"دور الشباب في مناصرة حقوق الإنسان" موضوع الحلقة الأولى من سلسلة حوار القيادة الشبابية        واشنطن ترفض توقيف نتانياهو وغالانت    وفاة ضابطين اثر تحطم طائرة تابعة للقوات الجوية الملكية اثناء مهمة تدريب    المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره    أمن البيضاء يوقف شخصا يشتبه في إلحاقه خسائر مادية بممتلكات خاصة    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    توقيف الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال في مطار الجزائر بعد انتقاده لنظام الكابرانات    الحكومة تُعزز حماية تراث المغرب وتَزيد استيراد الأبقار لتموين سوق اللحوم    رسميا.. اعتماد بطاقة الملاعب كبطاقة وحيدة لولوج الصحفيين والمصورين المهنيين للملاعب    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    يخص حماية التراث.. مجلس الحكومة يصادق على مشروع قانون جديد    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    الجديدة.. الدرك يحبط في أقل من 24 ساعة ثاني عملية للاتجار بالبشر    إتحاد طنجة يستقبل المغرب التطواني بالملعب البلدي بالقنيطرة    برقية تهنئة إلى الملك محمد السادس من رئيسة مقدونيا الشمالية بمناسبة عيد الاستقلال    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    القوات المسلحة الملكية تفتح تحقيقًا في تحطم طائرة ببنسليمان    "الدستورية" تصرح بشغور مقاعد برلمانية    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا        وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    مشاريع كبرى بالأقاليم الجنوبية لتأمين مياه الشرب والسقي    رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدين والشرع الذي عند الله
نشر في هسبريس يوم 25 - 03 - 2019


تقديم
يقول تعالى: "شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ..." [الشُّورَى: 13].
ويقول تعالى: "مَا يُقَالُ لَكَ إِلاَّ مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ" [فُصِّلَتْ: 43].
كانت كلمة "الشرع" عند المسلمين الأوائل تشمل أصول الدين أو العقيدة أساسا، كما تشمل العبادات والأخلاق كذلك، وهذا أمر واضح جليّ عندهم، فقد ألف الإمام أبو بكر الآجري (360 ه) كتاب "الشريعة"، وهو كتاب في أصول الدين، وألف الراغب الأصبهاني (502 ه) كتاب "الذريعة إلى مكارم الشريعة"، وهو كتاب في الأخلاق، أي أنه لم يكن في عرفهم الديني أن "الشريعة" تقتصر على الأحكام العملية التكليفية والوضعية.
وهذا هو ما دفعني إلى إعادة اختبار مضامين هذا المصطلح، بعيدا عن التعريف اللغوي للشريعة بأنها هي منحدر الماء، ومورد الشاربة، والطريق القويم، ومتجاوزا التعريف الاصطلاحي، الذي يتلخص في "ما شرعه الله لعباده من الدين من أحكام وقواعد لتنظيم حياتهم..."، لأقف دارسا لأفراد، ومتأملا في مصاديق ما شرعه الله لسيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ولإخوانه من الأنبياء الذين وردوا في الآية، مما اشتركوا فيه، استقبالا من الله تعالى وحيا، وتبليغا لأممهم تشريعا.
فما علينا إلا أن نستقرِيَ ونتتبع الآيات، ثم نبسط ونعرض ما كان مشتركا بينهم، مضمّنا في دعوتهم جميعا، لنرى أن الدين الذي بعثهم به الله تعالى دين واحد، وهو الإسلام جوهرا وأصولا، أرسل به أنبياءه ورسله جميعا بأعداد يعلمها هو سبحانه وتعالى، لإرشاد البشرية إلى توحيد الله وعبادته والتزلف إلى جنابه والتحلي بمحاسن الأخلاق.
وهذا مما لا ينبغي أن يبعث على الدهشة، ويدعو إلى الاستغراب، في زمان اعتاد الناس فيه مراوغة النصوص البينات، والالتفاف على معانيها الواضحات، وسرد النصوص المواكِبة للتوجه العام، مع أن النصوص القرآنية تضافرت على بيان هذا المعنى المذكور، والتأكيد عليه بأعداد هائلة وبأسلوب واضح وبنصوص دقيقة.
