بعد 40 ساعة من المداولات.. 71 سنة سجنا نافذا للمتهمين في قضية "مجموعة الخير"        الرباط: المنظمة العربية للطيران المدني تعقد اجتماعات مكتبها التنفيذي        28 ناجيا من تحطم طائرة بكازاخستان    مسؤول روسي: المغرب ضمن الدول ال20 المهتمة بالانضمام إلى مجموعة "بريكس"    التوحيد والإصلاح: نثمن تعديل المدونة    بلاغ رسمي من إدارة نادي المغرب أتلتيك تطوان: توضيحات حول تصريحات المدرب عبد العزيز العامري    مصرع لاعبة التزلج السويسرية صوفي هيديغر جرّاء انهيار ثلجي    بعد تتويجه بطلا للشتاء.. نهضة بركان بالمحمدية لإنهاء الشطر الأول بطريقة مثالية    الوداد يطرح تذاكر مباراته أمام المغرب الفاسي    تأجيل محاكمة عزيز غالي إثر شكاية تتهمه بالمس بالوحدة الترابية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    ابتدائية الناظور تلزم بنكا بتسليم أموال زبون مسن مع فرض غرامة يومية    الريسوني: مقترحات التعديلات الجديدة في مدونة الأسرة قد تُلزم المرأة بدفع المهر للرجل في المستقبل    الحصيلة السنوية للمديرية العامة للأمن الوطني: التحفيز والتأديب الوظيفي آليات الحكامة الرشيدة    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها بأداء إيجابي    برنامج يحتفي بكنوز الحرف المغربية    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    "ميسوجينية" سليمان الريسوني    لجنة: القطاع البنكي في المغرب يواصل إظهار صلابته    ترامب عازم على تطبيق الإعدام ضد المغتصبين    باستثناء "قسد".. السلطات السورية تعلن الاتفاق على حل "جميع الفصائل المسلحة"    تقرير بريطاني: المغرب عزز مكانته كدولة محورية في الاقتصاد العالمي وأصبح الجسر بين الشرق والغرب؟    ماكرون يخطط للترشح لرئاسة الفيفا    بطولة إنكلترا.. ليفربول للابتعاد بالصدارة وسيتي ويونايتد لتخطي الأزمة    نزار بركة: 35 مدينة ستستفيد من مشاريع تنموية استعدادا لتنظيم مونديال 2030    مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالإضراب    مجلس النواب بباراغواي يصادق على قرار جديد يدعم بموجبه سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية    مجلس النواب بباراغواي يجدد دعمه لسيادة المغرب على صحرائه    ضربات روسية تعطب طاقة أوكرانيا    تزايد أعداد الأقمار الاصطناعية يسائل تجنب الاصطدامات    بنحمزة: الأسرة تحظى بالأهمية في فكر أمير المؤمنين .. وسقف الاجتهاد مُطلق    السعدي : التعاونيات ركيزة أساسية لقطاع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني    ونجح الاتحاد في جمع كل الاشتراكيين! .. اِشهدْ يا وطن، اِشهدْ يا عالم    وزير الخارجية السوري الجديد يدعو إيران لاحترام سيادة بلاده ويحذر من الفوضى    ارتفاع معدل البطالة في المغرب.. لغز محير!    الخيانة الزوجية تسفر عن إعتقال زوج وخليلته متلبسين داخل منزل بوسط الجديدة    إمزورن..لقاء تشاركي مع جمعيات المجتمع المدني نحو إعداد برنامج عمل جماعة    ‬برادة يدافع عن نتائج "مدارس الريادة"    "ما قدهم الفيل زيدهوم الفيلة".. هارون الرشيد والسلطان الحسن الأول    الاعلان عن الدورة الثانية لمهرجان AZEMM'ART للفنون التشكيلية والموسيقى    العلوم الاجتماعية والفن المعاصر في ندوة بمعهد الفنون الجميلة بتطوان    الدورة العاشرة لمهرجان "بويا" النسائي الدولي للموسيقى في الحسيمة    طبيب يبرز عوامل تفشي "بوحمرون" وينبه لمخاطر الإصابة به    اليوم في برنامج "مدارات" بالإذاعة الوطنية : البحاثة محمد الفاسي : مؤرخ الأدب والفنون ومحقق التراث        ما أسباب ارتفاع معدل ضربات القلب في فترات الراحة؟    الإصابة بالسرطان في أنسجة الكلى .. الأسباب والأعراض    "بيت الشعر" يقدم "أنطولوجيا الزجل"    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حديث الجمعة: في ذكرى وفاة فيلسوف الذاتية محمد إقبال ابريل 1938 (1) الدين والدولة في الإسلام والعودة إلى الذات؟
نشر في العلم يوم 18 - 04 - 2014

في مجال العمل الإسلامي خلال القرن العشرين برزت شخصيات مهمة وقوية في شرق العالم الإسلامي وغربه، وكانت هذه الشخصيات يجمعها على نافي الديار وبعد الشقة، وتباين الأقطار، والعوامل المؤثرة والفاعلة في كل قطر.
