بسم الله الرحمن الرحيم في مستهل المقال يقتضي الإنصاف والوزن بالقسطاس المستقيم الاعتراف بفضل فئة من منتسبي السلفية الذين لهم مواقف مشهودة عبروا فيها عن موقفهم الصريح من الدماء التي تسيل لإخواننا بمصر الشقيقة، وأعربوا عن بالغ وشديد ألمهم، وأذاعوا للعالمين تضامنهم وولاءهم للمستضعفين، مستنكرين بالنقل الصحيح والعقل السديد، إبادة المسلمين فرادى وجماعات على يد حثالة من العملاء الخونة أذيال الصهاينة ومن شايعهم من الأمم الفاجرة ...وتلك مواقف تحفظ لتلك الفئة وتسجل في حسناتها. هذا. وتبليغا للرسالة وأداء للأمانة وجب بيان أن الموقف المتخاذل لمن ينتسب للسلفية موقف تأباه نصوص الشرع، وتنكره الفطر، ويمجه العلماء الأحرار، ويستقبحه السلف والخلف، ولا يرضاه مسلم. وذاك التخاذل دل دلالة واضحة أن رفع السلفية كشعار لدى أنظمة متخاذلة إنما هو لحاجة في نفس يعقوب، خدمة لنزوات ومصالح وحفظا لشهوات السلطة والمال والجاه، وبعض من تزيى بزي السلفية من أدعيائها تزيوا به تزلفا لحاكم أو تقربا لسلطان، لا يفقهون من السلفية إلا تقصير الثياب وإسبال اللحى (وكلاهما واجب شرعي؛ خلافا لمن يذكر الأمر على سبيل السخرية والاستهزاء) ووضع أعواد الآراك في الجبوب الأمامية للأقمصة البيضاء الناعمة المصنوعة في الصين واليابان، ويكثرون النقاش حول تحريك السبابة في التشهد، وشكل وضع الأصابع متفرقة أو مجموعة في الصلاة، ويتشاجرون بذلك فيما بينهم ويعلنون القطيعة والحرب الشعواء على من خالفهم بالتبديع والتكفير والتفسيق، وتخرس ألسنتهم ولا تنطق أفواهمم لما تقطع تلك السبابة وتباد تلك الأصابع وتمزق الأجساد والأشلاء برصاص حي، ويلتزمون الصمت، بدعوى تجنب الخلاف والفرقة ! وإن نطق أجرؤهم قال: لا نريد الخوض في الفتنة! ولسنا ندري أي فتنة يقصدون، وقد وقعوا فيما هو أشد من الفتنة "ألا في الفتنة سقطوا"! ولعل القصد أنهم يخشون أن يفتنوا أنفسهم ويفسدوا علاقتهم بأولياء نعمهم الذين يوحون إليهم متى يجتمعون ومتى يفتون؛ فيلوون أعناق النصوص ليا إرضاء لنزوات أصحاب البترول من ذوي الثراء السخي الذين بنوا القصور واستقدموا السيارات!. ولا يذكرون لنا الإمام أحمد وسائر الأئمة إلا في الأسماء والصفات، ويستنكفون أن يتذكروا أنه إمام واجه السلاطين الظلمة وضرب حتى انشقت خاصرته وخرجت أمعاؤه منها، من شدة ضرب السياط كل ذلك من أجل أن يقول: إن القرآن مخلوق، وهو يأبى أن يقول بدعتهم، وناظرهم بالحجة والبيان... وقال: والله لأن أموت أهون علي من أن أضل الناس؛ لأنه يعلم أن الكلمة التي سيقولها ستكتب وتؤخذ على أنها دين وتنتشر في الآفاق، والناس لا يدرون أن الإمام أحمد مكره؟! وأنه لا يرضى بذلك؟! وكيف يتدارك الأمر فيما بعد؟!. من أفتى بالجهاد في سورية العلماء أم الأمراء؟ وعند التأمل في المواقف المتخاذلة لبعض العلماء الذين ظهروا في فتوى الجهاد في سورية أسودا ويظهرون اليوم نعامات يضعون رؤوسهم في الرمال كأنهم لا يرون ولا يسمعون ختم على أفواههم! أم أن من في سورية مسلمون ومن في مصر غير مسلمين ... أو أنهم في سورية مظلومون وفي مصر ظالمون! أين الذين اجتمعوا متأخرين من أجل سورية ما بالهم لا يجتمعون اليوم من أجل مصر ! أي أمر دهاهم ! إنها إملاءات الحكام وإيحاءاتهم وإغراءاتهم التي تلبس الحق بالباطل ! فلو كان ما زعموه حول سورية حقا فهلا نبسوا به اليوم في مصر ! أم أن الذي أنطقهم يومئذ هو الذي يخرصهم الآن ! أم أن الاجتماع تجلي من تجليات القلق الدائم من التوسع الإيراني في المنطقة لتحقيق حلم فارس الكبرى على حوض الخليجيين، ولا علاقة له بقتال أو جهاد ! ولو أوحي لبعضهم بالفتوى للجهاد في مصر لفعلوا ولكن في انتظار أمر السلطان!. وأحرار مصر لا ينتظرون فتوى من خذلهم وتآمر عليهم فهم يكتبون بدمائهم سطور حرياتهم، ويرفضون هذا الإجهاز الدنيء على دينهم وحاضرهم ومستقبلهم...، وقد خرجوا بنسائهم وذراريهم وذويهم إيمانا بقضيتهم واستشهد من استشهد واعتقل من اعتقل وجرح من جرح ...