مرَّ العالم الإسلامي ولا زال بمراحل عدة؛ يقوى فيها تارة ويضعف فيها تارات أخرى؛ وهي سنة حضارية كونية؛ وسنة شرعية ثابتة في أمارات النبوة وأشراط الساعة في غربة الدين ثم بزوغ فجره (إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ ۚ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ). وإن من أسباب الضعف قوة أهل الباطل في باطلهم؛ وأشدهم نكاية بدين الحق المنافق العليم اللسان الذي يتكلم بلسان المسلمين يتتبع النصوص المتشابهات لتشكيك المسلمين في عقيدتهم ودينهم؛ فجعلوا كل يقيني من أصول الدين عرضة للنقد؛ بدعوى تحرير العقل من سلطة النص؛ وتجديدا للخطاب والفكر زعموا. ومن بين أبرز سمات هذا الصوت التشكيكي ترويج مقالة مفادها: أن المغاربة تغيرت علاقتهم بدينهم بعد أن حصلت لديهم اليوم جرأة على نقد المقدسات الدينية!!! وهذه المقالة -فضلا عن زيفها- تحمل في طياتها الكثير من الاختلالات المنهجية الواجب مراعاتها عند تنزيل نتائج دراسة اجتماعية تستند على مقومات علم الاجتماع عند دراسة الظاهرة الاجتماعية Social Phenomenon؛ وهي دراسة تستدعي من صاحبها جملة من الشروط منها: التجرد التام والاستقراء الكلي وتحليل المعطيات؛ فضلا عن أهلية الباحث أو الدارس للقيام بهذه الدراسة كما هو متعارف عليه في البحث العلمي الأكاديمي؛ وفي ديار الغرب ومراكز ومعاهد تختص في هذا النوع من الأبحاث، على عكس بلاد المسلمين التي تخلوا من هذا النوع من المراكز؛ لتكون هذه المهمة لأناس نكرة في مجال البحث العلمي الرصين؛ والخلل الكبير الواقع اليوم في العديد من المنابر الإعلامية جرأة الغير المختصين على هذه العلوم بحجة أنه (مفكر إسلامي)!!؛ ومن تكلم في غير فنه أتى بالعجائب كما يقال. فكيف توصل هذا (المفكر الإسلامي) إلى هذه النتيجة الخطيرة (علاقة المغاربة تغيرت مع دينهم) ؟! هل اشتغل هذا (المفكر الإسلامي) في إطار مركز بحثي يمتلك الوسائل البحثية الكفيلة للوصول لهذه النتيجة؟ وما هي العينات المجتمعية التي شملتها هذه الدراسة؟ وكم هي المدة الزمنية التي استغرقتها؟ أم أن النتيجة كانت مجرد حكم يستند على خلفية فكرية تروم توجيه القراء إلى قناعة معينة تعبر عن رأي قائلها؟ إن مشكلة هؤلاء (المفكرين) أنهم يعيشون في عزلة متعالية عن المجتمع بفعل فكر منغلق يصيب صاحبه بالعمى عن رؤية الواقع كما هو. الواقع الذي نعيشه يؤكد كل مرة ولله الحمد أن الناس في حب شديد لدينهم؛ وخير مثال على هذا عودة المساجد إلى سابق عهدها بعد فتحها بسبب الوباء؛ فضلا عن شوق المغاربة إلى صلاة التروايح في شهر رمضان؛ وهو شوق لمسناه إثر معاشرتنا للناس؛ وكذلك إقبال النساء والأطفال على مراكز تحفيظ القرآن الكريم؛ بله كان إقبالا حتى في زمن الحجر الصحي عبر تقنيات التواصل الاجتماعي بحفظ القرآن الكريم عن بعد؛ كما كانت فترة الجائحة مناسبة لميلاد مواقع إلكترونية وقنوات فضائية مختصة في الشأن الديني؛ كما ناقش العلماء والدعاة وطلبة العلم نوازل فقهية مرتبطة بواقع الناس من قبيل: الصلاة بالتباعد وخلف المذياع؛ وترك تغسيل من مات بسبب كورونا؛ وحكم التعقيم وصلاة العيد بالمنازل؛ فهذا ولله الحمد يبين أصالة التدين في المغاربة وليس العكس. أما مسألة نقد المقدسات فتبقى حالة شاذة يتفوه بها أفراد قلائل تحاول بعض المنابر الإعلامية تشهير مقالاتهم؛ ويظن هؤلاء أنهم يمثلون رأيا عاما أغلبيا؛ وهذا -كما أشرت- ناتج عن العزلة الفكرية والسطحية المعرفية التي تحكم عقول هؤلاء؛ وينسب في هذا الباب أثر لعثمان رضي الله عنه (ودت الزانية لو أن كل النساء زواني)؛ فغربة المخالف وسط قومه تجعله يتمنى موافقتهم له؛ فيقول إن الناس مثلي؛ والواقع على خلافه كل الخلاف.