ولكن وحدة الفكر والتوجه كانت ولا تزال هي التي تربط بين عمل هؤلاء جميعا كان الحكم الأجنبي الجاثم على أراضي الإسلام والمسلمين و المهدد لها هدفا يسعى الجميع للتغلب عليه والتحرر من هيمنته وسيطرته كانت هذه السيطرة مادية أو روحية وكان الخصم الأجنبي يسعى للجمع بينهما لأنه لم يكن يرى سبيلا لدوام سيطرته المادية، ما لم يقض على الجانب الروحي والديني لدى هذه الشعوب ولذلك كان القادة والعاملون يبحثون أول ما يبحثون عن السبل التي تؤدي إلى الحفاظ على الذات وما نعبر عنه في السنوات الأخيرة بالهوية.
وكان من أبرز القادة ودعاة التجديد الفكري الذين ركزوا على هذه الذاتية "محمد إقبال" الشاعر المفكر الفيلسوف الذي يعتبر من ابرز وأهم مفكري الإسلام في النصف الأول من القرن العشرين بأن هناك من يرى أن الأمة الإسلامية لم يبرز فيها شخص في مجال الفكر والفلسفة منذ الغزالي حتى جاء محمد إقبال.
لقد كان الأساس الذي بنى عليه فلسفته هو الذاتية، ولذلك يسمى بفيلسوف الذاتية، وكان يسعى بكل ما أوتي من قدرة فكرية غلى تركيز مفهوم الذاتية لدى المسلمين، وأن هذه الذاتية تقوم أساسا على (لا إله إلا الله) دون أن ندخل هنا في التفاصيل لأن تفاصيل ذلك يستدعي سرد هذه الأسس والأركان التي ذكرها وعددها في دواوينه الشعرية.
وإقبال اهتم المفكرون والباحثون في الغرب بدراسته والإطلاع على أفكاره وتحليلها، ولكن في العالم العربي لم تظهر الدراسات لدواوينه سوى في العقود الأخيرة.
وعلى أي حال فإننا في إطار الحديث عن الإسلام في القرن العشرين نخصص حديث الجمعة لهذا الأسبوع لذكرى وفاة إقبال 21 أبريل 1938.
وقد رأيت أن أحين مقال كتبته منذ مدة حول الدين والدولة في فكر إقبال.
معركتان:
كان إقبال أهم شخصية إسلامية ثقافيا وسياسيا في الهند في العقود الأربعة الأولى من القرن العشرين والهند حينذاك تخوض معركة الحرية والاستقلال ضد الإمبراطورية البريطانية، وكان المسلمون في هذه المرحلة يخوضون معركتين متوازيتين معركة مشتركة مع الهندوس ضد الحكم الإنجليزي، ومعركة مراحل إثبات الذات ضد ما كان هذا الحكم الاستعماري قد دبره ضد المسلمين حيث هيأ الظروف للصراع العرقي والطائفي ضد المسلمين، باعتبار أن الذي قاوم الغزو الإنجليزي في القرن التاسع عشر هم المسلمون، وتمكن الاستعمار الإنجليزي من الانتصار عليهم في عام 1858م وأسقط الحكم الإسلامي في الولايات الهندية التي كانت لا تزال تدين للمسلمين بالحكم في هذه البلاد الواسعة الأطراف، والمهمة بالنسبة للاستعمار الإنجليزي.