وما قصدت ذلك ورميت إليه، إلا لأنني أبحث عن شفاء علّتي وريّ غُلّتي ونجاة مهجتي.
وهنا، أحب أن أجلي مضامين المشترك التشريعي بين الأنبياء كما جاءت في نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة مبوبة على الترتيب التالي:
الدين الذي وصى الله به أنبياءه واحد
الإسلام دين الأنبياء جميعا
الإيمان بالله والإقرار بوحدانيته
الصلاة والزكاة في الأمم السابقة
الصيام في الأمم السابقة
الحج في الأمم السابقة
الأخلاق في الأمم السابقة
خلاصة وخاتمة.
الدين الذي وصى الله به أنبياءه واحد
عندما يقول الله تعالى: "إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإِسْلاَمُ ..." [آلِ عِمْرَانَ: 19]، فهو يتحدث عن الدين الذي عنده تعالى، أي الدين المطلق والمتعالي، الدين الجوهر، الدين الطري، الدين الأنموذج، الدين الأصل... ولا يتحدث عن الدين الذي عند الناس، الدين الممارس في الأرض، الدين الذي لبسه الإنسان، الدين الذي دخلته الطباع والثقافات والعادات، الدين الذي دخلته التحريفات النصية والتأويلية والفعلية، الدين النسبي، الدين الذي تأثر بالاجتماع الإنساني وبالسياسة وبالمصلحة والطبع والمزاج.
ولا شك أن هذا الدين الذي عند الله صافٍ نقيٌ غضٌّ طريٌّ ثابت لا يتغير ولا يتحول في جوهره، من زمان لزمان، ومن وطن لوطن، ومن نبي لنبي، وهو الإسلام الذي أرسل به جميع أنبيائه، ودعا إليه جميع عباده، ذلك الإسلام الخالص الشفاف، ذلك الإسلام الذي ارتضاه لعباده، وأسعدهم به، ونجاهم به، وأحياهم به، ونوّرهم به، وأسماهم ورقّاهم به، وتعرف إليهم به.
قال تعالى: "وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ" [الأنبياء: 25]. وقال تعالى: "وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اُعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلاَلَةُ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ" [النَّحْل: 36]. وقال تعالى: "إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللهَ قَالُوا لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لَأَنْزَلَ مَلاَئِكَةً فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ" [سُورَةُ فُصِّلَتْ: 14]. وقال تعالى: "قُلْ آمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ" [آلِ عِمْرَانَ: 84]. وقال تعالى: "رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزًا حَكِيمًا" [النِّسَاء: 165]. وقال تعالى: "إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا" [النِّسَاء: 163]. وقال تعالى: "يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ" [الْمُؤْمِنُون: 51]. وقال تعالى: "وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ" [الْمُؤْمِنُون: 52]. فذهب معظم المفسرين إلى أن المراد من لفظ "الأمّة" المذكور في هذه الآية هو الدين، أي إن هذا دينكم دين واحد.
روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الأنبياء إخوة من علات، وأمهاتهم شتى، ودينهم واحد".
وروى الطبراني في الأوسط والبزار في مسنده عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن ربكم واحد وإن أباكم واحد، ودينكم واحد، ونبيكم واحد". قال الهيثمي: ورجال البزار رجال الصحيح.
الإسلام دين الأنبياء جميعا
قلنا إن الإسلام الذي بعث به الأنبياء والرسل وأتباعهم هو الإسلام الذي خوطب به سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم. وإليكم الأدلة:
نوح عليه السلام:
قال تعالى: "وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللهِ فَعَلَى اللهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلاَ تُنْظِرُونِ * فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ * فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلاَئِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ". [يُونُسَ: 71-73].
إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام:
قال تعالى: "رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ" [البَقَرَة: 128]. وقال تعالى: "إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ" [ سُورَةُ البَقَرَةِ : 131]. وقال تعالى: "مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ" [آلِ عِمْرَانَ: 67].
يعقوب وأبناؤه عليهم السلام:
قال تعالى: "وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ" [سُورَةُ البَقَرَةِ: 132-133].
