توصلت "الرهان أونلاين" بجديد عبد الكريم مطيع زعيم الشبيبة الإسلامية المقيم في ليبيا والمتهم بقتل زعيم الإتحاد الإشتراكي عمر بنجلون في السبعينات. ويتمثل هذا "الجديد" في تفسير للنكاح من خلال تفسير سورة النساء. وفي ما يلي تفاصيل ما كتبه مطيع، وهو يسيؤ في إتجاه التفسير الكامل للقرآن الكريم: ما يجوز ولا يجوز في أمور النكاح آدم وحواء لم يغرفا جنسهما لما كانا في الجنة عندما خلق الله عز وجل آدم وحواء عليهما السلام، وقدر لهما الهبوط إلى الأرض والموت فيها، كان من الحكمة أن يبين لهما ولذريتهما علة وجودهم بقوله تعالى:﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ الذاريات 56، وأن يهديهم إلى نهج فطري سليم تستمر به الحياة، بما يناسب العابد ويرتضيه المعبود، وهو الزواج الشرعي بين الذكر والأنثى، بقوله تعالى:﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً﴾ النساء 1، ثم جعل الستر والحياء والوقار سمة للعبادة وأدبا للسلوك والمعاملة بقوله صلى الله عليه وسلم:( إن لكل دين خلقا وخلق الإسلام الحياء) وقوله:( إن الله عز وجل حَيِيٌّ حَيِيٌّ سَتِير يحب الحياء والسَّتر فإذا اغتسل أحدكم فليستتر). لذلك كان آدم وحواء أول الأمر لا يريان عورتيهما لِما أُلبِساه من لباس الجنة، فلما أذنبا بالأكل مما نُهِيا عنه كان التأديب بأن: ﴿بَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا﴾، كُشفت لهما عورتهما فبادرا إلى سترها حياء من الله، لِما ما تقرر في فطرتهما من قبح انكشاف ما ينبغي ستره، وأخذا يستتران بأوراق الجنة يلصقانها بجسديهما: ﴿وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ﴾؛ ثم كان الإهباط إلى الأرض وما كتبه الحق سبحانه لهما ولذريتهما من لباسين، لباس يستر العورة الجسدية ويقي برد الشتاء وحر الصيف، ولباس التقوى يقيهما معايب التصرفات والمخالفات في العبادة، ويلهمهما الوفاء بميثاق الزوجية الغليظ الذي بينهما، قال تعالى: ﴿يَا بَنِي آَدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآَتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ﴾ الأعراف 26. ما يجوز وما لا يجوز من التصرفات لقد كان أول تشريع للأسرة البشرية في الأرض هو وجوب الحياء وسَتر العورة أولا، ثم حسن العشرة بين الزوج والزوجة ثانيا، ومن ذلك انبثقت تشريعات الحياة الزوجية بكل أوجهها، تمييزا لما يحل وما لا يحل من الاختيارات، وما يجوز وما لا يجوز من التصرفات، وجعل الحق سبحانه مقياسا وحارسا لكل ذلك الميثاقَ الغليظ الذي تنشأ به الأنساب والمصاهرات وتنضبط به العلاقات والمعاملات: ﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا﴾ الفرقان 54. لذلك ما إن حذر الحق سبحانه في أوائل سورة النساء من التقصير في رعاية المستضعفين نساء وولدانا، ومن تلويث فطرة التكاثر وبقاء النسل بالفواحش المنكرة المستقذرة، حتى شرع في بيان نظام الأسرة الرشيد، حسن عشرة ونظافة معاشرة، وخلقا كريما، وتمييزا لما يحرم وما يحل من الأنكحة، في إطار هذا الميثاق الغليظ الذي تحفظ به الأعراض، وتصان به الحقوق، ويسود به الوقار والستر والحياء بين أفراد كل أسرة، مبتدئا بحقوق أضعف أعضائها وهو الزوجة، لما تتعرض له غالبا من ظلم الرجل واستقوائه، فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آَتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾. لقد كانت المرأة لدى الجاهليين مجرد سلعة تُمتلَك وتُستثمَر ويُستمتَع بها، وكان من تقاليدهم أن أولياء الميت أحق بزوجته يرثونها كما تورث المنقولات، عقارا أو بهيمة أو أثاثا، ومن يُلقي منهم قبل غيره بردائه عليها امتلكها، فإن شاء تزوجها بصداقها الأول من الميت، أو زوجها من يشاء واستأثر بصداقها، أو عضلها فأمسكها في البيت، أو تاجر بعرضها وأكرهها على البغاء كما هو معروف في عصرنا هذا بمصطلح"الرقيق الأبيض"، وفي هذا نزل قوله تعالى﴿وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ النور33 ، وكان بعضهم يطلق المرأة ويشترط عليها ألا تنكح إلا من أراد أو تفتدي نفسها منه بما يرضيه، وكان الرجل منهم تكون اليتيمة في حجره يلي أمرها فيحبسها عن الزواج حتى يكبر ابنه الصغير ليتزوجها ويأخذ مالها، وكان الرجل العجوز ونفسه تتوق إلى الشابة يكره فراق زوجته العجوز فيمسكها ولا يقربها حتى تفتدي منه نفسها بمالها أو تموت فيرثها؛ فلما قامت دولة المدينة أخذ الوحي الكريم ينزل منظما للحياة على أسس سليمة يستعيد فيها الرجل