في الطليعة:
وكان إقبال منذ وعى وأدرك حقيقة الصراع المفروض على المسلمين في هذه البلاد في طليعة النضال والكفاح في سبيل الحقوق الثابتة للمسلمين كمواطنين هنود، وأصحاب عقيدة دينية متميزة وبالأحرى من كانت الأمور بين أيديهم في هذه البلاد قبل الغزو الاستعماري الإنجليزي، وقد مكنت المكانة الثقافية التي كان "إقبال" يتمتع بها هذا الشاعر الجديد والوافد المتميز في عالم الشعر والأدب والفكر، فهو قد أعد نفسه بالتحضير الفكري والعلمي اللازمين، بدراسته الفلسفة والقانون في ألمانيا وانجلترا، ولكن قبل ذلك تشبع بالثقافة الإسلامية وأساسها القرآن الكريم الذي كان والده قد أوصاه أن يقرأه كأنه أنزل عليه في تلك اللحظة التي يتلوه فيها، كما اختار له والده الأساتذة والمعلمين الذين غذوا فكره وروحه بزاد معرفي إسلامي وهو لا يزال في ميعة الصبا، وما كاد يبلغ مرحلة الشباب حتى بدت مواهبه تظهر للعيان.
بزوغ نجم:
ولذلك عندما نشر قصائده الأولى اعتبر الناس أن ذلك إيذان ببزوغ نجم شخصية ثقافية غير عادية في النخبة المثقفة في الهند بصفة عامة، وفي النخبة المسلمة بصفة خاصة، وهكذا توالت دواوينه وقصائده الشعرية وأعماله الفكرية في الخطب التي كان يلقيها وفي الندوات التي كان يشهدها وكل ذلك جعل أدوات الرصد الفكري لدى المستعمر تتبع نشاط إقبال بالأسلوب العهود لدى الدول الغربية الاستعمارية حيث كان يرصد النخب الفكرية في العالم الإسلامي ويراقب تحركاتها عن كتب.
بالمرصاد:
ويتجلى ذلك فيما كان يدور بينه وبين المسؤولين الإنجليز وكذلك مع الحركة الإسلامية في الهند والتي كانت تضم علماء وسياسيين وأصحاب المؤسسات ولم يكن دور الطرقية أو التصوف الطرقي بعيدا عن واقع هذه الحركة في تلك المرحلة بل أن هذه كذلك كانت ترصد تصرفات وتحركات ونشاط إقبال لأنه لم يكن مرتاحا لما كان يسميه التصوف العجمي، كما لم يكن يقبل بوحدة الوجود والتي استمدت في نظره من فلسفة اليونان التي لا تنسجم ولا تتفق مع روح الثقافة الإسلامية وقد رصد بعض الحاقدين عليه إنتاجه ليتصيدوا ما يرونه أخطاء تنال من عقيدته أو توجهه الفكري وهكذا تصيد البعض من هؤلاء بعض العبارات في شعره ليوجه له تهمة الكفر ويتم إصدار فتوى بتكفيره وفي هذا يقول ابنه في ختام الجزء الثاني من كتابه عن ولده "النهر الخالد" وهو كتاب من جزئين أرخ فيه جاويد إقبال لوالده ونشاطه الفكري والسياسي.
تشويه:
وقد تناول من بين ما تناول أمرين مهمين، في حياة إقبال وهو يخوض معاركه الأمر الأول الصراع المحتدم بينه وبين المتعصبين من الهندوس وقد كانوا يستغلون الكثير من المناسبات ليوجهوا إليه طعنات تارة واضحة وتارة متسترة، ولكنها في كل الأحوال تستهدفه وتسعى لتشويه سمعته بين مواطنيه سواء كانوا مسلمين أو هندوس.