يوسف عليه السلام:
قال تعالى: "رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ [يُوسُف: 101].
موسى عليه السلام:
قال تعالى: "وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ" [يُونُس: 84].
سحرة فرعون:
"وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ" [الأَعْرَاف: 126].
سليمان عليه السلام والملكة بلقيس:
"فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ" [النَّمْل: 42].
قال تعالى: "قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [النَّمْلِ: 44].
عيسى بن مريم عليه السلام:
قال تعالى: "فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللهِ آمَنَّا بِاللهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ" [آلِ عِمْرَانَ: 52]. وقال تعالى: "وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ [الْمَائِدَة: 111].
الجن
"وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا" [الجِنّ: 14].
يقول الإمام القرافي (684 ه) في شرح "تنقيح الفصول في علم الأصول": "يَردُ على الكل أن المقصود قواعد العقائد لا جزئيات الفروع؛ لأنها هي التي وقع الاشتراك فيها بين الأنبياء كلهم، وكذلك، القواعد الكلية من الفروع. أما جزئيات المسائل فلا اشتراك فيها، بل هي مختلفة في الشرائع).
وقال رحمه الله: "وأما نسخ شريعة بشريعة، فذلك لم يقع بين الشرائع في القواعد الكليّة، ولا في العقائد الدينية، بل في بعض الفروع، مع جوازه في الجميع عقلاً، غير أنه لم يقع، وإذا قيل إن شريعتنا ناسخة لجميع الشرائع؛ فمعناه في بعض الفروع خاصة".
الإيمان بالله والإقرار بالوحدانية
نبتدئ بأول الواجبات المشتركة بينهم، وهو الإيمان بالله وتوحيده والإيمان باليوم الآخر وما يتفرع عنهما من إيمان بالحساب والجنة والنار، وهو ما بنيت عليه الأديان السماوية جميعها، إذ ما من نبي بُعث إلا ويدعو أمته إلى الإيمان بالله وتوحيده وعبادته. قال تعالى: "وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ" [الأنبياء: 25]. وقال تعالى: "وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُون" [الزخرف: 45]. وقال تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ" [البَقَرَةِ: 62]. وقال تعالى: "وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ" [سُورَةُ البَقَرَةِ: 126]. وقال تعالى: "لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ * يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ" [آلِ عِمْرَانَ: 113-114]. وقال تعالى: "لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا" [النِّسَاءِ: 162]. وقال تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ" [الْمَائِدَةِ: 69]
وروى الترمذي وغيره عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير".
نوح عليه السلام:
وقال تعالى: "لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ" [الأَعْرَافِ: 59].
هود عليه السلام:
قال تعالى: وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ [الأَعْرَاف: 65]. وقال تعالى: "وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ" [هُود: 50].
شعيب عليه السلام:
قال تعالى: وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلاَ تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [الأَعْرَاف: 85]. وقال تعالى: "وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الآخِرَ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ" [العَنْكَبوت: 36].
صالح عليه السلام:
قال تعالى: "وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ"[الأَعْرَاف: 73].
الصلاة والزكاة في الأمم السابقة
لا شك أنه بعد الإقرار بوحدانية الله، والاعتراف باستحقاقه وحده للعبادة، والتوجه إليه بالكلِّية، وإفراده بالقصد، تأتي الصلاة ركنا ركينا وجوهرا أساسا في كل رسالة، وابتداء من الوضوء الذي هو شرط آكد للصلاة.
روى أحمد وغيره عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من توضأ واحدة فتلك وظيفة الوضوء التي لا بد منها، ومن توضأ اثنتين فله كفلان، ومن توضأ ثلاثا فذلك وضوئي، ووضوء الأنبياء قبلي".
إبراهيم وذريته عليهم السلام:
قال تعالى: "رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ" [إِبْرَاهِيم: 37]. وقال تعالى: "رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ" [ إِبْرَاهِيم: 40]. وقال تعالى: "وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لاَ تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ" [الْحَجّ: 26]. وقال تعالى: "وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ" [البَقَرَة: 125]. وقال تعالى: "وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبِيًّا* وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا" [مَرْيَم: 54-55]. وقال تعالى: "وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ" [الأَنْبِيَاء: 73].