والمرأة كرامتهما وشخصيتهما الاعتبارية وحريتهما الإنسانية، وكانت المرأة لِما تعانيه من حيف واستضعاف في المجتمع أولى بالأسبقية إلى التحرر واسترجاع الحقوق والكرامة، لذلك خاطب الحق سبحانه المؤمنين يأمرهم بأن يرفعوا مظالمهم الموروثة من الجاهلية عن النساء، في خطوة تأسيسة لنظام أسروي متكامل يقي من التفكك والبغضاء، ويصون من التواقح والتفاضح والصفاقة والجراءة على الأعراض، فقال عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا﴾ والخطاب في هذه الآية الكريمة لجميع المؤمنين، أولياء للنساء أو أزواجا لهن أو قضاة، أو آمرين بالمعروف وناهين عن المنكر، من أجل استثارة كوامن العقيدة في قلوبهم وإشعارهم بمقتضياتها في علاقاتهم ببعضهم، ولأنهم أولى الناس بالسمع والطاعة والامتثال، حتى إذا تطلعت العقول واشرأبت الأفئدة لمعرفة ما يطلب منها بهذا النداء الرباني، بيَّن الحق عز وجل ذلك بقوله: ﴿لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا﴾ وأصل الفعل "ترثوا" من ورِث الشيءَ يرِثه بكسر الراء في الماضي والمضارع: إذا مات صاحبه وصار لمن بقي بعده، يقال: ورث فلان مالا وِراثة وميراثا، فإن ورِث بعض المال قيل ورث منه، وأورث الرجلُ ولدَه مالا وورَّثه بمعنى واحد، ومنه قول المنذري:" سمعتُ إبراهيم الحَرْبِيّ، وسئل عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه وَرَّثَ النساء خِطَطَهُنَّ[[1]] دون الرجال، فقال: نعم، كان النبي صلى الله عليه وسلم أَعطَى نساءً يسكُنَّها بالمدينة، شِبْهَ القَطايع، منهنّ أُمُّ عبْد، فجعلها لهنّ دون الرجال، لاحظّ فيها للرجال"، والإرث لغة هو ما وُرِث، وشرعا هو حق قابل للتجزئة ثبت لمستحقه بعد موت مَن كان له ذلك لقرابة بينهما أو نحوها. واسم الفاعل منه وارث جمع وُرَّاث وَوَرَثَة، والوارث صفة من صفات الله عز وجل، هو الباقي الدائم الذي يَرِثُ الخلائقَ ويبقى بعد فنائهم يرث الأَرض ومَن عليها وهو خير الوارثين. والكره بفتح الكاف وضمها لغتان بمعنى واحد، قرأها الكسائي وحمزة بالضم وقرأها الباقون بالفتح، وعند الفراء أنها بالفتح الإكراه، وبالضم المشقة، والآية الكريمة نهي من الله تعالى للمؤمنين عن أن يأخذوا نساء موتاهم بطريق الإرث مكرهات وبغير رضاهن، لأن ذلك من أفعال أهل الجاهلية التي حرمها الإسلام وأحكم النهي عنها، لما فيها من ظلم للمرأة، وإهانة لكرامتها وإزراء بمستواها الإنساني، وحط من قيمتها المساوية تماما لقيمة الرجل كما هو الأصل في مبدأ خلقهما من نفس واحدة: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً﴾ النساء1. ثم واصل الوحي الكريم تطهير المجتمع الإسلامي الناشئ وحماية المرأة من شر هذه الأعراف الجاهلية الموروثة فقال تعالى: ﴿وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آَتَيْتُمُوهُنَّ﴾ والعضل هو المنع ظلما، يقال عضَل الرجل بنته يعضُلها عضلا وعضَّلها إذا منعها الزواج من كفء لها، وعضَل الزوج زوجته إذا ضيق بها كي تفتدي منه نفسها، ومن ذلك قولهم: أعضل الأمرُ فهو معضِل إذا ضاق واشتد، وعضَّل المكانُ بقاطنيه إذا ضاق بهم، وقول عمر رضي الله عنه:" أَعْضَلَ بي أَهْلُ الكوفة ما يَرْضَوْن بأَمير ولا يرضاهم أَمير". وهذه الآية تحرم على أولياء النساء أن يمنعوهن الزواج ممن يرضين من الأكفاء، رغبة في الاستيلاء على أموالهن، كما تحرم على الأزواج أيضا أن يضيقوا بزوجاتهم كي يسترجعوا منهن ما أنفقوا عليهن من صداق ونحوه مخالعة و وافتداء، ثم استثنى الحق سبحانه من هذا التحريم حالة ارتكاب الزوجة للفاحشة فقال: ﴿إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ﴾ وهي الزنا البين، الذي يبيح للزوج الإضرار بالزوجة طلاقا أو مخالعة أو ملاعنة إن لم يستجمع أربعة شهود،ربعةأ ون إخراجا من بيت الزوجية قبل انتهاء العدة كما قال تعالى: ﴿لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ﴾ الطلاق1. النهي على الإضرار بالنساء وبعد النهي عن الإضرار بالنساء إكراها لهن على ما لا يرضينه أو سلبا لحقوقهن المالية، أمر الحق سبحانه بمعنى زائد عن عدم الإضرار وهو حسن معاشرة الزوجات وإحسان صحبتهن فقال: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ أي صاحبوهن بما حض عليه الشرع من إحسان إليهن بالفعل الحسن والقول الحميد والتودد المتحبب، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم القدوة الحسنة، فقد كان جميل العشرة، دائم البشر مع أهله، يداعب نساءه ويتلطف