ما يلبث الحديث عن قضايا الاعتداءات الجنسية لرهبان الكنائس الكاثوليكية ضد الأطفال أن يهدأ، حتى يتجدد مرة أخرى بفعل واقعة جديدة أو تقرير حديث، وكأنها شبح يلاحق هؤلاء الرهبان. فقبل أيام، أظهرت نتائج تقرير أعدته اللجنة الملكية الأسترالية المختصة بتمحيص حالات الاعتداء والتحرش الجنسي ضدّ الأطفال، أنّ قرابة 4 آلاف و500 طفل تعرضوا للاستغلال الجنسي من قِبل رهبان الكنائس الكاثوليكية بالبلاد، خلال الفترة من 1980 إلى 2015. وأوضح التقرير الأسترالي أنّ 7 بالمئة من الرهبان الذين عملوا بالكنائس الكاثوليكية في البلاد خلال الفترة من عام 1950 إلى 2015، متهمين بالضلوع في جرائم التحرش والاعتدء الجنسي ضدّ الأطفال، وأنّ 4 آلاف و444 طفلاً، وقعوا ضحية لهذه الجريمة من عام 1980 إلى 2015. التقرير ذاته، أضاف أنّ متوسط أعمار الأطفال الذكور الذين تعرضوا للتحرش الجنسي، 11.5 سنة، فيما بلغ متوسط أعمار الأطفال الإناث 10.5 عاماً. وتبادر إلى الأذهان عقب إعلان اللجنة الملكية عن نتائج دراستها، العديد من الحالات المماثلة، تورط بها رجال دين مسيحيين في عدد من الدول المختلفة خلال الأعوام الأخيرة. ولا يخفى على أحد أنّ العديد من التقارير والدراسات التي جرت خلال الأعوام الأخيرة، تشير إلى تعرض عشرات الآلاف من الأطفال لاستغلال جنسي على يد رهبان الكنائس، كما أنّ بابا الفاتيكان فرانسيس أقر بدوره حدوث مثل هذه الاعتداءات في الكنائس الكاثوليكية. ولئن أقرت بعض التقارير الخاصة بالاعتداءات الجنسية ضدّ الأطفال، بأن هناك رهبان تمّ إبعادهم عن الكنيسة بسبب قيامهم بالاعتداء الجنسي ضدّ الأطفال، لكنها أقرت في الوقت ذاته بأن العديد من رجال الدّين المتورطين في مثل هذه الحوادث، يتم حمايتهم وإخفاء جرائمهم. في تصريح أدلى به لصحيفة "لا ريبوبليك" الإيطالية في عام 2014، أقر بابا الفاتيكان فرانسيسكو، بتورط بعض رجال الدّين المسيحيين بجرائم التحرش الجنسي ضدّ الأطفال. وأوضح البابا حينها أنّ واحدا من كل 50 رجل دين يعملون في الكنائس الكاثوليكية، لديهم ميول ورغبات جنسية تجاه الأطفال الذين لم يبلغوا سن ال 18. وبحسب النسبة التي صرّح بها بابا الفاتيكان، فإنّ قرابة 8 آلاف راهب يندرجون ضمن إطار الذين لديهم ميولا جنسية تجاه الأطفال، لا سيما أنّ عدد رجال الدين العاملين في الكنائيس الكاثوليكية حول العالم، يبلغ 414 ألفاً. كما أقرّ المطران سلفانو توماسي ممثل الفاتيكان الدائم لدى الأممالمتحدة، بتورط العديد من رجال الدين الذين يعملون في الكنائس الكاثوليكية، بجرائم التحرش والاعتداء الجنسي ضدّ الأطفال. وقال توماسي في وقت سابق، إنّ الفاتيكان تلقّى تقريراً يشير إلى تعرض 3 آلاف و400 طفل للاعتداء الجنسي من قِبل رهبان يعملون في كنائس كاثوليكية، خلال الفترة الممتدة من 2004 إلى 2014. وأضح توماسي أنّ الفاتيكان أبعد 848 قسيساً عن وظائفهم، وأصدر عقوبة التكفير عن الذنب مدى الحياة (عقوبة كنسية) بحق