ولي العهد الأمير الحسن يستقبل الرئيس الصيني بالدار البيضاء الذي يقوم بزيارة قصيرة للمغرب    المغرب يدعو إلى هامش أكبر من الاستقلالية المادية لمجلس حقوق الإنسان    تحطم طائرة تدريب يودي بحياة ضابطين بالقوات الجوية الملكية    متابعة موظفين وسماسرة ومسيري شركات في حالة سراح في قضية التلاعب في تعشير السيارات    هل يؤثر قرار اعتقال نتنياهو في مسار المفاوضات؟    عشر سنوات سجنا وغرامة 20 مليون سنتيما... عقوبات قصوى ضد كل من مس بتراث المغرب        رسميا: الشروع في اعتماد 'بطاقة الملاعب'    أبناء "ملايرية" مشهورين يتورطون في اغتصاب مواطنة فرنسية واختطاف صديقها في الدار البيضاء    الحكومة توقف رسوم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام    الصحراء: الممكن من المستحيل في فتح قنصلية الصين..        المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    القوات المسلحة الملكية تفتح تحقيقًا في تحطم طائرة ببنسليمان    استطلاع: 39% من الأطفال في المغرب يواجهون صعوبة التمدرس بالقرى    "الدستورية" تصرح بشغور مقاعد برلمانية    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن        رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإسلام دين الأنبياء والمرسلين.. "تأملات قرآنية في أصل التوحيد"
نشر في هوية بريس يوم 22 - 05 - 2020

إنّ الدينَ الإسلامي هو الدّين الذي ارتضاه الله لعباده المؤمنين الموحّدين، فهو دينُ الفطرة التي فطر الله الناس عليها، وبعث به كل الرسل ليُبلغوه للناس، ودعا له الرسلُ ونشروه في أرجاء المعمورة، فهو أصلُ رسالتهم الذي اتّحدوا عليه، وانطلقوا منه، فكان هو دينهم جميعاً، قال الله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلاَمُ} [آل عمران: 19]. وقال تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ *} [آل عمران: 85].
فالإسلامُ دين جميع الأنبياء والمرسلين، وإن اختلفت شرائعهم وأحكامهم، فإنّهم متفقون على الأصل الأول، وهو التوحيد والإسلام، فمثلاً:
أخبر الله عن نوح عليه السلام: {وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ *} [يونس :72].
وأخبر عن إبراهيم عليه السلام: {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ *} [البقرة :131].
وأخبر عن موسى عليه السلام: {ياقَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ *} [يونس :84].
وأخبر عن حواريي المسيح: {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا واشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ *} [المائدة :111].
وأخبر عن سليمان عليه السلام على لسان ملكة سبأ: {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ *} [النمل :44].
وأخبر سبحانه وتعالى عن الأنبياء الذين تقدموا: {يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا} [المائدة :44].
إنّ أصل الدين واحدٌ، بعث الله به الأنبياء والمرسلين جميعاً، واتفقت دعوتهم إليه، وتوحّدت سبيلهم عليه، وإنّما التعدّد في شرائعهم المتفرعة عنه، وجعلهم الله سبحانه وسائطَ بينه وبين عباده في تعريفهم بذلك، ودلالتهم عليه، لمعرفة ما ينفعهم وما يضرّهم، وتكميل ما يصلحهم في معاشهم ومعادهم.
بُعثوا جميعاً بالدّين الجامع، الذي هو عبادةُ اللهِ وحده، لا شريك له، بالدعوة إلى توحيد الله، والاستمساك بحبله المتين.
وبُعثوا للتعريف بالطريق الموصل إليه، وبُعثوا ببيان حالهم بعد الوصول إليه، فاتّحدت دعوتهم إلى هذه الأصول الثلاثة:
1 الدعوة إلى الله تعالى في إثبات التوحيد، وتقريره، وعبادة الله وحده لا شريك له ، وترك عبادة ما سواه ، فالتوحيدُ دينُ العالم بأسره من لدن آدم إلى آخر نفسٍ منفوسةٍ من هذه الأمة.