موسى وهارون عليهما السلام وقومهما:
قال تعالى: "وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ" [يُونُس: 87]. وقال الله تعالى لموسى: "إِنَّنِي أَنَا اللهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاَةَ لِذِكْرِي" [طَه: 14]. وقال تعالى: "وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ" [البَقَرَةِ: 83]. وقال تعالى: "وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاَةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللهَ قَرْضًا حَسَنًا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ" [الْمَائِدَة: 12].
لقمان الحكيم:
وقال تعالى: "يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاَةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ" [لُقْمَان: 17].
مريم عليها السلام:
"يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ" [آلِ عِمْرَان: 34].
عيسى عليه السلام:
وقال تعالى: "وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا" [مَرْيَم: 31].
وفي الصحيحين عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: "أحب الصلاة إلى الله صلاة داود عليه السلام".
الصيام في الأمم السابقة
يعد الصيام رابع أركان الإسلام الذي كتبه الله على الأنبياء السابقين وأقوامهم، وعلينا معشر المسلمين.
قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" [البَقَرَة: 183].
وفي الصحيحين عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: "أحب الصيام إلى الله صيام داود، وكان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه، وينام سدسه، ويصوم يوما، ويفطر يوما".
وروى البخاري في تاريخه، والطبراني في معجمه الأوسط والكبير: "كان على النصارى صوم شهر رمضان، وكان عليهم ملك فمرض فقال: لئن شفاه الله ليزيدن عشرا، ثم كان عليهم ملك بعده يأكل اللحم فوجع، فقال: لئن شفاه الله ليزيدن ثمانية أيام، ثم كان ملك بعده فقال: ما تدع من هذه الأيام أن يتمها ونجعل صومنا في الربيع، ففعل فصارت خمسين يوما".
قال ابن العربي في أحكام القرآن في آية الصيام في سورة البقرة: "وجه التشبيه فيه محتمل لثلاثة أوجه: الزمان، والقدر، والوصف". وقال: "والمقطوع به أنه التشبيه في الفرضية خاصة، وسائره محتمل".
فتكون الخلاصة أن التشابه بيننا وبين الأمم السابقة قطعيّ في أصل فرضية الصيام عليهم، وظنيّ محتمل في قدْر الصيام وعدد أيامه، وفي وصفه وطبعه وكيفيته وماهية المصوم عنه، وأخيرا في زمان مجيئه ابتداء وانتهاءً.
الحج في الأمم السابقة
الحج كما هو ركن من أركان الإسلام، فهو كذلك مكتوب على الأمم السابقة منذ عهد إبراهيم.
قال تعالى لسيدنا إبراهيم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام: "وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ" [الْحَجِّ: 27]. وقال تعالى: "وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ [البَقَرَة: 125]. وقال تعالى: "لِكُلِّ أُمّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوه" [الحج: 67]. وقال تعالى: "ولِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكًا لِيَذْكُروا اسْمَ اللهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِنْ بَهيمةِ الأنعامِ" [الحج: 34].
روى البخاري عن عائشة: "كانت قريش ومن دان دينها يقفون بالمزدلفة، وكانوا يسمون الحُمْسَ، وكان سائر العرب يقفون بعرفات، فلما جاء الإسلام أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يأتي عرفات، ثم يقف بها، ثم يفيض منها"، فذلك قوله تعالى: ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس" [البقرة: 199].
وروى مسلم من حديث ابن عباس قال: "سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين مكة والمدينة، فمررنا بواد، فقال: أي واد هذا؟ فقالوا: وادي الأزرق، فقال: كأني أنظر إلى موسى صلى الله عليه وسلم، فذكر من لونه وشعره شيئا لم يحفظه داود واضعا إصبعيه في أذنيه، له جؤار إلى الله بالتلبية، مارا بهذا الوادي. قال: ثم سرنا حتى أتينا على ثنية، فقال: أي ثنية هذه؟ قالوا: هرشى - أو لفت - فقال: كأني أنظر إلى يونس على ناقة حمراء، عليه جبة صوف، خطام ناقته ليف خلبة، مارا بهذا الوادي ملبيا".
