هوية بريس – الأربعاء 12 نونبر 2014 إن التدريب مهم جدا في الحياة العملية وفي كل نواحيها سواء منها العمل التربوي أو الاقتصادي أو السياسي أو الاجتماعي أو التنموي أو الدعوي أو غيرها من مجالات الحياة. لذلك فإن الدول المتقدمة أولته أهمية كبرى في مخططاتها، فلا تكاد تجد دولة في الريادة إلا وقد وضعت التدريب الجاد والهادف من ضمن أولى أولوياتها، بل لا تكاد تجد مؤسسة تقود في مجالها إلا والتدريب عندها محوري وجوهري وأساسي، أكثر من ذلك فإن الناجحين في العالم اليوم الذين يشيدون أسوار الحضارة ويصنعون الحياة والذين لا يتجاوزون 2% حسب إحصائيات رجال التخطيط والتمية البشرية فهم من المتدربين أهل المهارة والخبرة في مجالاتهم أكثر من غيرهم غالبا. والتدريب حقيقة هو إحدى شقي التأهيل إذ التأهيل يتضمن ما هو نظري معرفي وما هو عملي تطبيقي، وكثيرا ما ألفت الكتب وأقيمت المؤتمرات والندوات في الشق الأول بينما الشق الثاني في أمتنا لم يحض بما يستحق من أهمية رغم عظم مكانته وخطورته؟ فما التدريب؟ وأين تتجلى أهميته؟ وما وسائله؟ * التدريب في اللغة التعود والتمرن، فنقول دربت فلان على الشيء أي عودته ومرنته كما في المعجم الوسيط. * أما اصطلاحا فهو مجموعة من البرامج المهتمة بالتعليم وتحسين المهارة الفنية ليؤدي المتدرب إنجازا أفضل. (دليل التنمية البشرية). وهو كذلك مجموعة من النشاطات التي تعلم المتدربين وتحفزهم وتثري قيمهم، وترتفع بمستويات تفكيرهم، وتحسن مهاراتهم القيادية والأساليب التي يتبعونها. (التدريب في العمل الإسلامي للدكتور محمد موسى الشريف). والتدريب يتميز عن ما هو نظري معرفي لكونه تطبيق عملي، وهو كذلك يسبقه التخطيط وليس هناك برنامج تدريبي موحد يمكن أن يناسب جميع المتدربين على تنوع مشاربهم واختلافها، بل قد يناسب مجموعة ولا يناسب أخرى، فلذلك نجد التنوع والتعدد في التدريبات. وهناك فجوة كبيرة في عالمنا الإسلامي والعربي المعاصر بين التدريب والتطبيق فكم من أفواج المتخرجين في مجال من المجالات يجد نفسه يعمل في مجال آخر، فهذا أستاذ متخرج في مادة الرياضيات تجده يدرس علوم الحياة والأرض أو العكس، وهذا متخرج في مادة الجغرافيا تجده يدرس مادة التاريخ أو العكس، بل قد تجده أنفق ربيع عمره في تعلم ودراسة الهندسة النووية لسنوات طويلة وحاز أعظم الشهادات في الغرب، لكن حين عاد إلى بلاده صدم بالحقيقة المرة بعدم وجود هذا التخصص في موطنه. ويمكننا أن نسأل أساتذة الذرة المسلمين وغيرهم في كذا تخصصات الذين نالوا أعظم الشهادات بعد جهد جهيد وعمل مضن، بعد كد ومشقة في المهجر وحين عادوا إلى أوطانهم اصيبوا بكثير من الاحباط واللامبالاة وفضلوا الرجوع أو قل البقاء في عسل الغرب الممزوج بالسم، على أن يعود إلى قطران وعلقم بلادهم. وفي ميدان التعليم عندنا والذي من المفروض أن يعطي التدريب حقه ومستحقه، وتكون له الريادة في ضرب الأمثلة الحية في التطبيق العملي لما تمت دراسته نظريا تجد العجب العجاب، والاستخفاف بأجيال تلوى الأجيال، فهذا أستاذ مادة الاجتماعيات يدرس العلوم وهذا أستاذ التربية الإسلامية يدرس اللغة والعكس وهذا طالب متخرج من الجامعة التي تشحن بالنظري توكل إليه مهمة تدريس فلذات أكبادنا وأنوار أبصارنا دون أدنى تدريب وكأن ما قام به الأساتذة المتدربون من تكوينات وتداريب في المركز الخاصة خلال فترة التكوين ما هي إلا مضيعة للوقت والجهد والمال؟؟ ما هذا العبث؟؟ وبعدها نتساءل لماذا تدنى المستوى الدراسي؟؟ ولماذا لا يتعلم المتعلمون؟؟ ولماذا ولماذا؟؟ أما في السياسة والاقتصاد وغيرها فحدث كذلك ولا حرج؟؟؟ فهذا "سياسي" لا يستطيع إدارة وتسيير شؤون منزله وبيته حتى فتوكل إليه للأسف الشديد تسير جماعة بكاملها، ونتساءل بعدها أين تنمية الجماعة وأين…؟ ولماذا كذا وكذا؟؟؟ وللتدريب أهمية كبرى في الحياة: √ اكتساب معلومات جديدة والتعمق أكثر فيما تم اكتسابه نظريا. لا شك أن المعلومات النظرية التي اكتسبها الموظف في وظيفة ما سواء في التعليم أو الصحة أو غيرهما تتآكل مع مرور الأيام، ولولا التدريب العملي لما حقق حتى الحد الأدنى مما يجب أن يحققه، لكن التدريب يجعل المعلومة متجددة والمهارة متقنة…. √التدريب طريق إلى استيعاب التقنية الحديثة أكثر. والتي تتجدد في كل يوم أو قل كل ساعة مما يحتم علينا التجدد والتزود على الدوام… وقد صدقوا لما قالوا: "من لا يتجدد يتبدد، ومن لا يتطور يتدهور، ومن لا يتقدم يتقادم"… √التدريب طريق الارتقاء والتقدم: فالأمة التي تسعى إلى التقدم والازدهار تولي أهمية كبيرة للتدريب العملي فانظر إلى الدول الغربية وما توليه للتدريب من أهمية بالغة تعرف سر نهضتها ورقيها في مجالات الصناعة والتقانة وغيرها، فها هي أمريكا حسب بعض الاحصائيات تنفق على التدريب حكومة وشعبا ما يفوق 120 مليار دولار سنويا، فماذا ننفق نحن؟؟…. √التدريب يشمل كل نواحي الحياة غالبا، فنحتاج إلى من يعلمنا عمليا : فن الحوار وفن الصمت، ومهارة الالقاء والخطابة، وفن ترتيب الوقت والأولويات، وفن التفويض والإنجاز، وفن التخطيط والبرمجة وكيفية الارتقاء والنجاح، وسبل التفوق والتميز وهلم جرا…. √الثقة في النفس وتنمية قدراتها وطاقاتها: فالتدريب سبيل لازم ومهم لاكتساب الثقة في النفس، فالإنسان مجبول على الخوف مما يوكل إليه لأول مرة غالبا، ولكن إن درب على ما هو مقدم عليه زال عنه ما يجد من خوف وهلع… ولنا في قصة سيدنا موسى عليه السلام القدوة والمثال، فقد فر من الحية أولا وأوجس في نفسه خيفة ثانيا لكنه اطمئن إلى ذلك ثالثا، وقصته مسطرة عندنا في القرآن الكريم لمن أراد أن يستفيد ويتعظ… √التدريب سبيل إلى تجاوز العثرات وسد الثغرات، وتفادي النكبات… فبه نتعلم اللغات والفنون والخبرات والمهارات وغيرها… √والتدريب يوفر الوقت والجهد والمال،… فبالتدريب كم ننجز في أقل وقت وجهد ومال مع الإتقان… فننفق ساعات من التدريب من أجل أيام بل شهورا وأعواما من الإنجاز والإتقان… √وبالتدريب نتقن ونحسن العمل والإنجاز ونحس به ونقدره، فالمتدربون أكثر الناس إتقانا وإحسانا للعمل… لا يعرف الشوق إلا من يكابده***ولا الصبابة إلا من يعانيها √... وللتدريب وسائل متنوعة ومتعددة بتعدد الأفكار والمنهج والقدرات ومنها: إنشاء مراكز خاصة بالتدريب، والأعمال التطبيقية، إدماج العملي التطبيقي مع النظري في الجامعات والمعاهد والمؤسسات بأنواعها.. ورد الاعتبار إلى التدريب في الأسر والمدارس والمنظمات الميدانية والمساجد وغيرها قبل كل شيء، لا ننسى ما لوسائل الإعلام الحديثة من أهمية بالغة وفارقة في عملية التدريب سواء منها الحواسب أو شبكة الأنترنيت أو القنوات الفضائية والإذاعية أو…. ولا يفوتنا أن نذكر أن التدريب من صميم ديننا وهويتنا وثقافتنا ويجب علينا أن نهتم به غاية الأهمية، فها هو الله سبحانه وجل في علاه يعد جميع الأنبياء للأمر الجلل أمر الرسالة والدعوة إلى الله وذلك من خلال تعلمهم وتدريبهم على أمور متعدد يحتاجونها وكمثال لا الحصر تربيتهم وتكوينهم انطلاقا من رعي الغنم فما من نبي إلا ورعى الغنم كما أخبرنا الصادق المصدوق، وذلك ليتعلموا تحمل المسؤولية والرحمة والصبر والجلد والانتباه واليقظة وغيرها من القيم السامية التي من شأنها إعداد القادة أولي العزم والحزم… وختاما التدريب ارتقاء دائم وصعود مستمر وربح للجهد والمال والإتقان وهو سبيل كل الماهرين الأقوياء، أهل القيادة الريادة في هذا العالم، ولا يمكننا أن نرتقي وننهض بذواتنا أولا ونسمو بأمتنا ثانيا إلا على مركبة التدريب الهادف وسكة الأجرأة والتطبيق، ولا يمكننا كذلك أن نلحق أمتنا بمصاف الدول المتحضرة العاملة المبدعة، والتي ليست عالة على باقي الأمم، إلا إذا ألينا للتدريب ما يستحق من عناية فائقة وأهمية بالغة في كل المجالات، وأهتمننا بشقي رحى التقدم والارتقاء المتمثلة في العلم النظري المفيد والآخر العملي التطبيقي الهادف… فمتى ندرك هاته الدروس ونهتم بالتدريب العملي الفعال، لنساهم عمليا في الارتقاء بأنفسنا ومن خلالها نهضة هذه الأمة الخيرة؟ [email protected]