(1) لقد بلغ أدونيس الحدَّ الأقصى في إلحاده وجَرِاءَتِه على مقدّسات الإسلام والمسلمين حينما سوّلت له نفسُه أن يتطاولَ على بيت الرسول، صلى الله عيه وسلم، وعلى أزواجِه الطاهرات أمهاتِ المؤمنين، عليهن أفضلُ الصلاة وأزكى التسليم. وقد تحدثَ، في كتاب (نظرة أورفي) بالتحديد، بأحاديثَ طويلةٍ عن بيت النبوة، كلُّها همزٌ ولمْزٌ وتجريحٌ واستهزاء، بل تجاوزَ ذلك للحكم على مشاعر الرسول، صلى الله عليه وسلم، وحشْرِ أنفِه في علاقته، صلى الله عليه وسلم، الحميمية بأزواجه، والانتهاءِ إلى أحكام غايةٍ في السفالة والوقاحة والدناءة، ما أظنّ-حسب علمي طبعا- أن أحدا غيرَه في تاريخ الإسلام، وفي سِيَر الملحدين، والفاسقين، والمجرمين الظالمين، والحاقدين الكارهين للرسول وآله، صلواتُ الله وسلامُه عليهم، قد تجرّأ على مثلِها، أو حتى التفكير فيها. مِنْ ذلك أن (حورية عبد الواحد) قالت له، وهي تحاوره: "يُقال كلام ٌ كثيرٌ عن حبّ محمد[أقول: صلى الله عليه وسلم] للنساء، وخاصة لزوجه عائشة[رضي الله عنها]"(نظرة أورفي،217). فأجابها أدونيس ب"أن المؤرخين ينوّهون بحبّ محمد[صلى الله عليه وسلم] لعائشة[رضي الله عنها]، لكن، ماذا يقصدون بالحبّ؟ وما هو مقياسُهم للحديث عن هذا الحبّ؟ وعلى أيِّ أساس يستندون ليثبتوا هذه المستوياتِ (أو المراتب) في الحب؟(نفسه) ثم تقول (حورية عبد الواحد): "يُروَى أن الرسول[صلى الله عليه وسلم] كان يحب أن يكون مع عائشة[رضي الله عنها]. وكان يقع له، في بعض الأحيان أن يطلب إلى أزواجه الأخريات أن يتنازلن عن حقهن(أو ليلتهن) لعائشة. ويُحكَى، أيضا، أنه[صلى الله عليه وسلم] تُوُفّي في حِضْنِها."(نفسه) فيجيبها أدونيس بقوله: "لا، إن الأمر يتعلق بشهوة جنسية أكثر من تعلقه بحبّ حقيقي. لقد كان يشتهيها لأنها كانت شابة وجميلة. وإن كان محمد[صلى الله عليه وسلم] قد أحبَّ فعلا، فإن هذا الحبَّ قد انتهى مع خديجة[رضي الله عنها]. أما أنا، فأشك أنه قد أحبّ عائشة حقا."(نفسه) لاحظْ وقاحةَ هذا الملحد وجرأتَه على الكلام حتى فيما يخص مشاعر الرسول، صلى الله عليه وسلم ومكنوناتِ قلبه. الرفضُ هو رأسُ مال الملحدِ، الذي لا ينفد، به يبدأ، وإليه ينتهي. فهو يرفضُ أمرا ما عنده رائحةُ علم به، ويؤكد شيئا ما عنده عليه ولو ذرّة دليل. بأي حقّ، وبأيّ علْم، وبأيّ ذوق، وبأيّ أدب وأخلاق، أجازَ هذا الإنسانُ لنفسه أن يتكلمَ في خصوصيات رسول الله القلبية والعاطفية؟ أقرَأتمْ مثلَ هذا الكلام، ومثلَ هذه الأحكام على عواطف الرسول، صلى الله عليه وسلم، من قبل؟ أما أنا، فأعترف أني لم أقرأْ، عند أحدٍ من قبل، مثلَ هذه المُنكرات الغارقة في المعاصي والمخازي والآثام. والراجعُ إلى حوارات أدونيس مع (حورية عبد الواحد) في كتاب (نظرة أورفي)، وخاصة في الفصلين "المرأة أو نهر هيروقليدس"(ص209-238)، و"الشبقيّة(الإيروتيكا)"(ص239-248)، سيجد أحاديثَ أخرى في الموضوع، كلّها ظلامٌ في ظلام، وسفالة في سفالة، الغايةُ منها، أساسا، تدنيسُ مقدسات الإسلام والتشكيكُ فيها، والتعرضُ لمعتقدات المسلمين ورموزِهم التاريخيةِ بمقالات الطعنِ والافتراء والتجريح، ليتسنى للهوى والشيطانِ بسطُ سلطانه من غير مدافعة و لا عناء. (2) وهناك، عند أدونيس، ما هو، في رأيي، أنكرُ من هذا وأفظعُ وأشنعُ، وهو حديثُه عن (قصة الإفك) المشهورة، التي ذكرها القرآن الكريم في سورة (النور). وملخّصُ هذه القصة