بسم الله الرحمن الرحيم (1) هذه رسالة مختصرة إلى كل الغيورين على إسلامهم، ونبيهم، صلى الله عليه وسلم، وقرآنهم، وسائر مقدسات دينهم. هذه كلمة إلى المسلمين المعجَبين بأدونيس، ومنهم أساتذةٌ وباحثون وأدباء ونقادٌ ومفكرون وأصحابُ رأي وشأنٍ ومكانة في مجتمعهم وبين أقرانهم. هذه تذكرةٌ لكل مسلم يستشعر بين جوانحه حرمةً وقداسة لدينه، وينطوي في قلبه على محبة وتعظيم لنبيّه، صلى الله عليه وسلم، لكنه منخدع باسم الأدب والشعر، وما ثَمَّةَ، في الحقيقة، شعرٌ ولا أدب، وإنما هي لافتاتٌ وأقنعةٌ ومظاهرُ خادعةٌ كاذبة، تنشَط من ورائها الإديولوجيةُ الإلحادية المناضلة، من أجل أن يكون للإلحاد والزندقة سلطانٌ في المجتمع الإسلامي، وكذلك من أجل فرض التطبيع مع الكفر والجحود على ناشئة المسلمين، وخاصة على الشباب المُتعلِّمِ، المسحور بالإعلام العصري الجبار، المُخدَّر بخطابات الحرية والحقوق والتسامح، المجرورِ بالتيار الحداثي الهادر العارم الجارف إلى حضيض اللادينية، ووهدة الاستلاب والضياع والإمّعية. هذه كلمةٌ صريحة وقوية لن تُعجب اللادينيّين بكل فصائلهم وتياراتهم، وفي مقدمتهم تيارُ الإلحاد المناضل، الذي بات له اليوم رِكْزٌ مسموع بين المسلمين، وأصحابُه، في أضعف مطالبهم وأهدافهم، لا يقنعون بأقلَّ من حشر الدين في الهوامش المنسية والأركان المظلمة. الملحدون الذين سيطلعون على مقالتي هاته، ستأخذهم العزة بالإثم، ومنهم من سيعمِد إلى رمْي المقالة وصاحبها-كما فعلوا مع مقالات لي سابقة- بكل ما تقع عليه نفوسُهم المريضة، وقلوبُهم القاسية، وأخلاقُهم السافلة، وضمائرهم الخربة، من أباطيل وافتراءات وتلفيقات وشتائم. لا يهم، فالمقصود هو أن تنكشفَ طوايا الملحدين الظالمين المندسّين وسط المسلمين، السائرين في الناس بالخطابات المسمومة والعقائد الفاسدة والإديولوجيات القاتلة الحالقة، مُتستِّرين بلافتات الحداثة والحقوق والحريات. المهم أن ينفضحَ أمرُهم، ويظهروا لعامة المسلمين بوجوههم الحقيقية بلا أقعنة ولا ماكِيَاج. كلمتي، في هذه المقالة، رأيٌ من الآراء، وموقف من المواقف، كما أن لأدونيس وتلامذته وحوارييه من الملاحدة والجاحدين أراء ومواقفَ واجتهاداتٍ. كلمةٌ يقبلها الناس أو يرفضونها، بلا إكراه ولا إرهاب ولا تهديد. كلمةٌ قابلةٌ للنقد والنقض، لكن بالشروط والقواعد والأخلاق المحمودة المتعارف عليها، التي تحوّلُ النقدَ والنقاش إلى مائدة غنية يستفيد منها الناس، كلٌّ بحسب حاجته واستعداده واشتهائه، وقدرتِه على المضغ والسّوْغ والهضم. هذه كلمتي إلى أبناء المسلمين وبناتهم. أما الملحدون الماضون على جحودهم وعنادهم ومحاربتهم لعقائد المسلمين واستهزائهم بمقدساتهم، فلا كلام معهم. (2) أيها القارئ الكريم، تصوَّرْ نفسَك-وأنت المسلمُ المعتز بإسلامه عند نفسه- جالسا في قاعة أمام أدونيس، وهو يقرأ شيئا من تجاربه التي يفرضها هو على قارئيه وسامعيه على أنها "شعر"، والتي يتناولها النقادُ التابعون والمحتالون والمسترزقون والباحثون عن حيثية أو شهادة أو شهرة، ويبثّونها في الناس على أنها من جواهر "الشعر الحداثي" من "شاعر" متربع على قمة الإبداع الحداثي- تصوّرْ نفسَك، أيها