بهن، ويضاحكهن، قالت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: (سابقني رسول الله صلى الله عليه وسلم فسبقته، وذلك قبل أن أحمل اللحم، ثم سابقته بعد ما حملت اللحم فسبقنى فقال: هذه بتلك)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي)، وكان إذا صلى العشاء يدخل منزله يسمُر مع أهله قليلا قبل أن ينام. ثم نبه سبحانه إلى ما ينتاب بعض الأزواج أحيانا من كراهية لزوجاتهم، بسبب منهم تحت تأثير الأهواء أو بسبب من الزوجة غضبا أو زلة لسان أو تصرفا منفرا أو نقص جمال مثلا فقال: ﴿فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ وحثهم بذلك على التريث وحفظ العهد وعدم الانسياق مع العواطف والشهوات والميول الطارئة وردود الفعل المزاجية، إذ عسى أن يكره المرء شيئا ويجعل الله له فيه خيرا كثيرا، ولئن كره من زوجته تصرفا أو غيره فعسى أن تكون فيها فضائل كثيرة لم يُرْعِها انتباهَه، وقد روى مسلم فى صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(لا يفْرُك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقاً رضى منها آخر) أى: لا يبغضها بغضا كليا يحمله على فراقها، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لرجل أراد أن يطلق زوجه لأنه لا يحبها: "ويحك ألم تُبْنَ البيوتُ إلا على الحب? فأين الرعاية وأين التذمم?". إلا أن استدامة الحياة الزوجية أحيانا قد لا تتيسر بين الزوجين، لأسباب كثيرة غير ارتكاب الفاحشة، فإذا تبين أن بقاء عقدة النكاح غير مستطاع وألا مخرج إلا بالانفصال واستبدال زوج مكان زوج حرم استرداد شيء من المال الذي أخذته المرأة صداقا أو هدية أو هبة، وهو قوله تعالى عقب ذلك:﴿وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآَتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا﴾ والقنطار تعبير مجازي عن كثرة ما يحتمل أن يعطي الزوج زوجته قبل الفراق، بذلك يتم الطلاق بعيدا عن الشحناء والأحقاد الجارفة والمعاكسات الشيطانية، وينطلق كل منهما إلى حال سبيله، امتثالا لقوله تعالى:﴿فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آَتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا﴾ البقرة 229، وترقبا لأن يغني الله تعالى من سعته كلا منهما عن الآخر:﴿وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِه﴾ النساء 130. ثم عقب عز وجل على تحريم استرداد الزوج ما أنفق على زوجته صداقا وغيره بسؤال استنكاري توبيخي لمن يحاول أن يفعل ذلك بقوله: ﴿أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ﴾ كيف تأخذونه والأخذ منكم ظلم وإثم بيِّنان لا لبس فيهما ولا خفاء، مهما حاولتم تبريرهما والتمويه عليهما بالكذب والافتراء وقلب الحقائق وبهت الزوجة حقها، بل حتى في حالة الملاعنة ليس للزوج استرداد الصداق، كما ورد في حديث المتلاعنين إذ قال لهما الرسول صلى الله عليه وسلم:(حسابكما على الله، أحدكما كاذب، لا سبيل لك عليها)، فقال الزوج:"مالي"، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا مال لك، إن كنت صدقت عليها فهو بما استحللت من فرجها، وإن كنت كذبت عليها فذاك أبعد لك). ثم عاد الوحي لاستحياء معاني الإيمان والرجولة والشهامة والعاطفة النبيلة في الإنسان فقال عز وجل: ﴿وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا﴾ والإفضاء كناية عن خلوة الزوجين ببعضهما، ذُكر لاستثناء ما إذا كان الطلاق قبلها فيسترد الزوج نصف الصداق لقوله تعالى: ﴿وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ﴾ البقرة 237، أما الميثاق الغليظ فهو ما يفسِّره قولُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: (فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ)، والآية استفهام استنكاري لما قد يطمع فيه المؤمن من استرجاع صداق أو غيره، وكأنما يقال له: هل من الإيمان أن يكون بين المرء وزوجته ميثاق الله الذي أتى به منها ما أتى، ثم يطالبها عند الفراق بالصداق أو الهدايا التي قدمها لها ؟ أم من الرجولة القوّامة والعاطفة النبيلة والحس الإيماني المرهف أن يرتكب مثل هذا الفعل الدنيء وينزل إلى هذا المستوى من الانحطاط؟ بهذا اللوم الشديد والعتاب الحاسم بعد التحريم القاطع يحمي الوحي الكريم مستضعفات النساء من ظلم الأزواج وتجبرهم وجشعهم وتسلطهم؛ ثم ينطلق إلى ساحة ذات ارتباط وثيق بنفس الموضوع، لتنظيم الحياة الزوجية على أسس جديدة من الحياء والوقار والستر الجميل والتماسك الاجتماعي البناء الذي يميز الإنسان العاقل عن غيره من الحيوانات السائبة والأليفة، فيبين للمؤمنين ما يحرم عليهم من النساء وما يحل، مبتدئا بنكاح المقت الذي كان شائعا في الجاهلية، وقوله تعالى:﴿وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آَبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ﴾، وقد كانت عادة بعض قبائل العرب أن يتزوج الابن زوجة أبيه بعد وفاته، وكان ذلك لدى الأنصار سيرة لازمة، ولدى قريش مباحا على التراضي، فنزلت هذه الآية بتحريمها والزجر عنها زجرا قويا، وغير خفي أن كلمة ﴿آَبَاؤُكُمْ﴾ في قوله تعالى:﴿وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آَبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ﴾ تشمل كل أصول المرء من الرجال، وبها تحرم عليه زوجات كل أصوله بالنسب أو الرضاعة، آباء وأجدادا سواء كانوا من جهة الأب أو من جهة الأم. ولفظ النكاح مشترك بين معنى العقد الشرعي وبين مجرد الوطء، أما بمعنى العقد الشرعي فالإجماع على أنه يحرِّم زوجات الأصول من الرجال ولو بدون دخول، أما بمعنى الوطء بغير عقد شرعي وهو الزنا كأن ينوي أحدهم العقد على من زنا بها والده أو ابنه مثلا، فقد اختلف الفقهاء في تحريمه، وقد كان مالك يرى أنّ الزنا لا ينشر الحرمة، وخالفه في ذلك من أصحابه ابن الماجشون فقال: الزنى ينشر الحرمة، وإن كان التحريم هو الأقرب إلى الصواب وإلى عموم ظاهر الآية الكريمة وإلى أصل اللغة في النكاح، والأنسب لقبح الفعل وشناعته. أما قوله تعالى بعدها: ﴿إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ﴾ فمعناه: سوى ما قام من نكاح قبل نزول التحريم بهذه الآية، ثم وصف حقيقة هذا الفعل بقوله: ﴿إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً ﴾، والضمير المتصل في كلمة﴿إِنَّهُ﴾ يعود على هذا الصنف من النكاح المحرم، ولفظ الفاحشة يطلق على القبيح إذا عظم، ويعظم القبيح بمقدار شدة الزجر والنهي عنه، كما أن التعبير بلفظ﴿كَانَ﴾ يفيد الماضي المستمر للحاضر والمستقبل، أي إن فحشه أصلي فيه لازم لا يفارقه، ولئن كان ما مضى معفوا عنه فإن الاستمرار عليه محرم قطعا، ولا سلامة منه إلا بالإقلاع والتوبة والإنابة، وكل من أسلم على زوجة كانت لأحد أصوله من أبيه أو أمه لم يحل له الاستمرار عليها كما لا يحل له الابتداء بنكاحها، وذلك هو الشأن في كل امرأة محرمة بعينها، أما عن حكم الشرع فيمن فعل ذلك في الإسلام فقد روي صحيحا عن البراء قال: لقيت عمي ومعه الراية فقلت: أين تريد؟ قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل تزوج امرأة أبيه بعده أن أضرب عنقه وآخذ ماله. ثم ختم الحق سبحانه الآية الكريمة بوصفٍ لهذا الفعل أشد قبحا من الفاحشة فقال: ﴿وَمَقْتاً وَسَآءَ سَبِيلاً﴾ أي إنه بالإضافة إلى فحشه عمل بالغ الحد في الشناعة والفظاعة، وأشد المسالك سوءا، مبغوض وممقوت عند الله وعند ذوي المروءة والعقول السوية، لما فيه من هتك لحرمة الآباء وتقطيع للأرحام ونشر للفاحشة بين أفراد الأسرة الواحدة؛ وقد كان هذا النكاح شائعا في عرب الجاهلية، إلا أن ذوي المروءة منهم كانوا يمقتونه ويسمونه نكاح المقت ويطلقون على من ولد به لقب"المَقْتِيّ"، أى المبغوض. ومنه نكاح صفوان بن أمية زوجة أبيه أمية بن خلف بعد موته، وهي فاختة بنت الأسود بن المطلب، ونكاح عمرو بن أميةَ آمنةَ بنتَ أبان زوجةَ أبيه وأمَّ إخوته العاص وأبي العاص والعيص وأبي العيص وأخَوَاتهم، فأولدها أبا معيط، وهم بنوا أمية بن عبد شمس. وبعد تعظيم حرمة الآباء بتحريم نكاح أزواجهم على الأبناء، يخلص الشرع الحكيم إلى تعظيم حرمة الأمهات وما دونهن فقال تعالى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ﴾ أي حرمت الأنكحة وطءا بعقد أو بدون عقد للنساء الآتي ذكرهن، لأن الأحكام الشرعية لا تتوجه إلى الذوات، وإنما إلى فعل المكلف فيها، ومعظم ما يتبادر إلى الذهن مما يقصده الرجل من المرأة هو النكاح. ثم أخذ عز وجل في سرد المحرمات من النساء وهن سبع: ﴿أُمَّهَاتُكُمْ﴾ وهن الأم والجدة من الأم والجدة من الأب ما عَلَوْن؛ لأن كل امرأة رجع نسب المرء إليها بالولادة من جهة أبيه أو من جهة أمه بدرجة أو بدرجات فهي أمه. ﴿وَبَنَاتُكُمْ﴾ وهن البنت وبنت الابن ، وبنت البنت ما سفلن. ﴿وَأَخَوَاتُكُمْ﴾ وهن الأخت الشقيقة والأخت للأب والأخت للأم. ﴿وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ﴾ وهن الفروع المباشرة لأجداد المرء، فيحرم عليه التزوج بعمته