بسم الله الرحمن الرحيم (1) ما كنا لتكون عندنا مشكلةٌ مع ملحدٍ يحتفظ بإلحاده لنفسه، ولا يصر على بثّ ضلاله-حسب معتقدنا الإسلامي- في الناس، والمجاهرة بما يعدّه المؤمنون طعنا في مقدساتهم، وانتهاكا لحرماتهم، وتعدّيا على حقوقهم. أنا ما كنت لأتحدث عن أدونيس الملحدِ-وأقول وأكرّر أني أنعت الرجلَ بما نعَتَ به هو نفسَه؛ فأنا لا أتهمه بالإلحاد، ظنّا وادّعاءً، وإنما هو الذي يصرح بأنه مُلحد، لا يؤمن بدين، وقد بيّنتُ هذا مُوَثّقا من كلامه في مقالاتي عن "الوجه الآخر لأدونيس"- قلت ما كنت لأتحدث عن أدونيس الملحد لولا حضورُ إلحاده في كل كتاباته، صريحا أو بين السطور، في صورة أباطيل وافتراءات ومزاعمَ وتشكيكاتٍ وتشويهات وتلبيسات وغيرها من أشكال الدّسّ، الخفيِّ والظاهر، والطعنِ الغادر، والجحودِ المارق، التي لا أشك أن أدونيس قد بلغ في البراعة في إتقانها الذروةَ التي ما بعدها مزيد. إن الذي أعرفه، من كتابات أدونيس وتصريحاته ومقالاته، أن الرجلَ لم يقل كلمةَ خيرٍ واحدة فيها إنصافٌ للإسلام ورموزه ومقدساته، وفيها احترام للمسلمين وتراثهم وتاريخهم. بل الذي نقرأه في كل ما كَتب، طولا وعرضا، إنما يصب في اتجاه الطعن والافتراء والتخليط والتغليط والتدليس، وما إلى هذه من أنواع الباطل وأشكال الكذب. وإنْ ظهر منه في بعض الكتابات والمناسبات ما يوهم باحترامه أو تحفّظه أو تأدّبه في الحديث عن الإسلام، فإن ذلك يؤكد ما قلته، لأن المنافق حينما يجد نفسه في ضيق تحاصره الاتهاماتُ والشبهاتُ والإداناتُ، فإنه يجتهد للبحث عن مخرج ولو على حساب ما يعتقده. أدونيس هذا هو الذي لا يبرح يفتخر بأنه يسير على هدْي شيخِه في الإلحاد الحديث(فريدريك نيتشه)(1844-1900)؛ فاللهُ-نقول نحن المسلمين: عزّ اللهُ، وجلَّ اللهُ، وتنزَّه اللهُ، وتعالى اللهُ عما يقول الكافرون الظالمون علوا كبيرا. ولْيحتَرٍق الملحدون مِنَ الغَيْض- اللهُ عند هؤلاء الملحدين قد مات، وليس هناك من إله غير الإنسان. ولهذا، نجد الملحدين من المفكرين والأدباء والفنانين يُمعنون في انتهاك اسمِ الجلالة وما يتعلق به من رموز ومقدسات، في السلوكات والمعتقدات. نقرأ من(مفرد بصيغة الجمع) قولَ أدونيس: "لا الله أختار، ولا الشيطان كلاهما جدار كلاهما يغلق لي عينيّ- هل أبدل الجدار بالجدار وحيرتي حيرة من يضيء حيرة من يعرف كل شيء..." وقولَه: "أحرق ميراثي، أقول أرضي بكر، ولا قبور في شبابي. أعبر فوق الله والشيطان دربي أنا أبعد من دروب الإله والشيطان." وقولَه: "خرج العاشق إلى عشيقته يجامعها للمرة الأولى يتقدمه إله يهيء السرير ترافقه إلهة تفك زنارها..." أين هو الشعر في مثل هذا الكلام، إلا أن يكون الشعرُ هو الجرأة على المقدسات، وحكايةَ تفاهات المُلحدين، والتعبيرَ باللفظ السوقيّ الفاحش؟ وتحت عنوان "نوح الجديد" في (أغاني مهيار الدمشقي) نقرأ له عبارات من مثل: "لم أحفل بقول الإله... "ولا نصغي لقول الإله... "ولا نصغي لذاك الإله... "تقنا إلى ربّ جديد سواه...". ويقول، من المرجع نفسه، تحت عنوان "الإله الميت": "اليوم حرقت سراب السبت سراب الجمعة اليوم طرحت قناع البيت وبدلت إله الحجر الأعمى وإله الأيام السبعة بإله ميت." وتحت عنوان "مات إله..." من (أغاني مهيار الدمشقي) نقرأ: "مات إله كان من هناك يهبط من جمجمة السماء لربما في الذعر والهلاك في اليأس في المتاه يصعد من أعماقي الإلهْ؛ لربما، فالأرض لي سرير وزوجة والعالم انحناءْ." ونقرأ من (هذا هو اسمي): "هكذا أحببت خيمة وجعلت الرمل في أهدابها شجرا يمطر والصحراء غيمه ورأيت الله كالشحاذ في أرض عليّ وأكلت الشمس في أرض عليّ وخبزت المئذنة." مع هذه الزندقة الفاقعة التي تؤذي الآذان والعيون والقلوب، في هذه الأمثلة التي سقتها، وفي شبيهاتها الكثيرة التي لم أذكرها، نجد في الناس من يُصرّ، بكل ما أوتي من علم وفهم وتأويل و"جبْهة"، على أن كلام أدونيس هذا هو من الشعر الحداثيّ الجميل العظيم، الذي لا يفهمه إلا الآحاد من عباقرة هذا الزمان، والذي لا يُفضي بأسراره إلا إلى الحذاق من أهل الذوق والصناعة، والذي لا يمكن أن يفهم دررَه أمثالي من القرّاء الذين يجرون، في قراءتهم، وراء طلبِ الفكرة والمتعة السهلة بأقل التكاليف، من غير أن يتحملوا مشقّة الغوص والتأمل والذهاب بعيدا في الفكر والخيال والتصوير!! أصحابُ مثل هذا المذهب العجيب في فهم الكلامِ وتحليل الخطاب يُسمونهم، بالاصطلاح السائد، نقادا، وكثيرٌ منهم، في رأيي، يمكن أن يكونوا أيَّ شيء، إلا أن يكونوا نقادا؛ فعندما يُستباح الحمى، وتختلط المُسمَّيَات، ويصبح أيٌّ كان حرا أن يقول أيّا كان، فلا عجبَ أن يجد أدونيس في الناس من يَرفع ترّهاته وسفسافَ كلامه، عن رأيٍ واجتهاد أو عن إمّعية وادعاء، إلى ذُرَا الإبداع والجمال. أيُّ شِعْر في هذا الكلام الذي يَعرِض الوقيعةَ في ذات الله-عز اللهُ وجلَّ وتعالى- بكل صفاقة ووقاحة؟ ماذا نقرأ في الأمثلة التي سقتها من نصوص أدونيس غيرَ الزندقة الكاشفة عن وجهها الكالح من غير تزويق ولا مساحيق؟ ماذا نقرأ، غيرَ الركاكة والسفالة والهرطقة الفاجرة، في نص عبد الله العذري التالي، الذي أَعْجَبَ أدونيس فاختارَ أن ينشرَه في مجلته (مواقف)(عدد46، خريف1983): "قُبض على الله "فيما كان يسرق رغيفا "في شوارع مكة "قال شرطي: "هل سنقطع يده؟" "قال آخر: "ليس منا" "صرخ الرئيس: "قلنا لك ألا تعود !" "قال الله: "الكرسي الذي تجلس عليه كان لي."؟ فبأيِّ مقياس، وبأيّ ذوق، وعلى أيّ أساس من أسس قراءةِ الشعر ونقدِه وتقويمِه، اعتَبر أدونيس كلامَ العذري شعرا يستحق أن يُنشر في الناس؟ هل هذا هو الشعرُ الذي يُطلبُ إلينا أن نقرأه ونتذوّقه وننْقُده بمعزل عن معتقداتنا الدينية؟ هل هذا هو الأدب الذي يُفرض علينا أن نحكم عليه بمقاييس الفن، ولا شيء غير مقاييس الفن؟ "الدين بمعزل عن الشعر"-كما قرّر نقادُ الشعر منذ قرون، كقدامة بن جعفر في (نقد الشعر)، والقاضي الجرجاني في (الوساطة بين المتنبي وخصومه)، وأبي بكر الصولي في (أخبار أبي تمام)، قبل أن تنبُتَ نابتةُ الحداثيين الملحدين- "الدين بمعزل عن الشعر"حينما يلزَم حدودَه، لا يتعداها إلى تجريح المعتقدات، وانتهاك المقدسات؛ قال أبو منصور الثعالبي في (يتيمة الدهر)(ج1/ص169-170)، بعد أن أكد "أن الديانة ليست عياراً على الشعراء، ولا سوء الاعتقاد سبباً لتأخير الشاعر": "ولكن للإسلام حقُّه من الإجلال