دع الربيع يستوطن أحشاءك الخاوية! واد غير ذي زرع ذاك الذي قد أسكنت فيه روحك، فصرت تئن من غياب الطلع، وتشكو وخزات العوسج ولدغات الهجيرة.. تسري بعينك؛ فلا ترى غير العسر راخيا سدوله؛ يقضم ما تبقى فيك منك ومن أملك في الحياة، وتعرج بها إلى معاقل الضنك ومخاطم الوساوس والظنون، فتزيدك الحيرة حيرة، وتخطّفك كلاليب السبل ومهاميز نفسك الأمارة وخطاطيف سوء الظن بالله.. قد دحض عنك النور، وهجرتك البركة، وصار صبحك كليلك يشكو العتمة، ويسبح في اليأس والخوف، وتمزقه صرخاتك المكتومة التي تسائل الحياة بصيص حياة.. قبس من الوحي يزرع البيداء زنابق، ويبدد الياسمينُ أشواكَ الغردق النابت فيك، ويجعل من العارض مزنةً تسقي ما استقحل فيك، وينبت الربيع في أحشائك الخاوية.. تدفئك أنوار التنزيل، وتسري فيك السكينة، وتستعيد ملامح الإنسان الكادح إلى ربه كدحا وقد استشرفه اللقاء.. وتأتيك مفاتيح ما استغلق عليك، وترتقي إلى العلياء فتتعطر بما تعطر به مثلك الأعلى، والملأ الأعلى، والصحبة العلية.. يرقع أسمالك الخلقة، ويرتق فتوق خطوك المبعثر، ويحيل غربتك أشواقا منثالة إلى منزل الوحي سبحانه وإلى من نُزِّل عليه، صلى الله عليه وسلم تسليما.. وما أنزل عليه ليشقى.. ولا لنشقى..