وخالته, وعمة أبيه وعمة جده لأبيه أو أمه, وعمة أمه وعمة جدته لأبيه أو أمه، أما الفروع غير المباشرة للأجداد فيحل الزواج بهن، ولذلك يباح التزاوج بين أبناء الأعمام والعمات و أبناء الأخوال والخالات. ﴿ وَبَنَاتُ الْأَخِ﴾ الشقيق أو للأب أو للأم وما تناسل منه. ﴿ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ﴾ الشقيقه أو للأب أو للأم وما تناسل منها. ثم عقب بذكر صنفين من المحرمات بالرضاع هما الأمهات والأخوات من الرضاع فقال تعالى: ﴿وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ﴾ والرضاعة من: رَضَعَ الصبيُّ ثدي أمه إذا امتصه، يرضَع ويرضِع كسمِع يسمَع وضرَب يضرِب، ثم جاءت السنة فحرمت من الرضاع كل ما يحرم من النسب، قال صلى الله عليه وسلم: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب)، وقال عن ابنة عمه حمزة رضي الله عنه:(لا تحل لي، يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، وهي ابنة أخي من الرضاعة)، وبذلك بلغ عدد المحرمات من الرضاع تطبيقا للنص القرآني والحديث النبوي الشريف تسعا وهن: * · الأم من الرضاع وأصولها مهما علون. * · الأخت من الرضاع, وبناتها مهما نزلن. * · بنت الرجل من الرضاع وهي من أرضعتها زوجته، وبناتها مهما نزلن. * · بنت الرجل من الرضاع التي أرضعتها زوجته وهي في عصمة زوج غيره، وبناتها مهما نزلن. * · الخالة من الرضاع وهي أخت المرضع، والعمة من الرضاع وهي أخت زوجها. * · أم الزوجة من الرضاع، وهي التي أرضعت الزوجة، وأصول هذه الأم مهما علون. * · زوجة الأب أو الجد من الرضاع مهما علا، فيحرم عليه الزواج بضرة أمه من الرضاع وضرة جدته من الرضاع. * · زوجة الابن من الرضاع مهما نزل. * · الجمع بين المرأة وأختها من الرضاع, أو عمتها أو خالتها من الرضاع. أما لبن الفحل فمختلف فيه، هل يحرم أم لا يحرم، وصفته أن يكون للرجل زوجتان فترضع أحداهما طفلا لأسرة ما، وترضع الثانية طفلة لأسرة أخرى، فمن عد الصبية أختا للصبي من الرضاع للأب حرمهما على بعضهما، لما فهمه مما ورد في البخارى من إذن الرسول صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها في عدم التحجب من عم لها من الرضاع[[2]]، وهو قول أكثر العلماء والأحوط للدين، ومن استبعد هذا المعنى من الحديث لم يحرم الصبية على الغلام. وقدر الرضاع المحرم للزواج مصة أو مصتان في مذهب، وعشر رضعات في مذهب آخر، والجمهور على أنه خمس رضعات مشبعات تحصل خلال السنتين الأوليين من عمر الرضيع قبل الفطام لقوله تعالى:﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ﴾ البقرة 233، ولا اعتداد بالرضاع الحاصل بعد تجاوز الطفل حولين من عمره، بذلك قال عمر بن الخطاب وابن مسعود وابن عباس والزهري ومالك والشافعي وأحمد والأوزاعي والثوري وأبو يوسف، إلا أن يكون بزيادة أيام يسيرة كما روى ابن عبد الحكم عن مالك، أو حولين وستّة أشهر كما قال أبو حنيفة. ولا عبرة بما يذهب إليه بعض أصحاب الأهواء المعاصرين من شرعية رضاع الكبير تحايلا على أعراض المسلمين لانتهاكها، وما روي أنّ النبي صلى الله عليه وسلم أمر سَهْلَة بنتَ سُهيل زوجةَ أبي حُذيفة أن تسقي سالماً مولى أبي حذيفة من لبنها لَمَّا نزل قوله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ﴾ الأحزاب 4، فتلك خصوصيّة لها من الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد ربته من صغره وكان يدخل عليها كما يدخل الأبناء على أمّهاتهم، وأما الاحتجاج بأن عائشة رضي الله عنها كانت إذا أرادت أن يدخل عليها أحد الحجابَ سقته لبن أختها أم كلثوم، فقد تأوّلت ذلك من إذن النبي صلى الله عليه وسلم لِسَهْلة زوج أبي حذيفة، وذلك منها رأي لم يوافقها عليه أمّهات المؤمنين كلهن، وأبَيْن أن يدخل أحد عليهنّ بذلك، وقلن:"والله ما نرى ذلك إلا رخصة من رسول الله صلى الله عليه وسلم لسهلة"، كما أن هذه المزاعم من أصحاب الأهواء المعاصرين يهدمها الحديث الصحيح عن أم سلمة إذ قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء في الثدي وكان قبل الفطام)، وحديث آخر عن عائشة نفسها رواه البخاري ومسلم، قالت: (دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي رجل قاعد فاشتد ذلك عليه ورأيت الغضب في وجهه، فقلت: يارسول الله إنه أخي من الرضاعة فقال:(انظرن إخْوَتَكُن من الرضاعة فإنما الرضاعة من المجاعة). وبعد ذكر المحرمات من الرضاع شرع في بيان المحرمات بالمصاهرة فقال عز وجل: ﴿وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ﴾ وهن أمهات الزوجة وجداتها ما علون، ويحرُمْن بمجرد العقد على البنت ولو بدون دخول. ﴿وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ﴾ والربائب جمع ربيبة وهي بنت المرأة من زوج آخر، سميت بذلك لأنها تتربى في حجر زوج أمها لا في حجر أبيها، ويشترط لتحريمها الدخول بأمها لقوله تعالى: ﴿مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ﴾، أما التقييد في قوله تعالى: ﴿ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ﴾ فليس لاشتراط الحرمة ولكن لبيان الغالب في أمر الربائب، إذ الغالب أن البنت تكون مع أمها في بيت زوجها الجديد. ﴿وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ ﴾ والحلائل جمع حليلة سميت بذلك لأنها تحل لزوجها ويحل لها، فهي حليلة له وهو حليل لها، والمعنى أن زوجات الأبناء من الصلب لا بالتبني حرام على الآباء ما علون بمجرد العقد ولو بدون دخول. وقد تقدم تحريم زوجة الأب بقوله تعالى:( ﴿وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آَبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ﴾. ثم انتقل الوحي إلى بيان المحرمات حُرمة مؤقتة وهن صنفان، الصنف الأول بقوله تعالى: ﴿وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ﴾ شقيقتين أو للأب أو للأم، وقد ثبت في الصحيحين أن أم حَبيبة بنت أبي سفيان قالت: يا رسول الله، انكح أختي بنت أبي سفيان، قال: (أو تحبين ذلك؟)، قالت: نعم، لَسْتُ لك بمُخْلِيَة، وأَحَبُّ من شاركني في خيرٍ أختي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(إن ذلك لا يَحل لي). ثم عقب تعالى بقوله:﴿إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ﴾ أي: إلا ما فعلتم في الجاهلية فإنه معفو عنه: ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾، ويجب على من أدركه الإسلام وعنده أختان أن يفارق إحداهما، لحديث أبي خراش الرُّعَيْني قال: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي أختان تَزَوجْتُهما في الجاهلية، فقال: (إذا رَجَعْتَ فَطلقْ إحداهما). كما ألحقت السنة المطهرة بتحريم الجمع بين الأختين تحريمَ الجمع بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها أو ابنة أخيها أو ابنة أختها لحديث النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم وسنن أبي داود والترمذي والنسائي عن أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال:( لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها، ولا على ابنة أخيها ولا على ابنة أختها)، وفى شرح البخاري لابن الملقن أنه قال:(إنكم إذا فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم). أما الصنف الثاني فهو الوارد في قوله تعالى عقب ذلك:﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ﴾ والإحصان لغة هو المنع، ولذلك سميت المرأة العفيفة حَصانا والمتزوجة محصنة، والمعنى أنه يحرم نكاح العفائف من النساء ما لم تُمْلك عصمتهن بنكاح وشهود ومهور وولي، كما يحرم نكاح النساء ذوات الأزواج، والمعتدات من طلاق أو وفاة قبل انقضاء عدتهن، منعا لاشتراك رجلين فأكثر في عصمة امرأة، وإبطالا لأنواع شنيعة من الأنكحة التي كانت مشاعة في الجاهلية كالاستبضاع[[3]] والضِّمَاد[[4]] واشتراك الرجال دون العشرة في المرأة فإذا حملت ووضعت حملها أرسلت إليهم فنسبته إلى أحدهم فلا يستطيع أن يمتنع. واستثنى الشرع من هؤلاء النساء المحرمات حُرمة مؤقتة زوجات الكفار المحاربين في جهاد مشروع إذا أسرن وحدهن بدون أزواجهن وبعد استبرائهن، لأن الأسر يهدم النكاح، وذلك بقوله تعالى: ﴿إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ﴾؛ ثم أكد أحكام هذه الآيات كلها بقوله تعالى:﴿كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾ أي عليكم التزام كتاب الله وهو القرآن الكريم. نصب لفظ:﴿كِتَابَ﴾ على الإغراء للحث على طاعته وامتثال أمره بتحريم جميع هذه الأصناف من النساء. ثم بعد أن أنهى الوحي الكريم بيان المحرمات من النساء نسبا ومصاهرة ورضاعا على التأبيد، والمحرمات حرمة مؤقتة، شرع في بيان ما يحل نكاحهن مما سوى ذلك فقال عز وجل: ﴿وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ ﴾ أي: جعل الزواج بما سوى المحرمات المذكورات في الكتاب والسنة حلالا، ثم أتبع هذا التحليل شروطه وهي:﴿أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ ﴾ أي أن يكون الصداق