الذي لا يسوغ الإخلال به قولاً وفعلاً ونظماً ونثراً، ومَن استهان بأمره، ولم يضع ذكره وذكرَ ما يتعلق به في موضع استحقاقه، فقد باء بغضب من الله تعالى، وتعرَّض لمقته في وقته...". وهاك، أخي القارئ المسلم، الغيور على مقدّسات دينِه، مثالا آخرَ من هذه المنكرات التي يُسوّغ الملاحدةُ نشرَها وفرضَها على المسلمين باسم الشعر، والشعرُ بريء منهم ومن منكراتهم القذرة، إن كانوا يشعرون؛ فقد نَشَر (إسلام سمحان)[تأملْ في ألفاظ هذا الاسم!]، وهو صحافي أدرنيّ، وواحد من عُبّاد أدونيس المسحورين، كلاما-ولا أقول ديوانا- بعنوان (برشاقة الظل). وقد صرح سمحان بأنه عرَض عملَه هذا، قبل نشره، على أدونيس ودرويش، فنال رضاهما. ونظرا لما تضمّنه كلامُ هذا الصحافي المنشور باسم الشعر من عدوان على حرمات الدين، والإساءة إلى مشاعر المسلمين، فقد جرت محاكمةُ هذا التلميذ المجترئ بتهمة الإساءة إلى الإسلام والقرآن، وتم الحكم عليه سنة2009 بسنة سجنا وغرامة مالية. الشاهد عندنا أننا نقرأ من هذا الكلام السخيف البذيء الركيك الذي أَعْجَب القدّيسَ أدونيس فرضِيَ عن قائله، وبارك نشرَه، عباراتٍ مثل: "رصيف البار ليس له كفؤا أحد" "وأسمع طقطقة الرغبة العمياء "حبيباتي يأكلنني في العتمة بلا ملح "ويشربن الرائب الطالع من عيني "علّمي الملائكة اسمك "يمر قطيع من الساجدين على قدميك "الشفة السفلى أبهى من وجه إله يرفل بالحكمة..." "النبي يقرأ فنجان السماء "فنجان القهوة تقرأه نساء النبي..." "شرشف واحد حجب الرؤية واستفز الإله" "كلما مسني أرق، أخرّ ساجدا على نعمة العرق "كأس فودكا أخف من جناح بعوضة..." وليس عندي تعليق على هذا الهُراءُ الحداثيّ الذي يتلهَّى به ذراريّ أدونيس وهم في سِنِي الرضاعِ والحبْو!! (2) أيها القارئ الكريم، الملحدون المناضلون المندسّون اليوم في المجتمعات الإسلامية، لا يتركون مناسبةً تمر من غير أن يكون منهم، وبأسلوب من أساليبهم المُنافقة المراوغة المُدلِّسة الجبانةِ، طعنٌ في أصل من أصول الدين، أو تشكيكٌ أو غمزٌ ولمزٌ واستهزاء. وهم يستحِلّون جميلَ الوسائل لبلوغ أهدافهم، وخاصة في وقتنا المعاصر، حيث يجدون في لافتاتِ الحريات الفردية وحقوقِ الإنسان قناعا يُخفون به وجوههم الحقيقيةَ، وإن كانوا معروفين بين الناس بمقالاتهم المتميزة بلحون القول، وبأساليب المغالطة والتزوير والتلفيق، فضلا عن وقاحتهم و"جبهتهم" في المواجهة والمحاورة والمناظرة. ومن الصفاتِ الغالبة على ملاحدة هذا الزمان، الذين يعيشون بين ظَهْرَانَيْ المسلمين، أنهم منافقون وجبناء؛ فقد يُضبط الواحدُ منهم متلبّسا بإلحاده، في قول أو سلوك، لكنه سرعان ما يعتنق الإنكارَ، ويزعم أن الناسَ قد أخطأوا في فهم مقصوده، وأنه أراد غيرَ المعنى الذي فهموه، وأنه ضحيةُ قراءةٍ رجعيّة غير متنورة، وتأويلاتٍ متشددة متزمتة، تقف عند الظواهر والسطوح ولا تجرؤ على الذهاب بعيدا في البواطن والأعماق، ثُمَّ سرعان ما تقوم قيامةُ جوقته من المؤدين والأنصار، في مختلف المنابر والهيئات والتنظيمات، داعين على "المتطرفين" و"الإرهابيين" و"التكفيريين" بالويل والثبور، باكين بدموع التماسيح الغزار، صائحين في مَناحة وجلبَة