(1) لا مستقبل للإلحاد في مجتمع المسلمين. هذه بشرى لكل الملحدين المناضلين في المجتمعات الإسلامية، الذين يحاربون الله ورسوله، (أولئك في الأذلين، كتب الله لأغلبن أن ورسلي، إن الله قوي عزيز). (أولئك حزب الشيطان، ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون). من أماني الملحدين المناضلين الغالية أن يصبح الناس ملحدين على شاكلتهم، يضربون في التيه، يكدحون، تُلههم الفلسفات الفارغة، والنضالاتُ البائسة، والخصومات الفاجرة، حتى تغيّبهم حُفرُ القبور. وصدق الله العظيم القائل، عز وجل: (ودّوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء). هذا ديدن الملحدين المناضلين في كل زمان ومكان؛ يتمنون، بالليل والنهار، أن يروا المؤمنين تائيهن مثلهم في مجاهل الضلالة والغواية والجحود، يكتنفهم الظلام من كل جانب، وليُّهم الشيطانُ والنفس الأمارة بالسوء، ومُلهمُهم الانحباسُ في ضيق الوهم والأماني البهيمية السافلة. ملحدٌ لا يفتأ يجري في ضلاله في كل الاتجاهات، يجتهد، في زعمه، ليبلغ المسلمين ويقنعهم أنهم ليسوا على شيء حتى يتركوا الدين ويعتنقوا اليأس والضياع والظلام كما يفعل هو وأمثاله من الملحدين المنافقين المندسين في المجتمعات الإسلامية، يحاربون الله ورسوله باسم الحقوق والحريات والمرجعيات الكونية، ألا ساء ما يفعلون. هذا الملحدُ المناضل المنافق الجبان لا يني يحدّث نفسَه، وهو مندس بين المسلمين، أن نضاله الإبليسيَّ قد بدأ يؤتي أكله، وأن أوان الحصاد قد آن، فلا مانع إذن أن يتقدم خطوة إلى الأمام في نضاله، الذي تصوره له نفسُه أنه نضال من أجل قيم كونية غالية يجهل قيمتَها المسلمون المؤمنون المتشبثون بقرآنهم وسنة نبيهم عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم. أصف هذا الملحدَ المناضل بأنه منافق، لأنه لا يجرؤ على مواجهة المجتمع المسلم بحقيقة معتقده الفاسد. وأصفه بأنه جبانٌ، لأنه لا شجاعة له على المواجهة، فهو دوما مخاتل مخادع مراوغ. في المغرب المسلم منذ قرون لا يحتاج أحد إلى وسائل الإحصاء وآلات الحساب ونظريات التقدير والتقويم ليثبت أن المغاربة، بالفعل، مسلمون، أبا عن جد، بنسبة تكاد تصل إلى مائة في المائة. أما الأقليات من معتنقي الملل والنحل الأخرى فإن الواقع المعيش يشهد بأنها أقليات صغيرة في حجمها ضعيفة في آثارها في المجتمع، وبسبب ذلك انصهرت، عبر العصور، في المجتمع المسلم وإن بقي أفرادها على معتقداتهم وعاداتهم وأعرافهم لم يمسهم سوء. هل نستطيع أن نميز اليهودي، مثلا، في مجتمعنا إلا إن أعلن عن نفسه في مناسبة أو احتفال أو معرض رسمي؟ وواضح أننا عندما نقول إن المغاربة، في غالبيتهم الساحقة مسلمون، فالمقصود أنهم يدينون بدين الإسلام، بغض النظر عن حقيقة إخلاصهم لمعتقدهم، وعن المستوى الذي وصلوه في الالتزام بأوامر دينهم ونواهيه. المقصود هو الاعتقاد مطلقا، ولهذا نجد أن المجاهرة بالإلحاد، كيفما كانت صورة هذه المجاهرة، هو من السلوكات الممجوجة التي يرفضها الذوق الإسلامي العام في المجتمع. ويمكن أن نقيس على السلوك المجاهر بالإلحاد كلَّ سلوك يخالف ما عليه عامة المسلمين من تعظيم للدين وتوقير لمقدساته واحترام لشعائره وأخلاقه وآدابه. انظر، مثلا، إلى المنحرفين من أبناء المسلمين، الذين تسول لهم أنفسهم الضعيفةُ الخبيثةُ أن ينتهكوا حرمة شهر رمضان المعظم بالإفطار، إنهم لا يستطيعون أن يرتكبوا منكرهم علانية، لأنهم يعرفون أنهم في مجتمع مسلم يرفض المساس بمعتقداته وحرمة مقدساته، ولأنهم يعرفون أيضا أن جرأتهم تلك ليس وراءها اعتقاد راسخ، ولا فلسفة متمكنة، ولا اقتناع معقول، وإنما هو الضعف والطيش والعبث والغواية والضياع، وعسى أن يُكتب لهم الرجوعُ إلى جادة الإيمان في أول منعطف تتكشف لهم فيه الأوهامُ، وتسقط الأقنعة، وينجلي ضباب الشك والحيرة والتطاول على محارم الله. الملحد المناضل، وهو غارق في الضلال والظلام، قد يأتي عليه وقتٌ يتصور فيه أن الناس باتوا جميعا مثله واقعين في أسر الضلال والظلام، فتجده يُنكر أن يكون المغاربة مسلمين بهذه النسبة الكبيرة التي تقترب من مائة في المائة، ويجادل بالجهل والتخمين والافتراضات المتهافتة والمعطيات الملفقة والاستنتاجات الواهية، ليثبت أن الإسلام لا يمكن أن يكون بهذه القوة والكثرة والانتشار، التي يزعمها معتنقوه وأتباعه، وليدعيَ، في النتيجة، أن الإسلام في المجتمع المغربي في انحسار وتقهقر وتراجع أمام القيم الكونية الغازية، وفي مقدمتها قيم الإلحاد والزندقة، وقيمُ الحريات البهيمية، وسائر ما يتعلق بها من أمراض وآفات ومآس وموبقات. يظن الملحد المناضل المنافق الجبان المندسّ بين المسلمين أنه على شيء حينما يتصنّع لغة العقل والمنطق والواقع، وينسى، وهو سادر في ظنونه، أن ما يتصوره، بجهله وغفلته وعناده، عقلا ومنطقا وواقعا إنما هو في حقيقته إفرازاتٌ نفسانية مرضية ناجمة، في أساسها، عن إيغال في أخيلة فاسدة، وجنوح مع النفس في قبائحها المستبشعة، وعبادة للهوى والشيطان. (2) أيها الإسلاميون، لقد آن الأوان أن تكفّوا عن مصانعة الملحدين المناضلين ومهادنتهم ومجاملتهم. إنهم بمثابة البذور الفاسدة التي لا يمكن أن تنبت صلاحا. لقد بالغتهم، أيها الإسلاميون، في ملاينة هؤلاء المنحرفين وملاطفتهم، حتى ظنوا أنكم غُلبتم وسَلمتم خَضعتم. إنهم يظنون، عن جهالة ووقاحة وعمالةٍ وخيانة، أن توسّلهم بخطاب الحريات والحقوق والمدنية والديمقراطية لبثّ سموم الإلحاد والطعن في عقائد المسلمين والتطاول على مقدساتهم، قد يدرأ عنهم التهمَ والشبهات، ويجعلهم في مأمن أن يتعرضوا لمتابعة أو حساب. إن وقاحتهم وسفالتهم قد بلغت درجة لم يبق لوجوههم معها ماء، ولا لأنفسهم ذرة من مروءة أو حياء. إنهم يحدثون أنفسَهم بأنهم باتوا من أهل الرأي والقيادة والتوجيه في المسلمين، ولهذا تجدهم لا يفترون عن إعطاء الدروس للمسلمين في الحرية والديقراطية وحقوق الإنسان، انطلاقا من جحودهم بالله واليوم الآخر، واستنادا إلى طعنهم وإبعادهم واستهزائهم بسنة الرسول، صلى الله عليه وسلم، واعتمادا على ما توحي به لهم أهواؤهم وشياطينُهم. أيها