2 والتعريف بالطريق الموصل إليه سبحانه في إثبات النبوات ، وما يتفرّععنها من الشرائع ، من صلاةٍ ، وزكاة ، وصيامٍ ، وجهادٍ ، وغيرها ، أمراً ونهياً في دائرة أحكام التكليف الخمسة: الأمر وجوباً ، أو استحباباً ، والنهي تحريماً ، أو كراهة ، والإباحة ، وإقامة العدل والفضائل ، والترغيب والترهيب.
3 والتعريف بحال الخليقة بعد الوصول إلى الله: في إثبات المعاد ، والإيمان باليوم الآخر ، والموت ، وما بعده من القبر ، ونعيمه وعذابه ، والبعث بعد الموت ، والجنة والنار ، والثواب والعقاب.
وعلى هذه الأصول الثلاثة مدارُ الخلق والأمر ، وبُعث به الأنبياء والرسل جميعاً ، وتلك هي الوحدة الكبرى بين الرسل والرسالات والأمم ، وهذا هو المقصود من قول النبي (ص): «إنّا معاشرَ الأنبياءِ أخوةٌ لِعلاتٍ ، أمهاتُهم شتّى ، ودينُهم واحدٌ» ، وهو المقصود في مثل قول الله تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ *} [الشورى :13]. وهذه الأصول الكلية هي ما تضمنته عامة السور المكية من القرآن الكريم.
وإذا تأملتَ سرّ إيجاد الله لخلقه ، وهو عبادته ، كما في قول الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ *} [الذاريات :56]. عرفتَ ضرورةَ توحُّد الملة والدين ، ووحدةِ الصراط ، ولهذا جاء في أم القران فاتحةِ كتاب الله عز وجل: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ *صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ *} [الفاتحة :6 7] ثم أتبع ذلك بأن أهل الكتاب ، خارجون عن هذا الصراط فقال: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ *} [الفاتحة: 7].
وبهذا تدركُ الحكمَ العظيمة ممّا قصه الله تعالى علينا في القرآن العظيم من قصص الأنبياء وأخبارهم مع أممهم لأخذ العبرة ، والتفكر ، وتثبيت أفئدة الأنبياء ، وإثبات النبوة والرسالة ، وجعلها موعظةً للمؤمنين ، وأخبار الأمم المكذّبة لرسلهم ، وما صارت إليه عاقبتُهم ، وأنها سننه سبحانه فيمن أعرض عن سبيله.
والدّينُ بهذا الاعتبار هو (دين الإسلام) بمعناه العام ، وهو: إسلام الوجه للهوطاعته ، وعبادته وحده ، والبراءة من الشرك ، والإيمان بالنبوات ، والمبدأ والمعاد.
ولوحدة الدين بهذا الاعتبار في دعوة جميع الأنبياء والمرسلين وحّد سبحانه (الصراط) و(السبيل) في جميع آيات القرآن الكريم ، وهذا الدين (دين الإسلام) باعتبار وحدته العامة وتوحد صراطه وسبيله ، هو الذي ذكره الله في آيات من كتابه عن أنبيائه: نوح ، وإبراهيم ، وبنيه ، ويوسف ، وموسى ، وسليمان ، وجواب بلقيس ملكة سبأ ، وعن الحواريين ، وعن سحرة فرعون ، وعن فرعون حين أدركه الغرق.
ودين الإسلام بهذا الاعتبار: هو دين الأنبياء والمرسلين جميعاً وملتهم ، بل إن إسلام كل نبي ورسول يكون سابقاً لأمته ، وهو محل بعثته إلى أمته ، وما يتبع ذلك من شريعته ، كما قال الله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل :36] وقال سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ *} [الانبياء :25].
وإنما خص الله سبحانه نبيه إبراهيم عليه السلام بأن: (دين الإسلام) بهذا الاعتبار العام هو ملته في مثل قوله تعالى: {قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} [ال عمران: 95] لوجوهٍ:
1 أنه عليه السلام واجه من أجل تحقيق التوحيد وتحطيم الشرك أمراً عظيماً ، وقد نصره الله بعد ذلك ، وهو ما قصَّ الله خبره.