أن مجموعة من المنافقين الأفّاكين قاموا ببثّ إشاعات تُؤْذي أمَّ المؤمنين عائشةَ، رضي الله عنها، في عرضها وشرفها، وتؤذي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في طهارة أهل بيته. ولم تدُمْ إشاعات الإفك طويلا حتى قطَع الوحْيُ دابرَها بتبرئةِ عائشةَ، رضي الله عنها، مما رماها به الكذّابون الظالمون المجرمون، والشهادةِ لها بالطهارة والإخلاص، وفضحِ عصابة الإفكِ والبهتان وإدانتِهم. قال الله، تعالى، في سورة النور: (إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (11) لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ (12) لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ (13)) عصابةٌ من المنافقين المُتربصين بالدعوة الإسلامية افترَوْا على زوْج(أو زوجة، والأول أفصح) رسولِ الله، صلى الله عليه وسلم، الكذبَ، ففَتَنُوا النفوسَ، وأثاروا الشكوك، ووتّروا الأجواءَ، فنزلَ القرآنُ بالقول الفصل المُبين، فرُفعت الغِشاوةُ، وحَصْحَصَ الحقُّ، ودُحِر الشيطان وأولياؤه خائبين خاسرين. هذه هي القصة. فما الذي دعا أدونيس إلى النبش في حدث مرّ عليه أكثر من أربعة عشر قرنا، ومدِّ يدِه إلى أمر لا يعنيه البتّة؟ إن أدونيسَ الملحدَ المقاتلَ لا يمكن أن يهدأَ له بالٌ ويصفوَ له خاطرٌ وهو يرى قلوبَ المسلمين مطمئنةً بالإيمان، ويرى القرآنَ ذكرا محفوظا، ومرجعا مقدسا، وحكما منزَّها مقبولا. غايةُ الملحدِ المناضل أن يزعزع هذه الثقةَ والطمأنينة والإيمانَ الراسخ بالوحْي، وأن يحولَّ القلوب إلى فضاء تستبيحه الشكوكُ والهواجس والشبهاتُ، وموطنٍ يسكنه الرَّيْبُ والقلق والتردد والمعاناة. غاية الملحد المناضل أن يجرّدَ الوحيَ المقدّس من قداستِه، ويقطعَه عن مصدره السماوي الإلهي، ليصبح موضوعا للتساؤلات والمراجعات والانتقادات، ولتصبح حقائقُه وأحكامُه وأوامره ونواهيه موضوعا للأخذ والرد، وموضوعا للزيادة والنقصان، وخطابا يمكن مراجعتُه بالتعديل والتغيير، أو الاستغناء عنه بالإهمال والنسيان. القرآنُ عند أدونيس الملحدِ ليس وحيا من الله، بل هو اختراع بشري مائة في المائة، لأن الرجل لا يؤمن بدين، ولا يؤمن بخالق، ولا يؤمن بغيب. فإذا كان أدونيس يعتبر الوحي الذي بَرّأَ عائشة، رضي الله عنها، من افتراءات المفترين، كلاما بشريا، ومِنْ ثَمَّ فهو، أي الوحي، مصدرٌ لا يمكن الوثوق به، وشهادةٌ لا يمكن الاعتمادُ عليها، فهذا يعني أن ما روّجه عصابةُ الإفك على عائشة، رضي الله عنها، من إشاعات يمكن أن يكون صحيحا. والنتيجة أن كلّ ما حكاه القرآن، وكلَّ ما رواه الرواة، وكل ما حفظته لنا المصادر التاريخية الموثوقة، لا يمكن الاطمئنان إليه، وأن الباطلَ الذي أشاعه الأفّاكون على عائشة، رضي الله عنها، قد يكون وقع فعلا، أيْ أنه يجوز، عند أدونيس الملحدِ المُقَاتل، أن تكون أمُّ المؤمنين قد قارفَت الإثمَ ووقَعَتْ في الحرام. المُهم عند أدونيس الملحدِ هو بثّ الشك في نفوس المؤمنين، وهو مُتيقّن أنه إنما يحرث في الماء. قد يكون وقع... يمكن أن يكون كذا... يجوز أن تكونَ فعلت...أنا لا أستطيع أن أجزم...