وضوضاء، مُولْوِلِين ونادِبِين: واحريّتاه! واحُقُوقاه! واإبلِيسَاه! وأدونيس واحدٌ من هؤلاء؛ فهو حينما يكون أمام جمهور في بلادٍ إسلامية-وقد حصل هذا مرات عديدة- فإنه يحاول دائما ألا يقرأ مما يسميه "شعرا" إلا ما كان سالما من معاني الإلحاد الواضحة الفاضحة، وإلا ما كان خاليا من المفردات الجارحة الطاعنة المستهزئة بأصول الدين وشرائعه وسائر رموزه ومقدساته. كما يتفادى أن يُسْتَدرج إلى النقاشات العَقَديّة المباشرة، بل يتعمَّدُ، وهو يستشعر أنه محمِيٌّ وسط حوارييه وعُبّادِه، من المسحورين والمُخدَّرين والانتهازيين، ومَن هم مِنَ الحاضرين على آثار قِدّيسهم مُقتدون- يتعمّدُ أن يتكلم فيما يُحبّ هو، وأن يجيبَ عن التساؤلات التي يختارُها هو، وأن يُنهيَ النقاش في الوقت وبالطريقة التي يحدّدها هو؛ وإن كان هناك ظرفٌ استثنائيٌّ، وأحسَّ المنافقُ الجبانُ أن الخناقَ يضيق عليه وأنه مفضوحٌ لا محالة، فإنه يُراهن، عندئذ، على أسلوب المراوغة لكسبِ الوقت، حتى يصلَ إلى نهاية اللقاء سالما. هذا هو ديدنُ الملحدين الذين يعيشون وسط المسلمين في كل زمان ومكان. وقد تجد الملحدَ أدونيس في بعض المناسبات التي يشتَدّ فيها الخناقُ عليه، وهو يواجه سهاما من الانتقادات والتساؤلات والاتهامات تتعلق بهرطقاته ومقالاته الإلحادية- تجدُه يهرب، في وقاحة سافرة، إلى تحدّي منتقديه أن يأتوه بدليل واحد على ما يدّعون، والحالُ أن كلامَه كلَّه دليل. فاعْجَبْ معي، سيدي القارئ الكريم، ل"جبهة" هؤلاء الملحدين المناضلين ووقاحتهم وجراءتهم!. وبعد، أيها المسلمُ المُعجَبُ بأدونيس، هذا دينُك يطعَن فيه ملحدٌ لن يهنأ له بالٌ حتى يراك شقيا في الضلال والتيه والعمايَة. هذا نبيُّك محمد، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، يَقَع في عِرضه وينتهك حرمةَ بيته الطاهرِ زنديقٌ، مُظلمُ القلب، فاجرُ اللسان، لا يرضى شيطانُه بأقلَّ من رؤيتك تتردّى في مهاوي الضَّنْك والفتنة والجحود. هذه ثوابتُ إسلامِك يُشكّك فيها، بل يجحَد بها أفّاكٌ أثيم. وهذه فرائضُ دينك وسننُه وأخلاقُه وآدابُه يحتقرها ويسخر منها كذّابٌ مُبير، لا يَني ينافقُ ويراوغ ويخاتل ويغالط، في سبيل زرع البلبلة، وتوطين الشكّ، ومناصرةِ الوسواس الخنّاس الذي يُوسوس في صدور الناس. يا سيدي القارئ المسلم-ولا كلامَ عندي هنا لغيرِ القارئ المسلم- أدونيس هذا الذي وجَدْتَ نفسَك في يوم من الأيام معجبا به، أو ناظرا إليه، على الأقل، نظرةً عادية على أنه من أدباء العربية في العصر الحديث، له حسناتُه وله كبواته- أدونيس هذا هو الذي يكتب صُراحا بَراحا بأنه مُلحدٌ لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر، وأنه لا يحتفظ بإلحاده لنفسه، وإنما هو ساعٍ، بالليل والنهار، ومجتهدٌ، في كل أحواله وحتى آخر رمقٍ، من أجل أن يبثَّ في المسلمين أن طريقَهم الوحيد إلى الانعتاق إنما هو في المروق من الدين والارتماءِ في أحضان العماية والضلال. فهل يمكن أن تنتظرَ، يا سيدي، من ملحد مناضلٍ من طينة أدونيس أن يقول خيرا عن الإسلام؟ أأنتَ تطمع، أخي القارئ المسلم، أن يتوبَ إبليس؟ وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.