هوية بريس – نبيل غزال الخميس 19 ماي 2016 (حوار هادئ مع هوية بريس)؛ هذا هو الاسم الذي اختاره القائمون على قناة «البصيرة» عنوانا للرد على الجريدة الإلكترونية «هوية بريس». فالحلقتان اللتان استغرقتا قرابة ثلاث ساعات، اشتملتا على كثير من الأمور سوى الهدوء والحوار البناء. كنت أعلم مسبقا وأنا أعد ملف "التيار المدخلي النشأة والتوظيف"؛ أن المتشبعين بهذا الفكر لن يستفيدوا كثيرا مما طرح فيه، وذلك راجع لأمور ذاتية وموضوعية، وقد كنت أستهدف من خلاله الدفاع عن المقاصد العظمى للإسلام، وعن المنهج السلفي الذي يسعى هؤلاء إلى النيل منه، وتصويره بشكل بشع من المستحيل أن يقتنع به من لديه أدنى مسكة من عقل أو علم أو دين. وقد لقي الملف؛ والحمد لله وحده؛ قبولا داخل المغرب وخارجه، وحقق بعض ما كان يرجى من وراء إعداده، لكن المشكلة تكمن في أن نخبة التيار المدخلي التي ناقشت الملف حرفا حرفا لم تستطع فهم كثير مما ورد فيه، وقرأت بعض فقراته وهي في حالة شرود، كما أدلت بمعلومات تكشف جهلها العميق بواقع أقحمت نفسها في تحليله ومناقشته من منطق فوقي. أحمد التوفيق الوزير الإخواني فكما تلعثم منشط حلقة «فور إخوان» في قراءة حروف الملف، ولحَنَ في الوقوف عند آخر كلماته، كان عنده سقم كبير في فهم العبارات وإدراك المراد من وراء السياقات، حيث عدَّ مريد الرضواني مالك قناة «البصيرة» وزيرَ الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربي ذا الميول الصوفي البودشيشي عضوا في جماعة الإخوان المسلمين!!! وادعى أن ما عملته الحكومة المغربية «الإخوانية» في تأطير الحقل الديني ومنع المساجد عن كل من لم يتخرج من الأوقاف، هو نفس ما قامت به الجماعة المحظورة في مصر والكويت والإمارات وتركيا، لأن المدرسة -بالنسبة له- واحدة. فظاهر أن هذا الإنسان يعيش في كوكب آخر أو في جزيرة معزولة عن الواقع، ولا علم له بتاتا بمجريات الأمور في المغرب، ورغم ذلك يحشر أنفه فيما لا اطلاع له به، ويدعي أمورا لا توجد إلا في خياله الضيق، ويبني عليها تصورات؛ فعادي جدا أن يخلص إلى هذه النتائج المضحكة. التوظيف السياسي والاستخباراتي للمداخلة جل اعتراضات منشط برنامج «فور إخوان» جاءت انطباعية وانفعالية وبعيدة عن الأخلاق واللباقة، فما فتئ يكرر خلال ثلاث ساعات: «يا كذبة»، «يا جاهل»، «أنت لا نبيل ولا غزال»، «أنت مش غزال أنت…»، «عقله جزمة مقاس 45»، «الأوباش»، «الأوغاد»، «يا موتور يا بعيد».. إلى غير ذلك من العبارات العنيفة التي حاول من خلالها أن ينفس عن غيظه. أنا شخصيا غير معني بالرد على ما ورد هنا، لأن هذا ليس خطاب العقلاء، ومهمتي كباحث أن أناقش الأفكار، وأحلل المشهد، وأنأى بنفسي قدر المستطاع عن ردود الأفعال، وإنما أعرض هذا العنف اللفظي في هذه الورقة لنقف جميعا على عقلية المنتمين لهذا التيار المحدث، وطريقة تعاملهم مع مخالفيهم من أبناء الحركة الإسلامية. وحول حقيقة التوظيف السياسي