التهمة القاتلة:
وإذا كان من الطبيعي أن يستهدفه الهندوس فإن من غير المعقول هو أن يكون هدفا لإخوانه المسلمين، إلا أن الذي حصل هو أن المسلمين أيضا أرادوا من جهتهم إسكات هذا الصوت الذي أخذ بلب الناس، واكتسب لديهم مكانة متميزة ليست لهو لدى الشيوخ، وأسهل طريقه هو البحث في إنتاجه عن بعض التشبه لتوجيه التهمة القاتلة إليه وهي تهمة التكفير إذ هذه التهمة كانت ولا تزال السلاح الفعال ضد كل فكر متحرر يستمد مباشرة من الأصل الأصيل القرآن والسنة النبوية المبينة والمفسرة لهذا الأصل، وإذا كان إقبال شاعرا متحررا ينطلق مع أشواقه الروحية في الآفاق الرحبة فلتكن هذه الانطلاقة هي التي يستغلها الخصوم لتوجيه التهمة القاتلة تهمة التكفير.
الانقسام:
"إن إقبال في هذا الطور من حياته لم يكن هدفا للتعصب الهندوكي فحسب، وإنما انتهز هذه الفرصة بعض رجال الدين الذين كانوا يحقدون عليه منذ مدة طويلة فأصدروا الفتوى وكفروه، وهذا هو العصر نفسه الذي كان الصراع يجرى فيه بين أنصار الملك ابن سعود ومعارضيه في العالم الإسلامي، وكان مسلمو الهند قد انقسموا إلى فئتين إحداهما فئة الوهابيين والثانية فئة السنيين غير الوهابيين وكان إقبال قد أدلى بتصريح صحفي أيد فيه الملك ابن سعود، وبذلك أغضب العلماء الذين كانوا يعارضون ابن سعود ويعادونه وفي أثناء ذلك قام رجل من أهل مدينة (سها رنبور) واسمه (بيرزادة محمد صديق) بإعداد استفتاء بعث به إلى الشيخ (أبي محمد سيد ديدار على شاه) خطيب مسجد (وزير خان) بلاهور الذي كان قد عرف للغاية بشوقه غلى تكفير المسلمين فقد أصدر هذا الشيخ فتاوى التكفير العديدة، كفر فيها البعض من الزعماء المسلمين وهذا نصر الاستفتاء الذي أرسل إلى الشيخ أبى محمد."
ولا شك أن القارئ الكريم وهو يقرأ هذه الفقرة التي قدم بها جاويد الوضع في الهند في تلك الفترة التي ظهرت فيها الدولة السعودية في الحجاز وهي تحاول توحيد الإمارات التي كانت تتولى الحكم في هذه الفترة بالحجاز وبعد انهيار حكم الدولة العثمانية وسعى عبد العزيز آل سعود رحمه الله لتوحيد البلاد تحت رايته المذهبية و السياسية وكان المذهب أسبق من السياسة وإقبال كان مع السياسة وتوحيد المسلمين ولم يكن مع التوجه العقدي كما هو واضح من إنتاجه الأدبي.
- نص السؤال:
ما رأى السادة علماء الدين وحماة الشرع المبين في قصية شخص يذكر الشمس في أبياته الشعرية وكأنها متصفة بالصفات الإلهية ويدعوها ويتضرع إليها ولا يؤمن باليوم الآخر ويسخر من رسول عظيم من أمثال سيدنا موسى عليه السلام؟
ويخاطب السادة العلماء الكرام والمشائخ العظام بأسلوب الازدراء والاحتقار ويرميهم بالألقاب السيئة، ويذكر واحدا من أكابر الهنادكة ذلك الذي يعتبره الهنادكة إلها فيسميه إماما ومصباحا للهداية ويمدحه ويطرى في مدحه؟ هل هذا الرجل على الإسلام أم على الكفر؟ وهل يجوز التعامل معه والجلوس إليه والحديث معه أم لا؟ وهل تجوز مقاطعته الاجتماعية أم لا؟ وما رأيكم في هؤلاء الذين لا يقاطعونه ولا يتجنبونه؟ بينوا لكي تؤجروا، وأبياته الشعرية هي كما يلي:
القطعة الأولى:
قبل أن نقرأ النصوص التي بها أود أن أثير الانتباه إلى الأسئلة المطروحة والتي تستهدف أساسا إنهاء الوجود العقدي والسياسي والاجتماعي لإقبال فهي أسئلة تريد حصره في بيته وتكفير كل من يتعامل معه ولا يزال الأمر على حاله في المجتمعات الإسلامية.
أيتها الشمس أعطينا ضياء الشعور وأعطى النور لعين العقل من تجلياتك.