القارئ المسلم، في قاعة تستمع إلى أدونيس، وتذكّرْ أن هذا الذي تستمع إليه هو نفسُه الذي يُصر على عدم الفصل، في شخصه ووعيه ورؤيته، بين تجاربِه التي يُسمّيها شعرا وبين أفكارِه وآرائه واجتهاداته ونقدِه في مضمار الكتابة والتنظير. تذكّرْ أن أدونيس الذي تجلس مستمعا إليه بصفته "شاعرا"، وقد يغمُرُك الانتشاءُ فتجد نفسَك تصفّقُ له مع المصفِّقين، هو نفسه أدونيس الذي يكتب ويحاضر وينتقد ويُنظّر، إلى درجة أن كتاباتِه النظريةَ الفكريةَ الإديولوجية المنشورة تزيد، في حجمها، على تجاربه الأدبية، وهذا ما لا يعرفه كثيرٌ من الأتباع المسحورين، والمعجَبين المنبهِرين المُخَدَّرين، لأن الإعلام الحداثيَّ الجبّارَ فرَض على الناس ألا يعرفوا إلا أدونيس الشاعرَ الحداثيَّ الكبير، وألا يعرفوا شيئا عن أدونيس المفكر المُنظر الملحدِ المقاتل في سبيل فرض إلحادِه وانتصار إديولوجيته، وبالتحديد في المجتمعات العربية الإسلامية. تذكّرْ أن أدونيس هذا الذي يَنْصِب على قرّاء العربية باسم الشعر هو الذي يعتقد أن الدين، في أصله، هو من اختراع البشر، وأن القرآن ليس وحيا من الله، وأن حقائقَ الوحي إنما هي من صناعة المؤرخين المسلمين، وأن الدين-والإسلامُ هو المقصود دائما- لا يمكن أن يأتيَ منه خيرٌ ولا نفع للناس، وأن جميع الشرور والمآسي التي عانتها، وتعانيها، الأمةُ العربية الإسلامية، إنما مصدرُها من الإسلام، وأن خَلاصَنا وثورتَنا الحقيقية إنها هي في التخلص من الدين، اعتقادا وسلوكا وشريعة وأحكاما، وهدمِ جميع مؤسساتِه ومناراتِه ومنابره وسائرِ مظاهرِ تجلياته في حياة الناس، إلا ما أُضمرته القلوبُ وسترته الخواطرُ وانطوت عليه الصدور. تذكّرْ، أيها القارئ الكريم، أن أدونيس هذا الذي يسوّقُه الإعلامُ الحداثيُّ المهيمنُ للمسلمين على أنه الشاعر العربي الكبير المرشحُ، باسم العرب، لجائزة (نوبل) العالمية، هو الذي يُؤْمن بأن الإسلام لا يمكن أن يأتيَ منه فنٌّ جميل وأدب بديع، وأنه هو أصلُ الاتباع وعدوُ الحداثة والإبداع، وأن الحداثة والإبداع لم يعرفا الطريقَ إلى العربية حتى نبتت نابتةُ الإلحاد، وحتى هجر الأدباءُ الإسلامَ، وحتى تجرأ الزنادقةُ على عقائد الدين وشرائعه، وحتى أباح الجاحدون الوقيعةَ والاستهزاءَ بمقدسات الإسلام، وحتّى أصبح حمى الأخلاق والآداب العامة مستباحا يجري فيه بالدناءة والسفالة والفاحشة المعلنة كلُّ سافل وحقير لا يردعه رادع من دين أو خلق أو حياء. تذكّرْ، أيها القارئ المسلمُ، أن أدونيس هذا الذي يُستدْعَى لقراءة ما يسميه "شعرا"، هو الذي تطاول على جميع حرمات الإسلام، بل تجاوز كلَّ حدّ في هذا التطاول حينما امتدّ، بدنسه وخبثه وتشكيكه واستهزائه، إلى الرسول، صلى الله عليه وسلم، وإلى حرمات بيته الطاهر، وشكّكَ فيما أوحاه الله تعالى لنبيه بخصوص "قصة الإفك" المشهورة، وأطلقَ العنان لخياله المريض مستهزئا بالله وبرسوله، وطاعنا في طهارة آل بيت رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله، في تصريحاتٍ تفيض من الكفر والجحود، ومقالات إبليسية عدوانية لا تضبطها حدود، ولا يحجزها عن المنكر عفةٌ ولا ضمير. تذكّر أن أدونيس هذا الذي يفرضه