الأربعاء 24 دجنبر 2014 لم يعد سرا وجود علاقة وطيدة بين اليود ورافضة طهران، فما حاولت إيران و"إسرائيل" إخفاءه على مدى العقود الماضية، من خلال التظاهر بالعداء الشديد بينها، عبر حرب التصريحات النارية الإعلامية، والشعارات المخادعة كشعار "الموت لإسرائيل"، انكشف مؤخرا وخاصة بعد اندلاع الثورة السورية. ومن يرجع بذاكرته إلى الوراء قليلا يستطيع استنتاج ذلك، فرغم الكم الهائل من التهديدات الأمريكية والإسرائيلية لضرب طهران، إلا أنها في النهاية لا تضرب إلا العرب والمسلمين، وعلى الرغم من قدرة "إسرائيل" وأمريكا من قتل قادة ما يسمى "المقاومة اللبنانية" وعلى رأسهم "حسن نصر الله" وغيره، حيث إن طائراتها حلقت فوق بيوت كثير منهم، إلا أنها لا تقتل إلا قادة المقاومة السنية الفلسطينية. إن الحقائق كلها تشير إلى تجذر العلاقة بين طهران والكيان الصهيوني، وإلى نموها وزيادة حميميتها يوما بعد يوم، ولما لا وأصول العقائد -خاصة تلك المتعلقة بآخر الزمان والغائب المنتظر- متقاربة إن لم نقل متطابقة، والعدو بينهما مشترك أيضا وهم المسلمون من أهل السنة!! وإذا أردنا أن نذكر الأدلة على هذه العلاقة فلن نجد متسعا من الوقت لذكرها، ويكفي أن نعلم أن صحيفة "يديعوت أحرنوت" تقول: أن أكثر من 30 مليار دولار حجم الاستثمارات "الإسرائيلية" داخل الأراضي الإيرانية، كما أن كنائس اليهود في طهران وحدها تجاوزت 200 معبد يهودي، وأن في إيران ما يقرب من 30000 يهودي، وبذلك تعتبر إيران أكبر دولة تضم تجمعات كبيرة لليهود خارج الكيان الصهيوني. ومن الأدلة الجديدة – التي تظهر بشكل مستمر لتؤكد هذه العلاقة – تشييد السلطات الإيرانية مؤخرًا نصبًا تذكاريًّا لجنود يهود إيرانيين سقطوا في الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988)، تلك الحرب الطاحنة التي خلفت أكثر من مليون قتيل لكلا البلدين. وتم ذلك خلال المراسم التي أقيمت في مطلع الأسبوع الماضي بمشاركة مساعد الرئيس الإيراني لشؤون الأقليات القومية والدينية علي يونسي، وقد أثارت هذه المراسم انتباه وسائل إعلام غربية و"إسرائيلية"، بما فيها صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، حيث نشرت تقريرًا بقلم "Ishaan Tharoor" سلطت من خلاله الضوء على تفاصيل الحفل الرسمي الإيراني تكريمًا لجنودها اليهود. وقد شهد الحفل افتتاح نصب تذكاري عام، تخللته خطابات لمسؤولين حكوميين من على منصة خصصت لهذا الغرض محاطة بالعلم الإيراني والشمعدان اليهودي. كما علقت لافتات وصور الجنود الذين سقطوا في الحرب، وكتابات بالفارسية والعبرية تشيد بما وصفتهم ب"الشهداء"، حسب التقرير. ورغم أن تقرير "واشنطن بوست" اعتبر أن الاحتفال شكَّل مفاجأة لأولئك الذين تعودوا على الخطاب الروتيني للجمهورية الإسلامية الموجه ضد "إسرائيل"، ووصفه ب"النظام الصهيوني" الذي يرفض النظام الديني في طهران الاعتراف به، إلا أن الحقيقة ليست كذلك، فالتصريحات العدائية الإعلامية بين الطرفين لم يعد يصدقها أحد. ويرى كاتب التقرير أن الحكومة الإيرانية تهدف من وراء هذه المراسم إلى أن تظهر بأن استمرار السكان اليهود الإيرانيين في العيش في البلاد يشكل علامة التنوع في التقاليد واحترام الحكومة لتاريخ البلاد، حيث يستند كتاب أستير من العهد القديم إلى حضورها في بلاد فارس القديمة، وهي الأساس لمهرجان اليهود في عيد "يوم بوريم". وفي هذا الحفل، أدلى محمد حسن أبو ترابي فرد، نائب رئيس البرلمان الإيراني، بتصريحات أشاد فيها بالجالية اليهودية في دعم إنشاء الجمهورية الإسلامية وطاعتها للمرشد الأعلى للثورة، معتبرًا ذلك بمثابة "أواصر مستلهمة من تعاليم الأديان السماوية". وإذا أضفنا إلى دليل النصب التذكاري اصطحاب الرئيس الإيراني – خلال رحلة إلى نيويورك العام الماضي – العضو اليهودي الوحيد في البرلمان، ناهيك عن تقديم الرئيس الإيراني في حسابه على "تويتر" التهاني بمناسبة العام اليهودي الجديد، فإن العلاقة تبدو ثابتة لا تقبل أي شك. وإذا أخذنا بعين الاعتبار علاقة الرئيس "الإسرائيلي" "موشيه كاتساف" الإيراني من يهود أصفهان الودية والحميمية بالرئيس الإيراني السابق نجاد وبخامنئي وقادة الحرس الثوري، فإن العلاقة لا تحتاج إلى أدلة أكثر من ذلك.