إن هذا الرونق والبهاء في مجلس الوجود كله إنما يرجه إليك وإنك إلهة لكل من يسكن في الجبال والسهول.
إنك ربة لحياة كل شيء، وإنك لملكة متوجة على كل من خلق من النور والضياء، فإنه ليس لك بداية ولا نهاية. إن نورك المضيء قد تحرر من قيد الأولية والأخروية (ترجمة دعاء جاتيرى).
القطعة الثانية:
لا ذهاب ولا مجيئ، وإن امتياز العقبى خديعة. إننا نظهر في وجود كل شيء وليس لنا وطن.
القطعة الثالثة:
أيها الكليم: إنك لا تملك امتيازا خاصا فإن كل شجر وحجر يتشرف بالكلام مع الله.
القطعة الرابعة:
إن هؤلاء المرشدين المتكبرين المستبدين إنما هم الغضب واللعنة. الله ينقد قومك من شرهم. إنهم يفسدون المسلمين في ديارك لكي يضيفوا إلى كرامتهم وشرفهم.
القطعة الخامسة في مدح رام (من آلهة الهنادكة):
إن هذه البلاد قد أنجبت الألوف من الرجال، كانوا ملائكة في طبيعتهم وبسببه اشتهرت الهند واكتسبت مكانة في العالم.
إن الهند لتفخر بوجود (رام) ومكانته، وإن أهل النظر يعتبرونه إماما للهند.
إن من إعجاز هذا المصباح للهداية أن أمسيات الهند أكثر ضياء ونورا من الصباح .
إنه كان فريدا في الشجاعة، فارسا مقاتلا، كما أنه كان فريدا في الطهارة والحب المتدفق.
حكم متعسف:
هذه هي النصوص الشعرية كما وردت في الفتوى المنقولة وهي على أي حال لا تستوجب الحكم بتكفير صاحبها، وهذا في الواقع حصل ويحصل للكثيرين ويمكن هنا استحضار ما حصل للمرحوم "عبد الهادي الشرايبي" عندما كتب مقالا حول الوطنية والإخلاص للوطن، وورد ضمن المقال كله "اعبدها" ويعني الأرض المغربية فقامت الدنيا ولم تقعد وتم تكفيره وطرده من وظيفة التدريس في القرويين وهذا الحدث سجله "علال الفاسي" في كتيب صغير طبع بتطوان بعنوان "العبودية"، حيث حلل معنى العبودية وان التهمة الموجهة إلى الأستاذ "عبد الهادي الشرايبي" تهمة باطلة ولا تستند على أسس شرعية مقبولة.
الفتوى الجواب:
إن كلمة "بروردكار" (الرب) و "يزدان" (الإله) خاص بذات البارئ سبحانه وتعالى الآلهة وأما "أوتار الهنادكة" أي "الآلهة الشفعاء) فهي عقيدة تقول بمولد الإله، ففي مثل هذه الظروف استخدام كلمة "يزدان" و بروردكار" للشمس كفر صريح وبالإضافة إلى ذلك فإن العقيدة القائلة بمولد الإله كفر أيضا وكذلك إهانة سيدنا موسى عليه السلام كفر، وأما إهانة علماء الدين فهو فسق.فعلى هذا إذا لم يتب قائل هذه الأبيات الشعرية من كلمات الكفر هذه، فعلى المسلمين أن يقطعوا الصلات به والتعامل معه وإلا يكونوا آثمين للغاية".
الرأي العام يرفض:
ويعلق جاويد إقبال على هذه الفتوى بقوله: (أبو محمد ديدار على الخطيب بمسجد المرحوم (وزير خان)).
والواقع أن الشيخ (ديدار على) هذا قد أصبح هدفا للملائمة من قبل جميع الأطراف الإسلامية والجوانب المحلية بعد إصدار الفتوى، وقد كان ذلك انتقاما من رجال الدين لذلك الإنسان الذي ألح على المسلمين أن يعرفوا شخصيتهم ويدركوا ذاتيتهم والي اجترأ على دعوة المسلمين إلى الوحدة ليكونوا أمة واحدة.
