أعدت حركة التوحيد والإصلاح وثيقة جديدة تحت اسم توجهات واختيارات توضح فيها مواقفها من كثير من القضايا والإشكالات. والوثيقة التي ستوزع في الجمع العام الاستثنائي، ليوم الأحد 19 أكتوبر ,2003 على الأعضاء المشاركين ، هي تجميع وتوضيح ورفع للالتباس والغموض حول هوية الحركة وموقفها من المغرب دولة وشعبا ومن الشريعة والعنف والغلو والإرهاب والتحديث والتجديد والديمقراطية وحقوق الإنسان وعلاقة المغرب ببلدان العالم الإسلامي. وهذه قضايا توجد مفصلة ومبثوثة في وثائق وبيانات متفرقة مثل الميثاق وغيره، شعرت الحركة أنه كان يتكلم فيها باسمها ويساء تأويل موقفها منها، فبادرت إلى إصدار هذه الوثيقة لمزيد من البيان والتوضيح. وهذا نص الوثيقة. تضمن ميثاق الحركة المبادئ والمنطلقات التي تعمل على أساسها، كما تضمن أهدافها ومقاصدها ومجالات عملها. وكما صاغت الحركة عدة وثائق تحدد رؤاها ومنهجها في مجموعة من مجالات العمل مثل العمل الدعوي (الرؤية الدعوية) والمجال التربوي (الرؤية التربية) والمجال السياسي (الرؤية السياسية)، فإن هذه الرؤى قد تحتاج من حين لآخر إلى تفصيل أو تنزيل يكون جوابا على قضايا تفصيلية أو أسئلة آنية. كما أن بعضها يحتاج إلى تأكيد أو تلخيص أو مزيد بيان وتوضيح في إطار المنهج العام للحركة كما تحدد في أوراقها المرجعية وكما تبلور واستقر من خلال الممارسة العملية. وفي هذا الإطار يأتي اعتماد هذه الورقة لما تتضمنه من تأكيد وتوضيح وتتميم لتوجهات الحركة واختياراتها. 1 هويتنا: حركة التوحيد والإصلاح حركة دعوية تربوية على منهاج أهل السنة والجماعة، تعمل في مجال الدعوة الإسلامية عقيدة وشريعة وقيما وآدابا، من أجل الالتزام بمقتضيات الإسلام وإقامة أركانه وأحكامه على صعيد الأفراد والمجتمع والدولة. ونحن نعتبر أن مجتمعنا مجتمع مسلم، ولكن في أفراده ومؤسساته جوانب من التقصير والاختلال والضعف والتخلف تحتاج إلى معالجة و إصلاح. كما تحتاج إلى تضافر الجهود ومساهمة الجميع. ولذلك فإن حركتنا تؤمن بالتعاون مع غيرها من الهيئات والمؤسسات في عملها الدعوي والتربوي وجهادها الإصلاحي، عملا بقوله تعالى (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى) المائدة/2 وقوله: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ) التوبة/.71 2 المغرب بلد مسلم دولة وشعبا: المغرب بلد مسلم دولة وشعبا. تلك حقيقة مقررة عند حركتنا يؤكدها التاريخ والواقع، عليها أجمع المغاربة عبر التاريخ، وبها تمسكوا، وانطلاقا منها توحدوا في إطار وحدة المذهب المالكي. وهي حقيقة لا يؤثر فيها ولا ينقص منها ما يظهر من فتور وضعف واختلال في التدين الجماعي أو الفردي، كما لا يؤثر فيها ما يظهر من أفكار وتوجهات دخيلة تظل شاذة ومعزولة. وترى حركتنا أن إمارة المومنين باعتبارها من المرتكزات التي يقوم عليها بناء الدولة المغربية هي رمز لهذه الحقيقة وضمان لحفظها واستمرارها. كما تعتبر الحركة نفسها سندا وعنصرا من عناصر دعم هذه الحقيقة ووسيلة من وسائل تقوية هذا الأساس المتين للدولة المغربية وتعزيز ارتباط المغاربة بانتمائهم الإسلامي، ولذلك بادرت حركتنا إلى مبايعة أمير المومنين محمد السادس وفقه الله وسدد خطاه على أساس كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. 3 الشريعة هي المصدر الأول والأسمى للتشريع: تؤكد حركتنا إيمانها التام والمطلق بالشريعة الإسلامية المضمنة في الكتاب والسنة، وتدعو إلى جعلها المصدر الأول والأسمى للتشريع بالمغرب. لكن الشريعة لا تنحصر في الحدود التي ما هي إلا جزء صغير في نظام العقوبات الذي هو نفسه مجرد جزء من النظام الإسلامي. كما أن عدم إقامة الحدود عند وجود الشبهات وعند انتفاء شروطها ومقدماتها هو من الشريعة أيضا. إن مفهوم الشريعة يشمل إصلاح العقيدة، وإقامة العدل، والتوزيع العادل للثروة، وإشاعة الاستقامة، وإشاعة الأمن، والإحسان للمخالفين من أهل الكتاب. ولذلك فإن إقامة أي عروة من عرى الدين وأي حكم من أحكامه، كل ذلك من الشريعة سواء كان من المعتقدات أو الأخلاق أو النظام الاجتماعي أو السياسي. كما أن العمل بالعرف الحسن من الشريعة، وكل ما استقر من معروف وخير عند عقلاء النوع البشري هو مما تأمر الشريعة بالأخذ به والعمل به. 4 نبذ الغلو والعنف والتبرؤ من الإرهاب: حركتنا حركة وسطية معتدلة ترفض الغلو في الدين وتكفير المسلمين وتلتزم التزاما تاما بالأساليب السلمية في كافة أعمالها ومواقفها، في إطار المشروعية والمقتضيات القانونية لبلادنا. وحركتنا ترفض وتناهض كل عمل إرهابي عدواني يستهدف الأبرياء في أرواحهم أو أمنهم أو ممتلكاتهم سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين، وسواء صدر ذلك من أفراد أو جماعات أو دول وحكومات على أساس القاعدة القرآنية (وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) الأنعام/.164 كما ترفض وتدين بصفة خاصة أعمال العنف وإثارة الفتن داخل صفوف المسلمين ومجتمعاتهم وتدعو جميع مكونات المجتمع من حكام ومحكومين إلى حفظ الأمن والطمأنينة واجتناب أسباب الفتنة والصراع. 5 حركتنا حركة تجديد وتحديث: نحن ندعو للاقتداء بالسلف الصالح لكننا سلفية مجددة لأننا نعتبر أن التدين هو كسب خاص بكل جيل بل بكل إنسان قال تعالى : ( تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) البقرة /.134 فدعوتنا للاقتداء بالسلف الصالح هي دعوة إلى إعمال منهجهم في التعامل مع الكتاب والسنة لا إلى استنساخ تجربتهم التاريخية، و في الاجتهاد و استنباط أحكام جديدة فيما لا نص فيه على أساس مقاصد الشريعة والضوابط العلمية والقواعد المنهجية المعتمدة. ونحن أول من يأخذ بالحداثة بما هي إعمال لقواعد العقل الصريح والعلم الصحيح، في النظر والتفكير وفي تنظيم المجتمع وعلاقاته ومؤسساته، وفي تصريف سائر شؤون الحياة. ولكننا ننبذها حين يراد بها التنكر للدين ودوره في الحياة أو جعلها حرية إباحية مدمرة للأخلاق والقيم ومشجعة للفساد والانحلال. وانطلاقا من إيماننا بالاجتهاد وانخراطنا في الحداثة بمعناها الإيجابي البناء، فإن حركتنا تدعو إلى الانفتاح الخلاق على الثقافات واللغات والتجارب الإنسانية، وتلك نتيجة طبيعية لعالمية الرسالة الإسلامية ودعوة الإسلام إلى الانفتاح على الأمم الأخرى والتعارف معها مصداقا لقوله تعالى: (يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) الحجرات/.13 6 التمسك بالديمقراطية وحقوق الإنسان: تعتبر حركتنا الديمقراطية وحقوق الإنسان مكسباً عظيماً للبشرية تبلور من خلال القيم الدينية الخالدة ومن خلال كفاح الشعوب وزعمائها المصلحين ومفكريها المستنيرين. وهي ملتزمة بما تقرر منها في الإعلانات والمواثيق الدولية باستثناء ما تعارض منها تعارضا بينا مع أحكام ديننا وشريعتنا. ومن مقتضياتها إيماننا بالتعددية السياسية والحزبية والفكرية والثقافية في إطار الثوابت العامة للأمة، فالتعددية في هذه الحالة ليست من الاختلاف المذموم بل هي تنوع يغني وحدة الأمة ويقويها بعوامل الخصوبة والحركة والتطور. كما تؤمن حركتنا بضرورة حماية الحقوق الكاملة لغير المسلمين، من مغاربة وأجانب. وتعتبر ذلك من القسط والبر المأمور بهما في قوله تعالى: (لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) الممتحنة/.8 وحركتنا إذ تعلن تمسكها بالديمقراطية وحقوق الإنسان وإسهامها في تحقيقهما قولا وعملا لا تقبل أن يكون بلدنا وشعبنا مجرد مقلد ومستهلك، بل نحن مؤهلون خ بتراثنا الديني والحضاري ورصيدنا البشري خ لكي نضفي على الديمقراطية وحقوق الإنسان من أصالتنا واجتهادنا ما يجعلهما أكثر غنى وأكثر ملاءمة لنا. 7 المغرب جزء لا يتجزأ من الأمة الإسلامية: الشعب المغربي شعب مسلم وجزء لا يتجزأ من الأمة الإسلامية والمسلمون، مهما تباعدت أقطارهم واختلفت ألسنتهم ولغاتهم ولهجاتهم وتعددت أعراقهم، تجمعهم الرابطة الإيمانية والأخوة الإسلامية.قال تعالى (وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً) المؤمنون/52 وقال(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) الحجرات/10 ولذلك تؤمن حركتنا بوجوب التضامن والتناصر بين المسلمين وخاصة مناصرة الشعوب الإسلامية المنكوبة والمعتدى عليها، وفي مقدمتها الشعب الفلسطيني. كما تؤمن الحركة بحق هذا الشعب وغيره من الشعوب المحتلة في مقاومة الاحتلال والعدوان، وتؤمن بوجوب نصرة الشعوب المظلومة في العالم بغض النظر عن عقيدتها ودينها. الرباط في 30 رجب 1424 موافق 28 شتنبر 2003 حركة التوحيد والإصلاح المكتب التنفيذي