ترامب يهدد بمحاولة استعادة قناة بنما    هيئة المعلومات المالية تحقق في شبهات تبييض أموال بعقارات شمال المغرب    المغرب يخطط لإطلاق منتجات غذائية مبتكرة تحتوي على مستخلصات القنب الهندي: الشوكولاتة والدقيق والقهوة قريبًا في الأسواق    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الميثاق الغليظ بين مفهومي الزواج والنكاح في القرآن
نشر في هوية بريس يوم 28 - 03 - 2021


تقديم
أنزل الله سبحانه وتعالى القرآن الكريم ليكون معجزة الإسلام إلى قيام السّاعة، وقد كانت وجوه الإعجاز في هذا الكتاب العظيم مُتعدّدة وأهمّها الإعجاز البيانيّ، فالتعبير القرآني تعبير فني مقصود، و كل كلمة وُضعت وضعا دقيقا متقنا معجزا، للدلالة على صورة خاصة وفق سياق معين مقصود، مع مراعاة النظُم العامة للآية و السورة، فلكلّ كلمة أو آيةٍ معناها وبلاغتها ودلالاتها بما يناسب التكاليف الشرعية والطبائع الإنسانية، قال تعالى: { أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} ،(النساء:82)، ومن ذلك مسميات ومفاهيم تتعلق بالميثاق الغليظ الذي فسره الإمام الطبري في الآية : {وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا } (النساء: 21) بقوله : الميثاق الذي عُني به في هذه الآية: هو ما أخذ للمرأة على زوجها عند عُقْدة النكاح من عهدٍ على إمساكها بمعروف أو تسريحها بإحسان، فأقرَّ به الرجل. لأن الله جل ثناؤه بذلك أوصى الرجالَ في نسائهم.(أنظر تفسير الطبري 8/130).
ومن هذه المسميات القرآنية للميثاق الغليظ : الزواج والنكاح، ولقب الزوجة والمرأة والصاحبة، فلماذا استعمل القرآن هذه الألفاظ كاملة دون الاقتصار على لفظ واحد؟ ومادلالة كل واحد منهم ؟، انطلاقا من هذه الإشكالية سنتطرق في هذه المقالة إلى مصطلحي الزواج والنكاح من الجانب اللغوي، ثم بيان دلالة هذه الألفاظ مع مراعاة السياق القرآني.
الدلالة اللغوية
الزواج : التزاوج والمُزاوجة والازدواج في اللغة لا يدل على الزواج، إنما يدل على الاقتران والالتصاق الذي لا يوجد فيه انفصال، يقال ( زوّج ) الأشياء تزويجا وزواجا قرن بعضها ببعض. ( أنظر المعجم الوسيط، باب الزاي )، فكل شيئين اقترن أحدهما بالآخر فهما زوجان، والدليل على ذلك قوله تعالى في إنجاب الرجل للبنين والبنات بلفظ التزويج : { أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ } (الشورى:50)، ويعبر عنه أيضا بخروج أزواج من أصناف النباتات كقوله تعالى : { وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّن نَّبَاتٍ شَتَّى } (طه:53).
النكاح : نكَحَ يَنكَح ويُنكِح، نِكاحًا، فهو ناكِح، والمفعول مَنْكوح، تزوَّجها (تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَلِجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ [حديث]، وقال الله تعالى {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ}(النور)، نكَح المطرُ الأرضَ: اختلط في ثراها- نكَح النُّعاسُ عينيه: غالبهما. جامعَها، باشرها. (أنظر العربية المعاصرة، (نكح)).
وَالنِّكَاح: كِنَايَة عَن الجِمَاع، نَكَحَهَا وأنكحها غَيره، يُقَال: نكح ينْكح نكحاً ونكاحاً وأنكح فلَان فلَاناً إنكاحاً إِذا زوَّجه، وأنكح فلَانا فِي بني فلَان مَاله إِذا زوّجوه من أَجله. (أنظر لسان العرب (الطبعة الثانية)، بيروت: دار الفكر، صفحة 60، جزء 2. بتصرّف).
ومن خلال هذين التعريفين اللغويين نستنتج أنه لو استخدم القرآن لفظ الزواج بدلا من النكاح لكان هذا معناه أن كل من يتزوج لا يمكن أن ينفصل عن زوجته بطلاق أو بغيره، وأن الالتصاق والاقتران الذي حدث بينهما شيء كوني لا يمكن فصله.
الدلالات السياقية للنص القرآني للفظتي: الزواج والنكاح
فقد ورد في دلالات النصوص القرآنية فروقٌ واضحة بين لفظي الزواج والنكاح، وكأن اللفظين ساقهما القرآن الكريم لمعنيين مختلفين للميثاق الغليظ، وبالتمعن في لفظ الزواج وبالتحديد في القرآن الكريم والذي هو بالأصل المصدر الأساسي للغة السليمة نجد أن الزواج لا يطلق أبدًا على العلاقة أو الرباط الذي يجمع الرجل والمرأة لتكوين أسرة بما نصطلحه نحن زواج، لأن عقد القِران مفتوح فيه المجال للانفصال والطلاق.
فكلمة :الزواج، لا تستعمل إلا بعد تمام العقد والدخول واستقرار الحياة الزوجية، وهو أعلى مرتبة من مفهوم النكاح، فنجد السياق القرآني للفظ الزواج باستعمال فعل : زوّج بصيغة الماضي الذي يدل على وقوع الحدث، كما في قوله: {كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ} ( الدخان: 54)، فاستخدم الله تعالى لفظ الزواج وليس النكاح، لأنه زواج دائم، وهو ما وعد الله المؤمنين بالزواج من الحور العين في الجنة وهي طبعًا دار خلود والزواج فيها سيكون أبديًّا وخالدًا بخلودها، والمتأمل في كلام رب العالمين يجد أيضا أن القرآن استخدم لفظ الزواج عندما تحدث عن زواج الرسول من زينب بنت جحش بعد أن طلقها زيد رضي الله عنهما، كما في قوله: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} (الأحزاب: 37)، إشارة منه تعالى إلى زواج مثالي وهو زواج دائم دون انفصال، فما حدث بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين زينب بنت جحش ليس نكاحا كالمعروف بين الناس، إنما هو زواج في أرفع معانيه، وروى البخاري في صحيحه عن أنس قال: جاء زيد بن حارثة يشكو، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول: اتق الله وأمسك عليك زوجك، قال أنس: لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كاتماً شيئاً لكتم هذه الآية، قال: فكانت زينب تفخر على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم تقول: زوجكن أهليكن، وزوجني الله تعالى من فوق سبع سماوات.
فكلمة الزواج تستخدم بأوسع معانيها الروحية، وهو الاتحاد الدائم السعيد بين روحين وجسدين متآلفين، وهذا ما يدفعنا أيضا للتأمل والنظر في ألفاظ الزوجة والمرأة والصاحبة في القرآن الكريم، حيث وجد فرق بين هذه الألفاظ بحسب السياق القرآني، فلفظ الزوجة المشتق من لفظ الزواج والأزواج يشير إلى علاقة جسدية مع انسجام فكري وتوافق ومحبة واقتران، من ذلك قوله تعالى مخاطبا نبينا آدم عليه السلام : { وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا } (البقرة : 35)، فهذه العلاقة الزوجية المتطابقة والمتكاملة بين الذكر و الأنثى قد وصفها الله تعالى بالرحمة والمودة نحو قوله تعالى : { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } (الروم : 21)، كما أن لفظ الزوجة والأزواج يشير إلى مدى استحسانه من الله عز وجل من خلال السياق القرآني بدلالات توحي إلى الرضى والطمأنينة التي ينعم بها المؤمنون في الآخرة ثوابا وجزاء وفاقا من الله تعالى حيث قال تعالى : {وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}( البقرة : 25)، كما أن لفظ الزواج أو الأزواج لا يختص بشخصين فقط، وإنما يصف الجماد والحيوان والعديد من الأشياء، ولهذا فالزواج من الممكن ألا يتضمن عقد نكاح، من ذلك قوله تعالى : { وَمِنْ كُلّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ} (الذاريات:49)، لكن على العموم يبقى لفظ الزوج والأزواج دائما مرتبطا بالكرم والباعث على البهجة والسرور من ذلك قوله تعالى : {أَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ} (الشعراء : 7)، وقوله تعالى : {وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ } (ق : 7)، فهذه أمثلة مقتضبة لما تحمله لفظة الزوجة والزواج والأزواج في القرآن الكريم من رسائل المودة والرحمة والألفة والوفاء بين الزوجين.
