هوية بريس – محمد زياد بن عمر التكلة توفي بعد مغرب الاثنين 22/ 11/ 1438 بتقويم أم القرى شيخنا العالم المحدِّث الصالح المعمّر ظَهير الدين بن عبد السبحان محمد بَهادُر الأثري الرحماني المباركفوري. وكان يكتب اسمه اختصاراً أحياناً: ظهير الدين الأثري الرحماني المباركفوري. وُلد رحمه الله كما حدثني سنة 1920م الموافقة لسنة 1338 تقريبا في حسين آباد قرب مُبارَكْفُور، فيكون أكمل مائة سنة. وبدأ دراسته الأولى في بلدته، ثم انتقل إلى جامعة فَيض عام في مدينة مَوّ القريبة، وانتقل بعدها إلى دار العلوم في ديوبند مدة بسيطة، وتركها، ثم انتقل إلى دار الحديث الرحمانية الشهيرة في دِهْلي، حيث تخرج وكان جل استفادته، وأخذ منهم الشهادة سنة 1360 ويوافقها 1941م. قرأ على جماعة من العلماء، وأجاز له منهم: المحدّث أحمد الله الدهلوي (ت1362)، وكان أخبرني وغيري قديما أنه قرأ عليه في صحيح مسلم من أوله إلى كتاب البيوع، ثم صار يصمم بعدُ أنه أكمله. ومنهم عُبيد الله الرحماني (ت1414) شارح المشكاة، وأخبرنا أنه قرأ عليه البخاري والموطأ. ورأيت في إجازته منه أنه قرأ عليه سنن أبي داود أيضاً، وكتب له الإجازة سنة 1388. ولقي جماعة، وأبرزهم العلامة المحدّث عبد الرحمن المباركفوري (ت1353)، وأجاز له شفاها كما أخبرني، وقرأ عليه في النحو، ومما حضر عنده مباحثة مع أبي الكلام أزاد في بعض مواضع شرحه تحفة الأحوذي، وناوله رده على أبكار المنن. ومن شيوخه الذين قرأ عليهم عبد الرحمن المَوِّي النحوي، وعبد الله شائق الموّي، ونذير أحمد الأملوي، وأحمد حسام الدين الموّي، ومما أخذ عنه منتقى الأخبار للمجد ابن تيمية، وحسين أحمد المدني، وإعزاز علي الأمروهي، حضر عنده في الترمذي، وكان إذا سئل عنه خاصة يذكره وأنه أجاز له، وغيرهم. بعد تخرجه درّس في دار التعليم سنة 1942، ثم تنقل في التدريس بين عدة مدارس في مناطق مختلفة، إلى أن استقر سنة 1958 في جامعة دار السلام في عمر آباد، ودرّس فيها، وكان وقتا وكيل الجامعة، إلى أن تدرك التدريس لما طعن في السن وتقاعد سنة 2005م، مع بقاء إفادته للأساتذة والواردين عليه، ومشاركته في المناسبات، وخلال ذلك درس سنن أبي داود نحو 50 مرة، واختص به، ودرّس الصحيحين نحو 10 مرات، وتخرج على يده طبقات عدة، فيهم عدد من العلماء الكبار. وأيضا تولى أمارة جمعية أهل الحديث في ولاية تاميل نادو. ونظرا لجهده ومكانته في التدريس فقد قامت جمعية أهل الحديث المركزية في عموم الهند بتكريمه ضمن كبار رجالات أهل الحديث على مستوى الهند، وذلك في مؤتمر أهل الحديث الثامن والعشرين لعموم الهند في مدينة باكور، جارخند 21-23 محرم 1425 [ويوافقه 13-15/ 3/ 2004م]، الذي حضره نحو مليون شخص، على ما سمعته من أمين عام الجمعية، وكُتبت عنه بهذه المناسبة ترجمة في مجلة ترجمان بالأردية الصادرة عن الجمعية. ولما زرت الهند سنة 1426 كنت رأيتُ الترجمة هناك، ويسر الله الحصول على رقمه، وتواصلت معه مطولا واستفسرتُ منه هاتفيا عن روايته باستفصال تام، فقال لي ما ذكرتُه سابقا، وكتبتُ عنه في ملتقى أهل الحديث، وأخبرتُ بعض الزملاء ممن زاره في السنة التالية، وكان كلامه لهم نفس كلامه لي في تحديد مرويه، ثم بدأ ينتشر خبره عند المهتمين بالرواية من العرب، وأرجو أني من أوائل من أشاعه بينهم، وارتحل له جماعة، ثم يسر الله استقدامه للقراءة عليه بسنده العالي، فحدّث في عدة أماكن، ومنها المدينة، والرياض، والخُبر، والدوحة، وأمريكا، وغيرها، وانتشر سنده، وقرأ عليه جماعة بالهاتف، وازدحم الآخذون عليه رحمه الله. بقي رحمه الله يقرئ ويفيد في بيته وعبر الهاتف إلى آخر أيامه، ولا ينقطع إلا لمرض أو سفر، ومنه إلى الأسبوع الماضي، حيث اشتد به المرض، وبقي إلى أن توفي بعد صلاة المغرب قبيل صلاة العشاء ليلة الثلاثاء 23 ذو القعدة 1438، رحمه الله تعالى، وصُلي عليه في مسجد الجامعة، ودُفن من الغد في مقبرة عمر آباد، بجانب قبر شيخنا عبد الكبير العمري، رحم الله الجميع. كان شيخنا رحمه الله عالماً صالحاً، على خُلق رفيع، غاية في السماحة والتواضع، بشوشاً، باذلًا نفسه، جيد الحديث بالعربية، وذاكرته طيبة، يحفظ الكثير من الوقائع بتفاصيلها، وما رأيت منه إلا اختلافه في إثبات مسموعه على أحمد الله، وقد ناقشت ذلك في موضع آخر، ولا أبتغي فيه إلا الضبط والتحرير، ولا يحط ذلك من رتبة شيخنا رحمه الله ولا ثقته شيئا[1]. وأهديته مرة تحقيقي لكتاب سلسلة العسجد لصديق حسن خان في الرياض، وفاجأني في اليوم التالي القول بأنه قرأ ترجمتي له، وأثنى عليها خيراً، وأنه طالع الكتاب، وقال لي: سندي متحد مع طريق سند صديق خان. أي يلتقي معه. والواقع أن شيخنا كأنه صافح صديق خان (المتوفى سنة 1307) في شيخيه الكبيرين: قطب الدين الدهلوي، وحسين بن مُحْسِن الأنصاري. فقد روى شيخنا عن أحمد الله وصاحب التحفة كلاهما عن حسين. وهما أيضا عن نذير قِرْن قطب الدين وصاحبه في الأخذ عن الشاه محمد إسحاق، رحم الله الجميع. ولعل شيخنا هو خاتمة الرواة عن عبد الرحمن المباركفوري، فقد عاش بعده 85 سنة، ولا أعلم بقي عنه أحد. لم يؤلف رحمه الله شيئا، وله تعليقات على الكتب التي درّسها، وكان له عناية بمقدمة ابن خلدون. ممن أكثر عنه من أصحابنا: الشيخ محمد بن فاروق الحنبلي، أخبرني أنه ختم عليه الستة والموطأ بعدة روايات، وأشياء كثيرة. ومنهم الشيخ قاسم بن محمد ضاهر البقاعي: قرأ عليه الكثير. ومنهم العبد الفقير: قرأنا عليه الصحيحين والترمذي والنسائي وغيرها، وذلك في الرياضوالمدينة، والدوحة، وعبر الاتصال المباشر. وممن كتب ترجمة لشيخنا: المؤرخ خالد صديقي في تراجم أهل الحديث بالهند، وفضيلة أخونا الكبير الشيخ صفوان الداودي في معجم شيوخه، وكنتُ شريكه في جملة مما أخبره به الشيخ في المدينة. وأخبرني الأخ الشيخ أيمن ذو الغنى أنه كتب أيضا ترجمة لشيخنا، وأيضا الأخ الشيخ عمر حبيب الله، وتكرم عليّ بإرسال ملاحظاته قبل نشري للترجمة، جزاه الله خيرا. رحم الله شيخنا الجليل، وتقبل منه عمله، وأصلح ذريته، وبارك في أثر شيخنا، وجزاه عنا وعن طلبته خير الجزاء وأوفاه. كتبه محمد زياد بن عمر التكلة، حامداً مصلياً مسلماً، في الرياض 23 ذو القعدة 1438 موقع ألوكة