كل ذلك لا يضرهم في سبيل تحرير بلدهم من الغاصبين! والبقية الباقية من أعضاء حزب النور السلفي (الذي ليس له من النسبة إلا الاسم) مع صاحبهم البابا وفلول نظام مبارك الفاسد يتجنبون الفتنة؛ فرحماك ربي رحماك يوم يكذب الصادق ويصدق الكاذب، ويخون الأمين ويؤتمن الخائن! مواقف مناقضة لمواقف السلف ! وأدعياء السلفية هؤلاء هلا تذكروا قول العلامة ابن القيم رحمه الله الذي يستشهدون به في جزئيات من الشريعة فيها يسر ومتسع، ويتناسونه لما يقول: "الأمراء إنما يطاعون إذ أمروا بمقتضى العلم فطاعتهم تبع لطاعة العلماء فإن الطاعة إنما تكون في المعروف، وما أوجبه العلم فكما أن طاعة العلماء تبع لطاعة الرسول؛ فطاعة الأمراء تبع لطاعة العلماء، ولما كان قيام الإسلام بطائفتي العلماء والأمراء وكان الناس كلهم لهم تبعا كان صلاح العالم بصلاح هاتين الطائفتين وفساده بفسادهما كما قال عبد الله بن المبارك وغيره من السلف: صنفان من الناس إذا صلحا صلح الناس، وإذا فسدا فسد الناس قيل من هم؟ قال: الملوك والعلماء": ذريعة تجنب الفتنة وإسالة الدماء طالما برر بعض المتخاذلين موقفهم المتخاذل بتجنب الفتنة واتقاء الشقاق بين المسلمين. واتقاء الفتن ودرء المفاسد واجتنابها قاعدة جليلة؛ لكن طالما وضعت في غير موضعها، واستشهد بها في غير مقصدها، وإن زعم بعضهم أنه سكت تجنبا لفتنة إراقة الدماء، فإن سكوتهم في هذا المقام هو عين الفتنة وبه عظمت البلية واشتدت الحمية وقامت سوق الحرب على ساقها في رابعة والنهضة وغيرها من ميادين مصر. وهلا تذكروا كلام العلامة ابن القيم الذي يرى فيه النهي عن قتال الأمراء والخروج على الأئمة وإن ظلموا أو جاروا ما أقاموا الصلاة، سدا لذريعة الفساد العظيم والشر الكثير بقتالهم كما هو الواقع. وقال: "إذا بويع الخليفتان فاقتلوا الآخر منهما سدا لذريعة الفتنة". والحاكم الذي حصل الخروج عليه هو مرسي، وقد كانوا يتبجحون قبل عزله ويلوحون بفرح تنحيته؛ حتى إذا تم ذلك تبين لهم أنهم كانوا قنوات وجسر عبور؛ فانقلب عليهم أخلاؤهم! فهلا أعلنوا الموقف الشرعي الذي طالما استأسد به حكامهم في الخليج والمختزل في عدم جواز الخروج عن الحاكم، أم أن عدم الخروج عن الحاكم خاص بأهل الخليج ! علماء السلف وأمثلة من نصحهم ومعارضتهم للحكام: وقد كان علماء السلف يرون أن من الواجب نصح الحكام، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر فكان الحكام تبعا للعلماء، ومواقفهم معهم لا يتسع عدها في مجلدات بله مقال كهذا، ومن مواقفهم التي ينبغي أن تحتذى اليوم لدى من يزعمون اقتفاء أثرهم: موقف الإمام الأوزاعي عندما قدم عبد الله بن علي العباسي الشام، وقد قتل من قتل من بني أمية بعد ذهاب دولتهم، استدعى الإمام عبد الرحمن الأوزاعي، وهو في جنده وحشمه، وقال له: "ما تقول في دماء بني أمية"؟. قال الأوزاعي: قد كان بينك وبينهم عهود، وكان ينبغي أن تفي بها. قال الأمير العباسي: ويحك! اجعلني وإياهم لا عهد بيننا. قال الإمام: فأجهشت نفسي وكرهت القتل، فتذكرت مقامي بين يدي الله تعالى فلفظتها، وقلت: دماؤهم عليك حرام. فغضب الأمير وانتفخت عيناه وأوداجه، فقال: ويحك! ولم؟ أوليس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصى لعلي؟ قلت: لو أوصى لعلي ما حكم الحكمين؟! فسكت وقد اجتمع غضبه، فجعلت أتوقع رأسي يسقط بين يديه، فأشار بيده هكذا، وأومأ أن أخرجوه.. فخرجت. موقف العز بن عبد السلام وعندما حالف الملك إسماعيل الصليبيين وسلم لهم صيدا وغيرها من الحصون الإسلامية، وذلك لينجدوه على نجم الدين بن أيوب ملك مصر، أنكر عز الدين بن عبد السلام سلطان العلماء آنذاك هذه الفعلة، وحاسب الملك عليها من على المنبر يوم الجمعة، وذم الملك وقطع الدعاء له من الخطبة، فأخبر الملك بذلك، فورد كتابه بعزل ابن عبد السلام عن الخطابة واعتقاله ومنعه من الإفتاء في الناس، ثم بعث إليه الملك يعده ويمنيه، فقال له الرسول: تعاد إليك مناصبك وزيادة، وما عليك إلا أن تنكسر للسلطان. فما كان جواب الشيخ إلا أن قال: والله ما أرضاه أن يقبل يدي، يا قوم أنتم في واد وأنا في واد!. وسيسجل التاريخ وفاء وإخلاص كل من خرج منددا بالمجازر وجاهرا بكلمة الحق سيما من انشق عن المتخاذلين من أدعياء السلفية، ومرسي من ولاه هو الذي سيتولاه سبحانه، وإن خانه الخائنون ! [email protected] www.facebook.com/karimkallali