أكدت المملكة المغربية، على لسان وزير خارجيتها، ناصر بوريطة، على ضرورة توفير هامش أكبر من الاستقلالية المادية لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وتطوير وتحيين آلياته وأدواته اشتغاله، خاصة آلية الاستعراض الدوري الشامل، مشددة في الوقت ذاته على أهمية تعزيز مشاركة الدول الإفريقية في صياغة قواعد حقوق الإنسان، والقطع مع منطق أن تظل إفريقيا مستهلكا لهذه القواعد لا مساهما في إنتاجها، مع ضرورة اعتراف المنتظم الدولي الحقوقي أيضا، بنجاعة وكفاءة التجارب والحلول الإفريقية في مجال النهوض بحقوق الإنسان. جاء ذلك في كلمة ألقاها المسؤول المغربي خلال افتتاح الخلوة السنوية لمجلس حقوق الإنسان، اليوم الخميس بالرباط، الذي رفع مجموعة من المقترحات المغربية لأشغال هذه الخلوة، على رأسها ضرورة "التوفيق بين التشبث بالعلاقة الضرورية بمجلس حقوق الإنسان والجمعية العامة للأمم المتحدة من جهة، وبين إعطاء المجلس هامشا كافيا من الاستقلالية في الموارد ومجال أرحب للتمويل الذاتي وتطوير الخبرات من جهة أخرى"، مضيفا أن "المغرب يرى أن الاستقرار المؤسساتي الحالي يكفل فعليا الإبقاء على قضايا حقوق الإنسان ضمن أهم ركائز منظومة الأممالمتحدة، إلا أن ذلك يقتضي أيضا صيانة توافق شجاع يرتقي بأداء المجلس عبر تزويده بالموارد المالية والبشرية الكافية الذاتية والمتطورة للقيام بمهامه بالشكل المطلوب". وعلاقة بأدوات عمل المجلس، أكد بوريطة أن هذا الأخير "حقق مجموعة من المكتسبات التي يجب تطويرها وتحسين أدائها، وإلا فتُفضي إلى نتائج عكسية. وفي هذا الصدد، أود الإشارة إلى نموذجين: الأول يهم الاستعراض الدوري الشامل، فإذا كان إحداثه أداة أساسية للتفاعل بين المجلس حقوق الإنسان، فإن هذه الآلية يجب ألا تسقط في فخ الرتابة والروتين البيروقراطي. لذا، فإن تحيين طرق اشتغالها ضرورة ملحة لضمان نجاعة مسارات التتبع ومواكبة جهود الدول الرامية إلى تنفيذ التوصيات التي تلقتها طبقا لأولوياتها الوطنية". أما النموذج الثاني، أورد المسؤول المغربي ذاته، فيتعلق ب"المجتمع المدني الذي يشكل التفاعل المنفتح عليه جزءا لا يتجزأ من منظومة حقوق الإنسان وبالأخص مجلس حقوق الإنسان.. وبقدر ما أن الإقصاء الكلي لفعاليات المجتمع المدني منطق مرفوض وغير جدي، فإن نزعات الاستعاضة بالمجتمع المدني عن الدور المحوري للدول والحكومات تمس بسلامة ومصداقية المنظومة بشكل عام"، مسجلا أن "المغرب يعتبر أن هناك فضاء رحبا للتعاون بل حتى إمكانية توقيع ميثاق الشراكة بين الدول والمجتمع المدني في مجال حقوق الإنسان". في سياق مماثل، شدد وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، في كلمته التي ألقاها بحضور المفوض السامي لحقوق الإنسان ووزير خارجية البحرين، ضيف شرف "خلوة الرباط"، على "أهمية تملك الجميع لمرجعيات حقوق الإنسان، إذ إن شمولية وعالمية هذه الحقوق تقتضي مساهمة كل الدول في صياغتها وتطويرها بما يستوجب إدراك الأصول التاريخية في مشاركة دول الجنوب وبالخصوص الدول الإفريقية حين صياغة المرجعيات الدولية لحقوق الإنسان". وتابع قائلا إن "التأكيد على دور الدول الإفريقية على هذا النحو يأتي في سياق الأولوية التي تعطيها المملكة المغربية بقيادة جلالة الملك محمد السادس لانتمائها القاري"، موضحا أن "إفريقيا كانت شبه مغيبة خلال صياغة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان سنة 1948 وفي العهدين الدوليين الخاصين بالحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لسنة 1966". وأكد الدبلوماسي المغربي ذاته أن "الدول الإفريقية تطمح اليوم إلى أن تلعب دورا لا يقل أهمية عن نظيراتها من الدول في باقي القارات فيما يخص صياغة قواعد الجيل الجديد من حقوق الإنسان، كتلك المتعلقة بالتكنولوجيا الجديدة والبيئة والموروث الموحد للإنسانية. كما تتطلع إلى أن تكون كذلك من بين منتجي قواعد حقوق الإنسان لا مستهلكة لها فقط". وزاد شارحا: "إذا أخذنا أجندة مجلس حقوق الإنسان، فقد أصبح من الأهمية بما كان أن تعكس مداولات المجلس الأولويات الإفريقية؛ وذلك لإعطاء حيز أكبر للتداول حول الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بالتوازي مع باقي الحقوق. كما بات من الضروري أن تتفاعل أشغال المجلس بشكل أكبر مع المعيقات التي تقف أمام تحقيق التقدم في التنمية وتوفير بيئة مواتية للولوج إلى التكنولوجيا الحديثة. وخلص وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، في كلمته التي ألقاها على مسامع ممثلي عدد من الدول على رأسها الولاياتالمتحدة والصين وألمانيا وفرنسا وممثلي عدد من المنظمات الأخرى كمنظمة التعاون الإسلامي والاتحاد الأوروبي، إلى أن "إفريقيا اليوم تأبى أن تبقى حصريا موضوعا للمداولات والتخمينات الخارجية، وتتطلع أيضا إلى أن تكون فاعلا أساسيا على قدم المساواة مع الأطراف الدولية الأخرى، إذ لا بد من الاعتراف بالكفاءة ونجاعة التجارب والحلول المحلية الإفريقية في هذا السياق".