أما بالنسبة للفظ المرأة فيرد عند انعدام التوافق والانسجام بين طرفي الميثاق الغليظ بشكله التطابقي التام إما لوجود اختلاف ديني أو نفسي أو جنسي، من ذلك قوله تعالى : {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا}(التحريم:10)، فلم يقل الله تعالى : زوج نوح أو زوج لوط، لأنهما كافرتان، فكفرهما كان الفاصل و المانع من تحقّق الانسجام والتوافق بينهما وبين بعليهما، فهو اقتران كامل بمعناه الاجتماعي لكنه ناقص بمضمونه العقائدي، وأيضا قصة فرعون وزوجه حينما ذكرها القرآن : بلفظ امرأة فرعون، في قوله تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ} (التحريم:11)، لأن بينها وبين فرعون مانع من الزوجية، فهي مؤمنة وهو كافر، ولذلك لم يتحقق الانسجام بينهما، فهي (امرأته) وليست (زوجه).
كما أن من أسباب إطلاق المرأة دون الزوجة ضعف الاقتران الزوجي الذي لم يكتمل بسبب عدم إنجاب زوج سيدنا زكرياء، ومناجاة ربه بأن يهبه ذرية طيبة ترثه، حيث قال الله تعالى حاكيا عن عبده زكرياء : {وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا }(مريم/5)، فسماها امرأة لعدم التوافق والانسجام التامّ بينهما، بسبب عقم زوجه، لكن مالبث أن جاءت الرحمة الربانية مستجيبة ملبية لدعائه بأن بشره الله تعالى بغلام اسمه يحيى عليه السلام، مما أثار استغراب سيدنا زكرياء حمل زوجته وهي عاقر بقوله تعالى حاكيا عن عبده زكرياء : {قَالَ رَبِّ أَنَّىَ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاء}(آل عمران/40)، مؤكدا لفظ المرأة للمرة الثانية وذلك راجع لعدم تحقق الهدف النسلي من الزواج بسبب ذلك المانع البيولوجي عند الزوجة على الرغم من كونه نبيا، و زوجه كانت مؤمنة، فبمجرد زوال المانع وولادة سيدنا يحيى عليه السلام وتحقق الوئام بين الزوجين وقدرة زوجة سيدنا زكرياء على الولادة والحمل تغير اللفظ من امرأة إلى زوجة حيث تحقّقت الزوجية بينهما على أتمّ صورة، في قوله تعالى : {وَزَكَرِيَّاء إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ}(الأنبياء/8990).
أما لفظ الصاحبة فيستخدم عند انقطاع العلاقة الفكرية والجسدية بين الزوجين، ودليل ذلك عِظم مشهد يوم القيامة وأهوالها حيث يصبح المرء مشغولا بحاله شاخصا بصره لمصيره ولسان حاله :"نفسي، نفسي،" فينكر وينفي أي علاقة مر بها في الدنيا سواء من قريب أوبعيد، قال تعالى : {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} (سورة عبس)، وتأكيداً لذلك قال الله تعالى صراحة :{ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ} ( الأنعام: 101 )، فلم يقل (زوجة ) أو ( امرأة )، إشارة منه تعالى لنفي أي علاقة جسدية أو فكرية مع الطرف الآخر نفياً قاطعاً، جملةَ وتفصيلا.
ومن هنا يتضح لنا وجود فرق واضح بين المرأة والزوجة والصاحبة من حيث المعنى فكل منهم لديه الدلائل الخاصة به والتي قد أوضحها لنا الله عز وجل من خلال القرآن الكريم وفق السياق الذي وردت فيه هذه الكلمات وحتى لا تختلط علينا هذه الألفاظ ونستشعر البلاغة القرآنية التي هي المرجع الأساس للغة العربية.