ألفين و572 قسيساً آخرين، ممّن تورطوا بهذه الجريمة. ولفت توماسي إلى أنّ 1 إلى 5 بالمئة من الرهبان العاملين في الكنائس الكاثوليكية، متورطين في حالات اعتداء وتحرش جنسي تجاه الأطفال، وذلك خلال آخر 50 عاماً. وعلى الصعيد الأكاديمي، أظهرت دراسة سابقا أجراها معهد "جون جاي" الأمريكي حول ضلوع رجال دين مرتبطين بالكنيسة الكاثوليكية بالاستغلال الجنسي للأطفال، أنّ 85 بالمئة من الأطفال الذين تعرضوا للاعتداء الجنسي بين عامي 1950 و2002، هم من الذكور، ويتراوح أعمارهم بين 8 إلى 10 سنوات. وفي عام 2004، أظهرت دراسة أجريت من قِبل مؤتمر الأساقفة الأمريكيين، أنّ 4 آلاف و392 راهباً يعملون في الكنائس الكاثوليكية بالولايات المتحدة، اعتدوا جنسيا على 10 آلاف و667 طفلاً، خلال الفترة الممتدة من عام 1950 إلى 2002. وأضافت الدراسة أنّ قسماً كبيراً من هؤلاء الأطفال هم من فئة الذكور ويترواح أعمارهم ما بين 11 إلى 17 سنة. أما في ألمانيا، فقد أظهرت الدراسات قيام العديد من الرهبان بالاعتداء الجنسي على الأطفال، ففي عام 2010، اعتدى عدد من الرهبان والمدرسين في الكنيسة الكاثوليكية جنسياً على 422 طفلاً، وأظهرت التحقيقات أنّ هؤلاء الأطفال تعرضوا لهذه الجريمة لعدة سنوات. وفي مدينة هارن أظهرت التحقيقات ارتكاب أحد الرهبان 227 حالة اعتداء جنسي ضدّ الأطفال في عام 1996، وتحولت محكوميته فيما بعد إلى عقوبة نقدية وتمّ إخلاء سبيله. وأوضح تقرير ألماني نُشر عام 2010، أنّ 15 قسيساً اعتدوا على أكثر من 100 طفلاً جنسياً، واستخدموا ضدّهم العنف. وبالنسبة لأيرلندا، فقد أظهر تقرير نُشر عام 2009، أنّ مسؤولي الكنيسة الكاثوليكية أخفوا العديد من حالات الاعتداء الجنسي التي وقعت ضدّ الأطفال، ما بين 1975 و2004، وتكتموا على أسماء رجال الدين الضالعين في هذه الجريمة. وأفاد التقرير أنّ أكثر من 100 حالة اعتداء وتحرش جنسي وقعت خلال الفترة المذكورة. وقال المجلس الوطني لحماية الأطفال في أيرلندا في تقريره الصادر عام 2016، إنّ 325 راهباً متهماً بالتورط في جرائم اعتداء جنسي ضدّ الأطفال منذ عام 1975، وأنّ 9 فقط من هؤلاء الرهبان دخلوا السجن بسبب جرائمهم. وفي تقرير بلجيكي نُشر عام 2010 حول حالات الاعتداء الجنسي ضدّ الأطفال خلال الفترة الممتدة من 1950 إلى 1980، تبيّن أنّ 475 طفلاً على الأقل تعرضوا لمثل هذه الاعتداءات على يد رجال دين في الكنيسة الكاثوليكية، وأنّ 13 طفلاً ممّن تعرض للاعتداء انتحر وحاول 6 آخرين قتل نفسه. وأوضحت عدة تقارير أخرى وقوع حالات اعتداء جنسي ضدّ الأطفال على يد رهبان في كل من فرنسا وهولندا وبعض الدول الإفريقية. ونشرت الأممالمتحدة في عام 2014، تقريراً مفصلاً عن حالات الاعتداء والتحرش الجنسي الذي يحصل في الكنائس الكاثوليكية. وشددت لجنة حقوق الطفل التابعة للأمم المتحدة على ضرورة قيام الفاتيكان بطرد كافة رجال الدين الضالعين في جرائم الاعتداء الجنسي ضدّ الأطفال من الكنائس.