قال الطاهر بن عاشور في "التحرير والتنوير": "وكان للأمم المعاصرة للعرب حجوج كثيرة، وأشهر الأمم في ذلك اليهود، فقد كانوا يحجون إلى الموضع الذي فيه تابوت العهد، أي إلى هيكل "أورشليم"، وهو المسجد الأقصى ثلاث مرات في السنة ليذبحوا هناك، فإن القرابين لا تصح إلاّ هناك، ومن هذه المرات مرة في عيد الفصح، واتخذت النصارى زيارات كثيرة حجاً، أشهرها زياراتهم لمنازل ولادة عيسى عليه السلام وزيارة أورشليم وكذا زيارة قبر ماربولس وقبر ماربطرْس بروم" انتهى.
الأخلاق في الأمم السابقة
لقد بعث الله تعالى الأنبياء جميعا - بعد الإيمان بالله وتوحيده - بالدعوة إلى التحلية بالأخلاق الحميدة وتكثيرها، والتخلية من الأخلاق الذميمة وتقليلها، بحيث دعوا جميعهم إلى الصدق في القول والعمل والأمانة والإحسان والإنفاق والكرم وفعل الخيرات والتعاون على البر والتقوى وصلة الأرحام... والقرآن الكريم طافح بالأمثلة والنماذج التي تؤكد على هذا الأمر، نذكر بعضها للبيان والتحصيل:
شعيب عليه السلام يوصي بالإيفاء بالكيل وترك الفساد:
قال تعالى: "وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلاَ تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ" [الأَعْرَافِ: 85]. وقال تعالى: "وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلاَ تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ * وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ" [هُود: 84-85].
لوط عليه السلام ينهى عن الفواحش:
قال تعالى: "وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ" [الأَعْرَاف: 80].
هود عليه السلام ينهى عن الاستكبار:
قال تعالى: "فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ" [فُصِّلَتْ: 15]. وقال تعالى: "أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ * وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ * وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ" [الشُّعَرَاءِ: 128-130].
موسى عليه السلام مبعوثا لإنقاذ بني إسرائيل من فعل فرعون:
"وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاَءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ" [البَقَرَةِ: 49].
ولا شك أن كل الأنبياء دعوا الناس بعد الإيمان بالله والإقرار بوحدانيته إلى التحلي بمكارم الأخلاق وفعل الخيرات، واجتناب سيئ الأخلاق وترك المنكرات، ثم جاء خاتم النبيين والمرسلين ليتمم تلك المكارم، وهذا مما لا يجوز الاختلاف حوله، فالقرآن الكريم مملوء بالآيات التي تحدثنا عن دعوة الأنبياء والمرسلين إلى التخلق بالفضائل وترك الرذائل. وما ذكرته في هذا الباب إلا تأكيدا على ذلك وكذلك لمناسبة المقام، وينضم إلى قريناته من التكاليف المذكورة التي اشترك الأنبياء جميعا فيها.
خلاصة وخاتمة
ومن هنا يمكننا القطع أن الله تعالى بعث النبيين عبر التاريخ بدين واحد هو دين الإسلام، وهو إفراد الله تعالى بالعبودية وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والصيام والحج، وهذه هي ثوابت ديننا الحنيف الإسلام الذي أنزل على سيدنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم، والذي أنزل على إخوانه الأنبياء عليهم السلام، كما بينا بالأدلة المستفيضة. فيكون قوله تعالى: "إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإِسْلاَمُ ..." [آلِ عِمْرَانَ: 19] آية تبين أن الدين عند الله دين واحد لا يتغير، من حيث أصوله وكلياته.
فالإيمان بالله واليوم الآخر والبعث والحساب والإيمان بالجنة والنار شيء ثابت لا نسخ فيه.
والعبادات من صلاة وزكاة وصيام وحج وذكر، واحدة لا نسخ فيها.
والأخلاق كالصدق والتواضع والحب والكرم والإنفاق خصال دعا إليها كل الأنبياء وحتى غير الأنبياء، إذ إنها محمودات ممدوحات في كل الأمم، واحدة لا نسخ فيها.