التهمة الثابتة:
إذا كانت التهمة في الفتوى الأولى من طرف المشايخ فإن التهمة الثانية التي لا تقل من حيث الأثر على الأولى فقد جاءت من طرف دعاة الفكرة الاشتراكية والشيوعية في الهند وذلك من أجل كسب الرواج لأفكارهم لدى الناس إذا ظهر لهم أن الشاعر "محمد إقبال" أصبح من أنصار هذه الأفكار والداعين إليها فاستغل قصيدة من قصائد إقبال ليقول للناس أن الرجل شيوعي ماركسي، وهذا يعني من طبيعة الحال تهمة خطيرة تصيب إقبال في الصميم أثناء المعارك الفكرية التي يخوضها المسلمون في بداية العشرينيات من القرن الماضي، وهذه القصيدة التي استدل بها الكاتب لا تعطيه ما يريده ولكن إقبال اضطر ليجيب ويحلل معنى الشيوعية والاشتراكية ويتنبأ بنهايتهما وأنه لا يمكن أن يكون لها أي مستقبل في العالم يقول جاويد إقبال:
القصة:
"وفي باب من أبواب الكتاب والذي عنونه إقبال "بنقش إفرنك" أي "الصور عن العالم الأفرنجي الغربي" وردت منظومات عديدة تتناول الصراع القائم بين الرأسمالية والعمال المكافحين، ومنها "رسالة" وفي رفقة الماضين في العالم العلوي ومحادثة بين الفيلسوف الفرنسي (أغسطس كوميت) ورجل عامل وهو السيد (لينين) و (وليام القصير) و"حظ الرأسماليين والعامل" و"صوت العامل المكافح" وغيرها من المنظومات، وعلى أساس هذه المنظومات بجانب منظومة "خضر الطريق" قد حاول البعض من الشيوعيين في إقليم بنجاب أن يبرهنوا على أن إقبالا كان من دعادة الاشتراكية أو الشيوعية، وفي ذلك الوقت كان تصدر مجلة اسمها "انقلاب" أي "الثورة" التي كانت تهتم يالشيوعية، وتبليغها وانتشارها، وقد أشرف على إدارة تحريرها مدة السيد (شمس الدين حسن)، إلا أن المجلة توقفت لأسباب مالية وكان (شمس الدين حسن) هذا شيوعيا نشيطا، فقال في أحد مقالاته التي نشرت في جريدة "زميندار" اللاهورية في 23 يونيو 1923 م".
الحكم:
إن نظام الحكم البلشفي إنما هو ملخص فلسفة (ماركس) السياسية وجوهرها الحقيقي، وإن فلسفة (ماركس) هذه تسمى في اللغة العامة المتداولة بالاشتراكية والشيوعية ففي مثل هذه الظروف إذا درس إنسان منظومة "خضر الطريق" و"رسالة المشرق" وكان يملك من العقل ولو قليلا فلا بد وأن يصل إلى نتيجة تقوده إلى أن إقبالا لم يكن اشتراكيا بالتأكيد فحسب وإنما كان من الطراز الأول لدعاة الاشتراكية أو الشيوعية، ففي "رسالة المشرق" مقطوعات شعرية قصيرة، ومنها "حفظ الرأسمالي والعامل" و"صوت العامل المكافح" بغض النظر عن هذه القطعة الشعرية نرى مطلع قصيد يقع على صفحة 106 وهو "إن السهام والأسنة والخناجر والسيوف قد أصبحت من آمالي ولا تصاحبني، فإنني أتبع طريق "شبير" وذلك من آمالي فهل يمكن لأحد بعد وجود الأبيات الشعرية من هذا النوع عند إقبال أن يشك بأن العلامة إقبال لم يكن شيوعيا يملك المشاعر والأفكار الشيوعية المتطرفة؟
ولم يكن إقبال قرأ هذا المقال أو الجريدة التي نشر فيها، فأبلغه بعضهم بأن الأفكار البلشفية قد نسبت إليه، فنشر رسالته في جريدة "زميندار" في 24 يونيو 1923 استنكر ما نسب إليه من الأفكار فقال:
ارتداد:
إن إقبال يواجه هذا الاتهام بالانضمام إلى المعسكر الشيوعي أو الاشتراكي بالرفض ويعتبره استنتاجا خاطئا وتفسيرا مغرضا لإنتاجه الأدبي، بل هو في الواقع انتقد من خلال إنتاجه الشعري والنثري الذي ترجم ووصل إلى الناس هذا المذهب الشيوعي وتنبأ له بالفشل وهو لم يتجاوز مرحلة البداية فقد كان هذا الاتهام والجواب في عام 1924م والعالم الإسلامي وفي مقدمته المسلمون في الهند مشتغلون بأمر الخلافة وما قام به مصطفى كمال أتاتورك في تركيا، وهذا في الواقع أمر اعتبره إقبال منذ البداية محاولة لإنهاء الرابطة السياسية التي تجمع المسلمين حولها.