علينا اللادينيّون صنما معبودا، وقبلةً حداثيةً مقدسَةً، هو الذي قضّى كلَّ عمره الفكري التنظيري الكتابي في محاربة الله ورسوله، وفي الافتراء على الإسلام وتاريخه، وفي اختلاق الأباطيل على أعلام الأمة وعلمائها ورجالاتها من مختلف العلوم والتخصصات ما داموا ينافحون عن التوحيد، ويقفون بالمرصاد لطواغيت الزندقة وفلاسفة الإلحاد وأبالسة الفكر. أدونيس هذا هو الذي قرّر أننا "إذا شبهنا التاريخ العربي ببيت، فإن الشرع فيه كان يشكل جدرانَه وأبوابه ونوافذه، ولا تشكل الحياةُ الحرة، المتسائلة، الطامحة، إلا ثقبا لا تكاد تتسع لكي يدخل منها الضوء". وأدونيس هذا هو الذي يقرر أيضا أن "كل تغيير يَفترض الانطلاق من الإيمان بأن أصل الثقافة العربي ليس واحدا، بل كثير، وبأن هذا الأصل لا يحمل في ذاته حيوية التجاوز المستمر إلا إذا تخلص من المبنى التقليدي الاتباعي، بحيث يصبح الدين تجربة شخصية محضة." وهو الذي يصرح بكل وضوح أن "كل ما هو موجود بالوراثة، بالتقليد، بالعادة، يجب أن يُعاد النظر فيه، أن يُرفضَ. هذه طريقنا...الوراثة، التقليد، العادة؟ يا لهذه المستنقعات المقدسة...". في جملة، أدونيس هذا الذي يستدعيه المسلمون ليُحاضر في جامعاتهم هو الذي يُقرر "أن الخطوة الأولى في تحرير الإنسان، كما يرى الإلحاد، هي في تحريره من الدين". اِقرأْ بعضَ التفصيلات عن هذه المنكرات الأدونيسية، وانظرْ إلى بعض ملامح هذا "الوجه الآخر لأدونيس" مُوثقَةً بالنصوص والمقالات والتصريحات الواضحات، وأسماءِ المراجع والصفحات والتواريخ في المقالات السبع التي كتبتها في الموضوع، وهي منشورة ومتاحة على الروابط التالية: المقالة الأولى: http://hespress.com/writers/34942.html المقالة الثانية: http://hespress.com/writers/35218.html المقالة الثالثة: http://hespress.com/permalink/35528.html المقالة الرابعة: http://hespress.com/writers/35926.html المقالة الخامسة: http://hespress.com/permalink/36223.html المقالة السادسة: http://hespress.com/writers/36636.html المقالة السابعة: http://hespress.com/writers/36960.html واقرأْ بعض ملامح هذا الوجه أيضا في مقالة عن "بنت أدونيس في معرض الكتاب بالدار البيضاء" على الرابط التالي: http://www.aljamaa.net/ar/document/7884.shtml (3) أدونيس الملحد المناضلُ، الذي يُفرَض علينا ألا نراه إلا في صورة الشاعر الحداثي المبدع، هو الذي يعتقد اعتقادا جازما وراسخا أن الشاعر العربي الحديث لن يتأهل للقبول في النادي الحداثي العالمي حتى يمتلك الحرية المطلقة للتعبير عن إلحاده، والمجاهرةِ بطعنه على المقدسات الدينية. يقول أدونيس: "كلُّنا يعرف من هو المسيح، ولعلنا نعرف جميعا كيف خاطبه (رامبو): يا لصا أزليا يسلب البشر نشاطهم...". (رامبو) هو واحد من الأوثان الحداثية الفرنسية التي يعبدها أدونيس وأمثالُه من الحداثيين الملحدين. وقول أدونيس السابق يعني أن الشاعر العربي لن يكون حداثيا على الحقيقة حتى يكون قادرا على تناول الرسول، صلى الله عليه وسلم، بالطعن والشتم والانتقاص، كما فعل رامبو حينما نادى المسيح عليه السلام بوصفه "لصا أزليا". قال أدونيس: "حينما تصل جرأةُ الإبداع العربي إلى هذا المستوى[يريد سبّ الرسول، صلى الله عليه وسلم]، أيْ حين تزول كلُّ رقابة، يبدأ الأدب العربي سيرَته الخالقة المُغيِّرَة، البادئةَ المُعيدة".