«التنصير، هذه الوثنية الخفية» كتاب قيم هادف نافع لنائب رئيس فرع رابطة علماء المغرب الناظور محمد أعراب وقد صدر الكتاب ضمن إصدارات فرع الرابطة، في طبعته الثالثة (1425 1426/2004 2005)، وهو عبارة عن رسالة علمية الغرض منها تصحيح العقيدة وتصفيتها من كل شائبة ودخيل عليها، وتحسيس العلماء بمسؤوليتهم الجسيمة نحو هذا التدمير العقدي التنصيري الذي ينتشر اليوم ويشيع بشكل لم يسبق له مثيل، واستنهاض همم العلماء للتفكير الجدي قصد مواجهة فعلية لإيقاف هذا الأخطبوط النصراني الخطير، وتأسيس جبهة علمية أو خلية علمية، تشتغل بالبحث لاستجلاء الأساليب والوسائل التي يتحرك بها ومنها المنصرون في الحواضر والبوادي والجبال والأدغال، لمحاصرتها ومعاكستها في الوقت المناسب. وهذا البحث يؤسس كما قال رئيس فرع رابطة علماء المغرب بالناظور ميمون بريسول لهذا العمل، ويخطط لما يمكن أن يقوم به علماؤنا في هذا المجال، انطلاقا من المواضيع التي يتضمنها والتي منها: مدخل عن دلالة الكون على وحدانية الله تعالى، مع التعريف بالتوحيد ونقيضه الشرك، وهو فصل مهم إثبات أنّ المسلمين هم المؤمنون حقا بعيسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأزكى التسليم الدلائل على أن الإسلام، والإسلام وحده، هو شاطئ الأمان للبشرية جمعاء، فلا خلاص لها مما تتردّى فيه من الضلالات والانحرافات والشقاء إلا تحت ظله الظليل. إذا كانت عقيدة التوحيد تعمر قلوب الموحدين إيمانا، وتزيح عنهم كل حجب الأوثان، وترفعهم من حضيض الشرك إلى علياء التوحيد ليحطوا رحالهم بساحة إلههم. رب العالمين، الذي أحاط بكل شيء علما، وهو على كل شيء قدير، راجين رحمة من لا يخيب عنده رجاء العباد؛ فإن عقيدة الشرك، تصادم الفطرة التي أودعها الله في النفس الإنسانية فيعيش المشرك صراعا مع نفسه أولا، وصداما مع غيره، ثانيا، متخذا وسطاء وشفعاء بينه وبين ربه، ليتحمّلوا عنه خطاياه كما زعم، ملتمسا عندهم حق الغفران! الشيء الذي يبعث المشركين على الإفساد في الأرض، ما داموا يعلمون أن غيرهم سيتحمل عنهم أوزارهم، كما زعموا!! حيث لا يستشعرون عظمة الإله الحق، ومراقبته لهم في كل حين، لأنهم محجوبون عنه بأوثانهم، محرومون من العصمة الإيمانية التي تمنعهم من مواقعة الظلم والشر والفجور. فضائل التوحيد ووبال الشرك وبين المؤلف دين التوحيد الذي جاء به جميع الرسل، والشرك الذي حذروا منه. فالتوحيد هو اعتقاد العبد أن الله هو الرب المتفرد بالخلق والرزق وتدبير الملك، وهو التوحيد في ربوبيته سبحانه. واعتقاد انفراد الله تعالى بالعظمة والجلال والجمال والكمال من جميع الوجوه، الذي لا يشاركه فيه مشارك، فهو القائم بأمر ملكوته وحده، رقيب على كل خلقه، لا يخفى عليه منهم شيء، مستو على عرشه العظيم، وهو قريب من عباده، معهم بعلمه في كل مكان، وهو على كل شيء قدير. وهو التوحيد في صفات الرب سبحانه. ويترتب على توحيده في ربوبيته وصفات كماله: توحيده في عبادته الذي هو حقه وحده على خلقه. فالعبادة حقه سبحانه ولا تصلح لأحد سواه. وذلك ما يوجبه العقل والشرع والفطرة، والإنسان لا يصلح إلا بعبادة ربه وحده، فإذا أشرك به فسد أمره، كما تفسد السماوات والأرض لو كان فيهما