هوية بريس – الجمعة 10 أبريل 2015 الشرع لا ينفك عن العقل، والعقل يحتاج إلى الشرع ويهرع إليه. بل الشرع بمثابة المادة والعقل بمثابة المحرك لها. والذي يفرض تعارضا بينهما إنما يعارض بين متلازمين، وقد عُلم أن المتلازمين لا يمكن فصلهما. لا يُمكن بحال من الأحوال تصور مسألة من مسائل الشريعة خارج مدارك العقل وتعقلاته… فكل قضية شرعية فيها إعمال للعقل ولا بد. ولكن هذا العقل الذي نتحدث عنه هو العقل الذي تربى في حضن العلوم الشرعية ورضع من ثدي الفكر الإسلامي، وأُشرب تعاليم الإسلام، وانطبعت في صوره ومِخْياله مقاصد الشرع… عقْل كهذا لن يجد أبدا تعارضا أو تناقضا بينه وبين الشرع الذي غذاه ورباه؛ لأنهما متلازمان في كل عملية شرعية، وفي كل تفكير واجتهاد… فالشرع يبني العقل المسلم ويكونه. (وكذا كل نظام فكري يفعل الشيء نفسه مع العقل المنتسب إليه)… فالعقل الشرعي يرتكز على مقولات ومبادئ مستقاة من روح الشرع ومقاصده… مثال: قد وعيَ العقل الإسلامي وتعقّلَ جيدا أن "الغرر" مدفوع مفروض عن كل تعامل بشري، في البيع والنكاح وغيرهما… فكان كل معاملة فيها غرر حقيقي محكوم عليها بالمنع، ولا يحتاج معها العقل إلى دليل من الوحي منصوص، لأن الوحي شكل له هذه المعقولية… وهكذا نقول في جميع الكليات التي هي مطوية في عقل المسلم، كالاحتكار والربح الفاحش… أما العقل اللبرالي -مثلا- فلا يستطيع تعقل هذه الكليات؛ لأنها غريبة من فكره وبيئته ودينه ومجتمعه، بل هو يرى من العقل والمنطق أن يبيع الإنسان كيفما شاء وأن يتعامل كيفما شاء طالما هناك رضا بين الطرفين المتعاقدين، ولا يهم هل هناك غرر أو احتكار أو مخالفة دينية… وقد أعجبني قول أحد العلماء قديما وهو يتحدث عن ثنائية العقل والشرع، قال: ((فالشرع عقل من خارج، والعقل شرع من داخل، وهما متعاضدان، بل متحدان)). وهي مقولة قد تختصر لنا علاقة العقل بالشرع، فهي علاقة تلازمية وجوبية غير انفكاكية أبدا. ولْيُستأنس في هذا المجال بكتاب: "درء تعارض العقل والنقل" لابن تيمية رحمه الله. والله الموفق للصواب.