"إن بعض الناس قد نسبوا لي أفكارا شيوعية وآراء بلشفية" وما دمت أرى أن الإيمان بالأفكار الشيوعية يعني الارتداد عن الإسلام والخروج من دائرته فلا بد لي أن أرفض هذه الأفكار التي نسبت لي، إنني مسلم وأعتقد، وإن عقيدتي هذه تقوم على الدلائل والبراهين بأن الحل الناجح والعلاج الشافي للأمراض الاقتصادية كلها هو ما جاء به القرآن الكريم، أن الرأسمالية إذا تجاوزت حد الاعتدال فلا شك أنها خطر على العالم، بل هي نوع من اللعنة.
اللعنة:
إن إقبال في الفقرة أعلاه يرفض النظامين الاقتصاديين السائدين في العالم آنذاك وإن كانت الشيوعية في بداية أمرها في مجال الحكم، ولكن إقبال بقرابة المؤمن حكم عليها بالزوال وفي الوقت نفسه يعتبر الرأسمالية نوعا من اللعنة أصابت العالم، هكذا كان إقبال يرى، ولم يحدث بعدما نعرفه اليوم في العولمة وتوحشها وتدبيرها لكل الأساليب التي تنهي حياة الضعفاء والفقراء.
أين الحل:
وإقبال يرى أن الحل ليس إلا في الإسلام وما جاء في القرآن الكريم ويذكر بعض بعض ذلك فيما يلي:
ولكن إنقاذ البشرية من التأثير الضار للرأسمالية لا يعني إعدام القوة الرأسمالية من النظام الاقتصادي أصلا كما يقترح الشيوعيون، ومن أجل التحديد المناسب على هذه الطاقة الرأسمالية يقدم القرآن الكريم حلولا بشكل المبادئ الشرعية منها "أحكام الميراث" و"الزكاة" و "تحريم الربا" وغير ذلك. وهذه المبادئ جديرة بالتطبيق العملي، نظرا إلى الفطرة البشرية إن البلشفية الروسية إنما هي رد فعل شديد ضد الرأسمالية الأوروبية المستبدة المستغلة التي لا تعرف العواقب ولا تؤمن بها ولكن الواقع أن الرأسمالية الغربية والبلشفية الروسية كلتاهما وليدة التطرف من الإفراط والتفريط.
الطريق الثالث:
إن إقبال يتحدث عن الطريق الثالث منذ البداية الذي من شأنه أن ينقد الناس ويفتح أمامهم مجالات التعاون على البر، والبر هنا هو العدل والمساواة من غير إفراط ولا تفريط.
أما الطريق الوسط وسبيل الاعتدال فهو الذي هدانا إليه القرآن الكريم والذي أشرت إليه آنفا، وإن هدف الشريعة الإسلامية الحقيقي إنما هو لا تتغلب فئة على فئة أخرى على أساس الرأسمالية وأن تحقيق هذا الهدف فيما أعتقد هو الذي أخبرنا به الرسول عليه الصلاة والسلام، وهو طريق سهل وجدير بالعمل.
إن الإسلام لا يرفض قوة الرأسمال من نظامه الاقتصادي وإنما يستبقيها ويحتفظ بها، وذلك نظرا إلى الفطرة الإنسانية، فهو يقترح لنا نظاما اقتصاديا لو عملنا به لكان ضمانا لنجاحنا، ولن يكون من الممكن لقوة الرأسمال أن تتعدى حدودها المناسبة.
