أصدر المكتب التنفيذي لحركة التوحيد والإصلاح بتاريخ 30 رجب 1424 هجرية موافق 28 شتنبر 2003 وثيقة تحت عنوان توجهات واختيارات وقد أثار ذلك الإصدار لدى بعض الإخوة من أعضاء الحركة وغيرهم عدة تساؤلات، وهل هي وثيقة من الوثائق المؤسسة للحركة وعن موقعها ضمن الوثائق المرجعية للحركة مثل وثيقة الميثاق والرؤية التربوية والرؤية الدعوية والرؤية السياسية وهل هي مكملة لها أو ناسخة لها جزئيا أو كليا. وللإجابة عن هذه الأسئلة وجب الإشارة إلى مجموعة من المعطيات حول دواعي إصدارها، بعضها ذو صلة بمنهج حركة التوحيد والإصلاح وبعضها الآخر تفرضه الضرورة التواصلية المستمرة لحركة دعوية تشتغل داخل مجتمع متغير يواجه الحركة بمجموعة من الأسئلة. فحركة التوحيد والإصلاح حركة إسلامية تجديدية تسعى إلى فهم أصيل ومتجدد للإسلام، فهم يستند إلى التفاعل الحي و المستمر مع القرآن والسنة والاستنباط منهما وفق القواعد الضابطة لفهم أحكام الشريعة ومقاصدها وتنقيح مناطاتها وتحقيقها في الواقع المتغير باستمرار. ومن العوامل التي تساعدها في ذلك كونها منفتحة على الاجتهادات العلمية المعاصرة المعتبرة، كما أنها تعتمد اجتهادا جماعيا يجتمع فيه علم الأصولي واستنباط الفقيه وخبرة العامل في الميدان، والمعطيات العلمية الاجتماعية، فضلا عن القراءة المتبصرة في تجارب الأمة وتجارب الحركات الإسلامية الحديثة وهي الخبرات التي تتفاعل وتتكامل في إطار مؤسسات شورية تعنى ببلورة التوجهات الكبرى والمواقف الطارئة أو الظرفية. من هذا المنطلق فإن حركتنا، التي تعتبر أن أصول الإسلام وأحكامه القطعية ثابتة غير متغيرة، ترى أيضا أن تنزيل تلك الأحكام وفهم الظني منها واستخراج أحكام جديدة للقضايا الطارئة والمستجدة أمر متغير متجدد باستمرار. ويزداد الأمر تأكيدا حينما يتعلق الأمر بفهم الواقع المحيط من حولنا، وبمناهج العمل والأساليب المكافئة، ونوعية الخطاب الملائم للمرحلة أو للفئة المخاطبة، فذلك باب واسع من أبواب الحكمة الواردة في قوله تعالى: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعمل بالمهتدين}. جاءت وثيقة توجهات واختيارات، مثلها مثل غيرها من الوثائق، تجسيدا لهذا النهج، فهي، من جهة، جاءت لتؤكد اختيارات الحركة وتوجهاتها المتضمنة في الوثائق السابقة بطريقة مجملة أو متضمنة، فجاءت الوثيقة مبررة ومفصلة أو منزلة لأصل عام على قضية تفصيلية أو أمر مستجد، وإما بطريقة مفصلة فجاءت مجملة ومختصرة اختصارا يتناسب مع المطوية باعتبارها وسيلة من وسائل التعريف والتواصل باعتباره ضرورة تقتضيها الحاجة اليومية والمتواصلة إلى التذكير بالتوجهات العامة للحركة، والإجابة على بعض التساؤلات ورد بعض الشبهات. ومن الناحية القانونية فإصدارها يدخل في في اختصاصات المكتب التنفيذي، باعتباره المسؤول عن تنفيذ توجهات الحركة وشرحها والعمل بها، والمسؤول عن تفصيل المجمل من وثائقها، أو إضافة ما سكتت عنه مما تدعو الحاجة إليه من حين لآخر. ومثل هذا العمل مطلوب باستمرار وسيبقى عملا متواصلا ودائما داخل حركتنا باعتبارها حركة حية غير جامدة، وحركة تجديد واجتهاد، لا حركة جمود وتقليد، وهذا التفاعل الحي المتواصل مع الواقع كان إحدى ميزات المنهج القرآني، ذلك المنهج الواقعي الحركي الذي كان يجيب عن الأسئلة الطارئة ويعلق على الأحداث الكبرى لتقرير الأحكام والمبادئ وتعليم المناهج وتربية الأفراد وتكوينهم من خلال الطرق على الحديد وهو ساخن. وإن القضايا التي تتناولها هذه الوثيقة، هي كلها قضايا ما فتئت تطرح على ساحة النقاش السياسي والفكري، وازدادت الحاجة إلى بسط موقف الحركة منها خاصة بعد أحداث 16 ماي في الدارالبيضاء، وإن كانت أدبيات الحركة ورموزها منشورة معروفة في الموضوع. لكن كان من اللازم إعادة التذكير بها والتأكيد عليها سواء للأعضاء والمتعاطفين أو للخصوم والمعارضين ولعموم الشعب المغربي، فذلك من واجبات الحركة ومسؤولياتها.