المقدم للمرأة بنية الإحصان وهو الزواج الشرعي: ﴿مُحْصِنِينَ﴾، ليس بنية مقايضة شهوة بمال كما يفعل الزناة والزواني، بل بقصد إعفاف النفس وصيانتها عن السفاح:﴿غَيْرَ مُسَافِحِينَ﴾ أي: غير مُزانين، وعبر بالمسافحة عن الزنا لأن السفح هو صب الماء، وهو ملازم للجماع غالبا، ولكنه خُص بالزنا إذ لا غرض فيه إلا صب المني، بخلاف النكاح فإن مقصوده الولد والتعاضد والتناصر بالذرية والأختان[[5]] والأصهار[[6]]، وهو تعبير بالكناية المهذبة بحيث ذكر المسافحة وأراد لازمها الذي هو الزنا، وزاد الحق سبحانه الأمر في سورة المائدة توضيحا بتحريم المخادنة وهي المخاللة الدائمة أو المنقطعة المتسترة أو المعلنة بقوله:﴿مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ﴾ المائدة 5، ثم بين ركنية الصداق الذي كتبه تعالى للنساء شرطا لإقامة الحياة الزوجية الشرعية فقال:﴿فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ﴾ أي: انتفعتم به﴿مِنْهُنَّ﴾ على تقدير مجاز بالحذف في الجملة، أي من الزواج بهن ونكاحهن الصحيح[[7]]، لأن للمرأة شخصيتها الاعتبارية المساوية للرجل وليست أداة أو بضاعة ينتفع بها ثم تنبذ كما تنبذ النواة، والاستمتاع يكون بالزواج بها لا بعينها، وذلك يوجب لها ما فرضه الله من المهر مقدما أو مؤخرا: ﴿فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً﴾. ولا اعتداد بما يذهب إليه بعضهم من تحريف لهذه الآية وتعسف في تحميلها ما لا تحتمل بغية إباحة الزنا تحت مسمى "المتعة"، أو الاحتجاجِ بقوله تعالى فيها:﴿ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً﴾، أو بما ورد عن ابن عباس في شأنها، لأن لفظ الأجر في الآية لا يعني مقايضة انتهاب شهوة بمال، والتشريع الإسلامي أقدس من أن يبيح هذه التجارة الكاسدة المبيرة، وإنما يعني الصداق، كما يبدو واضحا من السياق الوارد في إباحة النكاح الصحيح التام عقب آيات المحرمات من النساء، وكما يتبين من قوله تعالى للرسول صلى الله عليه وسلم:﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آَتَيْتَ أُجُورَهُن﴾ الأحزاب 50، أي صداقهن، وزواجه صلى الله عليه وسلم زواج صحيح تام الأركان؛ والتعبير بقوله تعالى: ﴿فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ ﴾ لم يَرِد إلا مقيدا قبله بشرطين: أولهما أن يكون نكاحا صحيحا تام الأركان بقوله عز وجل:﴿مُحْصِنِينَ﴾ وهو ما لم يتوفر في المتعة المزعومة التي جمعت كل صفات الزنا: مقايضةَ شهوة بمال، وعدمَ وجوبِ عدة أو ثبوتِ نسب أو حصولِ توارث أو انعقادِ نية دوامٍ لعشرة، وثانيهما أن يخلوَ من أي شبهة زنا بقوله:﴿غَيْرَ مُسَافِحِينَ﴾ والمتعة هي عين الزنا، لم يبحها الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يعمل بها مطلقا، بل إنه لم يرشد العاجز عن الزواج الشرعي إلا إلى الصوم وقال:(من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع منكم فعليه بالصوم فإنه له وجاء)، وليست محاولة تحريف الآية الكريمة عن سياقها إلا عن جهل باللغة العربية أو عن هوى طاغ أو تعصب أعمى. أما ما روي عن ابن عباس فقد تراجع عنه إذ قال له الإمام علي كرم الله وجهه:" إنك رجل تائه فاترك ذلك" فتركه. بل إن من أئمة الأمة الذين يستشهد بهم المبيحون للمتعة من أنكرها واستنكرها، كما هو مدون في بعض مراجعهم نفسها، مثل ما ورد في الاستبصار للطوسي ووسائل الشيعة للعاملي من قول للإمام علي رضي الله عنه:"حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم نكاح المتعة ولحوم الحُمُر الأهلية يوم خيبر"، وفي بحار الأنوار للمجلسي أن الإمام الصادق رضي الله عنه سئل عن المتعة فقال:" ما تفعله عندنا إلا الفواجر"، وفي الكافي والوسائل أن علي بن يقطين سأل موسى الكاظم رضي الله عنه عن المتعة فقال:"وما أنت وذاك فقد أغناك الله عنها" وفي المستدرك أن أبا عبد الله رضي الله عنه قال في المتعة:" أما يستحي أحدكم أن يُرى في موضع العورة فيُحمل ذلك على صالحي إخوانه وأصحابه؟" وقال لمن سأله عنها:" لا تدنس بها نفسك". ولعل اضطراب ما ورد في المتعة من روايات قبل تحريمها بالصحيح من الحديث النبوي:(ألا إنها حرام من يومكم هذا إلى يوم القيامة ومن كان أعطى شيئا فلا يأخذه) راجع إلى أنها كانت عرفا عند عرب الجاهلية، وكان الواحد منهم يقدم المدينة أو القرية في سفره فيحتاج إلى من يرعاه ويتخذ امرأة لذلك على مقدار من مال، كما كانت ذوات الرايات من البغايا يأوي إليهن طلابهن، للساعة والساعتين