إلى آخر هذه التعبيرات التي ليس وراءها من غاية إلا إثارة الشكوك، وفتحُ الباب واسعا لاحتضان الإشاعة وجعلِها أصلا في معرفة الحقيقة. قالت (حورية عبد الواحد)، في سياق حديثها مع أدونيس في هذا الموضوع- ألفت انتباهَ القارئ الكريم أن هذه الأستاذة التي تحاور أدونيس ليس لها رأي مستقل، بل يظهر من خلال حوارات الكتاب أنها من تلامذة أدونيس الواقعين تحت تأثيره؛ فهي منبهرة ومعجبة بمذهبه وآرائه، والأفكارُ التي تدور في هذه الحوارات هي في حقيقتها أفكار أدونيس، وإن جاءت على لسانها- قالت (حورية): "لقد تكلموا كثيرا عن عائشة[رضي الله عنها]عند الحديث عن آية(الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ، وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ)[النور/26].[الآيةُ في النص الفرنسي وردت ناقصة على الشكل التالي: (الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ! وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ)]. القصةُ مشوّقةٌ[تتابع حورية]. القافلة ترحل بدونها[أي بدون عائشة]، ثم يعثرون عليها، فيما بعد، برفقة رجل. وقد شاعت مقالاتُ سوء كثيرة، فذهبت عائشة[رضي الله عنها] لتُقيم عند أبيها، حتى نزلت هذه الآية التي تعلن براءتها.)(نظرة أورفي، ص220) فأجابها أدونيسُ الملحدُ قائلا: "أنا لا أستطيع أن أجزمَ إن كانت قد وقعت في الفاحشة مع هذا الرجل أم لا. لكني أجد المشهد(أو الصورة) جميلا: الصحراء، وجَمَلٌ، وضوء خافت، وقد كانا هناك نائمَيْن...إنه مشهد جميلٌ جدّا! أنا لا ألومها. محمدٌ نفسُه[صلى الله عليه وسلم] قد أعطى المثالَ من نفسه في التصرف أمام هذا النوع من الإغراء. لقد فتَنته زوجةُ ابنه بالتبنّي بشبابها وجمالها. إذن، لماذا يرفضُ أن تكون عائشةُ هي الأخرى قد افتُتِنَت برجل شاب، والحال أن هذا شيء طبيعي."(نفسه) تأمّلْ قوله في بداية النص "أنا لا أستطيع أن أجزم.."، تجدْه، في حقيقته، يفيد الجزم. فهو تعبير يفيض من الشك والهمز واللمز والإيحاء الحقير، فضلا عن رفض بيانِ القرآن، وردِّ كلِّ الأخبار التاريخية الصحيحة. ولاحظْ أنه بقوله "أنا لا ألومها" يثبت عليها التهمةَ بطريقته الإبليسية الخبيثة. ولاحظْ، أيضا، ما في ادعائه بأن الرسول، صلى الله عليه وسلم، "قد أعطى المثال من نفسه"، في جواز الاستسلام للإغراء، من بهتانٍ ومن جراءةٍ على نبيّ المسلمين، صلى الله عليه وسلم. (3) يقول أدونيس الملحدُ: "في المُتخَيَّل العربي، لا يمكن تصوّرُ زوج الرسول[صلى الله عليه وسلم] تشتهي إنسانا آخر. إنه أمرٌ مستحيل عند المسلمين. وقصة عائشة[رضي الله عنها] أوجبت تدخلَ الله. فالوحيُ هو الذي برأها. وقد كان علي[رضي الله عنه] قد طلب منه أن يطلقها"(نظرة أورفي،220-221) (حورية) معقبةً: "ويمكن أن يكون هذا هو السبب، الذي دعا عائشة، فيما بعد، إلى محاربة علي."(نفسه) أدونيس متابعاً: "هذا مجال جذّاب لعلم النفس التحليلي. يجب أن تُعاد كتابةُ الأشياء بصورة مختلفة، لأن الذين تحدثوا عن محمد[أقول: صلى الله عليه وسلم] وعن الموضوع الجنسي، كانوا من المؤمنين. زيادة على هذا، فإن الأحاديث التي ينسبونها إليه تخفي هذا الموضوع. ولاختراق هذا الحجاب(أو تمزيقه)، لا بد من كثير من الشجاعة، وكثير من الجرأة"(نفسه). قلت، بمنطق أدونيس وفهمه، الذين تحدثوا عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وعن حياته الجنسية، كانوا من "المؤمنين"، وهذه علّةٌ كافة، في ميزان الملحدين، لعدم الوثوق بكلامهم، ومن ثَمَّ ينبغي البحثُ عن مصادر "غير مؤمنة"، لمعرفة الحقيقة. هذه واحدة. والثانيةُ أن المصادر "المؤمنة"، التي لا يمكن الاطمئنان إلى رواياتها، هي بمثابة الحجاب الذي