والاستخباراتي للمداخلة؛ في حرب جماعة الإخوان المسلمين وكل من يرفض الانقلاب المصري البغيض؛ أجاب الشخص الذي انبرى بالوكالة للدفاع عن شيوخ التيار المدخلي في قناة «البصيرة» المثيرة للجدل؛ بأن القناة ضعيفة الإمكانيات، وأن المشاركين في برامجها لا يجدون من يقدم لهم كأس ماء، وأخذ في التماوت والتمثيل الذي عرف به داعمو الانقلاب الدموي للسيسي. ولقصور عقله وضعف اطلاعه؛ حسِب منشط برنامج «فور إخوان» أن التوظيف يستلزم بالضرورة بحبوحة العيش، والحصول على الدعم المالي وغير ذلك، فأخذ يكرر هذا في الحقلتين أكثر من مرة. وهذا طبعا غير وارد لأن المنتمين لهذه الطائفة عندها قابلية للتوظيف دون طلب من جهة ما، وتتقاطع مصالحها في إسقاط الخصوم مع نظام السيسي الدموي من جهة أخرى، كما أنها تعلن ولاءها المطلق لكل نظام ولو كان نظام موسوليني أو مسيلمة الكذاب، وقد قبلوا بحكم بريمر في العراق من قبل، فمن هذا المنطلق يتم توظيفهم إلى حين دون عناء، ويسمح لهم بالتحرك في مجالات مرسومة لهم بدقة، ولما يحين زمن التخلص منهم سيتم الإجهاز عليهم وسحقهم دون رحمة. المداخلة في تقارير مراكز الدراسات الغربية استنكر مداخلة «البصيرة» بشدة ما أوردته مراكز الدراسات الغربية، والتي شددت على تعاون أجهزة الاستخبارات مع حاملي الفكر المدخلي، ودعمهم وفتح الباب أمامهم، لأنهم يقومون بنفس الدور الذي كانت تقوم به بعض الفرق الصوفية الموالية للاحتلال. فاعتبروا هذه التقارير: «تقارير الكفار والأمريكيين» ومن اعتمدها في التحليل فهو -بالنسبة لهم- «موتور وجاهل…»؛ علما أنها جاءت كاشفة للتناقض الذي نراه اليوم على أرض الواقع في التعامل مع الإسلاميين عامة والسلفيين على وجه الخصوص، حيث أغلقت أكثر من 67 جمعية لتحفيظ القرآن الكريم بالمغرب، بدعوى الانتماء إلى الفكر السلفي أو «الوهابي»! -كما يدعون-، في حين يسمح للمنتمين للتيار المدخلي باستقدام شيوخهم من خارج الوطن، ويُحجز لهم مركب رياضي بأكمله في سيدي بابا بمدينة مكناس، ويسمح لهم بتنظيم مؤتمرات وتجمعات كبرى في كل من أكادير والناظور وغيرها من المدن لينشطوا بكل أريحية. وفي مقابل رفضهم لتوصيات التقارير الأمريكية المذكورة، في الحلقة نفسها؛ هاجم المداخلة الإخوان المسلمين وادعوا أن هؤلاء الذين يعذبهم السيسي ويعدمهم ويحكم عليها بالمؤبدات «حلفاء لأمريكا وعن طريقهم ستخرب أمريكا العالم الإسلامي، وأن مخططات أمريكا ينفذها الإخوان بأمانة وصدق». فشهادة مراكز الدراسات الغربية المستقلة وغير المستقلة فيهم مجروحة، وادعاءاتهم الانطباعية المغرقة في التحامل على الإخوان مقبولة وغير قابلة للتشكيك.. فمع من نتحدث؟! إننا نتحدث مع الراقصين على دماء الأبرياء والمجاهدين والشهداء. حول جماعة الإخوان المسلمين جماعة الإخوان المسلمين شأنها شأن باقي الجماعات الإسلامية الأخرى لها إنجازات وعليها مؤاخذات؛ لكن المنتمين للتيار المدخلي، الذين أساؤوا لا إلى