرى الأزقة ، حيث يتدخل السكان ليقومون بأعمال جليلة تكافلية وإنسانية كحمل المريض أو المتوفى فوق الأكتاف إلى مكان يسمح بوقوف السيارة كتضامن جماعي ضد احتلال الباعة الجائلين الذين تبثوا خيامهم وبراريكهم وسط الطرقات والشوارع. يضيف رئيس جمعيتي قضاء المغرب للمهنيين ومولاي إدريس :" إن ما قامت به سلطات المقاطعة الحضرية هو عمل يدخل في اختصاصاتها إلى جانب تدخل رجال الأمن بعد عدة شكايات من أجل القضاء على ظاهرة استغلال الملك العمومي الذي عشعشت فيه أوكار تجارة المخدرات والحبوب المهلوسة والكحول ، هو تأكيد على أن الجميع أراد أن يعيد لمقاطعات مرس السلطان الفداء بريقها وأوجها ، كما أوجه ملاحظتي إلى بعض المستشارين بمقاطعة مرس السلطان الذين يستغلون قرب الانتخابات المحلية والمهنية ليفسدوا ما أصلحته السلطات المحلية بدعم من جمعيات المجتمع المدني وبتأييد من سكان المقاطعة، وأطلب منهم عدم الخوض في الماء العكر.