ومن بديع الإشارات أن سبب تحول لفظ الزوجة إلى المرأة يرجع إلى وجود خلل فكري أو عقدي عند أحد طرفي الميثاق، عكس ما نعيشه اليوم في مجتمعنا من تفرق ونفور سببه الأساس انعدام الثقة وكثرة المحاسبة المادية والمعنوية.
أما لفظ النكاح فيشير إلى بيان الرغبة في الزواج أو إرادة وقوعه، أي قبل أن يتحقق الزواج فهو نكاح، لذلك نجد أن الأفعال التي تؤدي هذا المعنى في القرآن الكريم جميعها دالة على المستقبل، من ذلك قوله تعالى : {قَالَ إنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ}.. ( القصص: 27)، وكما في قوله: {فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ} (النساء).
والنكاح أضيق وأدق في وصف علاقة الارتباط الشرعي بين الرجل والمرأة، فهذا الرباط لا يتصف بالأبدية ولا بالمثالية، لأن الطلاق أو الانفصال فيه مباح وشرعي في حال وجود أسباب موجبة له، قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا}(الأحزاب:49)، كما أن النكاح لا يطلق على كل ارتباط، هو فقط يدل على ارتباط الرجل بالمرأة بالرباط الشرعي الذي يرتكز على الإيجاب والقبول.
فكلمة النكاح ليست بمعنى الوطء فقط، كما قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ} فدل ذلك على الفرق بين المساس والنكاح، فهو إرادة وعزم وفق شروط وضوابط شرعية لبناء الميثاق الغليظ والدلالة على الزواج التام، فالنكاح مخالطة بين شيئين قد يحدث بينهما انفصال وقد أشرنا إلى ذلك في الدلالة اللغوية.
ومنه نستخلص أن لفظ الزواج، لفظ شامل للحياة الأسرية سواء المادية أو المعنوية منها، مما ينمي بين طرفي الميثاق الجانب الروحي المتكامل في الأخذ والعطاء والمتمثل في المودة والرحمة والطمأنينة النفسية والثقة المتبادلة بينهما بعيدا عن ما يكدر صفوهما، نتيجة الخوف العاطفي والمادي بينهما ما يفتح للشيطان بابا يرسي فيه عرشه للتفرقة بينهما، ولن يتأتى ذلك إلا بالتزام أوامر ونواهي شرعية تجنبهما أجواء الكدر والنشوز، في حين نجد أن لفظ النكاح متضمَّن في الزواج وموصل إليه من خلال ضوابط شرعية تحفظ كلية النسل والنسب مما يقوي وحدة المجتمع وتماسكه بعيدا عن الموبقات.
فالميثاق الغليظ نظام يجمع بين المفهومين النكاح والزواج ، ولا غنى لأحدهما عن الآخر، غير أن الزواج يهم الجانب الروحي المعنوي، والنكاح يهم الجانب المادي، ويكمل أحدهما الآخر وبهما يستقيم ويتأسس نظام الميثاق الغليظ.
وما نعيشه اليوم من أخبار وضعية وضيعة تحاول النيل من هذا الميثاق بين الفينة والأخرى بشعارات جوفاء ومطالب هاوية تسعى إلى تنفير الشباب من هذا الميثاق الذي يصون عرضهم ويحفظ كرامتهم بتضخيم المسؤوليات دون التفريق بين ماهو حاجي وضروري، ونزع روح مفهوم الزواج وجعله حبيس الماديات الواهية الفانية، بإرساء قوانين تنفر الشباب منه، وتجعل الزوجين في تخوف دائم من الغدر والخيانة، والحرص المادي الفاجع بينهما، وحصر مفهوم الزواج في الغريزة الجنسية، وحتى لو استحال استمرار الحياة الزوجية بينهما، تنهال على الزوج قوانين ترهقه وتقهر كاهله مما يؤدي إلى الشتات الأسري وإنشاء جيل يعود على المجتمع ككل بالبأساء والضراء.
وبهذه الأخبار والمواثيق والشعارات البائسة تزداد نسب العنوسة والطلاق، وتترسخ لدى الشباب صورة سلبية تقف حاجزا بينهم وبين الحلال، وتعسّر ولوج هذا الباب، وتُيَسّر لضعاف النفوس ولوج باب الرذيلة لسهولتها دون تحفظٍ ووازعٍ ديني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.