التيار السلفي فحسب بل إلى الإسلام برمته، غَلوا في مهاجمة المخالف وخاصة جماعة الإخوان، وركنوا إلى الذين ظلموهم، وبرروا مجازرهم الوحشية التي تعفها الفطر الإنسانية. فالمنتمون لهذا التيار المتطرف الذي نبت بين عشية وضحاها كأنهم برمجوا على معاداة الإخوان، والغلو في تجريحهم، وبلغ بهم الغلو أن صار كل من انتقد تطرفهم، ومن أي فصيل كان: «إخواني محترق» أو «قطبي هالك» أو «سروري متستر»..، ومن تم يسقطون عليه حكم البدعة والمروق والضلال، ويحملونه كل الانتقادات التي يوجهونها لجماعة الإخوان المسلمين. وهو عين ما فعله منشط برنامج البصيرة المذكور، حينما أعيته مناقشة الأفكار بالعلم والعقل، والجواب عن تقليد المنتمين للتيار المدخلي الأعمى لبعض الدعاة المعدودين على رؤوس أصابع اليد الواحدة، من الذين توجه إليهم انتقادات كبيرة من جمهور العلماء، فكان جوابه أن أخرج وريقات جمع فيها انتقادات ضد جماعة الإخوان فحملها للجريدة الإلكترونية «هوية بريس»! وكأن هذا المنبر الإعلامي يشعر بحساسية في الإعلان عن انتمائه وخطه التحريري. تمسح المداخلة بالشيخ ابن باز لتمرير انحرافهم كرر المنشط العصبي للحوار غير الهادئ أكثر من مرة اسم الشيخين الرضواني ورسلان.. ولتبرير مواقفهما المثيرة للجدل؛ ما فتئ يضيف إليهما اسم العلامة ابن باز رحمه الله، وكأن رئيس هيئة كبار العلماء السابق موافق لطرحهما وما يصدرانه من أقوال، وما يتبنيانه من مواقف. وهذا مجانب للحقيقة تماما، لأن ابن باز عليه رحمة الله كان رجل أمة، ولم يكن قلبه يكِن الضغينة للمسلمين، وحاشاه، وهو من استقطب إلى الجامعة الإسلامية من يعده هؤلاء إخوانا وقطبيين وسروريين وهلما جرا. فعلى منهجهم فابن باز هو أول المجروحين، لكن أقولها وأعيدها إلى أن تُصمَّ آذانُ هؤلاء الغلاة، فابن باز كان عالما عاقلا حكيما، يتواصل مع كل الدعاة إلى الله ولا يقاطع أحدا، وينصح ويوجه الجميع لما يراه حقا، أما هؤلاء فمعاذ الله تعالى أن تضاف أسماؤهم إلى اسمه طيب الذكر، فهم جماعة وظيفية، مهمتها الرئيسة تعميق الخلاف، وشق الصف، وتحذير الناس من العاملين وأولياء الله الصالحين. في الختام لا يجب أن يغيب عن أذهاننا أن المداخلة دعموا نظام بشار، ويحاربون بالسلاح إلى جانب اللواء حفتر، ويقفون اليوم في صف المبير السيسي، ويدعمون نظامه وكل نظام يحارب الجماعات الإسلامية، ويكفيهم خزيا ركونهم للظالمين وتبريرهم لقتل الأبرياء في رابعة والنهضة، بدعوى أنهم خوارج ومارقون ودواحس..، وآخر خرجاتهم المثيرة مطالبتهم بإغلاق مجموعة من القنوات الإسلامية أبرزها مجموعة قنوات المجد الفضائية. فكشف حاملي هذا الفكر الخطير، والوقوف إلى جانب المضطهدين والمظلومين الذين أحرقوا وقتلوا وعذبوا، وتبني قضيتهم، ليس عاطفة غير منضبطة، وإن كان استثارة العواطف في مثل هذه المواقف أمر مطلوب وله شواهد كثيرة في السنة، وإنما هو واجب يمليه الشرع قبل العقل. [email protected]