والقواعد الكبرى والكليات الأساسية للأحكام ثابتة لا نسخ فيها.
يقول القرافي رحمه الله: "وأما نسخ شريعة بشريعة، فذلك لم يقع بين الشرائع في القواعد الكليّة، ولا في العقائد الدينية، بل في بعض الفروع، مع جوازه في الجميع عقلاً، غير أنه لم يقع، وإذا قيل إن شريعتنا ناسخة لجميع الشرائع؛ فمعناه في بعض الفروع خاصة".
فيقع النسخ في بعض جزئيات الأحكام العملية وليس في الأصول والكليات.
يقول تعالى: "...لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ"[الْمَائِدَةِ: 48].
فدعانا الله تعالى جميعا إلى استباق الخيرات والسعي نحو الأعمال الصالحة النافعة المثمرة، ولم يجعل لأحدنا الفضل إلا بالتقوى. فقال تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ" [الْحُجُرَات: 13].
ثم إنه حذرنا من المعاصي والموبقات، كما حذر من قبلنا، ولم يجعل لنا فضلا على أحد، وسوّى بين جميع عبيده في الخطاب التحذيري، حتى لا يغتر أحد فيما أوتي ولا يجتهد في الاستقامة بدعوى الأفضلية، فالله تعالى لا ولي له من غير الطائعين:
قال تعالى: "لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلاَ أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا" [النِّسَاء: 123].
وهذا لنعلم أن الخيرية في قوله تعالى: "كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ...." [آلِ عِمْرَانَ: 110]، خيرية مرتبطة بهذه الأوصاف المذكورة وليست مستقلة عنها، بحيث يفعل المسلم ما يحلو له من إفساد وظلم وإهلاك للحرث والنسل، ثم ينتظر الجنة باعتبار أن المسلمين هم خير أمة أخرجت للناس؛ وإنما ربط الخيرية بتلك الأوصاف المباركة لكي نستديمها ونعمل بها، لا لكي نجعلها وراء ظهورنا.
وهذا لنفهم أن ما ذكره الله تعالى في كتابه الكريم من عقوبات للأمم بسبب إفسادها في الأرض ليس ضربا من التسلية لنا، وجَعْلِنا استثناء من الأمم، فنكون بمنأى عن الهلاك والدمار والعقاب، وإنما لكي نهتدي ولا نضِل، لكي نصلح ولا نفسد، لكي نستقيم ولا نميل، حتى لا يصيبنا ما أصابهم عند عدولهم عن العدل والقسط وميلهم إلى الظلم والفساد.
وهنا ينبغي الكف عن الاغترار والافتخار على باقي الأمم، فالله تعالى لا يميزنا على الخلق بأسمائنا أو بتموقعنا الجغرافي أو بحسَبنا، وإنما يفاضل بين عباده بالتقوى والاستقامة. فنحن لا ندري هل حفظنا الأمانة فيمن حفظ أم ضيعناها فيمن ضيع، وهل وفينا بالعهد أم أخلفنا الوعد، وهل أحسنّا فيما أوتينا أم أسأنا التناول.
فالقضية ليست في القرآن الذي نزل بالحق، وبالحق أنزله الله، فلا يشك مسلم في مطلقيته وحقيته وتعاليه، وإنما القضية هنا في مدى اتباع المسلمين لنور الهداية، ومدى التزامهم به، واتباعهم لتعاليمه بين الأمم، فنحن كباقي البشر معرضون للخطيئة والذنب والعصيان، سواء على مستوى الباطن كالحقد والغل والحسد والقسوة، أو على مستوى الظاهر كأكل أموال الناس بالباطل والعمل ببعض الكتاب وترك بعضه وغصب حقوق الناس والسطو على ممتلكاتهم، فمن يعمل مثقال ذرة من خير يجدها عند الله، ومن يعمل مثقال ذرة من شر يجدها عند الله، يوم تجد كل نفس ما عملت من خير ومن سوء محضرا.
"رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ" [آلِ عِمْرَان: 8].
*باحث في الفكر الإسلامي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.