هوية بريس – احسان الفقيه في الأسبوع الماضي شهدت العاصمة الشيشانية جروزني مؤتمرا برعاية رئيسها الموالي لروسيا "رمضان قاديروف"، عنوانه "من هم أهل السنة والجماعة"، حضره لفيف من المنسوبين إلى العلم والدعوة. أبرز المشاركين بالمؤتمر كان الوفد المصري الذي يترأسه شيخ الأزهر الذي استُقبل بحفاوة شديدة من قبل الحكومة الشيشانية. وحتى تصل الفكرة بسلاسة، تمكن القارئ من استنباط مغزى المؤتمر، سنسرد بعض المسائل الهامة المتعلقة بالحُضُور والوفد المصري خاصة، وبالرئيس الشيشاني، ثم بتفكيك مضمون المؤتمر. الوفد المصري: يضم شيخَ الأزهر الموالي للنظام، والذي يقود معركة شرسة مع التيار الإسلامي في مصر، علما بأنه كان في حقبة مبارك عضوا بالحزب الوطني الحاكم، وله موقف مضاد لثورة يناير في بدايتها، ثم تعاطى مع الواقع، وأوجد لنفسه دورا في الحياة السياسية عن طريق تأسيس بيت العائلة المشكل من ممثلين عن الأزهر والكنيسة وعقد جلسات للحوار مع القوى الوطنية لجمع الأطياف تحت وثيقة الأزهر. ويضم الوفد الشيخ علي جمعة أحد أبرز الشخصيات الداعمة للانقلاب، وصاحب فتاوى الضرب في المليان التي بررت القتل وإسالة الدماء، والمعروف بعدائه الشديد للتيار الإسلامي على طول الخط. ويضم شيخ مشايخ الطرق الصوفية وعضو البرلمان عبد الهادي القصبي، والذي مالأ نظام مبارك، ثم عمل ضد الرئيس المنتخب محمد مرسي، حيث تحالفت تلك الطرق مع التيار العلماني والليبرالي للإطاحة به. كما يضم الوفد أحد الوجوه التي تألقت مؤخرا في دعم وترويج النظام وهو الشيخ أسامة الأزهري، مستشار السيسي ووكيل اللجنة الدينية بالبرلمان. هؤلاء أبرز شخصيات الوفد المصري في مؤتمر جروزني، ويلاحظ أنهم يشتركون في التوجه الصوفي، وفي كونهم واجهة دينية للنظام. راعي المؤتمر: هو الرئيس الشيشاني رمضان قاديروف، الذي يدير شؤون البلاد تحت الإدارة الروسية، وهو ابن أحمد قاديروف الرئيس الأسبق الموالي لروسيا، والذي اغتالته المقاومة الشيشانية بسبب عمالته بعد أن تخندق في جانب الروس. قاديروف الابن أكثر ولاءً للروس من سلفه، بلغ من ولائه لبوتين أنه طلب منه إرسال جنود شيشانيين للمشاركة في بداية الحرب التي تخوضها روسيا على الأراضي السورية. ومتجاهلا التاريخ الدموي لبوتين، رأى رمضان قاديروف في مقابلة مع وكالة "نوفوستي" أن بوتين يستحق أن يُمنح جائزة نوبل للسلام. يشار إلى أن رمضان قاديروف كان له دور كبير في مواجهة المقاومة الشيشانية بعد حرب الشيشان الثانية، حيث قاتل إلى جانب القوات الروسية، ويفتخر قائلا بأن الشيشان هي الدولة الوحيدة التي نجحت في القضاء على الإرهاب. ومن المعروف أن قاديروف شديد العداء للتيار السلفي الذي يطلق عليه الوهابية، وصرح أنه لو يعلم بوجود وهابي واحد في الشيشان لقتله، كما يؤكد على الهوية الصوفية للشعب الشيشاني في العديد من مواطن ظهوره. وإمعانا في إظهار ولائه لروسيا، هاجم تركيا بعد إسقاطها مقاتلة روسية اخترقت المجال الجوي العام الماضي، كما وضع قاديروف أجهزته الأمنية والفرق الخاصة لمكافحة الإرهاب تحت تصرف جيش بوتين. ترى روسيا في نظام رمضان قاديروف النموذج الأنسب لفرضه في سوريا كبديل للأسد بحسب موقع ديبكا الاستخباراتي العبري. المؤتمر: يركز المؤتمر الذي خلا من علماء الاتجاه السلفي، على تفكيك مناهج التيار الإسلامي، وحصر الدعوة والإرشاد في المؤسسات الدينية الرسمية التابعة للأنظمة. ومن خلال مشاركة شيخ الأزهر والوفد المرافق له، يظهر مدى طموح المؤسسة الدينية في مصر إلى استغلال قوتها الناعمة لنشر مذهبها الأشعري المعتمد لديها ويعتنقه معظم الصوفية، في إقصاء واضح للمذاهب المختلفة الأخرى. المؤتمر يخلط الحابل بالنابل، وينبذ العنف جملة واحدة دون تفصيل، وبالتالي يدرج المقاومة المشروعة والثورة على الاستبداد في منظومة العنف والتطرف والإرهاب. معطيات: نحن إزاء مؤتمر يرعاه رئيس موالٍ لروسيا، يسعى لإخماد روح الثورة والمقاومة في الشعب الشيشاني الذي تعرض لحربي إبادة من الروس، وقامت على أرضه مقاومة شيشانية أتعبت الروس. يسانده في هذا المؤتمر الواجهة الدينية لنظام السيسي التي تشرعن قمعه، وتروج للدخول في طاعته، وفي نفس الوقت تناصب التيار الإسلامي العداء، وتعتبر كل تكتل إسلامي غير رسمي داخلا في إطار التطرف والإرهاب. نتائج: المؤتمر بمكوناته يصب في صالح روسيا بوتين التي تتخوف من يقظة المقاومة الشيشانية من جديد، وذلك لأن صيغة التعميم التي انتهجها المؤتمر تقتل روح المقاومة والثورة في الشعب الشيشاني. وتعكس المشاركة المصرية انسجاما في الرؤى بين النظامين المصري والروسي للقضاء على المعارضين تحت مظلة مواجهة الإرهاب والتطرف. المؤتمر يخدم بوتين في حربه على الأراضي السورية، والتي تُعتبر حربا ثالثة بين الروس وبين الشيشانيين مقرها سوريا، التي يتواجد فيها عدد كبير من المقاتلين الشيشانيين، الذين صقلتهم خبرة المقاومة ضد الروس، فعن طريق مثل هذا المؤتمر، يغلق قاديروف الطريق أمام شعبه للتفكير في القتال على الأراضي السورية، كجزء من استراتيجية روسية تحاول القضاء على بؤر المقاومة الشيشانية في الخارج وقطع امتدادها في الداخل الشيشاني. المؤتمر من ناحية أخرى يمثل التقاء بين الشرق (روسيا) والغرب (أمريكا) في اعتماد هذا النمط الإسلامي (الصوفي) الذي يقصي حيوية وشمولية الإسلام وأنه دين ودولة ومنهج شامل لكل مناحي الحياة، ليكون مجرد قيم روحية تعبر عن التسامح والأخلاق الفاضلة، وهذا هو دور وفد الأزهر الذي يقود حاليا حربا ضد التيار الإسلامي.