آلهة إلا الله فيجب على العباد إفراد الله جل وعلا بجميع أنواع العبادة التي لا يستحقها إلا هو، ومنها الدعاء والنذر والتوكل عليه وحده. وكما عرّف المؤلف التوحيد، عرّف الشّرك وقدّم أمثلة عليه؛ فالشرك هو صرف شيء من العبادة لغير الله، وهو الشرك في العبادة كمن جعل مع الله وسائط يرجو المغفرة بواسطتهم يدعوهم ويتكل عليهم، أو إثبات شيء من صفاته المختصة به سبحانه وتعالى لغيره، كاعتقاد النصارى الربوبية في عيسى عليه السلام وأمه مريم العذراء، حيث يلجأون إليهما طلبا للرزق وصحة البدن وطول العمر، وغير ذلك مما هو خاص بالله سبحانه وتعالى؛ وكذا من يصدق السحرة والكهنة فيما يخبرون عنه من المغيبات. وبين المؤلف كذلك خطر الشرك ومن عواقبه الهلاك وخلود المشركين في النار. وأوضح أنواع الشرك وأصوله، الشرك في عبادة الله، ومن أسبابه، الغلو في تقديس الصالحين ومحبتهم، »فالنصارى يحبون المسيح مع الله المحبة الندية المترتبة على اعتقادهم فيه لصفات الربوبية ونعوت الألوهية الخاصة بالخالق سبحانه وتعالى، فهي محبة الند مع الله، لذا فهي محبة فاسدة وباطلة، لأنها مترتبة على الشرك بالله، فالدعاوي ما لم تقم عليها بينات أبناؤها أدعياء!!« وكذلك اتخاذ هؤلاء الصالحين شفعاء عند الله، »وبهذا نعلم أن اتخاذ الوسطاء والشفعاء بين العباد وبين رب العالمين، سواء بدعائهم في الدنيا، من أجل استحصال المواهب والحاجات وتفريج الكربات، أو التماسا لشفاعتهم وطلب الغفران منهم وتقريبهم زلفه عنده سبحانه وتعالى في الآخرة، مما لا يملكه إلا الله وحده، نعلم أيضا أنه من الشرك الأكبر بالله المضاد لدين التوحيد، الذي جاء به جميع الرسل عليهم الصلاة والسلام« (ص 37) وبين المؤلف بالأدلة النقلية والعقلية أن المسلم الموحد يحيى في معية ربّه، بينما المشرك محجوب عن ربه بهؤلاء الوسائط الذين نصبهم أوثانا بينه وبين الخالق الأحد. الإيمان بجميع الرسل وأكد أنّ الإيمان لا يصحّ إلا بالإيمان بجميع الرسل »فإنّ الإيمان بجميع الرسل ركن من أركان الدين، لا يصح الإيمان بأحد منهم إلا بالإيمان بهم جميعا، فمن كفر بأحدهم فقد كفر بالجميع كما قال سبحانه وتعالى : (كذبت قوم نوحٍ المرسلين) (الشعراء: 105) فجعلهم مكذبين لجميع الرسل، مع أنه لم يكن رسول غيره حين كذبوه، لأن المضمون الذي جاؤوا به جميعا من الدين واحد، وإن اختلفت شرائعهم، ويتلقونه من مصدر واحد، فمحال تصديق بعضهم في هذا المضمون وتكذيب بعضهم في نفس المضمون (إنّ الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرّقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا أولئك هم الكافرون حقا) (النساء/ 150 151). ولذلك كان الإيمان بجميع الرسل سبب المحبة بين جميع البشر والهداية لصراط الله المستقيم والعكس بالعكس. فالإيمان بجميع الرسل حاجة فطرية ملحة، وضرورة لازمة للبشر لتكميلهم فيما تعجز عن إدراكه عقولهم من علوم الغيب، وما تصلح وترقى به أرواحهم نحو الكمال الإنساني من شرائع الخالق سبحانه لإعدادهم لما هم مقبلون عليه من حياة الخلود في عالم الآخرة. وقال سبحانه وتعالى : (ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظا مما ذكّروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة) (المائدة /14) أي أننا أخذنا العهود والمواثيق من الذين ادعوا أنهم نصارى متابعون للمسيح ابن مريم عليه السلام، وليسوا كذلك ، فقد أخذنا عليهم العهود والمواثيق على متابعة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ومناصرته، وعلى الإيمان بكل نبي يرسله الله إلى أهل الأرض، ففعلوا كما فعل اليهود: خالفوا المواثيق ونقضوا العهود، فألقينا بينهم العداوة والبغضاء لبعضهم بعضا إلى قيام الساعة، كما ذكر ابن كثير في تفسيره، »فالكفر ببعض الكتاب ونقض بعض عهوده يورثهم العداوة والبغضاء فيما بينهم وفيما بينهم وبين الناس بدل المحبة والوئام، وكفى بذلك ضلالا عن صراط الله المستقيم وبقائهم في الشقاق إلى يوم الدين (ص 48) »وبهذا يتضح أنّ المحبة الحقيقية بين كافة بني البشر في هذا العالم كله، إنما تتحقق حينما تجتمع أرواحهم وتتآلف على الإيمان بوحدة العقيدة السماوية التي جاء بها جميع الرسل وشرائعهم، فهنالك فقط تتحقق الروابط الراقية بين أبناء الإنسانية وبذلك فقط تتعالى الإنسانية عن علائق البهائم، وقد أثبت ذلك كل علماء الدنيا وعقلائها في الشرق والغرب على السواء« (ص 48). وتحدّث المؤلف عن الميثاق العظيم الذي أخذه الله على جميع الرّسل والأنبياء وأنه ميثاق واحد، وهو الإسلام، وهو ملة إبراهيم حنيفا، وهو دين التوحيد، ويتضمن إسلام الوجه لله وإخلاص العبادة له وحده، والبراءة من الشرك والمشركين فطبيعة دين الإسلام تأبى إلا أن تكون دينا واحدا ليس اثنين ولا ثلاثة، وإنما تعدد الأديان من طبيعة الشرك الذي تبرأ منه جميع الأنبياء. وأخبر سبحانه وتعالى أن التفرق في الدين من صفات المشركين في قوله عز وجل: (ولا تكونوا من المشركين من الذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون) (الروم /31 32). لذلك أخذ الله عليهم العهد جميعا وأوصاهم بأن يجتمعوا على الدين الواحد (الإسلام) وألا يتفرقوا فيه، قال عز وجل: (شرع لكم من الدين ما وصّى به نوحاً والذي أو حينا إليك وما وصّينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرّقوا فيه) (الشورى/ 13) ولما زعم كل من اليهود والنصارى، أن إبراهيم كان منهم، أنكر عليهم سبحانه وتعالى هذا الزعم ونفى أن يكون يهوديا أو نصرانيا وأخبر أنه ما كان إلاَّ مسلما حيث قال سبحانه وتعالى: (ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين) (آل عمران /67) ثم أخبر سبحانه وتعالى أن محمدا خاتم الأنبياء وأمته أولى بإبراهيم عليه السلام كما أنهم أولى بموسى وعيسى وبكل نبي منهم في قوله سبحانه وتعالى : (إنّ أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا، والله ولي المؤمنين ) (آل عمران 168) فكل من لقي الله على غير ملة الإسلام التي هي ملة إبراهيم فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين. تفنيد عقائد النصارى ومن فصول الكتاب المهمة فصل بعنوان »عيسى عليه السلام يبشر بمحمد صلى الله عليه وسلم« حيث »يتضح مما سبق أن الله أخذ العهد على جميع الرسل أن يؤمنوا بكل من يأتي بعدهم كما يؤمنون بمن تقدمهم، فهم جميعا من عند الله يصدق بعضهم بعضا. فكلما جاء رسول من عند الله آمن بمن سبقه وبشر بمن يأتي بعده، وكذلك فعل عيسى، فقد جاء في إنجيل يوحنا في الإصحاح 14: [قال: إذا سألتم شيئا فلسوف أفعله، وإذا كنتم تحبونني فاحفظوا وصاياي، وإني سوف أبتهل إلى الأب ليعطيكم معزيا أراكونا.. فار قليط آخر، ولسوف يبقى معكم حتى النهاية...]. وجاء في إنجيل يوحنا أيضا من الاصحاح 16 الفقرة 12 ما يلي: [... ولكن متى جاء روح الحق فلسوف يرشدكم الى الحقيقة، إذ هو لن ينطق من نفسه، ولكنه سيردد »مايسمعه، فيتحدث به ويخبركم بما آت، ولسوف يمجدني فهو يستقي من نبع ما استقيت ، ويخبركم به]. وأشارت الفقرة السابقة من نفس الإصحاح 16 إلى المعزي » الفارقليط« إلى أنه لن يأتي في عهد المسيح، بل بعده، وأنه متى جاء سوف [يؤنب العالم على خطاياه ويذكر بالتقوى وبيوم الحساب]، ومعنى المعزي: الترجمة لكلمة الفارقليط، ومعناه الحماد أو الحامد (أي كثير الحمد)، والفار قليط مركبة من كلمتين (فارق) (ليط)، و (فارق) معناه: معزي أو مخلص، والمقطع الثاني منها تأكيد للأول، ومعناه (هو). فيكون المعنى (المخلص هو) « (ص 56 - 57 »ومعنى ما جاء في الفقرة 15 من الإصحاح 14 أنه يشير الى المعزي) وهي بمعنى (فارقليط)، أي أن المسيح سيطلب من الله أن يعطيه معزيا آخر يثبت معهم الى الأبد، وأن هذا المعزي هو (روح الحق)، والمعنى أن (رسولا) آخر سيأتي بعد عيسى عليه السلام، ويحمل الى العالم رسالة تثبت بين الناس إلى الأبد.. وهذا المعنى ينطبق على محمد صلى الله عليه وسلم بمعنى أن يوحنا في إنجيله بشر برسول يأتي بعد المسيح، وتبقى رسالته إلى الأبد (وهي القرآن). هذا مما ورد في الإنجيل«. كما جاء التبشير بمحمد صلى الله عليه وسلم آخر الرسل في التوراة أيضا. ففي سفر التثنية الإصحاح [أقيم لهم نبيا من وسط إخوانهم مثلك، وأجعل كلامي في فمه فيكلمهم بكل ما أوصيه به]. ومعنى هذا ، أن الإنجيل والتوراة قد لفتا الأنظار بنوع خاص إلى نبي أورسول سيأتي بعد موسى وبعد عيسى، لايتكلم من نفسه، بل ينقل ما يسمع، ولقد زاد إنجيل يوحنا، فوصف هذا الرسول ب (روح الحق)، و (الحق) هو من أسماء الله، و (روح الحق) هو رسول الحق، وقد ذكر القرآن أيضا بشارة عيسى بمحمد، فقال: وإذ قال عيسى ابن مريم يابني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد، فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين لم [الصف: 6]. وهكذا تضافرت كل الكتب السماوية على التبشير بآخر الرسل والأنبياء، محمد صلى الله عليه وسلم، بل قد قرن القرآن بشارة عيسى به بالتصديق بمن قبله، ومنهم موسى عليه السلام والتوراة التي أنزلت عليه، فيستفاد من ذلك عدم صحة التصديق بالثوراة والإنجيل إلا مع التصديق بمحمد صلى الله عليه وسلم، الذي جاء ذكره والبشارة به في أعظم الكتب السماوية جميعا: التوراة والإنجيل والقرآن ، فتأمل الآية السابقة . وكان اليهود قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم يذكرونه في كتابهم ويتوعدون به المشركين أنه إذا جاء سيقتلونهم معه، فلما جاءهم ما عرفوا كتموا أمره حسدا له من عند أنفسهم، فسجل الله عليهم لعنته في أعظم كتبه يتلى إلى يوم القيامة وهو القرآن، فقال سبحانه وتعالى: (ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين ) [البقرة 89]. وقد أكد عيسى عليه السلام على بشريته ونفي الألوهية عن نفسه ، روى يوحنا في إنجيله فصل 17 قول عيسى [وهذه هي الحياة، الأبدية أن يعرفوك، أنت الإله الحقيقي وحدك، ويسوع المسيح الذي أرسلته). ويعلق العلامة محمد رشيد رضا على النص السابق بقوله: »لو لم يكن عندهم من النصوص في عقيدة التوحيد التي جاء بها المسيح عليه السلام إلا هذا النص الذي رواه يوحنا في إنجيله المذكور من فصل 17 لكفى« (تفسير المنار، ص 94). وفي الباب 19 من إنجيل متى رقم 16 و 17 : [وإذا واحد تقدم وقال له: أيها المعلم الصالح، أي صلاح أعمل لتكون لي الحياة الأبدية؟ فقال له: لماذا تدعوني صالحا؟ ليس أحد صالحا إلا واحدا وهو الله]. قال المؤلف: لم يرض عيسى عليه السلام منهم بهذا الوصف الذي هو كمال الصلاح، فكيف بمن يدعي فيه الألوهية؟! »فعلم من هذا كله أن التوحيد الخالص هو العقيدة المعقولة التي جاء بها عيسى عليه السلام، وأكد وصاياه عليها، كجميع إخوانه المرسلين من قبله ومن بعده. فهل ما عند النصارى اليوم مطابق لهذا الدين الذي جاء به نبي الله عيسى عليه السلام؟ ومجمل الجواب - قبل التفصيل - أن النصاري معروف عليهم أنهم أصحاب دين التثليث، وهو ضد دين التوحيد الذي جاء به عيسى كما بين سابقا« (ص 62). وذكر المؤلف عقائد النصارى وأنَّ عقيدة التثليث كانت دين الأمم الوثنية في زمن عيسى وبعده، وليست من دين عيسى عليه السلام، فالتثليث كان الديانة الشائعة عند الأمم الوثنية في أكثر مناطق الدنيا في تلك الأزمان، والتي كانت تحتك كثيراً بالمسيحية، فعند اليونان مثلا نجد أرفيوس، أحد كتاب اليونان وشعرائهم وعلمائهم، (...) وعند المصريين نجد ديانة التثليث هي الشائعة فيهم، (...) ونقل عن الكلدانيين والآشوريين والفنيقيين، الإيمان، بالكلمة على أنها ذات تُعبد، (...) وعند الهنود، قال »موريس« في كتابه الآثار الهندية القديمة ص 35 ما ترجمته: »كان عند أكثر الأمم الوثنية تعاليم دينية جاء فيها القول باللاهوت الثلاثي أو الثالوثي« (ص 65 - 66). وتحدّث المؤلف عن المرحلة الأولى من مراحل تغيير دين المسيح عليه السلام حيث كان بولس أوّل من ابتدع اللاهوت والناسوت في شأن المسيح عليه السلام. فقد كان بولس (شاؤول اليهودي) عدواً لدودا للمسيح وأتباعه، ولم يكن من حواريي المسيح، ولم يتحوّل إلى المسيحية إلا بعد رفع عيسى عليه السلام (أي بعد صلبه وقتله في زعمهم) وأعلن فكرة (المسيح ابن الله). قال العلامة أحمد طاهر في كتابه الأناجيل: دراسة مقارنة »لم تظهر فكرة التثليث إلا في أيام بولس الذي ابتدعها، ثم أتى »أثنا سيوس« فألبسها ثوبها النّهائي (في حوالي 325 بعد الميلاد)، ولم يُشر الإنجيل إطلاقا الى التثليث، والتثليث معناه (حسب زعمهم) أن الإله الواحد يتكون من ثلاثة أشخاص: الأب والإبن وروح القدس، وكل شخص من هذه الأشخاص كائن قائم بذاته منفصل عن غيره، وعلى هذا يذهب أصحاب (مذهب الأثناسيوس) إلى أن الأب إله، والإبن إله، والروح القدس إله، وأنهم ليسوا ثلاثة، بل إله واحد، وهذا المذهب لم يفهمه أحد حتى أصحابه، بل حتى أثناسيوس نفسه، فقد قال في مكان آخر: »إنه عندما يمعن الفكر في ألوهية عيسى، يشعر بإجهادٍ كبير، وأن جهده الذي يبذله لا يأتي بنتيجة معقولة، بل يرتد إليه...