والشهر والشهرين، وأطلقوا على هذه العلاقة زواج متعة أو زواجا منقطعا، واقتضى التدرج في التشريع تأخير تحريمها إلى أن استأنست النفوس بصرامة التشريع الإسلامي وحرصه على تطهير المجتمع وتزكيته، فعُدَّ سكوت التشريع عنها في تلك الفترة إذنا بها أو إباحة لها، واضطربت لذلك الروايات حول ما زُعم تعددا للإذن بها أو الإباحة لها، وبالاضطراب تضعف الروايات أو تتساقط. ثم في إشارة واضحة إلى أن الزوج والزوجة طرفان متكافئان لا يغصِب أحدهما الثاني، أباح - بعد تقدير الصداق المفروض من الله تعالى - لكل منهما أن يراضي الثاني ويلبي رغبته بما لا يخل بأحكام الشرع زيادة في المهر أو إبراء منه أو هدية أو هبة أو غير ذلك مما تطيب به النفس وتحلو به العشرة فقال تعالى:﴿وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ﴾ أي لا إثم فيما يتفقان عليه من شؤون حياتهما المشتركة بعد فرض الصداق، ما كان ذلك عن تراض بينهما وغير مخل بأحكام الدين، على أن يتذكرا دائما أن علاقتهما الزوجية موثقة بعهد الله، وهو سبحانه عليم بمدى وفائهما لبعضهما حكيم فيما يقدره لهما:﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ مطلع على شؤون العباد، عليم بما يصلح لهم، مدبر بحكمته أمورهم، ومن علمه وحكمته ما وضعه من تشريع يحفظ للأسر أنسابها وأعراضها وكرامتها وأموالها. هذه أحكام بناء الأسرة المسلمة من حيث التمييز بين ما يحل من الأنكحة وما يحرم منها على التأبيد أو على غير التأبيد، ولم تذكر نصوص القرآن علة خاصة أو عامة لما حرم من النساء، ليكون الامتثال لأمر الله فيها خالصا لا شبهة فيه، كما لم تضع للعلاقة الزوجية ما كانت تضعه الجاهلية من قيود متعلقة باختلاف الأجناس والألوان والقوميات والطبقات والمقامات، أجملنا كل ذلك في هذه الحلقة بما لا يتعارض مع الإيجاز المتبع في منهج التفسير على أن يُرجع للتفاصيل في كتب الفروع الفقهية المطولة، كي يكتمل استيعاب التشريع الإسلامي الرشيد الذي أعاد الأسرة إلى مكانتها الطبيعية في المجتمع، ومهد لها سبيل القيام بدورها الحقيقي في بناء الأمة الإسلامية الشاهدة، بما أوجبه عليها من رعاية للحقوق، وما فرضه من مساواة وعدالة، وما وثق به أعضاءها من وشائج وعهود، وما أضفاه عليهم من مشاعر المحبة والمودة والعواطف النبيلة والتعاون على البر والتقوى. ------------------------------------------------------------------------ [1] - الخِطَّة: الأرض أو الدَّار يختطها الرجل في أرضٍ غيرِ مملوكةٍ ليتحجَّرها ويبني فيها، وجمعهُا الخِطط، وذلك إذا أَذِن السلطانُ لجماعةٍ من المسلمين أن يختطُّوا في موضع بعينه ويتخذوا فيها مساكن لهم، كما كان بالكُوفة والبصرة وبغداد. [2] - الحديث في البخاري: عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: جَاءَ عَمِّي مِنْ الرَّضَاعَةِ فَاسْتَأْذَنَ عَلَيَّ فَأَبَيْتُ أَنْ آذَنَ لَهُ حَتَّى أَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: (إِنَّهُ عَمُّكِ فَأْذَنِي لَهُ)، قَالَتْ: فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا أَرْضَعَتْنِي الْمَرْأَةُ وَلَمْ يُرْضِعْنِي الرَّجُلُ، قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:(إِنَّهُ عَمُّكِ فَلْيَلِجْ عَلَيْكِ)، قَالَتْ عَائِشَةُ: وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ ضُرِبَ عَلَيْنَا الْحِجَابُ. [3] - الاسْتِبْضاع نوع من نكاح الجاهلية، وذلك أَن تطلب المرأَةُ جِماع الرجل لتنال منه الولد فقط، وكان الرجل منهم يقول لأَمَته أَو امرأَته أَرسلي إِلى فلان فاسْتَبْضِعي منه ويعتزلها فلا يمَسُّها حتى يتبينَ حملها من ذلك الرجل. [4] - والضِّمادُ أَنْ يُخالل الرجلُ المرأَة ومعها زوج، قال الفراء: الضِّمادُ أَن تُصادِقَ المرأَةُ اثنين أَو ثلاثة في القحط لتأْكل عند هذا وهذا لتشبع. [5] - الأختان جمع خَتَن، وخَتَنُ الرجلِ هو المُتزوِّجُ بابنته أَو بأُخته وفي الحديث عليٌّ خَتَنُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أَي زوجُ ابنته. [6] - الأَصْهارُ أَهلُ بيت الزوجة. [7] - المجاز بالحذف يكون للإِيجاز، كحذف كلمةٍ يوجد ما يَدُلُّ عليها.كما في قوله تعالى:﴿وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ﴾ يوسف 82، أي: واسأل أهل القرية؛ فحذفت (أهل) مجازًا لأن القرية لا تُسأل ولكن يُسأل أهلها، وفي قوله تعالى:﴿منهن﴾ مجاز كذلك بحذف كلمة "الزواج" وتقدير التعبير:" من الزواج بهن".