هوية بريس – الإثنين 26 ماي 2014 لقد هبت عاصفة هوجاء لا تبقي ولا تذر على طائفة سنية لها قدرها وتاريخها المشرق ومواقفها النبيلة منذ بزوغ فجرها إلى يوم الناس هذا، وصارت شظايا تلك العاصفة تلفح وجوه كل منتسب لتلك الطائفة الطيبة، سواء أكانوا مستحقين للوم والعتاب أم غير مستحقين له. تلكم الطائفة هم السلفيون، المنتسبون لسلفهم الصالح، المبتدئ بالرسول المعلم صلى الله عليه وسلم، وبتلاميذه النجباء النحارير، الصحابة رضوان الله عليهم، ثم من تتلمذ على أيديهم من التابعين الكرام النابهين، ومن سار على هديهم واستن بسنتهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين. ويعلم الناس أن عبارة "الحائط القصير" تعني سهولة تسلقه ممن هب ودب، وذلك ما حصل بنية مبيتة من قبل من يفرح لاتهام السلفيين قاطبة، والازدراء بهم وبتاريخهم العائد إلى معلمهم الأول صلى الله عليه وسلم، وبتراثهم العلمي الشامخ، وبمنجزاتهم التربوية الفقيهة والثقافية الدعوية في العصر الحديث. وقد تسبب حزب النور بقسط وافر من هذه الهجمة الشرسة المقصودة على كل ملتزم بأصول السلف الصالح؛ لما أيدوا الظالم الغاشم القاتل السفاح في مصر الشقيقة، ووقفوا بجانبه ضد خصومه الشرفاء من الإخوان والمسيحيين وغيرهم من سائر الأحزاب المعتدلة، التي لم ترض الظلم والهوان الواقعين على المصريين، في قصة طويلة يعلمها الجميع. فكان موقف هذا الحزب الجاهل مؤسسوه، البليد أتباعه، وصمة عار في جبين كل سلفي شريف، يعلم أصول دينه، ويفقه تعاليم إسلامه، ولا تقبل نفسه الضيم والذلة، والرضا بقتل الأبرياء وسحق المعارضين والزج بهم في المعتقلات التي تئن حيطانها من إجرام المسئولين، وإحراق المساجد، وإتلاف ممتلكات الناس واحتكار أموالهم، والقفز على مكتسبات ثورة المصريين الحقيقية، وإهانة شرفاء القضاة والأطباء والمهندسين والأساتذة وغيرهم… ولا ضير، فهؤلاء الأغرار المنتسبون للسلفية، لا يفقهون في السياسة شيئا، بل ارتموا لدواعي يعلمها الله إلى تأسيس حزب بلا أرضية سليمة، ولا فقه للواقع، رغبة منهم في التصدي للإخوان المنظمين منذ عقود، بدعوى أنهم يخالفون منهج السلف. ولا ينكر أن للإخوان أخطاء علمية وعقدية معلومة، والدفاع عنهم فيما أصابهم من ابتلاء لا يعني كوني من تنظيمهم، أو موافقا على كل ما فيهم، وإنما المسألة هي ضرورة إنصاف المخالف، ولو كان كافرا، كما دعا إلى ذلك قرآننا الكريم حين قال: {ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى}. والعدل أساس الملك، والله ينصر الكافر العادل في الدنيا ويخذل المسلم الظالم؛ لأن الظلم ظلمات يوم القيامة كما قال عليه الصلاة والسلام، والله تعالى حق عادل لا يرضى الظلم والاعتداء على الناس، مسلمهم وكافرهم من غير وجه حق. وقد علم البعيد والقريب أن إسقاط من فاز بموافقة جل المصريين، وهو ذو مرجعية إسلامية، وذو رغبة في تفوق مصر وازدهارها، وتخلصها من تبعية الغرب، وذو شهامة في وقوفه مع إخوانه الفلسطينيين، وذو عزم على الاستقلال المادي والمعنوي عن غيره من الأمم، كان ضربا للإسلام نفسه في أم الدنيا، وإسقاطا لبناء شامخ كان سيغير وجه التاريخ، وانقلابا على إرادة وطنية -وإن وُجد غير الراضين عنها- وشرعية ديموقراطية لم يشهد التاريخ الحديث مثلها من قبلُ. وسلفيو حزب النور عاشوا كل ذلك، وتلونوا معه وفقا لمصالهم، ليخذلوا في آخر المطاف إخوانهم المسلمين، دون مراعاة لشهامة ولا رجولة، ولا التفات لما يحث عليه الإسلام من ضرورة نصر المظلوم على الظالم، ولو بالقلب، والوقوف بجنبه لوجه الله، خوفا من الله، لا خوفا من الظالمين. وسيدون التاريخ هذه العورة الفاجرة لحزب النور ذي المرجعية الإسلامية، بل السلفية.. وقد بدأ ذلك واضحا فيما يقرأ ويسمع في الأعلام العالمي من سخط عليه وامتعاض من رؤوسه، بل والتفكه برموزه الملتحية في المنتديات والمواقع الاجتماعية. وفي الأخير -والكلام ذو شجون- فإن وضع كل السلفيين في سلة مهملات واحدة ليس من الإنصاف والعلم في شيء، ولا يخرج فاعلو ذلك عن أمرين: الأول: رغبة الحاقدين على المنهج السلفي عامة من زمان بعيد في إثارة هذه الفتنة واقتناص هذه الزلة من حزب سلفي مخطئ، لتزهيد الناس في علم السلفيين، والتزامهم المعتدل بفهم السلف الصالح، وفي مواقفهم التاريخية النيرة المشرفة… والثاني: جهل الذين يعممون في سب السلفيين والتنقيص من شأنهم بمفهوم السلفية وأصولها وعلومها وتراثها الضخم وتاريخها المجيد. وكلا الأمرين قبيح، لا يحسن بالمثقف الواعي الذكي، كما قال الشاعر: إن كنت لا تدري فتلك مصيبة — أو كنت تدري فالمصيبة أعظم