الإسلاميون -ولا أقصد الأفرادَ من الدعاة والكتّاب، وإنما أقصد التنظيمات والجماعات والحركات، التي يمكن أن يكون لفعلها أثرٌ في الناس والمجتمع والرأي العام- لقد أخذتكُم المخاضةُ السياسية بعيدا عن جوهر الدعوة، حتى أصبحتم تخشون أن تُسمّوا الأشياء بأسمائها، وتتحرّجون أن تصفوا الموصوفات على حقيقتها، وحتى بات الملحدُ الصريح الذي يتطاول على ثوابت إسلامكم جهرة لا يستحق عندكم أن يوصف بأنه ملحد كما هو في حقيقة أفكاره وظاهر سلوكاته وصريح عباراته. لقد أخذتكم السياسيّات وما باتت تفرضه عليكم من تلطف في الخطاب، وليونة في المواقف، وتساهل وتسامح مع كثير من مظاهر الانحراف والزندقة والسفاهة والسفالة- لقد أخذتكم السياسياتُ بعيدا عن المعركة الحقيقية، التي تتواجه فيها دعوةُ الحق ودعوةُ الباطل وتتصارعان وتتغالبان. أنا لا أقصد أن الإسلاميين قد فرّطوا وسلّموا وابتعدوا، وإنما أقصد أن واقعَ التدافع السياسي فرض عليهم أن يجتهدوا في اصطناع أسلوب معين في التعامل مع دعوة الإلحاد وما يتعلق بها من خطابات وسلوكات ومشاريع ومقاصد وغايات، مع أن مواجهةَ دعوة الباطل، التي من تجلياتها الإلحادُ المناضلُ، كان ينبغي أن تحتل دائما الصدارة في أولويات الإسلامين فرادى ومُنظَّمين في أحزاب وجماعات وجمعيات. تذكروا ذلك الحدثَ الذي وقع منذ أشهر، حيث ضُبِط ملحدٌ مناضلٌ متلبِّسا، بالصوت والصورة والعبارة الصريحة الحارقة، بالطعن على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ودمغِ رسالة الإسلام بالإرهاب جهلا وافتراء وعدوانا. وتذكروا كيف قامت يومها قيامةُ حزب الشيطان بكل فصائله وألوانه وتياراته، دفاعا عن باطل صريح، وجريمة في حق عقائد المسلمين لا تحتمل التأويل. تذكرّوا أن الباطل دائما يدٌ واحدة على دعوة الإسلام. وأقلّ ما يُطلب من الإسلاميين أن يكونوا هم أيضا يدا واحدة على دعوة الباطلِ المحارب الباغي. لقد مرت بنا، في المغرب، أحداثٌ كان ينبغي أن توحد صفوف الإسلاميين، وتجمع جهودهم، لأنها أحداث تمس جوهر دعوة الإسلام في الصميم، لكنهم تشاغلوا عنها بسبب ما أوجدته الاختلافات السياسية بينهم من خلافات وحزازات وصراعات، فكان من هذا التشاغل أن وُجدَت الظروف المواتية للباطل وأهله لينتشر ويتجرأ ويتنظم ويتطاول ويهاجم. اليوم، وخاصة بعد نجاح حزب العدالة والتنمية بالمرتبة الأولى في انتخابات 25 نونبر2011، وتعيين السيد بنكيران رئيسا للحكومة في يناير 2012، بات لدعوة الباطل صولات وجولات في الساحة من غير أن تجد من يتصدى لها من الإسلاميين-وأذكّر أني أقصد الإسلاميين المنظمين وليس الأشخاص المفردين. لا بد من جبهة إسلامية جامعة للجهود، راصة للصفوف، لمواجهة هذا المد الإلحادي المعادي الآخذ في التفاقم. ولا تصدي ولا مواجهة لهذا العدوان إلا في إطار القانون، ووفق منهج الدعوة الإسلامية، وأساليبها السلمية القوية البليغة. (ولينصرن الله من ينصره، إن الله لقوي عزيز). صدق الله العظيم. وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.