(فاتحة لنهايات القرن، ص148) أدونيس هذا الذي ليس عنده أدنى اعتبارٍ لمقدسات المسلمين، ولو من باب التأدب والمجاملة، واستنادا إلى مُسلَّمَته الإلحادية التي ترى أن الإلحادَ كان أولَ شكل للحداثة في تاريخنا العربي الإسلامي، يقرر في جرأة لا نظيرَ لها في الافتراء على الناس والتاريخ، أن كبارَ شعراء العربية، كأبي نواس وأبي تمام، وأبي الطيب المتنبي، وأبي العلاء المعري، كانوا ملحدين، لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر، لكنهم كانوا لا يُصرحون بذلك. تأملْ هذه الوقاحةَ في الجحود بحقائق التاريخ المعروفة، وهذا التطاولَ على الحكم على عقائد الناس بهواه، وكأنه قد شقَّ عن قلوبهم واطلع على مكنونات ضمائرهم. اقرأ معي، أيها القارئ الكريم، هذا المنكرَ من القول، الذي يُفرَض علينا أن نقبَله على أنه "شعر" من "شاعر" كبير: "يفتي الفقهاء يصلب الشلمغاني ويحرق يكون من مذهبه: أ- الله يحل في كل شيء ب- خلق الضد ليدل على المضدود حل في آدم وفي إبليس ج- الضد أقرب إلى الشيء من شبيهه د- الله في كل أحد بالخاطر الذي يخطر بقلبه ه- الله اسم لمعنى و- من احتاج الناس إليه فهو إله لهذا المعنى يستوجب كل أحد أن يُسمّى إلها ز- ملاك من ملك نفسه وعرف الحق ويقول الشلمغاني اتركوا الصلاة والصيام وبقية العبادات لا تتناكحوا بعقد أبيحوا الفروج للإنسان أن يجامع من يشاء ويقول الشلمغاني اقرأوا كتابي- الحاسة السادسة في إبطال الشرائع الجنة أن تعرفوني النار أن تجهلوني." انتهى هذا الكلام المرذول لأدونيس في (مفرد بصيغة الجمع). والشّلمغَانيُّ هو محمد بن علي، قيل صُلب سنة 332ه بسبب إلحاده وزندقته. يا عباد الله، ماذا تجدون في مثلِ هذه الوقاحات المنقولة حتى تستحقَّ أن تُسمَّى شعرا، وحتى يُفرَض علينا أن نقرأها أو نسمعها، بل أن نستمتع بسماعها وننتشيَ ونهتزّ ونطير في السموات العلا؟!! كلام نثري تقريري في غاية البرودة والإسفاف يحكي مقالاتِ مُلحد نكِرة، ثُمَّ يُفرض على المسلمين أن يقبلوه على أنه شعر بِزِّيزَى، أي قَسْرا وإرهابا، وإلا فهم أعداء الفن والإبداع والحداثة!! ومن المرجع نفسه، نقرأ: "رقعة من شمس بهلول "... يبيح الأموال والفروج/ يجمع النساء ويخلطهن بالرجال حتى يتراكبوا- هذا من صحة الود والإلف/أطفئوا المصابيح تناهبوا النساء/أطفئن المصابيح تناهبن الرجال..."" أيها القارئ المسلم، هل قرأت شيئا من الكلام أسخف من هذا الكلام وأحطّ وأفحش؟ إنه يُنشَر على أنه شعر، وهو، في تفاهته ورداءته ونابيته، يساوي الكلام العامي السوقي إن لم يكن أتفه، بل من العوام من يتورع، في سوقيته وجلافته، أن يتطاول على المسلمين ومقدساته نهارا جهارا، كما يفعل أدونيس وأمثالُه ممن باتوا يَنصِبُون على الناس باسم الأدب والفن والفكر، ويفرضون عليهم أن يستهلكوا بضاعة فاسدة لا تساوي سنتيما. تتمة الكلام في المقالة القادمة، إن شاء الله. وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.