يُغطي وجهَ الحقيقة، ومن ثَمَّ وجب تمزيقُ هذا الحجاب. ولن يقدر على مثلِ هذا الفعل الحداثي "الهدّام" إلا من كان من معدن أدونيس، الذي يملك من الجرأة والشجاعة ما يكفي للمُهمة العظيمة ويزيد. نفهم من إيحاءات أدونيس المَدسوسة بين السطور في كلامه عن "قصة الإفك" أن الإسلام ينظر إلى المرأة على أنها مخلوقٌ لا يتمتع بشخصية مستقلة، وفي هذا المنظور، لا يمكن تصورُ المرأة بَشرا له مشاعر وعواطف، يمكن أن تشتهيَ وتضعفَ وتستسلمَ للفتنة والغواية. إن الله، في دين التوحيد، في زعم أدونيس، قد انتقص من مكانة المرأة، وجعلها دون الرجل وتابعةً له، واعتبرَها معدن الخطيئة وسببَ سقوط الرجل(نظرة أورفي،212-213). وهذه الوضعيةُ الدونيّة للمرأة، في الإسلام، حسب افتراءت أدونيس، "جعلت المرأة، بصفة عامة، مجردَ آلة حقيرة"(نفسه،119)، وجعلتها "جزءا من الرجل، لا وجودَ لها خارج وجوده"(نفسه،222)، واختزلت "وجودَها في مجرد الحَمْل وتلبية رغباتِ الرجل الجنسية"(نفسه،113). وهذه الوضعيةُ السلبية للمرأة في الإسلام، لا يمكن التخلصُ منها، حسب أدونيس، "إلا بإعادة النظر في النظام الديني التوحيدي برمته، وكذلك في النظرة التوحيدية للإنسان والعالم"(نفسه). ولهذا "يجب على العرب أن يواجهوا النصَّ الديني بطريقة أكثر حرية، وأكثر قوة"(نفسه). وإذا كان الإسلام، كما يَفتري أدونيس، قد سَلَب المرأةَ وجودَها وأحالَها شيئا حقيرا مبتذلا مُسَخَّرا للرجل وسلطةِ الرجل ونظامِ الرجل، فإن الصّوفية-وهذا هو العجَب العُجاب في ابتداعات أدونيس!- هم الذين أعادوا للمرأة وجودَها. يقول أدونيس، من حوار مُطوّل أجرته معه جريدة "الصباح" العراقية، في مدينة السليمانية، بالعراق، في شهر ماي من سنة 2009- قال أدونيس في هذا الحوار: "الصوفية أعادوا للمرأة وجودها. المرأة في الإسلام غير موجودة. هي مخلوقة من ضلع الرجل، كأنها لم تُخلق ككائن مستقل، بينما نرى عكس ذلك تماما عند ابن عربي القائل: كلُّ مكان لا يؤنث لا يعوّلُ عليه". وقد كرّر هذا المعنى، في كلام طويل وبعبارات مختلفة، في كتاب (نظرة أورفي)، وبالتحديد في فصل "المرأة أو نهر هيروقليدس"، ص209 وما بعدها. الصوفية أعادوا للمرأة وجودَها المسلوبَ!! هذا الادعاء من أدونيس يجرّنا للحديث عن رأيه "المتميز جدّا" في (الصوفية)، وهو رأي كلّه عجائب وغرائب، بل هو، على الأصح، كله افتراءات وتعسفات ما قرأت مثلَها، لا عند القدماء ولا عند المحدثين. ويكفينا عنوانا على هذه الافتراءات والتعسفات أن يجمع أدونيس الصوفيةَ جميعا في سلة واحدة، ويعتبرهم جميعا ملحدين معارضين للدين رافضين لعقائده وشرائعه. وكل هذا البهتان إنما هو من أجل مسلمته الحداثية، التي قوامها أن الإلحاد هو أول شكل للحداثة في تراثنا العربي الإسلامي. ولما كان أدونيس يعتبر جازما أن التصوف كان من أهم روافد الحداثة العربية، فإن مسلَّمَتَه الحداثية الإلحادية تفرض عليه أن يذهب بعيدا في التعسف والادعاء، وأن يتعدى كل قواعد البحث الموضوعي، وأن يعبث بكل قيم الأمانة والعدالة والإنصاف، وأن يضرب بكل المصادر العلمية الموثوقة والمعتبرة عُرْض الحائط، وأن يخلط خلطا، ويدلس تدليسا، لينتهي إلى فرض أفكار شاذة ومنكرة. في المقالة القادمة، إن شاء الله، سأتحدث عن ملامح الصوفي الوثني في الوجه الآخر لأدونيس. وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين. مراكش: 31 يوليوز 2011