الداء القديم الجديد:
إن إقبال يتأسف لأن المسلمين لم يولوا العناية الضرورية لدراسة الاقتصاد الإسلامي واستخراج ما يجب استخراجه من تلك المبادئ الراسخة والتي لا تلغي الملكية الخاصة ودورها في التنمية الاقتصادية، وما طرحه إقبال هو الذي لا يزال مجال أخذ ورد بين المسلمين، وألاعيب الغرب بمصير الأمة المسلمة واستعمال بعض أبناء هذه الأمة من الحاكمين وغيرهم لا يزال الداء العضال الذي تعاني منه الأمة والذي يؤدي إلى تعطيل كل محاولة للنهضة وبناء الأمة.
الأسف:
ولكن مع الأسف الشديد إنني أرى المسلمين لم يدرسوا الجانب الاقتصادي للشريعة الإسلامية الغراء دراسة شاملة، وإلا فكان من الممكن أن يعرفوا بأن الإسلام نعمة كبرى قد أنعم الله بها على البشر جميعا، وأعتقد بأن قول الله سبحانه وتعالى "فأصبحتم بنعمته إخوانا" إنما هو إشارة إلى هذه النعمة الكبرى –أي دين الله تعالى- وذلك لأن أفراد أي شعب من الشعوب لا يمكن أن يكونوا إخوانا بعضهم لبعض إلا إذا كانوا يتعاملون بعضهم مع بعضهم على أسس المساواة ومبادئها، ولا يمكن تحقيق هذه المساواة الإسلامية بدون نظام اجتماعي عادل يهدف إلى التحديد المناسب لقوة الرأسمال حتى لا تتعدى حدودها. إن الغرب قد أهمل هذه النقطة الاقتصادية فأصبح اليوم يعاني من الشدائد والآلام.
دعوة مستمرة:
وإقبال يتمنى أن تتمكن الشعوب والدول من إقامة فطام قائم على هذه الروح التي جاء بها الإسلام والقرآن الكريم والتي من شأنها إذا أقيمت على تلك الأسس أن تضمن العدل والمساواة بين الناس، وهذه الأمنية هي دعوة مستمرة لا يزال الناس يرددونها ويسعون إليها.
إنني أتمنى أن تقوم شعوب العالم كله بوضع المبادئ والقوانين التي تفرض تحديدا مناسبا على قوة الرأسمال وتمنعها من الطغيان والاعتداء وفي الوقت نفسه تقوم بإيجاد المساواة في النظام الاجتماعي العالمي الشامل وأنا على ثقة ويقين بأنه سيأتي وقت على الشعب الروسي يتضح له فيه عيوب النظام الشيوعي المعاصر، وحينئذ لن يكون مناص للشعب الروسي إلا أن يرجع إلى نظام يقوم غما على الأسس والمبادئ الإسلامية الخالصة، أو المبادئ والأسس التي تشبه مبادئ الشريعة الإسلامية الغراء وأسسها. أما النظام الاقتصادي الروسي بشكله الحالي، فإنه مهما كان محمودا ومستحسنا فمن المستحيل لأي مسلم أن يوافق على هذا النظام الشيوعي أو يتعاطف معه أبدا.
نداء وتحديد:
إن المسلمين في الهند وغيرها من البلاد الإسلامية يدرسون السياسة الاقتصادية الأوروبية فيتأثرون بالأفكار الغربية المعاصرة بسرعة، وإنما كان يجب عليهم أن يدرسوا المبادئ الاقتصادية التي يطرحها القرآن الكريم دراسة شاملة عميقة، وأنا على ثقة ويقين بأنهم سيجدون فيها الحلول الناجحة الشاملة لمشاكلهم التي تواجههم في الوقت الحاضر، وأنا أقترح على الأعضاء المسلمين للاتحاد العمالي بلاهور أن يهتموا بهذه القضية، وأنا أتعاطف مع أهدافهم وأغراضهم ولكنني في الوقت نفسه آمل ألا يتخذوا طريقا وألا يختاروا هدفا يعارض التعاليم القرآنية أبدا.
إن إقبال في ختام هذا الرد يوجه نداء للمسلمين لعلهم يدرسون ما عندهم من علاج لقضاياهم الاقتصادية والاجتماعية، وهذا النداء مع طول الزمان والذي انطلق منذ تسعين عام لا يزال قائما ولذلك يمكن اعتباره نداء متجددا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.