2 أن الله سبحانه وتعالى جعل في ذريته النبوة والكتاب ، ولذا قيل له: (أبو الأنبياء) ولذا قال الله تعالى: {مِلَّةَ أَبِيكُمْ} [الحج :78].
وهو عليه السلام تمام ثمانية عشر نبياً سمّاهم الله في كتابه من ذريته وهم: ابنه إسماعيل، ومن ذريته: محمد بن عبد الله، عليهما الصلاة والسلام، وابنه إسحاق ومن ذريته: يعقوب، ويوسف، وأيوب، وذو الكفل، وموسى، وهارون، وإلياس، واليسع، ويونس، وداود، وسليمان، وزكريا، ويحيى، وعيسى، عليهم السلام.
3 لإبطال مزاعم اليهود والنصارى في دعواهم أنهم على ملة إبراهيم عليه السلام ، فقد كذبهم الله تعالى في قوله تعالى: {أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ *} [البقرة :140].
وردّ الله عليهم محاجتهم في ذلك بقوله تعالى: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَآجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالإِنْجِيلُ إِلاَّ مِنْ بَعْدِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ *هَاأَنْتُمْ هَؤُلاَءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَآجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ *مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ *} [آل عمران: 65 67]. ثم بين سبحانه إن أَوْلى الناس بإبراهيم هم الذين على ملته وسنته، فقال تعالى: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ *} [ال عمران: 68].
وبيّن سبحانه مدى الضلال البعيد في جُنوح أهل الكتاب إلى هذه الدعوى ، وما هم فيه من الغلو والضلال ، قال تعالى: {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ *} [المائدة :77].
ويبيّن سبحانه أنّ هذه المحاولة الكاذبة اليائسة من أهل الكتاب جاريةٌ في محاولاتهم مع المسلمين لإضلالهم عن دينهم ، ولبس الحق بالباطل ، فقال تعالى:
{ وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ،فَإِنْ آَمَنُوا بِمِثْلِ مَا آَمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ *} [البقرة :135 137].
وهكذا يجد المتأمل في كتاب الله تعالى التنبيه في كثير من الآيات إلى أن هذا القرآن ما أُنزل إلا ليُجدِّدَ دين إبراهيم عليه السلام، حتى دعاهم بالتسمية التي يكرهها اليهود والنصارى، (ملة إبراهيم) فأقرأ قول الله تعالى: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [الحج :78].
والخلاصة: أن لفظ: (الإسلام) له معنيان.
معنى عام: يتناول إسلامَ كلِّ أمةٍ متبعة لنبي من أنبياء الله ، الذي بعث فيهم ، فيكونون مسلمين حنفاء على ملة إبراهيم بعبادتهم لله وحده ، واتباعهم لشريعة مَنْ بعثه الله فيهم ، فأهل التوراة قبل النسخ والتبديل مسلمون حنفاء على ملة إبراهيم ، فهم على (دين الإسلام).
ثم لمّا بعث الله نبيه عيسى عليه السلام كان على الإسلام.
ثم لمّا بعث الله محمداً (ص) وهو خاتمهم ، وشريعته خاتمة الشرائع ، ورسالته خاتمة الرسالات ، وهي عامّةٌ لأهل الأرض ، وجب على أهل الكتابينِ وغيرهم اتباع شريعته ، وما بعثه الله به لا غير ، فمن لم يتبعه فهو كافر ، لا يوصف بالإسلام ، ولا أنّه حنيف ، ولا أنّه على ملة إبراهيم ، ولا ينفعه ما يتمسّك به من يهودية أو نصرانية ، ولا يقبله الله منه.
