دعك الآن من النفاق الاجتماعي، والنفاق السياسي… وتأمل معي ما بات يطبع البعض من بني جلدتنا اليوم من نفاق فكري طافح وفاضح، فهم من جهة يقولون نحن مسلمون، ولا ينازعون في كون المغرب بلدا مسلما؛ لأنها حقيقة لا تحتمل النزاع والخلاف، ومع ذلك عندما يتحدثون في موضوع تعديل المدونة، وفي قضايا المرأة والطفل والأسرة، يحتكمون إلى المواثيق الدولية بالدرجة الأولى، وإلى الدستور المغربي أحيانا، ويضربون صفحا عن شرع الله وخطاب الوحي، في تناقض صارخ حتى مع شعار المملكة الذي يبدأ أول ما يبدأ باسم: "الله"، إشعارا بسمو الشريعة على غيرها من المواثيق والمرجعيات. وأولئك، الذين يعلون من شأن المواثيق والاتفاقيات الدولية، ويجعلونها حاكمة على كل ما هو داخلي وهوياتي، هم أنفسهم من يصدع آذاننا ب: "تمغرابيت"، متناسين ومتجاهلين أن أول مقوم من مقومات "تمغرابيت" عند المغاربة، حتى غير المتدينين منهم، هو الدين الإسلامي، لا يقبلون انتهاك حرماته، ولا يرضون عنه بديلا، حتى ذاك الذي سار في طريق منحرفة عن امتثال أوامر الشرع واجتناب نواهيه، وغرق في كبائر الذنوب، إذا تعلق الأمر بمحاربة دينه انتفض وغضب، وأبان عن غيرة كبيرة صادقة، وهذه هي حقيقة "تمغرابيت" عند كافة المغاربة، عربا وأمازيغ، ملتزمين بدينهم وغير ملتزمين، عاشوا بها رافعي رؤوسهم عبر التاريخ، وما زالوا، وسيبقون على ذلك، مهما توهم المغرضون إبعادهم وتطويعهم؛ إرضاء لمزاج الغرب، ومخالفة لشريعة الرب. ولذلك يظل سؤال المرجعية هو أهم سؤال في سياق أي تعديل أو تجديد.. أما التعديل أوالتجديد في ذاته فلا إشكال فيه، بل هو أمر ضروري كلما دعت الحاجة إليه، طبعا فيما يقبل التعديل والتجديد من الأحكام الشرعية غير القطعية، أما القطعيات فهي ثوابت يجب صيانتها من أي تبديل أو تحريف، وفيها مصلحة الناس، مهما خفيت عن البعض؛ لأن الخالق أعلم بمصالح خلقه منهم، ولا يضع لهم من التشريعات إلا ما يصلح أحوالهم في كل زمان ومكان: {ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير}. وما لم نتجاوز نفاقنا الفكري، ونعطي الأولوية في مرجعيتنا الاجتهادية للشريعة الإلهية قبل الشريعة الدولية، بصفتنا مسلمين، في بلد عريق في الإسلام، لن نصل بدعواتنا ومطالبنا إلا إلى إثارة الفتن، وتكريس الاصطفافات الإيديولوجية الحادة، التي لن نجني من ورائها إلا المحن والإحن، والتفرق والتآكل، والانصراف عن توحيد الجهود في خدمة القضايا الحقيقية والمصيرية؛ حفاظا على أمن الوطن واستقراره وازدهاره، تحت القيادة المولوية لجلالة الملك، رمز وحدة المغرب، وصمام تماسكه.