«. قال المؤلف: إذا كان الذين وضعوا هذا المذهب هم أنفسهم يعترفون بعجزهم عن فهمه، فكيف يسوغ للمنصرين دعوة الناس إلى ما لا يفهمونه هم أنفسهم، فالاشتغال بالدعوة إلى هذه العقيدة المزيفة مضيعة للوقت وإهدار للطاقات والجهود وإهلاك للناس في الدنيا والآخرة« (ص 69). وأوضح المؤلف أنّ عقيدة التثليث لا تشرف عيسى عليه السلام بل يتبرأ منها، لأنها عقيدة تُغضب الله تعالى ولا ترضيه فهي ظلم في حقه سبحانه بسبب الإشراك به كما قال تعالى: (إنّ الشرك لظلم عظيم) {لقمان: 13}، ولا تشرف عيسى عليه السلام بل يتبرّأ منها. والمسلمون هم الذين يشرّفون عيسى بن مريم بإنزالهم إيّاه في منزلته الحقيقية، وهي أنه رسول الله وبشر مخلوق. وهو ما كان عليه المسيحيون الأوائل الذين اهتموا كل الاهتمام بتأكيد إنسانية المسيح، أي انتمائه إلى بني البشر، وينادون، كما تقول دائرة المعارف البريطانية (ص 1024) بأن عيسى الناصري كان رجلا عاديا، وأنه تشرف بالرسالة. وهو ما أكده عيسى عليه السلام نفسه في وصاياه كما جاء في إنجيل »برنابا« (94 1): [إني أَشهد أمام السماء وأُشهِد كل ساكن في الأرض أني بريء من كل ما قال الناس عني من أني أعظم من بشر، لأني بشر مولود من امرأة، وعرضه لحكم الله«. وقد كشف علماء المسيحيين والمسلمين زيف تعاليم بولس. فلقد كتب أرانيوس 130 200 يؤيد الوحدانية الصافية ويعارض بولس لإدخاله بعض التعاليم الرومانية الوثنية والفلسفة الأفلاطونية إلى المسيحية.. ومن علماء المسلمين الذين كشفوا زيف تعاليم بولس العلامة محمد رشيد رضا إذ قال »إنهم نقلوا عن المسيح عليه السلام أنه ما جاء لينقض الناموس (شريعة موسى) وإنما جاء ليتممها، لكن مقدسهم (بولس) نقضها حجرا حجرا، ولبنة لبنة، فأسس لهم دينا جديدا لا يتفق مع دين المسيح في عقائده، ولا في أحكامه ولا في آدابه« (ص 72) ثم انتقل المؤلف إلى الحديث عن المرحلة الثانية من مراحل تغيير دين المسيح عليه السلام (مؤتمر نيقيا)، وكيف حصلت العودة الى التوحيد، ثم الرّدة مرّة أخرى عنه إلى التثليث، وكيف أدخل الأوروبيون القدماء على وثنيتهم اسم المسيح فأسموها (المسيحية) وجعلوا عيسى أحد آلهة الثالوث، وكيف قارن الباحثون في الغرب ديانات الأمم الوثنية قديما بتعاليم الكنيسة ونتائج ذلك، وإبطال دعوى النصارى في ادعاء الولد لله سبحانه وتعالى وأنه إله معه، وبطلان عقيدة الصلب والفداء عندهم، وذكر الأدلّة من أناجيلهم وعلمائهم على أن عيسى عبد الله ورسوله وخلق من خلقه، وبيان أنّ نسبة الولد لله شتم له سبحانه وتنقص لكما له، ونداء القرآن الكريم لأهل الكتاب ألاّ يتبعوا القوم الذين بدّلوا دين المسيح عليه السلام، ومعنى المسيح المنتظر عند اليهود والنصارى والمسلمين، ووسطية موقف المسلمين من عيسى عليه السلام بين اليهود والنصارى، ومدى تصارع طوائف المنصرين على المغرب الذي ظل قلعة منيعة ضد الغزاة الصليبيين عبر الصراع التاريخي بين النصرانية والإسلام، والمخططات السرية لبروتوكولات قساوسة التنصير، إلى غير ذلك من الموضوعات المهمّة التي تطرّق إليها المؤلف بتركيز وإقناع في نفس الوقت.