فبقي اسم (الإسلام) عند الإطلاق منذ بعثة محمد (ص) حتى يرث الله الأرض ومن عليها ، مختصاً بمن يتبعه لا غير. وهذا هو معناه الخاص الذي لا يجوز إطلاقه على دين سواه ، فكيف وما سواه دائر بين التبديل والنسخ ، فإذا قال أهل الكتاب للمسلمين: فقد أمر الله المسلمين أن يقولوا لهم: {كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا}فقد أمر الله المسلمين أن يقولوا لهم: {قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا}ولا يوصَفُ أحدٌ اليوم بأنه مسلم ، ولا أنّه على ملة إبراهيم حنيفاً ، ولا أنّه من عباد الله الحنفاء إلا إذا كان متّبعاً لما بعث الله به خاتم أنبيائه ورسله محمّداً (ص).
وأمّا تنوع الشرائع وتعدُّدُها: فيقول الله تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة :48].
شرعة: أي شريعة وسنة ، قال بعض العلماء: سميت الشريعةُ شريعةً ، تشبيهاً بشريعة الماء ، من حيث إنّ مَنْ شرع فيها على الحقيقة المصدوقة رُوي وتطهّر.
ومنهاجاً: أي طريقاً وسبيلاً واضحاً إلى الحق ، ليعملَ به في الأحكام ، والأوامر والنواهي ، ليعلم الله من يُطيعه ممّن يعصيه.
ويقول سبحانه: {لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلاَ يُنَازِعُنَّكَ فِي الأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدىً مُسْتَقِيمٍ *} [الحج :67]. منسكاً: متعبداً ، هم ناسكوه: متعبدون به.
وقال تعالى في حق نبيه ورسوله محمد (ص): {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا} [الجاثية :18].
وقد علمنا الأصولَ التي تساوت فيها الملل ، وتواطأت دعوةُ أنبياء الله ورسله عليها: على دين واحد ، وملة واحدة ، في تقرير العبودية لله سبحانه لا شريك له ، وتوحيده ، وتقرير النبوة والمعاد ، ووحدة التشريع من عند الله تعالى ، فهذه لا تتغير ولا تتبدل ، ولا يدخلها نسخٌ ، فهي محكمة غيرُ منسوخة ، ولا تقبل الاجتهاد ولا التخصيص.
أما الشرائع ، فهي مختلفة ، متنوعة ، متعددة ، ويعترضُها النسخ ، فشريعة كل رسولٍ تخالف الأخرى في كلِّ أو بعضِ أمور التشريع ، فهناك حكم تعبدي في شريعة رسول ينتهي بانتهاء شريعته ببعثة رسول آخر ، وهناك حكم يغير في بعض جزيئاته في وقته ، أو كيفيته ، أو مقداره ، أو حكمه من التشديد إلى التخفيف وبعكسه. وهناك حكم يكون في شريعة لاحقةً دون السابقةِ أو عكسهوهكذا من تنوع التشريع في الأحكام العملية والقولية ، من الأوامر والنواهي حسب سابق علم الله تعالى وحكمته في تشريعه وأمره بأوضاع كل أمة ، وأزمانها وأحوالها ، وطبائعها من قوتها وضعفها ، وحسب أبدية التشريع ، أو تغييره ونسخه ، وهذا يكاد ينتظِمُ أبوابَ التشريع في العبادات والمعاملات والنكاح ، والجنايات والحدود ، والإيمان والنذور والقضاء وغير ذلك من الفروع ، التي ترجع إلى وحدة الدّين والملة ، ولذا فإنَّ شريعةَ الإسلام وهي آخر الشرائع باينت جميع الشرائع في عامة الأحكام العملية والقولية ، والأوامر والنواهي لِمَا لها من صفة الدوام والبقاء ، وأنها آخرُ شريعةٍ نزلت من عند الله ناسخةٌ لما قبلها من شرائع الأنبياء.
المراجع:
* علي محمد الصلابي، الإيمان بالرسل والرسالات، دار المعرفة بيروت، 2011، ط1، صفحة 37:30.
* بكر عبدالله أبو زيد، الإبطال لنظرية الخلط بين دين الإسلام وغيره من الأديان، صفحة 50، 51، 53، 57.
* سيد سعيد عبدالغني، العقيد الصافية للفرقة الناجية، صفحة 119، 120.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.